Home»Correspondants» » التقويم الأمازيغي من منظور العلوم الاجتماعية: ملاحظات منهجية « 

 » التقويم الأمازيغي من منظور العلوم الاجتماعية: ملاحظات منهجية « 

0
Shares
PinterestGoogle+

 » التقويم الأمازيغي من منظور العلوم الاجتماعية:
ملاحظات منهجية  »

بقلم: بلقاسم الجطاري

   ليس في نيتنا أن نخوض، من خلال هذه المساهمة، إلى عمق الأسئلة المنبثقة عن العنوان أعلاه، لأن ذلك يقتضي جهدا تاريخيا ورصانة منهجية ودقة في توظيف المصطلحات والمفاهيم، وهو ما يصعب إدراكه والعمل بمقتضاه في هذا المقام، لاعتبارات مختلفة، أحدها وجوب احترام ضوابط المسافة القولية لهذه المساهمة، وكذا الحرص على « تلطيف » المناخ الثقافي والفكري الذي يجري فيه هذا الإحتفال الوطني ، من حَر النزوع الأكاديمي الصارم الذي قد يحرم غير الجامعيين من تتبع النقاش، والمشاركة في إثرائه بالملاحظات والتساؤلات.
ليس في نيتنا أيضا أن نثير الموضوع من زاوية الدفاع عن ضرورة الاعتراف الرسمي بالتقويم الأمازيغي، وما يستتبع ذلك من قضايا تشريعية-سياسية، فقد سبقنا إلى ذلك غيرنا من الباحثين والمهتمين والمدافعين عن الثقافة الأمازيغية، حتى كادت أقلامهم تَجِف، وحناجرهم تَبَح. ونحن، في حقيقة الأمر، لا نرى من فائدة في اجترار الجدال في موضوع تسويغ الاحتفال الرسمي بالسنة الأمازيغية؛ لأننا نعتقد أن التهميش الطويل الذي طال الأمازيغية يكفي ويزيد ليحثنا جميعا على مسارعة الخطى في طريق رفع الحيف عنها، ومباركة الخطوات التي تروم إحياء صيغ التعبير الثقافي الأمازيغي.
سنخوض، بكثير من الإيجاز، في موضوع يطوف بالنقاش الجاري في الموضوع، ولكن من زاوية غير زاوية الترافع والتأصيل، وتحديدا من زاوية مساءلة الممكن والمتاح من المعرفة العلمية في الموضوع، وذلك من خلال استدعاء العلوم الاجتماعية إلى حلبة النقاش. ووضع الأصبع على القضايا والمطالب والمحاذير التي يجب استحضارها أثناء الحديث عن التقويم الأمازيغي، وما يدور في فلكه من أسئلة وإشكالات

.
1-    الأنثروبولوجيا: غوص إلى البنيات لفهم دورة الحياة.
يرتبط التقويم الأمازيغي، كما هو معروف لدى الدارسين، بعدد غير يسير من أشكال التعبير السوسيوثقافي، منها الطقوسي والاحتفالي والديني والأدبي والغنائي…، ذلك أن الباحث في مثل هذا الموضوع يجب أن يمتلك حدا أدنى من المدخرات المعرفية التي تمكنه من الإمساك بصيغ تحقق هذه الأشكال، وفهم آليات اشتغال الخطاب الذي أنتجته الجماعة، ثم تفسير ما يحايثها من السلوكات والتصرفات التي تهدف إلى تمتين أواصر العلاقة بين أفراد الجماعة الواحدة.
يعرف الدارسون أيضا وفرة أشكال التعبير التي أفرزها التقويم الأمازيغي بموازاة وظيفته الزمنية، وهي أشكال تعبير نشأت في ظل بيئة زراعية بادية للعيان، منها ما تشكل في سياق تقسيم السنة إلى « مْنْزْلات » (المنازل القمرية Des maisons lunaires)، بحيث تكاثفت في محيط كل منزلة تمثلات سوسيوايكولوجية تخص تدبير الغرس والبذور وطرق الري والتسميد وما جاوره، تم سبكها في هيأة تعبيرات مثليةDes expressions proverbiales  أمازيغية وعامية، كما تم حفظ الكثير منها في ذاكرات شيوخ ذوي خبرة في المجال الفلاحي. وهي عموما مواضيع تقليدية لما يصطلح على تسميته « العلوم الشعبية Les ethnosciences ».
ماذا بقي من هذا الموروث؟ وهل يفيد النفخ في جذوة تخبو؟ من المؤكد أن معظم هذه الأشكال تسير إلى اضمحلال، ثم إلى زوال. والأمر هنا يتجاوز رغبات الأفراد؛ لأن  هذه التجليات السوسيوثقافية نتاج معيش اجتماعي آخذ في الاندثار بسبب انتقال المجتمع المغربي إلى ضفة المجتمعات الموسومة بالمجتمعات ما بعد التقليدية. فكيف السبيل، إذا، إلى ضمان الوظيفة السوسيولوجية التي تضطلع بها هذه التجليات، ونعني تقوية التماسك الاجتماعي وإشاعة الإحساس بالانتماء؟ وهي بالتأكيد وظيفة على درجة عالية من الأهمية بالنسبة للشعوب والمجتمعات.
إن الطريق إلى ذلك يمر بالضرورة عبر إحياء ثقافة الاحتفال ببعض فصول هذا التقويم، وتحديدا ما امتلك منها قدرة على التكيف مع ثقافة الترفيه التي تشيعها الرأسمالية الطاغية، التي نقع تحت حوافره القوية. أي عوض التباكي على ضمور التعبيرات الطقوسية التي نَمَت على جنبات هذا التقويم، والبحثِ عن المؤسسات التي يمكن تحميلها مسؤولية ذلك، يجب المسارعة إلى تحيين الحوامل وتبيئتها مع مستجدات العصر، فالاحتفال باق والترفيه أيضا، حتى وإن تجددت أشكال التعبير عنه

.
2-    التاريخ: علم تحت الحراسة.
لم يكن من حظ الأمازيغ أن يكتبوا تاريخهم القديم بأيديهم، ويوم فعلوا ذلك في العصر الوسيط، كتبوه بغير لغتهم، لذا كان صعبا على الباحثين الإحاطة الموضوعية بكثير من تفاصيل معيشهم الماضية، ومن ثم فهم وقائع الكثير من الفترات التاريخية وأحداثها، وتفسير ما نتج عنها في فترات لاحقة، لاعتبارات الترابط السببي والزمني الذي يقوم عليه منطق التاريخ والتأريخ.
من هذا المنطلق تحديدا يصبح من المتيسر فهم أسباب ندرة الإشارات التاريخية التي تؤرخ لحدث وصول القائد الأمازيغي « شيشنق » (950 ق.م) إلى سدة الحكم بمصر القديمة، ومنه أيضا يسهل تفهم بواعث بروز بعض الكتابات التي تشكك في نسبة القائد وصحة الحدث. ونعني ركوب قلة من الباحثين على هذه النقيصة التي تسم التاريخ الأمازيغي لكيل الاتهامات لهذه الثقافة بافتقارها إلى التجذر والأصالة.
أما الفائدة المنهجية المستقاة من الحديث عن هذا التردد والتشكيك، فهي إثارة انتباه الباحثين إلى ضرورة إعادة قراءة المادة المصدرية التاريخية التي تناولت بلاد المغرب الأقصى خلال العصور القديمة، على ضوء منطلقات جديدة بعيدة عن كل نزعة إيديولوجية قومية أو مذهبية… إذ لا نفع يرجى من دراسة لا ترى في التاريخ غير جانبه التبريري، ولا فائدة تنتظر من البحوث التي ترسم الأهداف والنتائج سلفا، ثم تسعى بعدها إلى رسم الطريق الذي أوصل إلى هذه النتائج.
إن موضوع دخول الأمازيغ سِجِل الأسَرِ التي حكمت مصر القديمة قد يكون موضوع سجال، والادعاء بوجود فرق بين الليبيين والأمازيغ أمر مقبول أيضا طالما تم وضعه في سياق البحث الموضوعي الذي يشتغل فيه الباحث وفق رؤية علمية. لكنه غير مقبول بتاتا أن يأتي دائما من قبل طائفة من الباحثين الذين حسموا في أمر مشروعية النهوض بالثقافة الأمازيغية، وهي طائفة يعوزها المنهج في غالب الأحيان، وتدفعها « الأجندات

Les agendas » الصحفية الباحثة عن الإثارة، والمصالح السياسية لجماعة من المستنفعين الذين يجاهرون بعدائهم للتنوع الثقافي الذي يزخر به البلد.
3-    علم السياسة: النزوع البراغماتي في تفسير الحقوق الثقافية.
بعيدا عن الجدال التاريخي وشجونه الكثيرة ينبري الفاعل السياسي متأبطا غاياته، واضعا نصب عينه بلوغ المتاح من المطالب، متخذا من مؤسسات صناعة الرأي مطية لبلوغ ذلك، وهو لا يأبه كثيرا لعدالة المطالب، وحجية المواقف، بل يحاول نسج التوازنات التي تمكن بقاء المصالح في يد الفئة التي يمثلها.
فما موقع « التقويم الأمازيغي » من السياسة وحبائلها؟ أو ماهي الدلالات السياسية للمطلب القاضي باعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا؟ وبماذا يمكن تفسير تباطؤ الجهات المسؤولة عن تفعيل المطلب؟
هي أسئلة يفترض أن يجيب عنها خبراء السياسة والعارفون بقوانين التدافع السياسي، أي أولئك الذين لا يلتفتون كثيرا إلى أصالة المبررات التي يقدمها المدافعون عن « التقويم الأمازيغي »، ولا إلى عدالة قضيتهم، وقوة المرافعات التي تنتصر لمطلبهم، بقدر التفاتهم إلى الروابط العضوية القائمة بين الثقافة والسياسة والاقتصاد، لأنها، في تقديرهم وسيلة تفسير الهيمنة الثقافية لبعض المكونات دون غيرها

.
4-    علم اللسان: البحث في خبايا الخطاب.
يشغل المكون اللغوي-اللساني حيزا هاما ضمن أشكال التعبير التي تولدت من رحم عناصر التقويم الأمازيغي. والباحث الدؤوب في الموضوع يستطيع الوقوف على أشكال قولية عديدة، يندرج معظمها ضمن أجناس الأدب الشفوي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
v    ميتولوجيا تفسيرية:
ونعني بها مجموعة من الأساطير والحكايات العجيبة التي يرويها الأمازيغ لتفسير بعض الظواهر ذات الصلة بأشهر السنة، وصفاتها، وعدد أيامها، ومنها مثلا حكاية « المسلوفlmesluf « .
v    تعابير مثلية:
يتعلق الأمر بعدد من التعابير المثلية ذات الطبيعة السوسيوايكولوجية، أمازيغية وعامية، صاغها المغاربة لضمان انتقال الخبرات الحياتية من جيل إلى جيل، مستغلين ما يوفره المثل من مقومات إيقاعية وفنية تيسر عملية الحفظ والاستدعاء، ومن ذلك قولهم:
–    حيان ايسغري ثيرفث ( حيان أجهض الخنزيرة).
–    ما تحسب الخرفان والجذيان، حتى يفوت مارس وحيان.
–    يبراير تلاف الدخاير، سلاخ لبقاير.
–    البرد ديال النضح كايطيح الما من لقدح.
v    مرددات شعرية:
وهي مجموعة مرددات شعرية طقوسية تتكرر في سياق بعض التقاليد المرتبطة باحتفالات المغاربة ببعض « المْنْزْلات »، والأيام ذات المكانة الخاصة، من هذه الاحتفالات نذكر مثلا: العْنْصْرة، الحاگوز…، ومنها منظومات شعرية أخرى تأتي في قلب الحكايات العجيبة التي تحاك في هذه المناسبات.
والذي ينبغي التنبيه إليه في هذا السياق هو استحالة فهم هذه الأشكال من التعبير القولي دون الإطلاع على مقاماتها وسياقات ترديدها، وأشكال التعبير الجسدي التي تحايثها، على اعتبار نسيج العلاقات الذي يقوم بين النسق الأدبي الشفوي وغيره من الأنساق الاجتماعية ذات الصلة.
ختاما، نثير انتباه الباحثين والمهتمين بأنماط التعبير الثقافي المغربي إلى وجود نقاط عتمة كثيرة في مجال التقويم الأمازيغي، تحتاح إلى تظافر جهود متخصصين في العلوم الاحتماعية المختلفة، لأن ما ذكرناه من الحقول لا يعدو أن يكون مجرد ملاحظات منهجية من وحي المناسبة، وأمثلة للمتاح من المقاربات الممكنة. والمؤكد أن تشكيل صورة واضحة عن الموضوع يستدعي عملا جماعيا، ومقاربة تكاملية، وحرصا على موضوعية الأحكام، وتجنبا لكل إسقاط إيديولوجي قد يتعسف على دلالات الأحداث، أو يسوغ لهيمنة الصوت الثقافي الواحد.
=====================
– يطلق هذا اللفظ على اليوم الأخير من شهر يناير الأمازيغي، وملخص الحكاية أن عجوزا أبت إلا أن تتحدى شهر يناير (الذي لم تكن أيامه تتجاوز الثلاثين 30 يوما قبل أحداث الحكاية)، وتخرج بخرفانها وعنزاتها في عز قره وصقيعه، بل وسخرت منه عندما شارف على الانصرام. فأحس الشهر بالإهانة الشديدة، وطلب من شهر فبراير أن يعيره ليلة ونهارا كي ينتقم من العجوز. فتأتى له ذلك وثأر لنفسه من العجوز بأن جمدها وجمد ماشيتها. ومنذ ذلك أصبحت أيام الشهر واحدا وثلاثين، أشدها بردا يومه الأخير الذي سمي ب »المسلوف ».

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *