Home»International»رؤية ابن خلدون في المسألة التعليمية

رؤية ابن خلدون في المسألة التعليمية

0
Shares
PinterestGoogle+

    رؤية ابن خلدون  في المسألة التعليمية

 

بقلم :ذ. عبد الفتاح عزاوي

          يتضمن كتاب  »المقدمة  » لابن خلدون نظريات ومواقف كثيرة تهتم بالفعل التعليمي التعلمي ،حيث خصص لها  بـــــابــــا عنوانه :  » في العلوم وأصنافها ، في التعليم وطرائقه وسائر وجــــوهه…   ». غير أن القائمين على إصلاح أعطاب المنظومة التربوية ببلادنا جربوا جميع البيداغوجيات الغربية الحديثة التي وصلت حد الاغتراب في الغرب ، ولم يكلفوا أنفسهم يوما ما عناء الرجوع إلى أمثال هذه الأطروحات والنظريات والنهل منها .

      كرس العلامة الجليل ابن خلدون حياته طلبا للعلم والمعرفة ، متنقلا بين العديد من الأقطار العربية والإسلامية،كما امتهن التدريس في الكثير من منارات العلم الشامخة كجامع الزيتونة والقيروان والقرويين والأزهر الشريف ، الأمر الذي أهـــــــله ليستكشف عن قرب مكامن الخلل في النظم التعليمية السائدة أنداك ،وتحليلها بتعـــــــــــــمق ودراية .

         فهو يعتبر التعليم صناعة قائمة الذات ،ويعتبر ملكة اللغة أداة فاعلة في تطويره وتأهيله ، حيث يقول :  » أعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة  ، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها  » . كما يشير إلى التفاوت الحاصل في التعلم بين سكان المدن والبوادي بقوله  » ألا ترى إلى أهل الحضر مع أهل البدو ،كيف تجد الحضري متحليا بالذكاء … حتى أن البدوي ليظنه أنه قد فاته في إنسانيته وعقله، والأمر ليس كذلك … »، ويفسر ذلك بكون انتشار العمران والحضارة يساهم في تحسين التعليم وتطويره، لأن الفعل التعلمي  فن وصناعة يحتاج إلى وجود بنيات عمرانية تؤمن ضروريات الحياة من ملبس ومأكل ومشرب ،وتجعل الشعوب ترتقي بتفكيرها بدل الاقتصار على مقارعة الظروف الطبيعية القاسية .

          ومـــــــــن أهم الانتقادات التي وجهــــــها ابن خلدون إلى أنماط التعليم التي كانت سائدة في عصره نجد :

–      انتشار ظاهرة التلقين بطريقة آلية ،خاصة في مراحل التعليم الأولى ، الأمر الذي يجعل المتعلم يكرر مايحفظه دون فهم ولا استيعاب .

–      كثرة التآليف واختلاف الإصطلاحات: حيث يقول في هذا الصدد  » أعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعليم  ».

–       كــــــثرة القواعد في العلوم الآلية : حيث يؤكد أنه يجب على المعلمين ألا يستبحروا في شأنها ولا يستكثروا من مسائلها( خاصــــــــــة العـــربية والحـــــساب ).

–       انتشار التعليم بالعنف والإكراه بدل التشويق .

 

        في المقابل اقترح ابن خلدون مجموعة من الإجراءات الكفيلة بالنهوض بالمسألة التعليمية ، حيث ركز على ضرورة تلقين القران الكريم في سن مبكرة حتى تتعود الناشئة على سلامة النطق واستقامة اللغة ، وعلى أهمية اعتماد مبدأ التدرج في تلقين المعارف والعلوم ،قائلا :  » اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين شيئا فشيئا ،إنما يكون مفيدا … » . كما أكد على عدم الانتقال من علم لآخر قبل فهمه ، لأن المتعلم إذا تمكن من علم من العلوم استعد بسهولة  لتلقي العلوم الأخرى . هذا فضلا عن تأكيده على أهمية التجريب في تـــــطوير القدرات الفكرية لأجيال المستقبل .

        وعلى عكس النظريات الحديثة التي جعلت التلميذ محور العملية التعليمية التعـلمية ،فإنه يعتبرالأستاذ هو المحرك الأساسي للفعل التعلمي ،ويشدد على ضرورة تكوينه تكوينا سليما يؤهله لأداء وظيفته على أكمل وجه،وفي هذا الصدد يقول :  » وعلى قــــــــــــدر جودة التعليم وملكة المعــــلـــم يكون حذق المتعلم في الصناعة  ».

           لقد اعتبر ابن خلدون التعليم صناعة تحتاج إلى فلسفة تربوية نابعة من الواقع المعاش ،ذات أسس متينة لايمكن لكل العصور أن تمحيها من الوجود .فهل يلتفت مسؤولينا إلى هذه الإشارات الخلدونية ،أم أن دار لـــــــــــقـــمان ستبقى على حالها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

fattahazz@yahoo.fr

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *