Home»International»أمة تقتل ابن رشد على رأس كل مائة عام

أمة تقتل ابن رشد على رأس كل مائة عام

0
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الإدريسي

استمعت للتو الى كلمة  لرون فابيوس Laurent Fabius،وزير الخارجية الفرنسي،في جلسة مجلس الأمن-19.9.2014- المخصصة للعراق الذي أنْعَمَتْ عليه البروتوكولات « الفقهية » السرية بنهر ثالث يعزز دجلة والفرات.
انه نهر داعش  الدموي ،الذي يتنادى المجتمع الدولي  لتجفيفه ،حتى لا يعبر إلى  خرائط أخرى  .
ما أثار انتباهي في هذه الكلمة،  التي تنبع قوتها من  مقدمتها العسكرية  التي  نقشتها المقاتلات الفرنسية،اليوم، على  ما تناثر من أشلاء  مخزن عتاد داعشي في العراق،هو  استناد فابيوس الى رأي لشيخ الأزهر في الداعشيين،يعتبرهم فيه مجرد مجرمين باسم الدين. من الواضح هنا أن  طلعات فرنسا الأولى في سماء العراق –إضافة إلى مظلتها السياسية الدولية- تحتاج ،اعتبارا لعلاقاتها  المتميزة مع الدول الإسلامية،ولملايين المسلمين  المتواجدين بها ،إلى سند شرعي ،لم يجده الوزير الا في المرجعية الأزهرية.
شكرا لك على بيانك القوي، يقول رئيس الجلسة جون كيري  لفابيوس؛وهو في الحقيقة، يقصد قوة الضربات  الجوية اللوجيستية و القوية،التي دشنت بها فرنسا نسختها الثانية من « السرفال ».
افترضْتُ أنه لو تأتت  لكل الوزراء المتدخلين في الجلسة – وبالتالي للحلف الدولي-  مرجعية إسلامية أقوى  لكان أفضل ،للأسباب الآتية:
1.رغم أن الداعشية تشكل خطرا على المجتمع الدولي برمته،دينيا  وقيميا وحضاريا-فإنها أكثر خطورة على الأمة الإسلامية بكل طوائفها ومذاهبها؛لكونها مبرمجة لتُسقِط من الدين الإسلامي  كل التطور التاريخي ،وكل تجليات التمدن والحضارة ،ولا تُبْقي به غير آية السيف ، تُعْمِلُها في رقاب هذه الأمة باعتبارها مرتدة عن دينها.
2.إن الأمة  إزاء فتنة دينية كبرى  لا يمكن إخمادها بضربات جوية  فقط؛ولا حتى بحرب برية  كاسحة.إن  الفعالية القتالية للحلف – وهي هنا زائدة عن المطلوب ،المصرح به- تظل بحاجة الى إسناد وجداني ،الى قوة ناعمة soft power  ، تشتغل وفق استرتيجية  إسلامية معتدلة،  متكاملة،و طويلة النفس.
في هذه لا يمكن أن ينوب  عن  حكامنا ،علمائنا ،سياسيينا ،اقتصاديينا ومربينا أحد.
3. إن  فراغ الساحة   الدولية حاليا ،إلا من نفير الحلف القتالي، بقيادة الولايات المتحدة ،يلعب لصالح داعش ،إذ يعزز ادعاءها المُرابَطَة وحيدة على  ثغر الدين، في مواجهة من تراهم مرتدين وكفارا.  ولا يكفي هنا أن تصدر فتاوى وآراء عن علماء أفراد،أو حتى هيئات علمية أو مجالس.
4.ان من شأن حلف عربي إسلامي،استراتيجي- شرعي ،معرفي و اقتصادي تنموي- يتحرك بموازاة الحلف العسكري الدولي ،أن يُطَمئِن الشعوب المعنية مباشرة ،بصدق النوايا الدولية  ،في حربها على الإرهاب .لقد جربت هذه الشعوب أشكالا متعددة من التمويه والمخاتلة ،منذ مستهل القرن الماضي ،لتصبح على خرائط متوترة ،وعلى كيان صهيوني خُلق ليقتل ويدمر.
5.لايمكن  لهذه الأمة  التي ساهمت عبر عصورها الذهبية ،في رقي الإنسانية أن  تظل في الحاضر مجرد  تجمعات بشرية بدون مشروع حضاري ؛ رغم أنها تمتلك كل مقوماته المادية والوجدانية.
أمة تنفرد،اليوم، بين الأمم بإنتاج الفقر من الثراء، والجهل من العلم ،والاستبداد من الديمقراطية، والظلم من  العدالة الإلهية والبشرية.
وهاهي – نتيجة هذا التعاطي الغريب مع كل تجليات الحداثة،القائمة على العقلانية- تعيش الذبح والسبي والصلب ،و الاسترقاق ،واقعا وليس مجرد أضغاث أحلام.
وهاهو الغرب المسيحي يتنادى لتخليص أمة تغلب عليها شُذاذ الآفاق ،من دينها ولحمها ودمها. ألا نُظْهِر على الأقل أننا نُقَدِّر الكارثة التي تسببنا فيها –إراديا ولا إراديا- حق قدرها ،ونُعِدُّ العدة بيننا –صادقين- حتى لا تتكرر أبدا؟
6. لو تُرِكنا لداعشنا،وتُرِكت لنا، لأكلت الأخضر واليابس ،ولاخترقت جميع الحدود وفي جميع الاتجاهات؛ولاستولت حتى على الكعبة بستائرها وخدمها. ألا يكفي هذا الواقع  الفاضح لنتنادى للاشتغال عربيا وإسلاميا ،لفهم هذا الذي جرى؛ في ما بيننا ؟ للحلف الدولي أجندة عامة نشاركه فيها ؛لكن هذا لا يمنع أن تكون لنا ،كأمة،أجندة خاصة تسند قلوب الأسود –وحتى الثعالب-التي هبت لنجدة صرعى داعش. دارت الأيام بما لم يدر أبدا بخلد صلاح الدين الأيوبي.
7.إن الحرب الدولية على القاعدة والطالبان في أفغانستان ،رغم وقعها الكبير، لم تمنع من تشكل الجيل الثاني من تنظيم القاعدة ،وانتشاره في عدد من الدول ،وبؤر التوتر،تحت مسميات عديدة؛وصولا الى داعش .
إن الإرهاب برؤوس متعددة، يقتل ولا يموت ؛ومن الوارد بقوة أن تعاني – قريبا-جميع الدول العربية والإسلامية ،وغيرها،من دواعش عابرة للقارات،فهل سيظل الحلف الدولي ملتئما ليطاردها حيثما اتجهت وانحاشت؟
لايمكن أن يشتغل على النسخة الثانية من داعش غير الأمة المعنية بها مباشرة.
8.بكيفية مفارقة أدت الدينامية الأمريكية، في التحشيد العالمي، الى استعادة تنظيم القاعدة لزمام المبادرة ؛بعد أن ظهر أخيرا وكأن الداعشية داست على قدميه ،وأَزْرَت بوصايته.  إن دعوته إلى نبذ الخلافات بين النصرة وداعش ،وتدخل فرعيه في الجزيرة العربية والمغرب الإسلامي لتحقيق التصالح، وتوحيد صفوف كل الجهاديين يدل على  دينامية إرهابية مضادة ،تُرِكت لها الساحة الإسلامية   فارغة،لتستثمر دين الأمة على هواها.
9.كنتيجة لغياب العمل الاستراتيجي الإسلامي لتأمين العالم ،والشعوب وحتى الدين ،تجمد الشارع العربي الإسلامي رعبا ،وهو يرى جرائم داعش .مات هذا الشارع ولم يتحرك فيه مسلم ليقول اللهم إن هذا منكر.اللهم إن الذبح لا نستسيغه حتى
للبهائم ،وان كنا نمارسه؛فكيف يُذبح مسيحيون ومسلمون وأيزيديون  في أرض الإسلام والأمة تنظر؟ كيف تمتد يد الغدر إلى  متطوع إنساني لتقطع وريديه؟ كيف  تحولت رؤوس كرمها الله الى سقط اللعب بأيادي أطفال داعش؟
كيف يستمع إلينا العالم حين نثور من أجل غزة المستضعفين –وليس تجار القضية- ولا نتحرك حينما تُشْهِدنا داعش على جرائمها،باسم دين تؤوله كما تشاء؟
10.من شأن العمل الاستراتيجي الإسلامي أن  يكشف كل ما هو مخبوء من أمر الداعشية،وحمل الجهات العربية والإسلامية  المتورطة  في تخصيب جيناتها ،وتبيئتها على أن تكف  رحمة  بالشعوب ،وحفظا لأمن عالمي هش كبيئته.
ان الثروة المجانية عطاء من الله ومسؤولية عظيمة؛وهي لن تدوم على كل حال ؛فأَمِّنُوا مستقبل أبنائكم ؛حينما يعيشون فقراء عاديين،بين جيرانهم  الذين لم يعرفوا ثراء قط،عدا لذة العيش الكادح والنظيف.
ان شرفاء العالم يشمون رائحة النفط  والدم ،في هذا المسخ الذي وُلِد في حمى الثروة العربية؛ويتعجبون من قوم بدين عالمي ودنيا عشائرية موغلة في الانغلاق والتخلف.
ألم يحن وقت المكاشفة لتصفح الأمة وتعفو، وتَكُفُّوا.؟
غارات القوة الناعمة:
*على العقيدة  حتى  نرد إليها  الدينامية التاريخية التي سُحبت منها؛لكي لا تظهر أمة « اقرأ » نشازا بين الأمم المتقدمة التي لم يطلب منها الله أن تقرأ. خزانتنا الحداثية ثرية بدراسات ارتقت إلى العالمية،يكفي فقط أن نقترب منها وأن نبدأ التحليل والتركيب.لايمكن أن نستمر في قتل ابن رشد على رأس كل مائة عام.
لا يمكن أن نكون أسوياء ونحن نقيم احتفاليات  لبروتوكولات الفقه الحنبلي المتحجر.لماذا لا تترك الوهابية  بترولها راكدا في الأعماق ،كما تفعل مع فقهها؟
يجب أن نُؤَمِّن ديننا من العبث ؛لكن بعد تطهير فهم مُتونه حتى لا تقف عائقا في وجه العقلانية والحداثة.إن خطاب الحرية في القرآن الكريم  لم يجد بعد –عدا كبار رجالات الصوفية- من يذهب به إلى أبعد مدى ممكن.
وفي المقابل تجاوزتنا الأممُ ،في كل المجالات، رغم أن نصوصها الدينية  لم تلتفت لا إلى علم ولا إلى حرية ولا إلى فضاء سماوي ممكن اختراقه.إن سجن الكنيسة انفتح على الحياة ،كما أرادها الذي وهبها ؛ودخلنا نحن إلى سجن المسجد لا نبرحه إلا لتجديد الوضوء.إن المسجد ليس جدرانا  وثريات معلقة وزرابي مبثوثة،تغري بالاسترخاء، والاطمئنان إلى أننا نفعل خيرا لاخير بعده.إن لحظة الصلاة تواصل مع خالق هذا الكون  الفسيح، الذي لايغيب عنه النور الإلهي .تواصل من أجل الاستزادة من طاقة مواجهة  ملابسات الحياة في كل هذه الشساعة الربانية التي مُتعنا بها ،لكن لنفهمها ونعمرها.
ان تضييقنا للدين لا يتناسب مع رحابة الكون المذهلة.لو كان فهمنا هو ما أراد الله  لخلقنا في حيز ضيق يناسب غفلتنا.
*و غارة على الاستبداد الذي بدأناه بوأد البنات  ،سبي النساء وذبح من نكره ؛لنواصل  اليوم  الإيقاع بكل بنات الديمقراطية وجاراتها المشاغبات.  لم نفهم بعد كيف نُؤَمِّن كراسي الحكم  بالحريم الديمقراطي وليس بالحريم الحرام.
لعل القوة الناعمة إن فعلناها تدفع  في اتجاه بناء دول بمؤسسات ديمقراطية قوية؛ليس كما نريد نحن ، بكل جينات الاستبداد فينا ؛ولكن كما  استوت نموذجا عالميا ،دائم التطور.إننا نستنير بنفس الشمس ،ونشرب نفس الماء ،ونستنشق نفس الهواء ؛فلماذا نشذ عن الإنسانية المتحضرة ،وننكص وراء وراء ؛حينما يتعلق الأمر بالسلطة والحكم؟
وفي الأخير لن يواصل العالم حمايتنا من وحوشنا الداخلية الى ما لانهاية؛ولا خيار لنا الا المبادرة الى عمل عربي إسلامي ،بنَفَس جديد يقطع مع كل معلقات الخذلان والنفاق التي نحفظها ليلا ،حتى لانتلعثم ونحن نستظهرها في أقوالنا وأفعالنا.
حذار فكلما قتلنا ابن رشد كلما بُعث شابا هناك حيث لا سجن للعقول.
ramdanemesbah@yahoo.fr
ramdane3.ahlablog.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. المكي قاسمي
    21/09/2014 at 23:33

    اعتقادي أن كل متتبع للواقع العربي الإسلامي كسيرورة يمكنه أن يدرك أن مداخل الحل لإشكالاتنا الكبرى كمجتمعات مرفوضة من لدن غالبيتنا، بحكم ثقافتنا وطرق التفكير والتناول التي تشكلت لدينا، بحكم هذه الثقافة التي وإن نشأت وترسخت في ظل الإسلام، فإنها وفي آخر المطاف تبقى من صنع ومسئولية بشر صاغوها حسب خلفيات الله وحده يعلم الحسن من غيره منها. وأما الإسلام كنص، فشخصيا، ورغم محدودية ثقافتي الدينية، فصعب علي أن أجد فيه ما يبرر أو يؤطر غالب سلوكياتنا، إن كمجتمعات أو كأفراد، والمرتبطة مبدئيا، أو افتراضا، بالدين. والملاحظ ومع كامل الأسف أن وضع كهذا ينسحب فقط على المجتمعات العربية. في هذا الصدد، لا زلت أذكر ما صرح به أردوغان في مصر، إبان فترة حكم مرسي. لقد قال بالوااضح أن الدولة في جميع الأحوال، أي حتى في البيئات الإسلامية، ينبغي أن تكون وتبقى علمانية ومدنية لتضم الجميع وعلى قدم المساواة. وأما التدين، فتلك مسألة أكبر من الدساتير، من جهة، وتخضع لقناعات وثقافة وتكوين الأشخاص، من جهة أخرى. هذا الكلام أغضب المسئولين الإخوانيين آنذاك إلى درجة أنهم جعلوا أردوغان يشعر بذلك، وكأنه « خرج عن الملة ». مختصر القول، وحسب ما أرى، أن شكل بن رشد الذي أدمنا على قتله ولازلنا في العصور الحديثة، بالمفهوم الكوني، وكمجتمعات عربية إسلامية، هو الديمقراطية. تلك الديمقراطية التي لم تر مجتمعات إسلامية غير عربية كتركيا وسنغافورة وأندونيسيا وماليزيا مانعا من تبنيها وبنجاح لم يعد في حاجة إلى إثبات. وعليه، يبقى السؤال الكبير والمصيري حسب ما أقدر هو التالي: ما الذي يجعل الديمقراطية غير قابلة للاستنبات في تربتنا العربية الإسلامية؟

  2. رمضان مصباح
    24/09/2014 at 23:09

    شكرا لك على هذا التعقيب القيم،الذي انتهى الى طرح سؤال محوري وشائك: تعذر استنبات الديموقراطية في التربة العربية الاسلامية.
    لاأدعي امتلاك الاجابة،رغم انكبابي على محاولة الفهم ،منذ زمان؛وقد أطرح يوما وجهة نظري.
    لكن يمكن القول من الآن بأن التربة العربية الاسلامية احالية -كما نعرفها – أبعد ما تكون عن مقاصد الشريعة في جوهرها ؛لتدخل عوامل متعددة جعلت الخطاب الديني ينحرف ويفرز هذا الذي نعيشه اليوم واقعا مأساويا .كانت البدايات مع الفتنة الكبرى ومع ملك بني أمية؛وتواصل مسار افقار الدين من جوهره ,والابقاء على الفشور بيد العامة ،وبيد فقهاء متحجرين اطلفت أياديهم ولا يزالون يجلدون العامة على هواهم؛موهمين بأن الحق ما يقولون وما يرون.
    سؤالك مهم جدا ،لكن قبل طرحه لا بد من مساءلة واقع الأمة العربية ؛هل هو الابن الشرعي للحضارة الاسلامية ،كما ساهمت فيها جميع العلوم وليس الشرعية فقط؛أم أدت ملابسات تاريخية الى الى موت العلم والفلسفة العربيين،لكي لا تبقى غير متون فقهية تجلد ظهور العامة ،بتواطؤ بين الفقهاء المغرضين الانتهازيين والحكام المستبدين؟
    هنا المشكل .لابن رشد اسهام كبير في عصر الأنوار الأوروبي؛رغم أنه اشتهدف نهضة الأمة الاسلامية أولا.
    تحياتي الأستاذ قاسمي

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *