Home»Enseignement»متقاعد: اليوم الأخير

متقاعد: اليوم الأخير

0
Shares
PinterestGoogle+

متقاعد : اليوم الأخير

سيظل هذا اليوم ..الجمعة 13 دجنبر 2013..يوما تاريخيا مشهودا منقوشا على صفحة ذاكرتنا..وقد دفعتني  الذكرى دفعا قويا إلى الكتابة والمساهمة في نقش هذا اليوم  وتوثيق ذكرى تقاعد زميل كريم ..عاش بيننا ردحا من الزمن عرفناه فيه إنسانا ورجلا بالدرجة الأولى ..ليس هو الأول ولا الأخير الذي تقاعد أو سيتقاعد ..لكن تأثير مغادرته كان متميزا…لقد عرفناه منذ 12 سنة ..مجاهدا..مناضلا..صابرا..شاكرا ..مساعدا..ومساندا..لم يتوانى برهة من الزمن عن أداء واجبه تجاه الإدارة ولا تجاه رؤسائه ولا تجاه زملائه ولم يتأخر دقيقة عن إسداء النصح وتقديم ما تزخر به ذاكرته من لآلئ معلومات وتجارب إدارية وحياتية البتة..

لقد عشنا يوم الجمعة فترة خاصة جدا بما حملته من مشاعر وأحاسيس غريبة متميزة عن سواها طوال وجوده بيننا ..أحاسيس غمرت المكان كله وفاحت رائحة وفاء وإخلاص لم نعهدها من قبل ..وغمرت جميع الإخوان قشعريرة لم نلحظها فيهم من قبل قط..

إني أؤكد أني لو كتبت للصبح عن زميلنا المتقاعد لجفت الأقلام ونفذت الأوراق قبل أن نوفيه حقه..وفضله علينا في كثير من الأشياء لا ينكرها إلا جاهل ..و من لم يشكر الناس لا يشكر الله تعالى..ولهذا فضلت التركيز على يومنا الجمعة هذا..

صباحا وخلال مناقشات عفوية اعتدنا أن نطرق أبوابها دون استئذان ..حملنا حديث صباحنا هذا إلى موضوعين متميزين خاصين ولا أخال إلا أن الله تعالى قادنا وهدانا إلى الخوض فيهما ..وكان الموضوع الأول عن علاقة الزوجة ببعلها وفضلها العظيم عليه ..حينها رفع زميلنا المتقاعد اكفه عاليا إلى السماء ودعا ربه أن يكون أول من توافيه المنية وان لا تتركه الأقدار يعيش لحظة بعد رحيل رفيقة عمره إلى دار الفناء ..وكثرت التدخلات والاحتجاجات على هاته الرغبة الظالمة للزوجة ..وقتها كان تأثري كبيرا حول تدخل اختنا الكريمة الوفية وقد ظهرت على ملامحها الدهشة ممزوجة بخوف عميق مع كثير من الحنان ..وبعد تأكيدها على أن الرجل ركيزة زوجته وسندها القوي في هاته الحياة وان المسكينة بعده لا تعرف أي مسلك تسلكه ولا أي باب تطرقه ..واحتجت على فكرة أن يسبقها زوجها لفراقها بجوار ربه الكريم حينها فاضت أعينها وسالت دمعا ..ولم اعهد اختنا باكية إلا لذي شان  عظيم ..وتدخل ثانية زميلنا المتقاعد وأعاد تأكيده أن يكون السابق لزوجته نحو ربه..وأكدت من جهتي أني متفق اشد الاتفاق معه في فكرته وان الزوج اضعف من الزوجة واقل حيلة وصبرا بعدها ..ولا أخاله إلا متزوجا ومضطرا إلى زواجه ثانية ..مرغما مدفوعا ..لا إنكارا لفضل زوجته عليه ولكن ضعفا منه ..مفضلا حينها أن يكون سابقا لها على أن يقف هذا الموقف الصعب الناكر لزوجته رفيقة دربه..وتدخلت اختنا الكريمة مؤكدة أنها ضد الزوجة التي توصي لزوجها مانعة له أن يتزوج بعدها ولا أن توصي على زواجه من امرأة تختارها هي..

أما الموضوع الثاني الذي كان وسبحان الله يصب في مجرى التقاعد ..وكأنه إعلان لنهاية وإشارة للتشابه بين النهايتين..نهاية مسار مهني ونهاية مسار حياتي..كان الموضوع يدور حول البكاء على الشخص بعد موته..وقد لامني زميل لي لما قلت أن البكاء على الميت حرام ..وأكدت على أن الحزن الشديد محمود ويؤدي حتما إلى البكاء ..وبعد اخذ ورد دخل علينا زميلنا المتقاعد وكان جوابه الحاسم بعد اخذ رأيه في الموضوع وكما عهدناه دوما..وقال كما قال رسولنا الكريم-القلب يحزن والعين تدمع – وقد صب قوله فيما عنيته أن قوة الحزن تدمع العين رغما عنك…وما أخرجنا من موضوعنا هذا إلا اختنا الكريمة بعدما تساءلت باستغراب عن الخوض في هذا الموضوع هذا اليوم بالذات  وكانت فكرة زميلنا المتقاعد وكما عهدناه دوما الفيصل ونهاية مناقشتنا…ولقد دهشت لهاته الصدفة وطرح هاذين الموضوعين ..وكأن فراق المتقاعد لزملائه.. يماثل فراق الزوج لزوجته ..والشخص لأهله وأحبابه …

وفي هاته اللحظات المتناغمة كانوا إخواننا الكرام الآخرين منهمكين في إعداد طاولة الحفل وقد قاموا بزركشتها بمختلف الحلويات والمشروبات وقد كانت الحلوى التي حملت صورة زميلنا المتقاعد بارزة وسط الطاولة وقد أعدها أخ كريم بعيد عن المصلحة قريب لقلوب أعوانها جازاه الله كل خير..خلالها ارتأينا أن نطيل قليلا في مواضعنا حتى تكتمل المفاجأة..  حينها بادرت اختنا الكريمة وطلبت منه إسداءنا النصح الأخير وأكد على العمل على التلاحم والتآخي كما عهد ذاك فينا دوما ..وان لا نثقل كاهلنا بالعمل الشاق وان نصرح أننا غير مطيقين  طالبين الإنصاف دوما ..وان لا ننسى ساعة أكلنا واستراحتنا وقت الزوال ..كما نطالب برخصنا حين حاجتنا إلى الراحة ..وختم لنا بالدعاء بالتوفيق..

بعد برهة من هذا دخل زميلنا الحيوي المتقاعد قبل سنتين مضت وكانت فرحة اللقاء.. وعاود الزمن دورته..وها نحن نغادر زميلا غيره..التحقنا بالمنصة وتحلقنا حولها في تناغم وصدق مشاعر ولحظات لن تنسى أبدا خصوصا بعد توثيقها بالصور بعد أخذها من طرف الزملاء كل بهاتفه النقال ..عشنا لحظات مؤثرة جدا قبل الأكل ..بعد أن تحلق كل واحد منا حول زميلنا المتقاعد لأخذ آخر ذكرى لأخ كريم..وبقيت الذكرى موثقة للأبد صوتا وصورة ولم استطع دفع رغبتي في توثيقها نصا مكتوبا معبرا عن مدى التأثر العميق…

تبادلنا التحيات والأماني والرغبات وتوافدت على زميلنا المتقاعد مكالمات كلها تهاني ودعوات على أن وفقه الله تعالى إنهاء فترة عمله الطويل الشاق المثمر بسلام وصحة وراحة بال ..فليهنا زميلنا وليتأكد انه كان نعم الصديق ونعم الرفيق ونعم البطل وقد كان وسيظل مرجعا إنسانيا موثوقا وهرما شامخا مرموقا ..متمنيين أن نسلك مسلكه ونخطو خطاه وما التوفيق إلا بالله العلي العظيم…وقد اختتم حفلنا بكلمة مؤثرة ومعبرة ألقاها بطل مكتبنا المتقاعد السابق والذي خطونا خطاه بما عهدنا عنه من شجاعة وإقدام وصدق نية وقلب كبير ..وبعد التصفيق ختم أخ كريم بالدعاء لمتقاعدنا بالخصوص ولجميع الإخوان عموما بالنجاح والتوفيق والسداد..

أخيرا لا أنسى ما سمعته من أخت كريمة اعتادت أن تهيئ لزميلنا المتقاعد قهوة صباحه وزواله ..قالت كلمة غريبة وعجيبة بان الإناء الذي كانت تعد به القهوة قد انكسرت يداه ولم يفعل إلا يومها وكأنه يعلن عصيانه على أن لا يخدم سواه بعده ..وقد رأيت بأم عيني نفس الأخت الفاضلة وهي تأخذ آخر ذكرى لمتقاعدنا وهو يهم بالمغادرة على متن السيارة الحمراء لرئيسنا بالنيابة والذي سيكون هو الآخر على موعد مع حدث الإحالة على التقاعد بعد مضي سنتين إنشاء الله تعالى …

 

ملاحظة:

زميلنا المتقاعد: السيد عبد الرحيم.

المتقاعد السابق: السيد عبد الحميد.

المتقاعد اللاحق: السيد يحيى…

    

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *