Home»Enseignement»قراءة في قرارات وزارة التربية الوطنية – الحلقة 1 –

قراءة في قرارات وزارة التربية الوطنية – الحلقة 1 –

0
Shares
PinterestGoogle+

    قبل مباشرة صلب الموضوع لابد من الإشارة إلى ما  أثارته مجمل القرارات التي أصدرها السيد وزير التربية الوطنية منذ توليه على رأس هذه الوزارة ، من  ردود أفعال مختلفة في صفوف كل الفاعلين والمتتبعين، ومهما اختلفت هذه الردود  شكلا و مضمونا فإنها أجمعت على مجموعة من العيوب التي اتسمت بها هذه القرارات  كالتسرع  ،والانفراد ، ومخالفة بعضها للقوانين الجاري بها العمل داخل هذا القطاع ، وبعدجلها تماما عن روح إدارة مطبوعة بالتربية والتهذيب ، وتناقضها في كثير من الأحيان مع روح دستور المملكة الجديد الذي ينص في عدد من مواده على ضرورة الإشراك والمشاركة وعلى تعميم المعلومة على كل الفاعلين ، ….وقد عبرت جل الهيئات النقابية  عن استيائها العميق من  منهجية العمل هذه ،القائمة على الإقصاء وإصدار الأوامر من فوق دون أي اعتبار للفاعلين الذين يرفضون أن ينظر إليهم كأدوات ميكانيكية ، ويستغربون من الإمعان والتمادي في هذا التوجهالذي يؤدي لا محالة إلى القضاء على رغبات ودوافع الفاعلين وضياع  الخبرات والتجارب والتراكمات . إن هذا التجاذب بين القيادة والمرؤوسين في قطاع التعليم كما في قطاعات أخرى  مرده في اعتقادي  إلى الأسلوب الذي تنهجه الإدارة الوصية على القطاع  في صناعة  واتخاذ القرارات ، خاصة إذا علمنا الخطوات المتشابكة والمتدرجة التي ينبغي مراعاتها واحترامها عند صناعة القرار ، حتى لا تكون له انعكاسات سلبية على المرفق الإداري ، وحتى نضمن انخراط الجميع ومساهمتهم وحرصهم على تحقيق الأهداف العامة للمؤسسة والهدف أو الأهداف التي يحملها القرار نفسه .

إن صناعة  القرار الإداري عملية خطيرة تعنى بالحاضر، وتحدث تغيرات على الواقع ، وتلحق تأثيراتها المستقبل ، وإذا كان القرار في حد ذاته اختيارا رصينا ومدروسا من جملة من البدائل المتاحة  ، فإن صناعته تطال كل المتغيرات من مرحلة اتخاذ المسؤول القرار إلى مرحلة تنفيذه ، ومن ثم فإن صناعة القرار – خاصة في قطاع التربية والتكوين –  لا يمكن بأي حال من الأحوال اختزالها في إصدار أوامر أو توجيهات عن طريق مراسلات أو مذكرات ، بل هي عملية واسعة  تضم عددا من الإجراءات ، في مقدمتها تحديد المشكلة ، ثم البحث عن البدائل الممكنة ، ثم اختيار البديل العملي ، ومن هنا ينبغي التمييز بدقة بين صناعة القرار ، واتخاذ القرار الذي لا يعدو ان يكون مجرد خطوة في صناعة القرار . وفي هذا الباب  نتساءل عن مآلات القرارات الصادرة عن  وزارة التربية الوطنية في هذه الحكومة  ؟ وإلى أي حد احترمت الوزارة منهجية صناعة القرارات التي اتخذتها ؟

وللتحقق من هذا لابد من استعراض عدد من القرارات والبحث  في منهجيتها ومآلاتها في الميدان ،  وسأشرع في تحليل ومناقشة جملة من القرارات في عدة حلقات ، سأبدأ في هذه الحلقة بقرار توقيف بيداغوجيا الإدماج  كالآتي :

قرار توقيف بيداغوجيا الإدماج :

   كلنا يتذكر مراسلة السيد الوزير في موضوع بيداغوجيا الإدماج الصادرة بتاريخ 16فبراير 2012 تحت رقم 037×12 والتي تضمنت أربعة محاور  :

–          الاحتفاظ ببيداغوجيا الإدماج في التعليم الابتدائي على أساس إعطاء الصلاحية لمديري المؤسسات التعليمية والأساتذة من أجل اعتماد هذه البيداغوجيا ؛

–          إلغاء التقويم الوارد في المذكرة رقم 204 بتاريخ 23محرم 1432 الموافق لـ 29 دجنبر 2010 وذلك تسهيلا لعملية التقويم ؛

–          إرجاء العمل ببيداغوجيا الإدماج بالسلك الثانوي الإعدادي إلى حين وضع تقييم لنتائج تطبيقها بالتعليم الابتدائي

–          توقيف جميع عمليات التكوين المرتبطة ببيداغوجيا الإدماج ؛

قبل التفصيل في هذه المراسلة ، وجبت الإشارة إلى أنها تشكل منعطفا خطيرا في نمط التدبير بوزارة وصفت في المراحل السابقة بقاطرة لإرساء الحكامة الجيدة ، القائمة على الإشراك والتشارك والاستشارة ، وستتفنن الوزارة الجديدة في تعميق التدبير الانفرادي ، وفي إرساء مقولة التربية في خدمة الإدارة ،عبر عدة قرارات ، ضاربة عرض الحائط كل البنيات التنظيمية والتراكمات وكل الخبرات البيداغوجية والتربوية التي تزخر بها بلادنا .

ولمعرفة حجم القرار موضوع المراسلة ، ولإدراك الفرق في خطوات صنع القرار ، لا بد من التذكير بنموذج من نماذج صنع القرار في الوزارة السابقة ، وآثرت أن يكون هذا النموذج في عملية إرساء بيداغوجيا الإدماج في السلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي ، وقد تمت صناعة هذا القرار وفق المراحل التالية :

–          مذكرة رقم 112 في موضوع تجريب بيداغوجيا الإدماج بتاريخ 10 شتنبر 2008 ؛

–            مذكرة وزارية تحت رقم 174  في موضوع إرساء بيداغوجيا الإدماج بتاريخ 8 نونبر 2010

–           سلسلة من اللقاءات التواصلية بين كافة الفاعلين التربويين ، والفرقاء الاجتماعيين ،

كل هذه الإجراءات تنطلق من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، ومن البرنامج الاستعجالي الذي ظل امتدادا لتحقيق الاهداف المسطرة في الميثاق .

 ونترك للقارئ استنتاج الفرق الشاسع في منهجية صنع القرار ،بين الوزارتين السابقة والحالية ،  لنعود إلى  قراءة تحليلية  لمراسلة توقيف بيداغوجيا الإدماج  الفاقدة لأي مرجعية بيداغوجية أو تشريعية ، وقد يلاحظ القارئ في بداية الأمر حسم الوزارة في نقاط مهمة داخل المراسلة ، منها إلغاء التقويم الوارد في المذكرة رقم 204 ، و إرجاء العمل ببيداغوجيا الإدماج بالسلك الثانوي الإعدادي ، وتوقيف جميع عمليات التكوين المرتبطة بهذه  الببيداغوجيا ، في حين جاء قرارها فيما يخص الاحتفاظ ببيداغوجيا الإدماج  غير واضح ، ورمت به  بعيدا عنها إلى السادة مديري المؤسسات والمدرسين ، محاولة إبراز حرصها على الاستشارة والإشراك .

اعتقد أن بناء المراسلة بهذا الشكل لم يكن بريئا ، بل كانت تحكمه جملة من الخلفيات التي حاولت تبرير القرار قبل كتابة المراسلة ، إن الحسم في توقيف التقييم وتوقيف التكوين هو بمثابة اجتثاث للمتحكمات الأساس في كل بيداغوجيا ، ولا حياة لأي بيداغوجيا في غياب نمط التقييم لمخرجاتها ، والتكوين الداعم لها ، ، ومن ثم فإن الوزارة  قررت و بشكل قطعي توقيف هذه  البيداغوجيا قبل تحرير هذه المراسلة ، وقبل  التداول المشار إليه باحتشام بين مديري المؤسسات والمدرسين  ، ولذا كان  يكفيها أن تصدر مراسلة إخبارية بهذا الشأن دون الإشارة إلى التقييم والتكوين وإرجاء العمل بها في الإعدادي الثانوي لأن هذه الأمور كلها تحصيل حاصل . أعتقد أن محرري الوزارة  المشرفين على الشق البيداغوجي في الوزارة  لا ولن تغيب عنهم مكانة التقييم والتكوين في أي بيداغوجيا، ولكنهم بصنعهم هذا  آثروا خدمة الإدارة والتضحية بما هو بيداغوجي و تربوي ، حفاظا على مناصبهم ، وكراسييهم . علما أنهم كانوا بالأمس القريب يعتبرون بيداغوجيا الإدماج المنقذ الوحيد لمنظومتنا التربوية .

إن الحرب التي شنها السيد الوزير – منذ تعيينه على رأس هذه الوزارة – على بيداغوجيا الإدماج  في الصحافة ، وفي لقاءاته الرسمية منها وغير الرسمية ،،بدءا بمنظرها  » بوشعكاكة  على حد قوله  »،  ومرورا بما طال المؤطرين وخاصة هيأة التفتيش من تهديد بالمحاسبة ، ونعتا بأكل المال العام ،كلها كانت مؤشرات على القرار الذي كان يطبخ داخل دهاليز الوزارة ، مستغلا في ذلك رفض البعض لهذه البيداغوجيا ، ودعوات البعض لمقاطعتها . وقد جاءت المراسلة في كساء بيداغوجي تربوي مستحضرة دفوعات جيوب المقاومة فيما تطرحه البيداغوجيا من صعوبات في التقويم ، وفيما تراه هذه الفئة من هدر للمال العام ، وتحولت المراسلة بهذا من مراسلة  إلى  دعوة رسمية  لمقاطعة بيداغوجيا الإدماج .

نعم لقد تم اتخاذ القرار ، ولنفترض جدلا أن الوزارة كانت صادقة في استشارة السادة مديري المؤسسات والمدرسين ، فهذا مفاده أن القرار لم يعد بيد الوزارة الوصية  ، وأن القرار لم يعد ملزما للجميع بل هو قرار اختياري . والحالة هذه هل اخبرتنا الوزارة بنتائج اللقاءات داخل المؤسسات التعليمية ؟ كم عدد المؤسسات التي أوقفت الاشتغال ببيداغوجيا الإدماج ؟ وكم عدد المؤسسات التي أرتأت الاحتفاظ بها ؟ وهل يجوز الاشتغال بمقاربتين في منظومة تربوية واحدة  ؟ وإذا كان الجواب بنعم ، ما مصير التقييم خاصة في الامتحانات الإشهادية ؟ وما هو البديل المقترح لتجاوز الفراغ الذي خلفه توقيف هذه البيداغوجيا ؟

وبمناسبة الحديث عن البديل لا يتوانى البعض ممن ساهموا في هذا بتذكير الفاعلين إلى الاشتغال بالمناهج السابقة ، وبالمقاربة بالكفايات ؟ وكم من مرة طلب من المسؤول على الشأن البيداغوجي تدوين دعوته هذه في مراسلة رسمية ، لكنه لم يفعل ولن يفعل ، لأنه يعلم أن بيداغوجيا الإدماج التي سعى في توقيف الاشتغال بها ، كانت  هي كذلك تشتغل على المناهج السابقة وتوظف مقاربة التدريس بالكفايات ، ومقاربات أخرى .

هكذا تمت صناعة قرار توقيف بيداغوجيا الإدماج ، فاتخذ القرار بعيدا عن الفاعلين التربويين ، في منتصف السنة الدراسية ، دون متابعة آثاره على العمل داخل الفصول ، ودون اقتراح البدائل الممكنة  ،فإلى متى ستتشبث وزارتنا بمنهجها في صنع قرارات بعيدا عن الفاعلين ، ودون استحضار التراكمات التنظيمية والبداغوجية ؟ 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *