Home»Enseignement»من أين سنبدأ إصلاح منظومة التربية والتكوين ؟

من أين سنبدأ إصلاح منظومة التربية والتكوين ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

من أين سنبدأ إصلاح منظومة التربية والتكوين ؟

   

عبد الغفور العلام

لقد أعادالخطاب الأخير الذيألقاه جلالة الملك بمناسبة الذكرى الستون لثورة الملك والشعب،النقاش حول المسألة التربوية و التكوينية ببلادنا، والذي اعتبر من لدن الفاعلين والمهتمين و المتتبعين للشأن التربوي كخارطة طريق وطنية لإصلاح المنظومة التربوية ، حيث شخص الخطاب الملكي الوضعية الراهنة لقطاع التعليم ببلادنا تشخيصا « قويا وقاسيا »، من خلال تصريح جلالته  » أن ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة ».

كما أكد جلالته على أن واقع التربية والتكوين ببلادنا « يقتضي إجراء وقفة موضوعية مع الذات، لتقييم المنجزات، وتحديد مكامن الضعف والاختلالات ». هذه الأخيرة حصرها الخطاب الملكي في اعتماد المنظومة التربوية الحالية على بعض البرامج والمناهج التعليمية التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل؛ وكذا في الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية، من العربية في المستوى الابتدائي والثانوي، إلى بعض اللغات الأجنبية، في التخصصات التقنية والتعليم العالي.

ومن هذا المنطلق، و لإغناء وإثراء النقاش العمومي الدائر حاليا حول المسألة التربوية، سنحاول في هذه الورقة المختصرة، من جهة، استعراض أهم منطلقات ومرتكزات الإصلاح المستقبلي بقطاع التربية و التكوين، ومن جهة أخرى، سنقترح بعض المقاربات والمنهجيات والممارسات التي من المفيد اعتمادها وتبنيها لبلوغ الأهداف الإصلاحية المتوقعة وتحقيق النتائج المرجوة. لنخلص في الأخير إلى تقديم بعض المداخل الأساسية التي لا محيد عنها لإنجاح الإصلاح التربوي المنشود.

1 – منطلقات ومرتكزات الإصلاح التربوي:

إن نجاح أي إصلاح تربوي رهين بمدى تناغمه مع المشروع المجتمعي المتوافق عليه، وبمدى ارتباطه وتجاوبه مع التغيرات والتحولات التي ترافقه خصوصا ونحن نعيش عصر العولمة وما تفرضه من تحديات ورهانات وتتطلبه من اجتهادات و مجهودات غرضها تأسيس مجتمع العلم والمعرفة.  وعلى اعتبار كذلك أنه لا يمكن إصلاح قطاع التربية والتكوين بمعزل عن الإصلاح السياسي و الاقتصادي و الثقافي و المجتمعي في شموليته.

وعلى هذا الأساس، نكاد نجزم أن الإصلاح التربوي المنشود ببلادنا يمكن أن ينطلق من المرتكزات التالية، باعتبارها المرجع الرسمي والخيط الناظم و المؤطر للعملية الإصلاحية المستقبلية التي تهم المدرسة و الجامعة المغربية:

–         الدستور الجديد للمملكة : الذي ينص على ضرورة  تعبئة كل الوسائل المتاحة من طرف الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة(الفصل 31) . كما أن الدستور الجديد  يؤكد على أن  التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة. (الفصل 32)

–         الخطاب الملكي ل 20 غشت 2012:الذي حدد المرامي الأساسية للمنظومة التربوية المستقبلية، و التي تتمثل بالأساس في: ضمان الولوج العادل و المنصف إلى المدرسة و الجامعة، والحق في الاستفادة من تعليم جيد وملائم لمتطلبات الحياة، و كذا ضرورة تطوير  الملكات و الكفايات  لدى المتعلمين و استثمار طاقاتهم الإبداعية.

–         الخطاب الملكي الأخير ل 20 غشت 2013: الذي شدد  فيه جلالته على أنه  » لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية.بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع ».

–         الميثاق الوطني للتربية والتكوين: باعتباره أهم وثيقة لإصلاح منظومة التربية و التكوين، ولكونه يعتبر دستورا تربويا بامتياز، أجمع وتوافق عليها مختلف الفاعلين والفرقاء والمتدخلين والمهتمين بالمجال التربوي ببلادنا، والتي تم الحسم من خلاله في المرتكزات الثابتة والغايات الكبرى لنظام التربية والتكوين.

–         التصريح الحكومي ليناير 2012:  حيث أكدت فيه الحكومة على ضرورة إعادة الثقة في المدرسة العمومية  من خلال  » تركيز مجهوداتها على قضايا الحكامة وجودة النظام التعليمي، واستعادة وظيفته التربوية، والاهتمام بوضعية الأطر التربوية في إطار منهجية تعاقدية واضحة تضع المتعلم في صلب العملية التربوية ».

2 – مراجعة المقاربات المعتمدةفي الإصلاحات المتعاقبة:

إن نجاح الإصلاح المستقبلي المنشود مرتبط أساسا بإعادة النظر في مقاربات الاشتغال المعتمدة في الإصلاحات المتعاقبة على منظومة التربية والتكوين والتي أثبتت التجربة محدوديتها.  وذلك عبر ابتكار منهجيات حديثة، واستعمال أدوات وآليات اشتغال متطورة. وعن طريق كذلك، ترسيخ ممارسات تربوية وتدبيرية جديدة، تروم إنجاز الإصلاحات الضرورية و تحقيق النتائج المرجوة . ولن يتأتى ذلك في نظرنا إلا من خلال:

– إعمال المقاربة التربوية الشاملة التي تعتمد الحلول التربوية و البيداغوجية والتكوينية لمعالجة الإختلالات الأساسية للمنظومة التربوية. والعمل على تجاوز المنطق التقني الصرف الذي يرتكز على التدبيرالتقنوقراطي -الإداري والبيروقراطي للشأن التربوي والتكويني. إلى منطق يروم استحضار ما هو نوعي، ويركز بالأساس على جودة وملاءمة المحتوى و المضامين وعلى فعالية و نجاعة أداء ومردودية المنظومة التربوية.

– الحرص على ممارسة المقاربة التشاركية التي تعتمد الإشراك و التشارك الحقيقي لكل الفاعلين و المتدخلين والشركاء في الحقل التربوي (تلاميذ، مدرسون،إدارةتربوية، أطر المراقبة و التأطير التربوي،آباءوأمهات، نقابات تعليمية، جمعيات مدنية، فاعلون ومتدخلون ، شركاء، القطاعات الحكومية ذات الصلة بالتربية و التكوين…) ؛

– إعمال المقاربة التعاقية والتدبير بالنتائج من أجل  تحسين مردودية و نجاعة وفعالية تدبير المنظومة التربوية وتخليق وشفافية تدبيرها المالي و المادي.

اعتماد مقاربة متعددة الأبعاد و المستويات تستدعي استحضار كافة التمفصلات العلائقية الذاتية و الموضوعية المرتبطة بمنظومتنا التربوية وذلك عبر نهج مقاربة شمولية مندمجة (الالتقائية ). إذ لا يمكن إصلاح مجال التربية والتعليم بمعزل عن باقي القطاعات الاجتماعية و الاقتصادية الأخرى، وفي ضل تدني مؤشرات التنمية البشرية وارتفاع نسب الفقر و الأمية و البطالة.

3 – المداخل الأساسية لإنجاح إصلاحالمدرسة و الجامعة المغربية: من هنا نبدأ.

يستلزم الإصلاح التربوي تعبئة وانخراط كافة الفاعلين والمتدخلين والشركاء في المنظومة التربوية والتكوينية، وذلك من خلال المداخل الأساسية التالية:

– تنظيم حوار و نقاش عمومي  مسئول حول إصلاح قطاع التربية و التكوين على شكل مناظرة وطنية  تنبثق عنه خلاصات و توصيات ملزمة وتشارك فيه جميع الفعاليات الوطنية :( أكاديميون، خبراء، كل الفاعلين و المهتمين والشركاء والمعنيين بالشأن التعليمي، على اعتبار أن قضية التربية و التكوين قضية تهم الجميع و أن المسؤولية مسؤولية الجميع …) مع الحرص على الاستئناس بالتجارب الدولية، خصوصا بتجارب الدول التي حققت إقلاعا تنمويا قياسيا بفضل إصلاح نظامها التعليمي.( اندونيسيا، ماليزيا،تركيا…)؛

– العمل على تحديد وتدقيق وتجديد وظائف وأدوار المدرسة والجامعة المغربية، و ذلك من خلال الانتقال من نمط تعليمي  ينتج  أجيالا  مروضة  ومستسلمة وخانعة، ويعتمد في مناهجه الدراسية على الحفظ و اجترار المعلومات، إلى نموذج تعليمي  وطني  تتخرج  منه أجيال متحررة و مسئولة ، وتمتلك الشجاعة و الحس النقدي، و تتحكم في اللغات وآليات التواصل و التكنولوجيات الحديثة؛

– إعادة النظر في الرؤية الإستراتيجية التي تحكم مختلف المخططات الإصلاحية المتعاقبة، من خلال التخطيط والاستشراف المحكم لمستقبل منظومة التربية و التكوين، وعبر تسطير ووضع أهداف واضحة ودقيقة وواقعية، تنسجم مع الموارد المالية و المادية و البشرية المتاحة، وتتوافق مع متطلبات وحاجيات سوق الشغل؛

– التوافق والحسم النهائي في الإشكاليات الإستراتيجية الكبرى للمنظومة التربوية ( الحكامة، تكافئ الفرص، اللغات،المجانية، الجودة…) وذلك من خلال الحرص على نهج مقاربة وطنية تشاركية واسعة.

– الحرص على التعبئة المجتمعية الشاملة والتواصل الفعال حول الإصلاح وإعادة الثقة للمدرسة و الجامعة المغربية ، عبر إعداد خطة تواصلية استراتيجية محكمة بمشاركة كافة الفاعلين والمتدخلين والشركاء؛

– تحديد الأولويات والعمليات و الإجراءات الإستعجالية الواجب البدء منها في مخطط الإصلاح، وذلك من خلال التركيز على المعضلات التربوية التي تتطلب التدخل الآني والمستعجل: الإكتظاظ، الأقسام متعددة المستويات، الهدر المدرسي…

– إعادة الاعتبار لنساء ورجال التعليم على اختلاف فئاتهم و أطيافهم ومشاربهم، باعتبارهم حجر الزاوية ونقطة الارتكاز الأساسية لإنجاح الإصلاح. وذلك عبر الاستماع إلى همومهم و انشغالاتهم والعمل على حل مشاكلهم،  وكذا إعادة الاعتبار لهم و تحفيزه ماديا ومعنويا . زيادة على ضرورة تعبئتهم وإشراكهم في جميع مراحل العملية الإصلاحية (البلورة، الإعداد، التنفيذ، التقييم) وذلك، قصد ضمان انخراطهم ومشاركتهم  ومساهمتهم الفعالة في مجهودات الإصلاح .

– الإسراع بتحيين الإطار القانوني والتشريعي و المؤسساتي الذي يؤطر المنظومة التربوية.من خلال إصدار نظام أساسي  منصف وعادل يلبي حاجيات و انتظارات موظفي وزارة التربية الوطنية؛

– الإسراع بتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، باعتباره آلية استشارية لإبداء الرأي واستعراض وجهات النظر في الإشكاليات التربوية الملحة.

عبد الغفور العلام

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. مدرس
    04/09/2013 at 04:44

    يا أخي أغلب ما قلته و أكثر من ذلك قيل منذ بداية سنة 2000 الى يومنا هذا و
    دائما يبقى حبرا على ورق. لماذ؟
    كفانا من كلمات مثل: يجب توفير…, يجب اشراك…, يجب محاسبة…من؟ الجكومات, المفتشين, المدرسين…
    انطلاقا من تجربتي المتواضعة, لن ينجح اي مشروع تنموي او اجتماعي او تربوي في بلادنا …. الا اذا توفر هذان الشرطين الأساسيين
    1- ما فطن اليه صاحب الجلالة الا وهو العمل الميداني وتتبع المشاريع عن قرب داخل الزمن المجدد, فلا ينتظر خيرا من اصدار مراسيم ومذكرات ثم القبوع وراء المكاتب الفاخرة و الجلوس في النوادي واقامة سهرات او حفلات. من المفروض ان يقوم السيد الوزير و المسؤولين بالوزارة بزيارات مكثة في جميع الأقاليم للوقوف عن كثب نسبة انجاز وتفعيل المشروع والمشاكيل التي تعرقل فعاليته. و مراقبة مديري الأكاديميات و النواب و الاضطلاع على عدد الزيارات التي قاموا بهاالى المؤسسات و التقارير المنجزة في ذلك, فانا شخصيا لا ارى السيد المدير و لا السيد النائب الا في اليوم الأول لامتحانات البكالوريا فماذا كانا يفعلان طوال السنة,على الأقل بهذه الزيارات كان سينخفض بكثير عدد غيابات الكثير من أطر الادارة التربوية:مدراء,حراس عامون, قيمون على المكاتب,بعض الأساتذة المتأخرين او الجالسين خارج الأقسام ينتظرون انتهاء الحصة او اصلا عدم الالتحاق بالمؤسسة كما هو الشأن بالعالم القروي… و
    كذلك السيد المدير عليه بزيارة لأقسام و الحضور لبعض الحصص خاصة التي تقع عليها شكايات من طرف التلاميذ…لا نجاح لأي مشروع من وراء المكاتب دون النزول الى الميدان.
    2- الشرط الثاني ازالة الحيف الذي حل بأساتذة التعليم الابتدائي, و هي أصعب مرحلة في تكوين المتعلم اما أن يكون او لا يكون ( له آفاق دراسي في المستقبل) . لا أدري ما كان هدف الذين وضعوا المناهج و التقسيم الزمني للحصص, ما رأيته هو الحكم بالأشغال الشاقة على استاذ الابتدائي, فلو اجتمع الانس و الجن على تطبيقه فلن يفلحوا. كيف ذلك؟
    فأستاذ الثانوي و الاعدادي تلزمه ساعة ونصف الى ساعتين لانجاز جدادة واحدة يستعلملها لساعة او ساعتين, أما الابتدائي فعليه انجاز 5 او 6 جدادات اي ما يفوق 3 ساعات ليليا بعضها يجب عليه شرحها وتطبيقها في 20 دقيقة , مفارقات عجيبة , أضف الى ذلك تصحيح العشرات من الدفاتير يوميا, ثم عليه اعطاء حصص رياضية.فهذه الأشغال الشاقة ولتفادي الملاحظات السلبية وبالتالي نقطة سلبية قد يضعها السيد المفتش تحرمه من الترقية, ذفعت غالبية المدرسين الى تصحيح الدفاتيرو احيانا كتابة الجدد داخل القسم(ليس هناك حلا آخر ما عدا ان نجرده من حياته الشخصية واسرته). ناهيك عن القاء المدرس لدروس مختلفة متتالية من 20د الى 40د رياضيات, قراءة, فنون…
    فالدروس تمر أمام التلميذ كالبرق فماذا عساه ان يستوعب؟
    فاي مشروع و اي مرامي يبقى رهينا بالعمل الميداني و رفع الضرر على التعليم الابتدائي معلم ومتعلم. والله أعلم

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *