Home»Enseignement»حجرة الدرس: غرفة العمليات ومنطلق القرارات

حجرة الدرس: غرفة العمليات ومنطلق القرارات

5
Shares
PinterestGoogle+

حجرة الدرس: غرفة العمليات ومنطلق القرارات

بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.

مقدمة:

مع انطلاق كل حصة دراسية، يلتحق التلاميذ بحجرة الدرس، يسبقهم مدرسهم، أو يرافقهم، أو، غالبا، ما يسبقونه التلاميذ. وبمجرد ما يلتحق التلاميذ بحجرة الدرس، بأي شكل كان، وحسب المستويات الدراسية والشعب والمسالك والتخصصات، وموقع المؤسسة التعليمية وطبيعة المدرس والمادة المدرسة ولغة التدريس، يمكن أن يأخذ التلاميذ أمكنتهم بهدوء وتنطلق العملية التربوية بمختلف مكوناتها، كما يمكن تسجيل مشاهد متعددة: فمن التلاميذ من يأخذ مكانه، ومنهم من يشاغب ويصرخ، ومنهم من يثب وينط على الطاولات ويجري ويركض في جميع  الاتجاهات في حركات دائبة غير محسوبة العواقب، وأفعال طائشة، وشجار حتى.

وعلى أي حال، فالتلاميذ يلتحقون بقاعة الدرس، هذا الفضاء التربوي الذي يعتبر أحد مرافق المؤسسة التعليمية، حيث يتعايش مدرس وتلامذته، تجمعهم عمليات تربوية وأنشطة وأشغال وعلاقات تتم داخل هذا الحيز المحدود والمستقل والمحاط بأربعة جدران تعزله أثناء إنجاز الدروس عن العالم الخارجي، عن الساحة وعن الإدارة التربوية وعن مختلف المرافق بالمؤسسة التعليمية.

إن الموضوع الحالي لن يركز على طرائق بيداغوجية بعينها، ولن يسهب في تعاريف مصطلحات تأطر عمليات القراءة والكتابة والحساب ومضامين الدروس المقررة، عموما، بقدر ما يتناول أحداثا تقع داخل القسم، ومن حين لآخر، تخيم على مجريات العملية التربوية، إلى حد عرقلتها أحيانا وتحويلها إلى هوامش تؤثر سلبا على مناخ الفعل التربوي، قد تؤدي إلى عكس الأهداف التربوية المنتظرة، عموما، من منظومة التربية والتكوين، الأمر الذي يفضي إلى تسرب التلاميذ وتنامي ظاهرة الهدر المدرسي.

·       فماذا يحدث داخل حجرة الدرس أثناء حصص تستغرق ساعات طوال على امتداد السنة الدراسية؟

·      وكيف يتعامل المدرسون مع مختلف الحالات الطارئة، داخل حجرة الدرس، هذا الحيز المغلق؟

·      وما هي القرارات التي يتخذونها، عموما، لمعالجة مختلف الأحداث الطارئة؟

·      وما هي الآثار التربوية لهذه القرارات على كل من التلاميذ ومساراتهم الدراسية، والعملية التربوية، خصوصا، والمنظومة التربوية بشكل عام؟

·      وما هي آفاق إصلاحات تعليمية تخص مناخ حجرة الدرس وتحسين أحوال العملية التربوية داخل هذا الفضاء المغلق؟

من خلال هذه الأسئلة، سنحاول سبر أغوار حجرة الدرس واقتحام هذا الحيز المغلق، وذلك من خلال أحداث متعددة تتكرر على مدار الحصة الدراسية، نعيشها والمدرس والتلاميذ لحظة بلحظة، تتطلب، أحيانا، تدخلات الأطر الإدارية لفضها في حينها، أو عقد مجالس القسم للتداول بشأنها ومعالجتها.

وفي الغالب، تنعكس هذه الأحداث سلبا على مضامين العملية التربوية وتفضي إلى نتائج غير محمودة العواقب، نتناولها في الفقرات التالية انطلاقا من تجارب شخصية، وتقارير ميدانية، ومواكبتنا اليومية للعملية التربوية، وذلك على النحو التالي:

I.    أحداث تقع داخل حجرة الدرس وتؤثر على السير العادي للعملية التربوية:

يلمس جليا، خلال السنوات الأخيرة، ترهل واهتزاز العلاقة بين المدرس والتلميذ إلى درجة تفشي ظاهرة العنف المتبادل بين الطرفين، حيث انهارت مجموعة من القيم النبيلة التي كانت تسود الفصل الدراسي، لأسباب شتى يتقاسمها اليوم كل من المدرس والتلميذ والمجتمع المدني، فأصبحت حجرة الدرس ميدانا لأحداث هامشية تنزل بكل قواها على سير العملية التربوية وتؤثر فيها سلبا.

فمنذ انطلاق الحصة الدراسية، تتوالى مشاهد هامشية مصدرها التلاميذ والمدرس على حد سواء، فمن تأخر التلاميذ عن موعد الدرس وتصدي المدرس لهذه الظاهرة، إلى عدم توفر التلاميذ أو بعضهم على كتب المقرر والأدوات المدرسية وتدخل المدرس، إلى حدوث شنآن بين الأستاذ والتلاميذ حول نقط الفروض التي يعتبرها التلاميذ غير منصفة، إلى عدم إنجاز التلاميذ أو بعضهم الواجبات المنزلية، إلى صدور فعل خشن من أحد التلاميذ وجر البعض الآخر إلى الصراخ والشغب والتلفظ بالكلام البذيء فتدخل الأستاذ فسخرية التلاميذ منه، فهدر للزمن المدرسي …

وهكذا يسجل، داخل حجرة الدرس، توالي هذه الأحداث وتناسلها في ظل مناخ، غالبا، مكهرب، ومحاولة التلاميذ افتعالها من أجل جر الأستاذ إلى حالة الغضب وفقدان الصواب المؤديين غالبا إلى ما يقصده التلاميذ، خصوصا منهم غير المبالين، هذا القصد المتمثل في عدم إنجاز الدرس، لعدة أسباب يعرفها التلاميذ حق المعرفة، أو عدم إنجاز فرض محروس، أو التخلص من واجبات منزلية، أو غير ذلك من القضايا التي لا تروق التلاميذ أو على الأقل البعض منهم.

وقد أجزم بعض الأساتذة أنه، في بعض الأقسام، يتم التصدي في كل دقيقة، تقريبا، لحدث هامشي، لا يمت للدرس بصلة، صادر عن تلميذ معين هدفه الشغب وعرقلة سير إنجاز الدرس، إما تلقائيا بغرض الزعامة، أو بإيعاز من زملائه الذين يتقاسمونه نفس الوضعية، ونفس الأهداف. 

وعليه، وفي مثل هذه الأوضاع المتكررة، يسجل المدرس أن زمنا كثيرا من الحصة الدراسية يهدر سدى، ما يؤثر سلبا على محتويات الدرس والطرائق البيداغوجية التي يجب تطبيقها تربويا وتعليميا.

II.كيفية تعامل المدرسين مع هذه الأحداث والقرارات المتخذة من طرفهم:

من المعلوم أن تدخلات الأستاذ لمواجهة أحداث طارئة داخل حجرة الدرس، وبصفته راشدا ومربيا، وساهرا على تربية وتعليم الأجيال، وفق ما تتطلبه، تشريعا، مهنة التربية والتعليم، يجب أن تتسم بالحكمة والتبصر، بعيدا عن التسرع والتشنج وفقدان الصواب. حيث إن أي تدخل أو خطاب غير لائق أمام التلاميذ يعتبر صبا للزيت على النار، ولا يزيد الوضعية إلا تفاقما، لذا فالتريث وضبط الأعصاب وفهم عمق الحدث من أوجب الواجبات قبل أي تدخل أو اتخاذ قرار من أي نوع كان.

وحيث إن أي تدخل من طرف الأستاذ يعتبره التلميذ عنفا ممارسا عليه، أو فعلا قد يؤدي به إلى وضعية سيئة أمام زملائه أو لدى الإدارة التربوية، أو لدى أولياء أمره، فإن هذا التدخل يواجهه التلميذ بعنف مضاد، فيتعقد الوضع ويسير، لا محالة، نحو الأسوأ.

من هذه المنطلقات، وحيث إن كل حدث يتطلب، من طرف الأستاذ، تدخلا خاصا فقرارا معينا، فإن، على سبيل المثال لا الحصر، إرسال الأستاذ التلاميذ المتأخرين أو المتغيبين أو غير المنضبطين أو غير المتوفرين على الكتب المدرسية، أو الذين لم ينجزوا الواجبات المنزلية، إلى إدارة المؤسسة، التي تتخذ في حقهم قرارات زجرية، يعتبر من طرف التلاميذ عنفا مسلطا عليهم، يواجهونه بردات فعل، غالبا، أكثر عنفا، يترتب عنه اضطراب أو قطع التواصل والاحترام بين الأستاذ والتلاميذ.

ومن ناحية، فتوبيخ الأستاذ التلميذ الصادر عنه، في تقدير الأستاذ، فعل مناف لأعراف الفصل الدراسي، وتأنيبه أو زجره أمام التلاميذ، من شأنه أن يثير حفيظة التلميذ، الذي يشعر في تلك اللحظة بإهانة وإذلال، وعليه لا يتوانى في رد فعل، غالبا، ما يتسم بعنف، في اعتقاده أنه يدافع نفسه، دون اعتبار المدرس ومكانته التربوية.

ومن ناحية أخرى، فشعور تلميذ بحيف تجاهه، كمنح المدرس إياه نقطة دون ما يستحق، أو إخراجه من الفصل الدراسي، أو قرار عقاب ظالم… كلها وضعيات تحدث انفجار التلميذ، وتؤدي به إلى مواجهات عنيفة تفرغ العملية التربوية من محتواها وتزيغ بها نحو هوامش غير مرغوب فيها.

III.  آثار القرارات المتخذة بشأن الأحداث الطارئة داخل حجرة الدرس على كل من التلاميذ والعملية التربوية والمنظومة التربوية:

يجزم المتتبعون للعملية التربوية أن مختلف الأحداث الطارئة على هامش إنجاز الدروس تؤثر سلبا في التلاميذ والعملية التربوية ومنظومة التربية والتكوين.

إن الحدث الطارئ داخل حجرة الدرس، كان صادرا عن التلاميذ أم عن الأستاذ، لا محالة يعكر صفو مناخ القسم، ويعرقل سير إنجاز الدروس وبالتالي يؤثر سلبا على التلاميذ والفصل الدراسي والمناخ العام لسير العملية التربوية، خصوصا إذا نال الحدث من التوازن النفسي والعصبي للأستاذ، وثارت حفيظته، حيث يمكن أن يؤدي الأمر إلى مواجهات كلامية وتبادل ألفاظ بذيئة بين التلاميذ والأستاذ، فيشعر، على إثرها، أغلب التلاميذ بالقلق والانقباض والتشنج العصبي، فمنهم من يستهزئ ومنهم من يهدئ، إذ تصبح بعدها الوضعية متوترة، إلى درجة استحالة استمرار الأنشطة التربوية، فيتم إنجازها بشكل اعتباطي خال من أي منهجية تربوية وفي غياب أي تواصل مثمر، ما يؤدي بالأستاذ، بارتباك وتوتر، إلى اتخاذ قرارات ارتجالية: من طرد التلاميذ من حجرة الدرس وإحالتهم على إدارة المؤسسة، ما يترتب عنه حرمانهم من متابعة الدرس، أو رفع تقارير داعية إلى عقد مجلس القسم الذي غالبا ما يتخذ قرارات زجرية تتجلى في مجموعة إجراءات ضد بعض التلاميذ، من توقيف المشاغبين منهم، في تقدير الأستاذ، لمدة معينة، أو تغييرهم المؤسسة، أو إشهار أسمائهم ونوع عقابهم على سبورة التواصل، أو إحضار أولياء أمورهم …

وفي حالة من الارتباك وبعجالة، وخلال الدقائق القليلة المتبقية من عمر الحصة الدراسية، يلتجئ الأستاذ إلى إلقاء الدرس وإملاء الملخصات، الأمر الذي يؤدي  بأغلب التلاميذ إلى عدم استيعاب محتويات الدرس، وبالتالي عدم القدرة على استثمار معلومات غير مبنية وفق مراحل تسلسلية وأسس منطقية.

وهكذا يدون التلاميذ الدروس على هذا النحو من الارتجال، وفي جو من التوتر، فتتراكم على كراساتهم دون فهم ولا استيعاب، وبالتالي يتراكم انخفاض مستوى التحصيل الدراسي عند التلاميذ، ما يمكن من رفع التساؤلات التالية:

·      أي إنتاج شخصي ينتظر، في هذه الوضعية، من التلاميذ؟

·      أي نتائج، في ظل هذه الأحداث، يمكن أن يحققها التلاميذ؟

·      ألا تؤدي هذه الأوضاع بالتلاميذ إلى الالتجاء إلى الغش في الامتحانات؟

·      ألا تؤدي هذه الأوضاع إلى انخفاض المردودية الداخلية والخارجية لمنظومة التربية والتكوين؟   

IV.إصلاحات تهم أحوال حجرة الدرس:

لقد عرف قطاع التعليم على امتداد أكثر من نصف قرن، عدة إصلاحات، تعاقبت بتعاقب الحقب الزمانية والأجيال المتوالية، حيث شكلت عدة مجموعات لجان، وانكبت على النظر في قضايا التعليم، فاتخذت قرارات واختيارات وفق تصوراتها الذاتية والغايات المرسومة لمنظومة التربية والتكوين، ما كان يؤدي، بالطبع، إلى فشل هذه الإصلاحات دون تحقيق المنتظر منها على الساحة التربوية والتكوينية، الأمر الذي انعكس سلبا على جميع الأصعدة، منها التربوية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها.

إن أي متتبع لهذه الإصلاحات، يلمس بجلاء أنها لا تزال لم تقتحم بعد جحرة الدرس، وبالتالي، لم ينل منها التلميذ نصيبا محددا، ولم تستطع الغوص في العلاقات القائمة بين الأستاذ والتلاميذ، ولم توضع بعد تصورات تربوية وإدارية ناجعة لمعالجة وضع حجرة الدرس والحد من حالات التشنج والاحتقان المزمنة، التي تخيم على إنجاز مختلف الدروس.

خاتمة:

فباعتبار حجرة الدرس « العلبة السوداء » للعملية التربوية، كما يحلو للبعض تسميتها، غرفة جميع العمليات التربوية ومنطلق جميع القرارات التربوية والإدارية، والمحدد الأساسي للمسار الدراسي للمتعلمين، فإنه بات من الضروري توجيه الاهتمام أكثر إلى المناخ الذي يسود العلاقات القائمة بين الأستاذ والتلاميذ، وبناء الدروس، والأحوال التربوية والنفسية للتلاميذ وهم يتفاعلون داخل هذا الفضاء المغلق، وذلك بالتركيز على التكوينات المستمرة للأساتذة في مجال الإنصات  والتواصل وكيفية التدخلات واتخاذ القرارات ومعالجة مختلف الوضعيات داخل حجرة الدرس باعتماد نظريات علوم التربية وعلم الاجتماع وعلم النفس في مختلف الفروع والميادين.

كما أنه بات من الضروري، إيلاء كثير من الاهتمام إلى الطفل وأحواله النفسية والتربوية بإشراك الأسر ومؤسسات المجتمع المدني، حتى يتشبع التلاميذ بمنظومة القيم النبيلة، وتعرفهم بشكل جلي على حقوقهم وواجباتهم داخل المؤسسة التعليمية عموما، وداخل جحرة الدرس على الخصوص، حتى تستقيم العلاقات بين التلاميذ والأساتذة، ويتم إنجاز الدروس في إطار مناخ تربوي خال من المواجهات والمشاحنات، وبالتالي تحقق العملية التربوية الأهداف المنتظرة منها، وتسير قدما منظومة التربية والتكوين نحو الغايات المرسومة لها.

المراجع:

·      ذذ، عبد الكريم غريب ومحمد فاوبار، علم النفس التربوي، ترجمة ل »موريس دوبيس، كاستون ميالاري »، منشورات عالم التربية، 2005، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛

·      د. أحمد أوزي، سيكولوجية المراهق، منشورات مجلة الدراسات النفسية والتربوية، 1986، دار الفرقان للنشر الحديث، الدار البيضاء، المغرب؛

·      د. أحمد أوزي، علم النفس التربوي، قضايا ومواقف تربوية وتعليمية، الطبعة الأولى، 2000، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛

·      ذ. مصطفى محسن، مدرسة المستقبل، رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير، الكتاب السادس والعشرون، 2009، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛

·      د. رشيدة برادة، المدرسة المغربية كما يراها المراهقون والشباب، الطبعة الأولى، 2009، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛

·      د.عبد الرحمن العيسوي، علم النفس التعليمي، الطبعة الأولى، 2000، بيروت، لبنان؛

نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *