Home»International»التهديدات الأمنية لدول الاتحاد المغاربي

التهديدات الأمنية لدول الاتحاد المغاربي

0
Shares
PinterestGoogle+

التهديدات الأمنية  لدول الاتحاد  المغاربي

محمد بوبوش: باحث في العلاقات الدولية-الرباط

 

   لاشك أن التحولات التي شهدتها الساحة الدولية في العقد الماضي و تشهدها في العقد الحالي، قد تركت أثارها على التفاعلات الدولية المختلفة، وكذا  على النظام الدولي و ترتيباته، وهذا ما يجعل الدارسين المختصين يعيدون النظر في مناهج وأطر تفكيرهم ونظرياتهم و افتراضاتهم المتعلقة بدراسة الظواهر الدولية.

   ولما كان موضوع الأمن يعد من أولويات السياسات القطرية و الدولية، توجب إعادة النظر في هذا المفهوم الذي واجه بدوره تحديات جديدة، في ظل تنامي هيمنة القوى العظمى على النظام العالمي والتراجع المتنامي لمفهوم السيادة الوطنية، و اتساع نطاق التدخل الدولي في الشؤون الداخلية في ما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، ومكافحة الإرهاب، ومراقبة التسلح و حماية البيئة، وهيمنة سياسات التكتلات الإقليمية والعالمية   هذه القضايا جميعها  دفعت الدارسين و صناع السياسة إلى إعادة النظر في المرتكزات التي يقوم عليها مفهوم الأمن الوطني، و بدأ الاهتمام بموضوع الأمن يتسع ليشمل موضوعات أخرى غير عسكرية كالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية بل حتى الفكرية. كما بدأ النقاش يتركز أكثر على مفهوم الأمن الإقليمي والعالمي وكما تم استبدال الدولة كمرجعية في الدراسات الأمنية بالإنسان، فبدأ أيضا النقاش يتبلور حول مفهوم الأمن الإنساني

    بناء على ذلك، عرف المغرب العربي عدة تطورات وتغيرات على جميع الأصعدة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والثقافية،بعد ثورات الربيع العربي الشيء الذي جعل منه ميدانا خصبا للدراسات الأكاديمية التي تحاول تمحيص هذه الديناميكيات الجديدة التي دخلها، وإذا كانت مجمل هذه الدراسات تركز على الجوانب السياسية أو التاريخية، فإن الجوانب الأمنية لم تحظ بذلك القدر من الدراسة، وهو ما يدفع  إلى فهم تحدياتها وأهم الإشكاليات المحيطة بها.

ومما لاشك فيه أن منطقة الساحل  الإفريقي هي منطقة الأزمات لما تعرفه هذه المنطقة من تدهور امني يؤثر بشكل كبير و مباشر على الأمن الإقليمي و الدولي ككل إذ تشهد المنطقة مختلفة الأنشطة الإجرامية من تنظيمات إرهابية إلى كارتيلات الجريمة المنظمة بجميع إشكالها إضافة إلي الأقليات و العرقيات و النزاعات التي تتسبب فيها لتحقيق بعض المصالح الضيقة وعلى رأسها  مطالبها الانفصالية، كل هذه المهددات جعلت من منطقة الساحل و الصحراء بؤرة من بؤر التوتر ومنطقة حاضنة للإرهاب.

   وثمة الكثير من الوقائع والمعطيات التي تدفع بصناع القرار والمعنيين بالأمن الإقليمي والدولي للفزع مما يجري في دول الساحل الإفريقي، حيث الصحراء الكبرى التي ظلت لأعوام طويلة عصية على الفهم وتفكيك الرموز. ولعل التحركات التي شهدتها الشهور الأخيرة تؤشر بتحول دراماتيكي من شأنه ان يعيد بعثرة أوراق الحرب العالمية على الإرهاب ويضع أمن شمال افريقيا وأوروبا على المحك.

    ونظرة على أهم الحركات ألمسلحه الناشطة في هذه المنطقة الحساسة والمهمة جدا نجد أنها هي:

جماعة أنصار الدين: هم طوارق من أصول عربية، يرأس هذه الجماعة المدعو إياد أغ غالي، والحركة ذات توجه سلفي تدعوا إلى تطبيق مبادئ الشريعة الاسلامية في دولة مالي، ولكنها لا تطالب باستقلال شمال مالي، مؤسس هذه الجماعة إياد غالي تأثر بالفكر السفلي حينما عمل كدبلوماسي لبلاده في منطقة الخليج العربي، وتعد هذه الحركة اكبر الجماعات المسلحة  وينظر إليها بمثابة طالبان في أفغانستان.

القاعدة في بلاد المغرب العربي : تنظيم منبثق عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، يترأسها عبد المالك دروكدال، أبو مصعب، وهذه الجماعة الأكثر تسليحا وخبره قتاليه عن باقي المجموعات، كما تمتاز بعلاقاتها مع شيوخ القبائل في المنطقة لكل ذلك فان لهذه الجماعة اليد العليا في المنطقة، وهي المحرك الحقيقي لكل الفصائل الاسلامية المسلحة في شمال مالي.

تهدف هذه الجماعة إلى تحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي، خاصة الوجود الفرنسي والأمريكي، وينظر التنظيم إلى منطقة شمال مالي على أنها المنطقة التاسعة لإمارة الصحراء وفق التقسيم الإداري لتنظيم القاعدة، حيث يقسم التنظيم شمال إفريقيا إلى مناطق عسكرية تمتد بين مالي والنيجر ونيجيريا وموريتانيا وتشاد، ويتولى إمارة هذه المنطقة المدعو يحيى أبو الهمام.

حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا: يقودها المدعو محمد ولد نويمر، وتدعو هذه الحركة إلى الجهاد في منطقة غرب إفريقيا ، وتتمركز في مدينة (قاو ) ، وهذه الحركة انشقت عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومعظم مقاتليها جزائريين وموريتانيين وطوارق، وتمتلك ترسانة عسكرية جيدة، ولها روابط قبليه متينة وحضور ميداني واسع.

كتيبة أنصار الشريعة: يتزعمها المدعو عمار ولد حماها، معظم مقاتليها من أبناء قبائل البرابيش والعرب، ويصفها زعيمها بأنها كتيبه إسلامية شعبية إقليمية، تهدف إلى تطبيق شرع الله في كل دولة مالي.

يتهم مقاتلي هذه الكتيبة بالهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي، والذي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي وآخرين.

كتيبة الموقعون بالدماء: يتزعم هذه الكتيبة الجزائري خالد أبو العباس ، مختار بالمختار، أو الأعور، حيث شكلها حديثا بعد أن تم عزله عن زعامة كتيبة الملثمين، وقامت هذه الحركة بالهجوم على مجمع عين اميناس للغاز في الجزائر حيث احتجاز عدد من الرهائن، وما زالت المشكلة قائمه حتى كتابة هذا التحليل.

زعيم الكتيبة، مختار بالمختار، معروف بمشاركته وتزعمه لعمليات التهريب في المنطقة، خاصة تهريب الدخان، ولذلك يطلق عليه مستر مالبورو ، ولهذا السبب تم طرده عن زعامة كتيبة الملثمين.

حركة تحرير ازواد: يرأسها بلال اغ الشريف، وهي حركة سياسية عسكريه مؤلفة من الطوارق، تأسست عام 2011، وترفض هذه الحركة تطبيق الشر يعه الاسلامية في شمال مالي، وتدعوا للتفاوض مع الحكومة المركزية بخصوص وضع شمال مالي، إلا أن هذه الحركة تم حسر نفوذها لصالح الحركات الاسلامية، ولم تعد تسيطر فعليا على أي جزء من منطقة شمال مالي، ومن هنا عرضت هذه الحركة مساعدة فرنسا والقوات الافريقية لقتال المجموعات الإسلامية في المنطقة.

وتشكل الحملة الفرنسية الأفريقية على شمال مالي، تحديا حقيقيا للدول المغاربية، خاصة على المستويات الأمنية، نظرا لطول الحدود البرية بين هذه البلدان ومنطقة الازواد، وللارتباطات الإنسانية والثقافية والتاريخية بين سكان الأخيرة  “طوارق وعرب  من بني حسانوسكان البلدان المغاربية، ونظرا أيضا، لغياب تعاون أمني  بيني وثيق بين تلك البلدان من جهة، وبينها وبين محيطها الإفريقي.

البلدان المغاربية، أيا كانت مواقفها من الحرب في مالي، فهي معنية بها،  فتأثيرات التحولات في المنطقة سياسيا وعسكريا، لابد أن تكون لها تأثيراتها على بلدان المنطقة، وإن اختلفت تلك التأثيرات من بلد لآخر.

التعاون المغاربي منذ الاستقلال إلى اليوم لم يرق إلى ما كان مأمولا، رغم الدعوات المحلية والشعبية والدولية الملحة على ضرورة التنسيق والتقارب، فالاتفاقيات الموقعة لم تُفَعَّل ولا أثر لها على مستوى الواقع، الخلافات البينية تشل هذه الاتفاقيات وتجعل من القمم التي تلتئم بين حين وآخر مجرد لحظات لأخذ الصور التذكارية وتبادل الكلمات والمجاملات والأمنيات.

حرب مالي، الدائرة على حدود البلدان المغاربية، يرى العديد من المراقبين، بأنها سترغم دول المنطقة  خاصة المغرب والجزائر، على التعاون فيما بينها، نظرا لمخاطرها وانعكاساتها على أمن تلك البلدان.

يبدو أن التطورات المتلاحقة في منطقة الساحل، ستؤدي إلى إخراج جيوش دول المنطقة المغاربية عن “تحفظها” إلى دعم معلن للجيش الفرنسي الإفريقي في حربهما على ما يسمى الجماعات الإسلامية، بدواعي حماية حدودها ومنع -المقاتلين الإسلاميين- من التسرب إليها، وإنشاء قواعد خلفية لهم فيها، ينطلقون منها لمهاجمة القوات الفرنسية والإفريقية في الازواد، في مسعاهم لإطالة الحرب في المنطقة وتكبيد الأخيرة خسائر كبيرة عبر جرها إلى ساحات للمعركة مختارة للمسلحين الإسلاميين القدرة على التفوق فيها.

هذا المعطى الأخير وارد ويؤكده العديد من سكان منطقة أزواد، فالأخبار المتداولة تؤكد انسحاب ما يسمى الجماعات الإسلامية من مدن شمال مالي، والاتجاه نحو الجبال في الشمال وفي فيافي الصحراء الكبرى، وعودة أعداد كبيرة من المقاتلين إلى قبائلهم  وبلدانهم في انتظار تجميعهم في خلايا صغيرة لتنفيذ هجمات فجائية على مراكز القوات الفرنسية والإفريقية بعد استقرارها في المنطقة.

للإشارة فإن مسعى ما يسمى الإسلاميين في المنطقة في إطالة الحرب، يلتقي مع الإستراتيجية الفرنسية للمنطقة، التي تطمح لإبقاء  قوات فرنسية في شمال مالي، بمبررات الحفاظ على وحدة مالي وضمان تفعيل الحل السياسي المرتقب، والذي  لا ينقصه سوى التوقيع بين الحركة الوطنية لتحرير ازواد والحكومة المدنية في مالي، بعد أن حققت فرنسا أول هدف لحملتها وهو إقصاء الانقلابي سانغو ورفاقه من تنازع السلطة مع الرئيس تراوري، وبالتالي لن يعترض الأخير ولا الحركة الوطنية على بقاء القوات الفرنسية، بل إن بقاءها سيكون بطلب منهم،  شأن التدخل الفرنسي والذي كان حسب الرئيس الفرنسي بطلب من الرئيس المالي.

وهذا يلتقي أيضا مع الأهداف المعلنة للتدخل الفرنسي، وهي حسب الرئيس هولاند:”منع تقدم الإسلاميين، ضمان أمن مالي، توجيه ضربات جوية لقواعد الإسلاميين، والهدف النهائي الاستعادة الكاملة لمالي وعدم ترك الفوضى وجيوب المقاومة

استمرار الحرب في مالي، لا يخدم الأجندة الأمنية للدول المغاربية، خاصة في ظل تنامي التيار السلفي الجهادي في هذه البلدان، الرافض للتدخل الفرنسي، وهو رفض سيكسب المزيد من المؤيدين في حالة وقوع ضحايا مدنيين، خاصة وأن الاتجاه ينحو نحو إعطاء التدخل الفرنسي في مالي طابعا دينيا أو إيديولوجيا، وهو ما يستفاد من رفض الرئيس المصري والحركات الإسلامية ـ حتى تلك التي يعتبرها المراقبون معتدلة ـ في البلدان المغاربية له، والكثير من العلماء المحسوبين عليها.

ان مواجهة التحديات الأمنية السالفة الذكر في الساحل الإفريقي يستلزم صياغة إستراتيجية أمنية فعالةفالدول المغاربية مدعوة إلى الانخراط في الإستراتيجية المرتقبة لما بعد الحرب في مالي، وهذا يتطلب منها اتخاذ موقف موحد  حول الأحداث وتطوراتها،  والمساهمة بفعالية في رسم مستقبل  الحل السياسي والأمني والتنموي في منطقة الساحل، وتحويلها إلى منطقة تعاون مغاربي إفريقي، بدلا من جعلها ساحة لتصفية الحسابات البينية، “كانت تلك هي إستراتيجية القذافي وبعض الأطراف الاستخباراتية في الجزائر”،  الأزمة الحالية هي من  ثمار تلك السياسية.

كما ينبغي للآليات الإقليمية للتعاون المغاربي  أن تقوم بما يلي: 

1-    التشجيع علي التعاون و تنفيذ الاستراتجيات و الآليات الأمنية القائمة و تعزيزها بما يشمل السلطات الليبية ، و تعزيز إدارة اثر الأزمة الليبية بتوسيع نطاق التعاون الإقليمي ليشمل جميع البلدان المتأثرة في المنطقة برمتها.

2-  تشجيع جهود تنفيذ العمليات الرامية إلي تعزيز فعالية مكافحة الإرهاب و تعزيز مراقبة الحدود بما في ذلك بناء القدرات و رفع مستوى

3-  تشجيع تبادل المعلومات و الأمنية خاصة في عمليات ضبط الأسلحة

4-  ضمان تطبيق مبدأ المطاردة  الحثيثة على أساس اتفاقيات جماعية.

5- تفعيل التعاون الإقليمي بين الدول المعنية في مجال الاستخبارات الميدانية لجميع المعلومات الاستخباراتية البشرية ورصد و متابعة النشاطات الإرهابية بين مختلف الوكالات  و الهيئات الاستخباراتية بين دول المنطقة.

        أيا كانت الاستراتيجيات المرسومة للمنطقة فهي لها تأثيرات على المنطقة المغاربية مجتمعة، لعدة أسباب أهمها الارتباطات المذكورة آنفا، إذ لا يخفى تأثير أي تغيرات عسكرية كانت أو أمنية أو سياسية في شمال مالي، على الوضع في ثلاثي الجزائر “ولايتي تامراست واليزي تمثل ثلثي مساحة الجزائر  وتقع فيها أهم احتياطات الجزائر من النفط و الغاز”، وهي امتداد قبلي وجغرافي لشمال مالي “الازواد”، ونفس الشيء، بالنسبة للجنوب الشرقي لموريتانيا “الحوض” ذي العلاقة الوثيقة بمنطقة تينبكتو عرقيا واقتصاديا، والأمر نفسه بالنسبة لمنطقة الجنوب الغربي لليبيا، مدن “سبها واوباري وغات واغدامس” حيث  تقطن قبائل الطوارق، وذات الثقل العسكري،  وحيث أكبر حوض نفطي في ليبيا.

أما المغرب، فلن نفضح سرا إذا ما قلنا بأن تحمس الخارجية المغربية، للدفاع عن وحدة مالي في مجلس الأمن والملتقيات الدولية، كان بسبب مخاوف من تأثير انفصال ازواد عن مالي، على  مشكلة الجنوب المغربي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *