Home»International»المواطنة في العالم العربي

المواطنة في العالم العربي

0
Shares
PinterestGoogle+

 المواطنة في العالم العربي

بحكم طغيان وسيطرة السياسة في عالمنا  العربي   على كل مفاصل الحياة  ورسمها للطريق الذي يجب أن يسلكه كل مواطن يريد أن يصل إلى بر   الأمان سالما ، وصدور الكثير من القناعات والمواقف عند جماهير غير يسيرة من الناس من خلال هذه التوجيهات ، وبما أن  المدة التي استغرقتها هذه  الفترة كانت أكثر من كافية لصناعة قطاع واسع من  الناس يحمل هذه التوجيهات ويأتمر بهذه التعليمات  وينقلها من جيل لآخر ، خاصة بعد أن تم الاكتفاء  بالأمنيين والسياسيين لترويض النفوس والعقول ، و غياب أو تغييب أهل الرأي والعقل والنظر من دائرة صنع القرار  ، تجد نفس الأمر يوصف بأوصاف متضادة ، فأصبح من الصعوبة بمكان أن تستبين المصلح من المفسد ، ولا الصادق من المخادع ولا المسيء من المحسن ، فالكثير من الناس وهم غارقون  في الإساءة للوطن وللمواطنين يسوقون أنفسهم  من  

  المصلحين ، والكثير ممن اغتنى على حساب الاخلاق والقيم  لا يتردد في الحديث عن قيمة الاخلاق ودورها في الحفاظ على الحياة المعنوية للإنسان ، والكثير من السياسيين الذين أفسدوا السياسة وأبعدوا النزهاء من محيطيها  النتن  يتحدثون باستمرار عن النزاهة والإخلاص ، والكثير ممن كان يفترض فيهم خلق التوازن في نفوس وعقول الأمة تراجعوا خطوات الى الخلف لما زكمت رائحة الصفوف الامامية أنوفهم  ، ففضلوا  أو هكذا أريد لهم الصفوف الخلفية ، فتقدم من لا يحسن إلا التملق والتزلف فأساء  للجميع .

وفي عالمنا العربي تتناسل الاحزاب لا لضرورة ملحة  أو مصلحة راجحة وإنما  لرغبة عابرة لا تعمر ،  خاصة  أن الكثير من الناس المشكلين لهذه الأحزاب  يسهل عليهم التنقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في لحظة ، فيتساءل المرء بسبب هذا الترحال عن حقيقة ما كانوا يدعونه  وينادون به ، ويدعون الناس اليه  وعن الأيمان المغلظة التي كانوا يقطعونها للناخبين ، وعن صدقهم وجديتهم وعن برامجهم السابقة واللاحقة..، مما جعل  أحكام الناس على الأحداث وعلى الأشخاص تتباين إلى حد التناقض  نتيجة هذه التقلبات ، و لم تعد هناك قواعد يمكن الرجوع اليها للحكم على المختلف حوله  ، نظرا لهذا التباين الذي يؤدي الى الكثير من الضبابية  ، ونتج عن هذا  التشويش على الذاكرة العربية الاسلامية خلط عجيب غريب بين المتناقضات التي أفرزت الفاظا وتعابير لها حمولات لم تكن لها من قبل ، فالذي لاتحكمه قيم ولا تؤطره أخلاق ولا تحكمه مرجعية سمي متحررا والذي يسعى في الارض بالفساد وينشر الرذيلة والتفسخ والمجون سمي  حداثيا  متقدما، والذي يحترم تاريخ أمته وثقافتها ويجل أبطالها ورجالها ويعرف لكل منهم حقه  سمى ماضويا رجعيا  والذي ينافق أمته ويكذب عليها ويدور مع مصلحته حيث دارت سمى سياسيا واقعيا.. ..وهكذا تولد من هذا الخليط العجيب الغريب مفردات وأحوال جديدة ما كان لها أن تكون لو تحكم العقلاء الفضلاء، ولو ساد الأكفاء الصادقون وأنشغل كل فريق بما وظف له ، وتنافس الكل في إبراز قدراتهم ومواهبهم واختفت التعليمات التي تنزل أحيانا على البعض مع ضرورة التنفيذ ، ولو لم تفتح الابواب للمرتزقين ما وجدت  الذي يخدم ذاته  وأغراضه على حساب حقوق المواطنين ومصالحهم مع مراعاة  مصالح المتنفذين المتمكنين فيصبح بقدرة قادر بين عشية وضحاها وبمجرد الولاء للأقوياء وبغض النظر عن كل إساءاته للوطن والمواطنين رجلا مقربا صالحا ،  لأنه ارتبط  في ذلك بجهة نافذة تحميه وتقدم له الدعم  والحماية ، إن مثل هذه المقاييس المختلة  للحكم على المواطنين  إذ يتم بموجبها تقريب البعض بدون كفاءة حقيقية وإبعاد آخرين  بدون وجه حق ، مثل هذه التصرفات تشكل  جيشا من الناقمين وغير الراضين ، الذين يضمرون العداء لكل شيء ، للأفراد وللوطن وللمؤسسات نتيجة تصرفات أشخاص أنانيين، عجزة انتهازيين ، حيث أنهم لا ينافسون غيرهم في الميادين المختلفة منافسة شريفة ، وإنما يلجأون إلى اللف والدوران وخدمة الأقوى للحصول على الامتيازات في غفلة من أهل الحق والقانون ، وغير قادرين على العمل بنزاهة وشفافية ، وإنما يعملون في ظروف شبه استثنائية تمكنهم هذه الظروف من الاستخفاء ومن مواصلة استهدافهم للدعائم والركائز التي تقوم عليها  الأمة ،  إن مثل هذه النماذج عبء على الوطن وعلى المواطنين ، إنها خلايا سرطانية تنهك جسم الوطن وتعبث بمستقبل المواطنين ،لأنها تستحضر في كل خطوة تخطوها مصالحها وحظوظها ، إنها كائنات تعيش على جهد وأموال الآخرين .

إن الوطن في حاجة الى نوعية من الناس تعطي أكثر مما تأخذ ، وتنتج أكثر مما تستهلك ،  وتؤثر على نفسها ولو كان بها خصاصة ، تضحي بمصالحها الشخصية لأجل المصالح العامة ، وتصدق في تعاملها مع الجميع لتعيد الثقة والطمأنينة الى نفوس وعقول فئة واسعة من المجتمع في الوطن ومؤسساته  ، بعد أن افتقد عدد غير يسير  لهذه الثقة وعاش لمدة  على الاحلام وعلى الأماني ، وبحكم أن الجميع مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ، و لأن الجميع في سفينة واحدة فإذا حادت عن الطريق فإن الجميع لن يصل الى هدفه ، وإذا غرقت لا قدر الله فإن الجميع سيغرق وإذا نجا البعض فإنهم لن يعيشوا بأمان واطمئنان كما كانوا قبل ، فلابد إذن من تضافر الجهود ، جهود جميع أبناء الوطن للقيام بالمتعين حتى تصل السفينة الى بر الأمان ؛ هذا ما يطالب به المواطنون فرادى  ، أما ما تطالب به المؤسسات فعليها أن تتعامل مع المواطنين جميعهم على أسس المساواة المطلقة ، لا على أسس أخرى  كرابطة الحزب أو الدم أو المصاهرة أو الوظيفة …لأن المواطنة هي التي يشترك فيها الجميع  وينتمي اليها الجميع ، ويدافع عنها الجميع ، ويلوذ اليها الجميع ، لذلك فالحفاظ عليها رسالة ومهمة كل المواطنين  خاصة الصادقين منهم  الذين ربما همشوا او استبعدوا من طرف بعض المنتفعين المرتزقين الذين يريدون الاستئثار وحدهم بشرف الانتماء للوطن،  ولو جد جديد وهوجم الوطن من طرف عدو محتل – كما وقع في العراق – لوجدتهم أول من يغادر لأنهم يخدمون مصالحهم وليس لهم استعداد للتضحية  والفداء ..

 

يحي  إبراهيمي  .  

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *