Home»National»أخطر أنواع الفساد هو الضلوع فيه سرا أو السكوت عنه علما به

أخطر أنواع الفساد هو الضلوع فيه سرا أو السكوت عنه علما به

1
Shares
PinterestGoogle+

أخطر أنواع الفساد هو الضلوع فيه سرا أو السكوت عنه علما به

 

محمد شركي

 

الفساد شر ، وهو عبارة عن منكر ، وسمي كذلك لأن الفطرة السليمة  تنكره ، ونقيضه المعروف ، وهو الخير الذي تعرفه هذه الفطرة . و معلوم أن محاربة الفساد أو الشر المنكر في الإسلام  يكون حسب المسؤوليات انطلاقا من مفهوم الحديث الشريف :  » من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع بقلبه ، وذلك أضعف الإيمان  » فالمسؤولية في الإسلام حسب هذا الحديث الشريف  تكون  وفق الاستطاعة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :  » فإن لم يستطع « . وتنحصر الاستطاعة  في القدرة على استعمال الجوارح  وهي اليد واللسان والقلب . وكل جارحة تختص بقدرة معينة ، فاليد تختص بقدرة الفعل ، واللسان يختص بقدرة القول ، والقلب يختص بقدرة الشعور.  وباعتبار هذه القدرات  يفترض في الفطرة السليمة التي  فطر الله عز وجل الناس عليها  أن تعرف الخير  ، وتنكر الشر وفقها  . ولا  تخلو في حال إنكارها الشر أو الفساد المنكر أن توظف الجوارح الثلاث بمعنى تقف من الفساد أو الشر المنكر بفعل أو بقول  أو بشعور، أو بهم جميعا في بعض الحالات ،إذا ما توفرت القدرات الثلاث. ولا يعذر في الإسلام من لم  يبلغ موقفه من الفساد درجة قدرته يدا أو لسانا أو قلبا بحيث لا يقبل من صاحب القدرة على الفعل أن يكتفي  بما يقدر عليه اللسان أو يقدر عليه الشعور، لأن ذلك سيكون مخالفا للفطرة السليمة . ومعلوم أن من وقف من الفساد أو الشر المنكر دون ما يستطيع كان شريكا له سواء تعمد ذلك أم لم يقصده .

 ومعلوم أن المتورط في الفساد بشكل من الأشكال  المموهة إنسان فاسد بفعل تعامله مع من يمارسه عن  قصد وسبق إصرار ،بل فساده أقبح  لأنه متورط في الفساد سرا ، ومتظاهر بعكس ذلك في العلن ، وهو يركب ظهر الفاسد  الممارس للفساد عن قصد  وسبق إصرار ، وهو بهذا فاسد من عدة أوجه ، ولهذا كان فساده أشنع وأقبح وأفظع .  وكذلك العالم بالفساد  والمطلع عليه والساكت عنه مع امتلاك القدرة على فضحه  أكثر فسادا من الذي يمارسه متعمدا  ، وهو  يفوقه عمدا لأن ممارس الفساد  عمده واحد بينما الساكت عنه عمده مزدوج  لأنه  بمنزلة عمد الفاسد وزيادة . ولهذا ينعت الساكت عن الفساد بالشيطان الأخرس ، وهو أخطر من الشيطان المجاهر بالفساد لكونه يسكت عنه  ، وفي سكوته خداع للناس . وكذلك شأن من لا يتحرك شعوره بإنكار الفساد عند حصوله ، لأنه يكون بذلك مطبعا مع الفساد ، وذلك يعني فساد فطرته  إذ الأصل في الفطرة السليمة أن تنكر

الفساد.

وبعد هذا التقديم  النظري انطلاقا من مرجعية إسلامية تحدد كيفية التعامل مع الفساد أو كيفية محاربته  أو ما يسمى شرعا فريضة تغيير المنكر لا بد من وقفة  عملية إجرائية .فمعلوم أن الربيع المغربي  وهو جزء من الربيع العربي  رفع شعار محاربة الفساد بكل أشكاله في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع وما يرتبط بها . وبعدما تراكمت عند الشعب المغربي كغيره من الشعوب العربية مشاعر الكراهية ضد الفساد ، وهو نوع من إنكار الفساد المنكر على مستوى الأفئدة انتقل إلى مستوى إنكار الفساد المنكر على مستوى الألسنة ،وتوقف  الشعب المغربي عند مستوى إنكار الفساد بالأسنة بعدما أخذ عهدا وموثقا من الذين تبنوا قضيته لإتمام إنكار الفساد بالفعل، بينما واصلت الشعوب العربية الأخرى إنكار الفساد المنكر على مستوى الفعل  ، ولا زال بعضها كذلك كما هو الشأن بالنسبة للشعب السوري  عجل الله فرجه . ومشكلة الفساد  في المغرب هو كونه ضرب أطنابه في كل القطاعات ، وصار له بارونات  يتحكمون في عصاباته من أصغر موظف إلى أعلى موظف ، وهو ما يجعل محاربته أمرا صعبا للغاية لأن القضاء على البارونات وحدهم  دون عصاباتهم لا يجدي نفعا . ومعلوم أن القطاعات العمومية التي وقعت ضحية للفساد بث فيها باروناته الذين أوكل إليهم أمرها جراثيمهم الصغرى في ثناياها لتسهيل حركة الفساد من الأسفل إلى الأعلى والعكس صحيح أيضا . ومعلوم أن جهاز الفساد في  مختلف القطاعات العمومية يموه على نفسه عن طريق التظاهر بالتزام القوانين ،وهو عن طريق  هذا التمويه يذر الرماد في العيون ليصرفها عن عملية تسريب عناصره الفاسدة أو المزمع تسخيرها للفساد إلى مواقع داخل هذه القطاعات ، مدعيا أنها تبوأت مناصبها عن طريق المساطر القانونية. ويستعمل لغرض التمويه هذا عصابات من الشياطين الخرس الذين يكونون على علم بمكائد التمويه  لفائدة الفاسدين المفسدين ، ومن ثم يساهمون في صنع الفساد عن قصد وعن سبق إصرار. ففي كل قطاع عمومي يوجد بارونات الفساد في المركز يحرصون على أن يكون  لفسادهم  ضمانات في الجهات والأقاليم من خلال  تمكين العناصر الفاسدة التي يسخرونها من أجل التمكين لفسادهم . وهكذا  يخترعون  المسرحيات الهزلية  التي تسمى المقابلات من أجل تمكين عصاباتهم من التغلغل في ثنايا القطاع ، فيتم استدعاء هذه العصابات المندسة  ضمن من يستدعى للتباري على المهام في هذا القطاع ،  وتدار المقابلات بشكل  يقصي النظيف والكفؤ من المتبارين ، ويفسح المجال لعصابات الفساد باسم النصوص التشريعية والتنظيمية حتى لا  يترك الفساد أثرا يدل عليه . وفي بعض الأحيان  لا يبالي جهاز الفساد بما يتركه من أدلة على تلاعبه  بالمهام بواسطة المسرحيات الهزلية المعروفة بالمقابلات الانتقائية ، فينتشر خبر  هذا التلاعب  بين الناس  ، وقد  يشكو منه من أضر بهم  من المتبارين  ، فيلجئون  إلى القضاء  الذي قد لا يخلو من أن تكون له علاقة بجهاز الفساد  ايضا ، أو بالجهات النافذة المؤثرة التي تحميه . وقد يصل الأمر بتلاعب الفساد حد قبول ترشيح  بعض المفسدين  للمناصب حتى بعد انتهاء مدة الترشيح القانونية  ، و تفضيلهم على من هو أكفأ منهم  مستوى علميا وخبرة عملية  ، فيفضلون على ذوي المستويات العلمية بذريعة الخبرة العملية ، في حين لا تجدي غيرهم خبرتهم العملية معهم ولو كانوا أكفأ وأنظف وأعف من الانتهازيين المفسدين  الذين تعمد الفساد فوقهم  تمكينهم من مهام لضمان التستر عليهم وعلى  فسادهم وإفسادهم لأن الأكفأ والأنظف والأعف لا يصلح لهم بطانة ، بل يشكل خطرا عليهم  يفضح  تورطهم في الفساد . وعندما تزكم رائحة الفساد المنبعثة من عصابات الفساد المسخرة من طرف أجهزة الفساد الأنوف ، وتنتشر بشكل واسع تحاول  أجهزة الفساد التظاهر بالتحرك لمحاربة الفساد عن طريق مسرحيات هزلية أخرى  يخلط فيها بين الشياطين الخرس وبين  غيرهم ممن لا يسكت على فساد في لجان  بحث وتقص من أجل التمويه على الشك في مصداقية  هذه اللجان التي يؤول أمرها إلى أجهزة الفساد في نهاية المطاف ،فيسل المفسدون المتورطون في الفساد كما تسل الشعرة من العجين . ومن بلادة أجهزة الفساد التي تحمي عصاباتها أنها تظن بغيرها البلادة  والغفلة  ، وتعتقد أن  ما  يحدث في كواليسها من  تخطيط  وتدبير للإفلات من فضائح الفساد يوجد طي الكتمان ، وسيبقى كذلك إلى ما لا نهاية . وقد تتصل أجهزة الفساد بعصاباتها خفية  وخلسة ،وتدبر معهم في الخفاء كيفية طمس معالم  المؤشرات الفاضحة للفساد المكشوف ، وتنبهم قبل أن يصيروا موضوع مساءلة  ومحاسبة   محاولة إبعاد الشبه عنها ، وهي بها عالقة  بحكم المؤشرات  الفاضحة . ومعلوم أن أخطبوط الفساد الذي يعمل بهذا الخبث يقتضي وقتا وجهدا من أجل الوصول إلى اقتلاعه من جذوره انطلاقا من  جراثيمه ووصولا إلى أسماك قرشه  الضارية . ولا شك أن أجهزة الفساد تخطط صباح مساء من أجل تكميم الأفواه ، وتدمير الآثار الدالة على فسادها ، ولكنها لا تضع في  حسابها رب العزة الرقيب العتيد الذي  يمهل ولا يهمل ، ويملي لها من أجل أن يأخذها أخذ عزيز مقتدر كما أخذ كل المفسدين عبر تاريخ البشرية . ولو نفع المفسدين لف أو دوران لما هوت عروش الحكام المفسدين  ، وقد كانوا أكثر قوة ومكرا ممن هو دونهم فسادا  ومكرا وقوة ودهاء  وتدبيرا ولفا ودورانا وكذبا وخداعا.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *