Home»Enseignement»الخطاب التربوي الملكي خطاب حضاري (ارتسامات على هامش الخطاب الملكي بمناسبة عيد الشباب وذكرى ثورة الملك والشعب)

الخطاب التربوي الملكي خطاب حضاري (ارتسامات على هامش الخطاب الملكي بمناسبة عيد الشباب وذكرى ثورة الملك والشعب)

0
Shares
PinterestGoogle+

الخطاب الملكي خطاب حضاري
(ارتسامات على هامش الخطاب الملكي بمناسبة عيد  الشباب وذكرى ثورة الملك والشعب)
الزبير مهداد، نيابة التعليم، الناظور

الخطاب التربوي الملكي خطاب حضاري، يتميز بإحاطته الشاملة بأزمة التربية، وتبصره بأعراضها التي تتخذ أشكالا شتى وتمظهرات مختلفة، في السلوك السياسي والاقتصادي والأخلاقي والإداري.
يقول صاحب الجلالة في خطابه السامي بمناسبة عيد الشباب وذكرى ثورة الملك والشعب: « للنهوض بالقطاع التربوي والتعليمي٬ بما يقتضيه الأمر من شراكة ومسؤولية٬ فإنه يتعين الإسراع بتفعيل مقتضيات الدستور٬ بخصوص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي٬ في صيغته الجديدة٬ على أن تساهم هذه الهيأة في إنجاح هذا التحول الجوهري والمصيري٬ ليس بالنسبة لمستقبل الشباب فحسب٬ بل ولمستقبل المغرب٬ بلدا وأمة ».
فمخطط الإصلاح التربوي الذي يتحدث عنه صاحب الجلالة شمولي، فهو ورش كبير يشرك مختلف المعنيين بهذا القطاع، وهذا القرار المتنور الحكيم يتجاوز مبدأ إسقاط وفرض الإصلاح من أعلى والذي أثبتت التجارب عدم جدواه، لأنه لا يراعي مختلف العناصر الفاعلة في الوسط التعليمي، من مدرسين وتلاميذ وآباء ومؤسسات وهيآت المجتمع المدني.
فالورش الكبير يقتضي التشارك والحوار والمساهمة الفعلية لكل الأطراف والإصغاء لمختلف وجهات النظر التي يعبر عنها هؤلاء الفاعلون، فقضية التعليم شأن مجتمعي يهم كل المكونات الاجتماعية الوطنية، وقد استحضر إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين هذه الإرادة الجماعية المشتركة، مما هيأه لأن يكون مقبولا يحظى باستحسان ورضى جميع الأطراف.
إلا أن تحقيق ذلك رهين مستوى القائمين عليه، ومشروع الإصلاح ينظر إلى المدرس كفاعل اجتماعي وتقدمي واع ومثقف ومسؤول، يقول صاحب الجلالة: « ينبغي إعادة النظر في مقاربتنا٬ وفي الطرق المتبعة في المدرسة٬ للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه٬ مقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين٬ إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين٬ وتنمية قدراتهم الذاتية٬ وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار٬ فضلا عن تمكينهم من اكتساب المهارات٬ والتشبع بقواعد التعايش مع الآخرين٬ في التزام بقيم الحرية والمساواة٬ واحترام التنوع والاختلاف.
‎إن الأمر لا يتعلق إذن، في سياق الإصلاح المنشود، بتغيير البرامج، أو إضافة مواد أو حذف أخرى، وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس نسق التكوين وأهدافه. وذلك بإضفاء دلالات جديدة على عمل المدرس لقيامه برسالته النبيلة، فضلا عن تحويل المدرسة من فضاء يعتمد المنطق القائم أساسا على شحن الذاكرة ومراكمة المعارف، إلى منطق يتوخى صقل الحس النقدي، وتفعيل الذكاء، للانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل ».
لا يجب أن يحصر اهتمامه في تنفيذ البرنامج بشكل آلي، بل يجب أن يتحلى عمله بالمبادرة الشجاعة، ويكون واعيا بدوره التنظيمي داخل المنظومة الاجتماعية الصفية والمدرسية ليتأسس التفاعل مع التلاميذ على احترام حقوقهم، وتربيتهم على المواطنة وإبراز قدراتهم وتنمية ذواتهم وتحقيق تكيفهم النفسي والاجتماعي.
يتأسس الخطاب الملكي على معطيات سياسية واقتصادية وتقنية وأخلاقية مستمدة من رصد لمؤشرات النجاح والإخفاق في المخططات والاستراتيجيات المفحوصة نتائجها، حيث لا يتردد صاحب الجلالة في كشف عيوب نظامنا التروي، ونقد الواقع التربوي الوطني الذي يعبر عنه صاحب الجلالة نقد علمي حضاري ينبني على تحليل للواقع التربوي لمؤشرات إخفاقه وتقويم دقيق لمظاهر نجاحه أيضا.
يتسلح هذا الخطاب الحضاري إذن بالانفتاح على الواقع بكل شجاعة وصراحة، ينتقده من داخله، ويلوح بمبادرة التصحيح الشامل القويم لاستعادة العافية المنشودة وتقويم المسار المنحرف.
إصلاح المدرسة المغربية الذي يدعو إليه الخطاب الملكي يجب النظر إليه من زاوية الإصلاح الوطني الشمولي الذي يريده صاحب الجلالة ويرفع لواءه ويقوده، مرتبط بالتغيرات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تعرفها بلادنا أو التي تطمح لتحقيقها، وهذه التغيرات في بلادنا تتم منذ حوالي بضع سنين بوتيرة سريعة تفرز قيما جديدة وديناميكية سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة، يحتم على المؤسسة المدرسية أيضا أن تنخرط في هذه العملية وتساهم فيها، وتنسجم أهدافها مع أهداف التغييرات في البنية الاجتماعية، أي يجب أن نعيد التفكير في المدرسة.
وهو يضع نصب عينيه مشروعا مجتمعيا واضح المعالم، وعيا صادقا وذكيا بأن المجتمع لا يمكنه أن يعد الناشئة الإعداد الجيد ما لم يضع مسبقا مشروعا مجتمعيا يسعى لتحقيقه. فالمشروع المجتمعي هو الذي يجعل عملية الإعداد راشدة وهادفة، تنطلق من آمال المجتمع وطموحاته وتأخذ بعين الاعتبار إمكاناته وقدراته، وهذا المشروع هو نتاج التفكير الواعي والمنظم يوجه خطط المجتمع وبرامجه ويعبر عن اهتماماته البعيدة.
ومن خلال المشروع يستمد التخطيط المستقبلي للتربية برامجه وغاياته ويتوخى تحقيق جملة من الهداف منها ترسيخ الديموقراطية في النسيج الاجتماعي وتوسيع مجالات الحرية والتأطير الوطني للناشئة وتربيتها على أخلاق المواطنة وقيم التسامح وروح المسؤولية والفعالية والإنتاج والإيجابية وروح المبادرة الخلاقة. يقول صاحب الجلالة عن المؤسسة التعليمية في خطابه:  » يجب أن تهدف إلى تمكين الشباب من تطوير ملكاتهم، واستثمار طاقاتهم الإبداعية، وتنمية شخصيتهم للنهوض بواجبات المواطنة، في مناخ من الكرامة وتكافؤ الفرص، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وذلكم هو التحدي الأكبر الذي تطرحه الظرفية الراهنة »
إن تعميق الإحساس والشعور الجماعي لدى الناشئة يساهم – بتقوية حسها الوطني – في ترسيخ الوحدة الوطنية وضمان الاستقرار السياسي والأمن والسلم الاجتماعيين، لأجل ذلك حرص الخطاب الملكي على بيانه وتوكيده وإبراز أهمية المدرس والحياة المدرسية وسائر مكونات المجتمع المدرسي الأخرى في المشروع المجتمعي المغربي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. أستاذ
    23/08/2012 at 19:50

    الخطاب الملكي الأخير سيعطي دفعة جديدة لإصلاح التعليم بتطوير الممارسات الصفية والعلاقات التربوية بين المدرس والتلميذ في الفصل وخارجه
    شكرا للأستاذ مهداد

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *