هل قدر المفاهيم المحتوم هو أن تقلب في بلادنا؟؟؟
هل قدر المفاهيم المحتوم هو أن تقلب في بلادنا؟؟؟
محمد شركي
أعتقد أن نطق العوام عندنا للفظة » مغرب » ـ بضم الميم ـ لم يعد مجرد تصحيف بل صارت له دلالة ، ذلك أن المغرب ـ بضم الميم ـ هو ما اشتمل على الغرائب . ومن غرائب بلدنا انقلاب المفاهيم . والثقافة الشعبية الساخرة تناولت منذ زمن بعيد ظاهرة انقلاب المفاهيم عندما تسوء الأحوال من خلال عبارات سجع متداولة شعبيا من قبيل : « ولى السبع من الخائفين ، والنعجة من الهامزين ، وقرقرة دارت الجنحين » فمن انقلاب المفاهيم أن تخاف الأسود ، وتجسر النعاج ، وتطير الضفادع . ومن انقلاب المفاهيم أيضا أن تصير الديمقراطية عند المتشدقين بها مذمومة عندما يربح رهانها غيرهم . فالديمقراطية لفظة جميلة وحسنة الوقع في نفوس البعض عندما يربحون رهانها ،ولكن عندما يصير رهانها عند غيرهم تصير قبيحة وسيئة الوقع في النفوس تماما كما يصير الأسد نعجة ، والنعجة أسدا . ولا غرابة أن يحل طاقم القناة الثانية عندنا محل وزارة الإعلام في المغرب ـ بضم الميم ـ . ففي كل بقاع العالم المستهلك للديمقراطية لا يوجد جدال حول قبول الأطراف المستهلكة لقواعد لعبتها ماعدا في المغرب ـ بضم الميم ـ ومن قواعد لعبة الديمقراطية أن الفائز في الاستحقاقات الانتخابية يقوم بتنزيل مشروعه الذي عرضه على الناخبين ، واختاروه عن قناعة ووعي . أما عندنا فليس من حق حزب العدالة والتنمية الفائز أن ينزل مشروعه ، وعليه أن يخضع لمشاريع تم تنزيلها من قبل حكومات سابقة عندما كانت الديمقراطية جميلة ومؤثرة في النفوس ، قبل أن يلوثها حزب محسوب على الإسلام . والغريب أن أعضاء الأحزاب المنخرطة في حكومة الحزب الحاكم ذي الأغلبية يتصرفون ـ على ما يبدو ـ خارج إرادة هذه الحكومة ودون ضوابط . فعلى سبيل المثال طلع وزير التربية الوطنية بقرارات مستعجلة إن لم نقل متهورة من خلال شطب ما تم تسطيره من طرف حكومة حزبه ، إلا أنه يصرح في إحدى مقابلاته الصحفية أن وزارة التربية الوطنية في عهد حكومة حزبه كانت تغرد خارج السرب ، وبرأ حكومة حزبه مما نعته بالفساد في وزارة التربية الوطنية ، ولما نبهه الصحفي المحاور إلى خطورة كلامه أجاب: » أنا أتحمل مسؤولية ما أقول » . ولعله قد وقع في نفس ما أنكره على سلفه ، فهو الآخر يغرد خارج سرب الحكومة الحالية ، وينفرد بقرارات تحتاج إلى أن تعرض على البرلمان الذي جاءت به صناديق الاقتراع للبث فيها قبل أن يتم الحسم في أمرها من طرف جهاز تنفيذ لا حق له في التشريع . وعلى غرار تغريد وزير التربية الوطنية خارج السرب ، يهدد وزير حزب آخر كل مرة بالانسحاب من الحكومة إن لم يفعل في الوزارة المسندة إليه ما يشاء في أسلوب ابتزاز واضح . وأنا لا أقول كما قال الأستاذ مصباح رمضان الإدريسي أن هؤلاء الوزراء يتمنون فشل هذه الحكومة بل يعملون على إجهاضها من الداخل . وهكذا تكون المعارضة عندنا في بلد المغرب ـ بضم الميم ـ نوعين : معارضة خارج الحكومة ، ومعارضة داخل الحكومة ، وبرنامجها واحد وهو إثبات عدم أهلية الحزب الفائز المحسوب على الإسلام والذي حصد الأغلبية . وفي هذه الحالة لا بد أن تنقلب المفاهيم ، ولا بد أن » يستنعج » الأسد في المغرب ـ بضم الميم ـ وفعل استنعج يصح ما دامت العرب قد قبلت فعل استنوق. وفي هذا الظرف بالذات تم تجييش كل الفئات الاجتماعية من أجل الاحتجاجات اليومية على فساد له جذوره التاريخية ، وتتحمل مسؤوليته لوبيات الفساد المتوارية التي تقدح زناد الفتنة . وبات من المؤكد كما أسلفت في مقال سابق أن هذه اللوبيات المستفيدة من ظروف الفساد تقاوم وبشراسة كل ما يهددها من إجراءات تفسد عليها استفادتها من امتيازات الفساد . وبدأ نا نسمع من يعيب على الحكومة الجديدة نبشها في أوكار الفساد وإخراجها لثعابينه وعقاربه ، فكلما حركت وكرا للفساد قيل لعمرو : « ما هكذا تورد الإبل » . فلماذا لا يترك عمرو وشأنه وهو الذي حصد الأغلبية ليورد إبله كما يشاء ، ثم يحاسب على سوء المورد بعد ذلك ؟ ولماذا كان عمرو في الحكومات السابقة يورد إبله كما يشاء ؟ أعتقد أن حقيقة انقلاب المفاهيم في المغرب ـ بضم الميم ـ هو فوز حزب محسوب على الإسلام التزم بقواعد لعبة الديمقراطية ولما ربح الرهان شق ذلك على منافسيه فكدوا له كيدا له عدة تمظهرات في الواقع المعيش . وما أشبه حال هذا الحزب بضحايا القمار بساحة سيدي عبد الوهاب بمدينة وجدة في لعبة معروفة » بالدادوس » فعندما يربح صاحب هذا النوع من القمار تكون اللعبة جيدة والأمور بخير ، وعندما يخسر ، يجند عصابته من البلطجية والشبيحة للتنكيل بمن ربح شر تنكيل، فهكذا صارت حال اللعبة الديمقراطية في المغرب ـ بضم الميم ـ . وإلى أن تعود أمور المفاهيم إلى نصابها ، ويستأسد الأسد من جديد ، وتستنعج النعاج ، وتسبح الضفادع ولا تطير سيظل الشعب المغربي ينتظر فرج الله عز وجل ، ولسان حاله : « يا الله ما لنا غيرك «
Aucun commentaire