Home»International»قراءة في مائة يوم على تولي حكومة بن كيران

قراءة في مائة يوم على تولي حكومة بن كيران

0
Shares
PinterestGoogle+

قراءة في مائة يوم على تولي حكومة بن كيران

  

 عبد الغفور العلام

 

يرتكز البرنامج الحكومي  الذي عرضه رئيس الحكومة يوم 19 يناير 2012   أمامأعضاء مجلسي النواب و المستشارين  على ثلاث مرتكزات أساسية: العمل المندمج والمتكامل ،المقاربة التشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة. كما ينص على التنزيل السليم لمقتضيات الدستور الجديد  خصوصا تلك المتعلقة بالحقوق والحريات و  الواجبات والمسؤوليات و مقتضيات المواطنة الفعالة في أفق ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة و كسب رهان والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

في هدا الصدد، يندرج تقييم حصيلة مائة يوم من عمر الحكومة و الذي يعتبر تقليدا راسخا في أدبيات المجتمعات الديمقراطية، حيث تمنح هده المدة الزمنية للحكومة من أجل الإطلاع على الملفات و دراستها و اتخاذ القرارات الشجاعة و التي من المفروض أن تحدث القطيعة مع التدبير الحكومي السابق وتحمل في طياتها رسائل و إشارات إيجابية من شانها طمأنة الرأي العام الوطني و الدولي.

من الناحية الموضوعية من الصعب تقييم الحصيلة الحكومية خلال هده الفترة القصيرة، و الأصعب من هدا هو ترجمة هدا الأداء الحكومي إلى أرقام ومؤشرات تعكس أثار المائة يوم الأولى من عمل الحكومة. و لكن و على الرغم من هدا و داك   و ترسيخا لهدا العرف الديمقراطي، سنحاول قراءة الأداء الحكومي من خلال الإجابة على السؤالين الكلاسيكيين:

ما هي يا ترى أهم إنجازات الحكومة خلال المائة يوم الأولى من عمرها ؟ وما هي أهم التعثرات التي اعترت عمل حكومة عبد الإله بن كيران؟

أهم الإنجازات:

محاربة الفساد و تخليق الحياة العامة

أكد الخطاب الملكي ل 9 مارس  على تعزيز آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة كما تعهد  رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران في برنامجه الحكومي بفتح ملفات الفساد  و محاربة اقتصاد الريع الذي أصبح يشكل حجرة عثرة أمام  التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد.

ولعل من أهم إنجازات الحكومة في هدا الباب هو نشر لوائح المستفيدين من مأدونيات النقل  العمومي حيث كشفت وزارة التجهيز والنقل لائحة  اسمية تضم 4118 مستفيدا من المأذونيات من بينهم من يستغل أكثر من مأذونية . هده المبادرة الغير المسبوقة أثارت ردود فعل متياينة  من طرف الرأي العام فمنهم من ثمن وشجع هده الخطوة  الجريئة و منهم  ما اعتبرها مبادرة محتشمة  معدة  للاستهلاك الإعلامي فقط.

كما قام الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، بتسليم لائحة دعم الجمعيات المستفيدة من الدعم الأجنبي . نفس الشيء قامت به وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، حيث نشرت لائحة تضم جردا لمبالغ الدعم المالي التي تلقتها للجمعيات خلال سنوات 2007، 2008 ،2009 ،2010 و2011 . حيث أن القيمة الإجمالية لهدا الدعم خلال السنوات الخمس السابقة  بلغ 262 مليونا و781 ألفا و960 درهما، خصص لجمعيات المجتمع المدني الموزعة على كافة ربوع المملكة.

 و في نفس الموضوع تمت  خلال المائة يوم الأولى من عمر الحكومة إحالة العديد من ملفات الفساد على القضاء حيث أشاد الكثير من المتتبعين  و المهتمين و جمعيات حماية المال العام بهده الخطوة مشددين على ضرورة إحالة كافة  ملفات الفساد الكبرى على العدالة.

 

تحسين الولوج إلى الخدمات الصحية: النظام الصحي « راميد« 

تنفيذا لمقتضيات الدستور الذي  ينص على تحسين الولوج إلى العلاج لكافة المواطنين  و المواطنات ، أطلقت وزارة الصحة عملية تعميم نظام المساعدة الطبية « راميد » الذي سيستفيد منه نحو 8.5 مليون نسمة من الفئات الاجتماعية المعوزة  حيث رصدت له اعتمادا مالية بقيمة ثلاثة ملايين درهم برسم 2012.

 لكن هده المبادرة  و على الرغم  من أهميتها في ضمان  الولوج إلى العلاج للفئات الاجتماعية الهشة، فإنها تعرف بعض التعثرات في تنزيلها على أرض الواقع  نتيجة ضعف التواصل  حول العملية و نقص تكوين الموارد البشرية المكلفة بأجرأة هدا النظام الصحي الجديد.

 

تعزيز المكتسبات الحقوقية و الحريات العامة

تعد المصادقة على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري من المكتسبات المهمة التي ميزت المائة يوم الأولى على تنصيب الحكومة في المجال الحقوقي و الحريات العامة، حيث اعتبرت مجموعة  المنظمات الحقوقية الوطنية و الدولية المصادقة على هده الاتفاقية خطوة إيجابية على طريق استكمال منهج العدالة الانتقالية في المغرب. كما طالبت الحكومة بتكثيف الجهود لإجلاء مصير المختفين قسرياً تنفيذا لتوصيات لجنة الحقيقة والمصالحة المدرجة  في تقريرها الصادر العام 2006.

و في نفس الموضوع ساهمت  الحكومة في إطلاق سراح بعض المعتقلين الإسلاميين (المشايخ الثلاثة) حيث دعت مجموعة من الجمعيات الحقوقية بالاستمرار في تفعيل اتفاق 25 مارس 2011 قصد الطي  النهائي لملف ما يصطلح عليه  ب » السلفية الجهادية ».

 

حضور إعلامي لافت لرئيس الحكومة و للوزراء

تميزت المائة يوم الأولى من عمر الحكومة بتتبع ومواكبة كثيفة لأنشطتها من قبل مختلف المنابر الإعلامية (الورقية الإلكترونية السمعية و البصرية…) حيث أصبحت الخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة و لوزرائه ( التصريحات و التصريحات المضادة، الزلات، القفشات…) مادة دسمة للأعلام و موضوع حديث المواطنين و المواطنات  في الشارع على مختلف أطيافهم السياسة و الاجتماعية.

 

أهم التعثرات

التعاطي السلبي مع الاحتجاجات الاجتماعية

سجلت الجمعيات الحقوقية بعد انقضاء 100 يوم من عمر الحكومة ، مجموعة  من التجاوزات التي ارتكبتها بعض عناصر القوات العمومية سواء خلال التدخلات الأمنية ضد للمعطلين أو خلال مواجهة  التوترات الاجتماعية التي شهدتها مدينة  تازة و بني بوعياش حيث كشفت  تقارير هده الجمعيات  الحقوقية الإفراط في استعمال القوة العموميّة و منع الاحتجاج السلمي وطالبت بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق العدالة والكرامة والحرية لكافة المواطنين و المواطنات، و  طالبت بإيفاد لجنة برلمانية لتقصي الحقائق.

كما أكدت هده الجمعيات الحقوقية في تقاريرها المنجزة على خلفية هده الأحداث، أن الحل الأمثل لمثل هذه الأزمات الاجتماعية يكمن في  ضمان حق الاحتجاج السلمي والحضاري والاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للساكنة عبر مقاربة تنموية مندمجة  تشاركية تروم خلق مناصب الشغل للشباب و تأهيل البنية التحتية الأساسية و تنمية الرأسمال البشري من خلال توفير تعليم عمومي جيد و إحداث فضاءات ثقافية و ترفيهية للساكنة.

 

المس بالحق في الولوج إلى المعلومة

رغم أن الدستور الجديد أقر بحق الولوج إلى المعلومة فإن مجموعة من القضايا التي باشرتها الحكومة شابها بعض التعتيم والضبابية  و خير مثال على دلك  قضية راتب الناخب  الوطني  لكرة القدم غريتس التي تداولتها الصحافة على نطاق واسع حيث وصل النقاش إلى قبة البرلمان لكن الحكومة رفضت الكشف عن راتبه وربما عدته سرا من أسرار الدولة.

 

 ضعف الانسجام الحكومي و كثرة التصريحات و التصريحات المضادة

عرفت المائة يوم الأولى من عمر الحكومة  نقصاً كبيراً في الانسجام و التضامن الحكومي ومن الأمثلة على دلك

– النقاش الذي دار بين البركة الاستقلالي و الأزمي من العدالة و التنمية في بداية ولاية الحكومة الجديدة حول من يحق له التوقيع.

– تصريحات وزير العدل  مصطفى الرميد  (العدالة و التنمية) حول السياحة بمراكش  والتصريحات المضادة لوزير السياحة لحسن حداد ( الحركة الشعبية).

– السجال بين عبد العزيز أفتاتي وإدريس الأزمي حول تعويضات المسؤولين بوزارة المالية .

و عموما فقد تميز أداء الحكومة خلال هده الفترة بالتنافر الواضح و غياب التناغم  بين الوزراء نتيجة التركيبة الحكومية المكونة من أطياف سياسية مختلفة، مما أثر سلبا على التوافق و  الانسجام  بين مكوناتها،  وهدا سيعقد مستقبلا مهمة رئيس الحكومة الذي عليه دفع وزرائه إلى التنسيق في المواقف  و توحيد الرؤى من أجل الرفع من الأداء الحكومي في الفترات اللاحقة.

 

المس بحرية التعبير

أعادت الحكومة الجدل حول حرية التعبير في المغرب بمنعها بعض الصحف الأجنبية الموزعة بالمملكة معللة قراراتها هاته إما بالمس بشخص الملك أو انتهاك المقدسات الدينية و قد أدانت بعض الفعاليات السياسية والحقوقية والإعلامية الوطنية هدا المنع كما  خلفت هده القرارات الحكومية التي تمس حرية التعبير ردود فعل سلبية لدى بعض المنظمات غير الحكومية الدولية، أبرزها منظمة مراسلون بلا حدود.

 

الجانب الاقتصادي و المالي

* تأخر المصادقة على قانون المالية

تأخر المصادقة على قانون المالية 2012 ، الذي بني على توقعات متفائلة ، كانت له تأثيرات سلبية على الحركية الاقتصادية حيث عاش الاقتصاد الوطني خلال الأشهر الأربعة الأخيرة مناخا اقتصاديا يتسم بالإنتظارية و الترقب وعدم وضوح الرؤية. كما أن مشروع قانون المالية الذي أعد في عهد حكومة عباس الفاسي وورثته حكومة عبد الإله بن كيران سيصطدم و لا شك أمام  صعوبات تمويله وإنجازه  في ظرفية اقتصادية حرجة يصل  العجز المالي فيها إلى 7 في المائة و يتوقع  أن يتراجع معدل النمو إلى ما دون 2.5 في المائة إضافة إلى مؤشرات توحي بضعف السنة الفلاحية الحالية.

 

* ضعف التحكم في المؤشرات الاقتصادية و المالية

كما شهدت المائة يوم الأولى على تولي الحكومة عجزا في التحكم في المؤشرات الاقتصادية و المالية و تضاربا في الإحصائيات و الأرقام حيث أن الحكومة حصرت مند البداية نسبة النمو لسنة 2012  في 5 في المائة  ثم  ما لبثت أن قلصتها إلى  4.2  في المائة. بينما توقع والي بنك المغرب بأن تتدنى نسبة النمو إلى 2 أو 3 في المائة. فيما راجعت المندوبية السامية للتخطيط توقعاتها لمعدل النمو لسنة 2012  و حددته في  4.1 في المائة.

 

بعض أسباب التعثرات:

و يمكن إرجاع هدا الارتباك في الأداء الحكومي بالأساس إلى منهجية اختيار الوزراء الدين تم تعيينهم في مهامهم وفق منطق التوافق و التراضى و الكوطا بين الأحزاب المشاركة في الحكومة  وليس على أساس الاختصاص و الكفاءات و القدرة على التسيير و التدبير الوزاري . كما أن ضعف الخبرة  و قلة التجربة عند بعض الوزراء ساهم بشكل كبير في ارتكاب بعض الأخطاء التدبيرية و التواصلية مما اثر سلبا على العمل الحكومي.

و في الختام ، يمكن اعتبارحصيلة المائة يوم الأولى على تنصيب الحكومةايجابيةإدا اعتبرنا الدينامية التي ساهمت في خلقها الحكومةعبر إرسال إشارات قوية إلى الرأي العامتفيد بأن هنالك تغيير حقيقيا قد انطلق و بالنظرإلى عودة  الاهتمام  بالشأن العام حيث ساهمت الحكومة في إقحام المواضيع السياسية إلى النقاش العمومي مما يوحي باختلاف الإستراتيجية التواصلية  للحكومة الحالية عن سابقاتها.

لكن يبقى الرهان الحقيقي للحكومة التنزيل السليم لمقتضيات الدستور الجديد الذي يشكل قطيعة مع مرحلة و يؤسس لبداية مرحلة جديدة. كما عليها إنعاش الاقتصاد الوطني و وتأمين المناخ المناسب للاستثمار لخلق مناصب الشغل للشباب. و لن يتأتى هدا إلى بتوفير جو من الحوار و التواصل الفعال ونهج سياسة  القرب و التشارك و الإشراك لكافة الفعاليات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وفعاليات المجتمع المدني في أفق ربح رهانات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المسطرة في برنامجها الحكومي.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *