Home»Enseignement»المقابلة الفردية: الاختلالات والإكراهات والحدود

المقابلة الفردية: الاختلالات والإكراهات والحدود

1
Shares
PinterestGoogle+

بقلم: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه
التربوي، مكناس
تقديم
من المعلوم أن كل تلميذ حالة خاصة، وأن
لكل تلميذ خصائص ومميزات وقدرات
واستعدادات ومؤهلات ترتبط بشخصه نفسيا
واجتماعيا وثقافيا. من هنا، فكل تلميذ
تعترضه مشاكل خاصة ترتبط به كفرد داخل
مجتمع محيط به: فللتلاميذ الأقوياء
مدرسيا مشاكل، وللتلاميذ الضعاف مدرسيا
مشاكل، وللتلاميذ ذوي الحاجات الخاصة
مشاكل، وللتلاميذ الأسوياء مشاكل…. إذن
فكل تلميذ في حاجة إلى مساعدة تربوية،
إلا أن الإقدام على طلب هذه المساعدة
يختلف من فرد إلى آخر. كما أنه، وفي إطار
منظومتنا التربوية، يتجه الاهتمام إلى
التلاميذ ذوي قضايا وصعوبات ومشكلات
متعددة تختلف باختلاف الأفراد والأوساط
الأسرية والاجتماعية. فتندرج التصنيفات
أعلاه في إطار مجالات متعددة تغوص في
أعماق المجتمع، وتتصل بمختلف الفئات
والطبقات الاجتماعية التي تعاني وضعيات
جد خاصة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا،
لتشكل حالات مستعصية تتطلب تدخلات على
جميع الأصعدة، باعتماد وسائل وطرائق
تربوية، من جملتها المقابلة الفردية،
من أجل مساعدة التلاميذ على تجاوز
الصعوبات التي تعترضهم. كما تتطلب عدة
متدخلين من مختلف المواقع والتخصصات في
المجال التربوي والنفسي والاجتماعي
نعرض إليها لاحقا وتشكل عصب الموضوع
الراهن.
فما هي المقابلة الفردية؟ وما هي
الأهداف المنتظرة منها تربويا ومدرسيا
واجتماعيا؟ وما هي المؤهلات المطلوب
توفرها في المستشار في التوجيه التربوي
لإجراء المقابلة الفردية؟ وما هي
الاختلالات التي تشوب  المقابلة
الفردية؟ وما هي الإكراهات التي تقف
أمام إجراء المقابلة الفردية؟ وما هي
حدود ممارسة المقابلة الفردية؟
اقتناعا منا بأهمية التساؤلات
المطروحة وما يمكن طرحه كثير في هذا
المجال، سنحاول، قدر الإمكان، الإحاطة
بمختلف جوانب ومكونات الموضوع الراهن
على جميع الأصعدة، قدر المستطاع،
انطلاقا من تجارب ميدانية، وواقع
التلاميذ المعيش بالمؤسسة التعليمية
وخارجها، وفي علاقة بالفاعلين
التربويين المتدخلين في العملية
التربوية الداخليين منهم والخارجيين،
كل من موقعه، وذلك بالتركيز أساسا، وفي
ذات الآن، عبر تحليل مندمج، على
الاختلالات التي تشوب المقابلة
الإرشادية والإكراهات التي تحد، لا
محالة من فعاليتها ونجاعتها تجاه
المستشيرين ، مع التركيز على الحدود
التي تقف عندها المقابلة الإرشادية، في
تقديرنا وانطلاقا من موقعنا ضمن منظومة
التربية والتكوين وضمن الفاعلين
التربويين، في مجال التوجيه التربوي
والعملية التربوية ككل.
I.      المقابلة الفردية أو المقابلة
الإرشادية:
تعتبر المقابلة الفردية مهمة تربوية،
أنيطت بها، على الأخص، أطر التوجيه
التربوي، نظرا لطبيعة تكوينها وطبيعة
المهام والأنشطة الموكولة إليها ضمن
المنظومة التربوية.  والمقابلة الفردية
(الإرشادية) تتجلى في إجراء المستشار في
التوجيه التربوي (مستشار أو مسترشد
(بفتح الشين)) لقاء تربويا مباشرا مع شخص
( مستشير أو مسترشد (بكسر الشين))، غالبا،
تلميذ راغب في ذلك ومقتنع أو تم إقناعه
عبر أسلوب تربوي محفز، بحيث يسمح له هذا
اللقاء مع المستشار بالتعبير بكل حرية
وواقعية عن انشغالاته واحتياجاته
ومناقشة المشكلات التي تعترضه
وتدارسها، من أجل تجاوزها عن طريق البحث
عن الحلول المناسبة لها. من هذا
المنطلق، فالمقابلة الفردية علاقة
تفاعلية يتبادل خلالها المستشير
والمستشار معلومات ومشاعر في جو تسوده
الثقة التامة والصدق والموضوعية، ويتسم
بالسرية وحفظ الأمانة والحفاظ على
المعلومات، حيث لا تستعمل إلا لأغراض
المساعدة التربوية ومصلحة المستشير.
II.     على صعيد الاصطلاح والتسمية:
تتأسس المقابلة الفردية أو الإرشادية
على شخصين اثنين:
1.      الشخص الذي يجري المقابلة الإرشادية،
أو الشخص الذي يدير مجريات المقابلة
الإرشادية، وقد اصطلح على تسميته،
المستشار أو المسترشد (بفتح الشين)؛
2.      الشخص الذي يرغب في مقابلة إرشادية مع
المستشار، أو الشخص الذي يجري معه
المستشار المقابلة الفردية، وقد اصطلح
على تسميته، المستشير أو المسترشد (بكسر
الشين)؛
فالمستشار اسم مفعول، من فعل استشار،
يستشير؛
والمستشير اسم فاعل، من فعل استشار ،
يستشير؛
واسْتَشارَهُ: طَلَبَ منه المَشُورَةَ.
وأشارَ عليه بكذا: أمَرَهُ، وهي:
الشُّوْرَى، (القاموس المحيط)؛
وشاوَرَه مُشاوَرَة وشِوَاراً
واسْتَشاره: طَلَب منه المَشُورَة،
(لسان العرب)؛
واستشار، يستشير، مستشير(طالب
الاستشارة)، مستشار(المطلوب منه
الاستشارة)، استشارة (رأي، من قبيل نصح
أو توجيه، في مسألة معينة)؛
وما قيل حول فعل استشار يقال قياسا حول
فعل استرشد؛
وهكذا، فاسترشد، يسترشد، مسترشد(بكسر
الشين)، اسم فاعل، أي طالب الاسترشاد؛
مسترشد (بفتح الشين)، اسم مفعول، أي من
يطلب منه الاسترشاد، استرشاد (استدلال
على رأي، من قبيل نصح أو توجيه، في مسألة
معينة)؛
وعليه، يمكن رفع التساؤل التالي: هل
المستشار في الوجيه التربوي، ومن حيث
جوانب الحياد المهني، يبدي رأيه أو يوجه
نصحا في مسألة أو قضية ترتبط بمشكلة
يعرضها عليه شخص معين ( تلميذ(ة)، أم، أب،
ولي أمر تلميذ(ة))؟
والواقع، إن المستشار في التوجيه
التربوي يساعد صاحب المشكلة على تجاوز
وضعية معينة تؤرقه وتقض مضجعه،
للانتقال إلى وضعية أفضل تضمن له
الاستمرارية بارتياح.
فمن خلال مجريات المقابلة، أو بعد
ختمها مباشرة، بقليل أو كثير، يتموقع
صاحب المشكل (المستشير أو المسترشد(بكسر
الشين))، ويتخذ القرار الأنسب لمعالجة
مشكلته، محاولا تجاوزها والانتقال إلى
وضعية أكثر ارتياحا.
واستَرْشَده: طلب منه الرشد. ويقال:
استَرْشَد فلان لأَمره إِذا اهتدى له،
وأَرشَدْتُه فلم يَسْتَرْشِد، (لسان
العرب)؛
وينطبق إذن ما قيل حول فعل استشار على
فعل استرشد؛
يتبين إذن أن الاستشارة أو الاسترشاد
يتجليان في طلب المستشير أو
المسترشد(بكسر الشين) النصح والتوجيه من
المستشار أو المسترشد(بفتح الشين).
لكن ومن خلال حياده المهني، فالمستشار
في التوجيه التربوي لا يقدم نصحا ولا
توجيها، ولا يقترح حلا، بل يساعد عارض
المشكلة على تجاوز، بنفسه، وضعية صعبة
تعترض مسيرته الحياتية المدرسية أو
المهنية.
يبدو إذن، من خلال ما تقدم، أن
المصطلحين: المستشار والمسترشد(بفتح
الشين) يقحمان تلقائيا وعفويا المستشار
في التوجيه التربوي في تقديم النصح
واقتراح الحلول، الشيء الذي يتعارض
وحياده المهني.
وهكذا، وفي اعتقادنا، اصطلاحا وتقنيا،
يتم العمل بالتسميتين، المستشار
والمستشير، مع الحفاظ على بعد الحياد
المهني، والنأي عن اتخاذ القرارات
بخصوص مختلف القضايا والإشكالات التي
تتناولها مواضيع المقابلات الإرشادية.
III.    أهداف المقابلة الفردية:
وتروم المقابلة الفردية، أو المقابلة
الإرشادية، تحقيق مجموعة من الأهداف،
يمكن تحديدها، بشكل عام في ما يلي:
1.      أن يصبح المستشير؛ ذو صعوبات ومشاكل؛
متوافقا في مدرسته وأسرته ومجتمعه،
ومحققا التوافق المدرسي والصحة النفسية
بعد استفادته من مقابلة فردية مع
المستشار في التوجيه التربوي؛
2.      مساعدة المستشار المستشير على تجاوز
الصعوبات التربوية والنفسية
والاجتماعية التي تعترضه حتى يدمج في
وسطه التربوي والمدرسي والتعليمي؛
3.      مساعدة المستشار المستشير على اختيار
نوع الدراسة أو التكوين الذي يناسب
ميولاته الشخصية وقدراته ومؤهلاته
المعرفية؛
4.      اقتراح بيداغوجية علاجية لفائدة
التلاميذ المتأخرين دراسيا؛
5.      إعادة إدماج التلاميذ المفصولين أو
المنقطعين عن الدراسة؛
6.      عرض الحالات المستعصية من التلاميذ
ذوي الصعوبات، باتفاق مع أولياء أمرهم،
على أخصائيين نفسانيين بمستشفيات
متخصصة؛
7.      عرض حالات التلاميذ ذوي المشاكل
الناتجة عن الحاجة على فاعلين جمعويين
وهيئات متخصصة؛
IV.     على صعيد التكوين النظري والتدريب
الميداني:
لإجراء المستشار في التوجيه التربوي
المقابلة الفردية وفق الضوابط العلمية
والمهنية المطلوبة، يجب أن تتوفر فيه
المواصفات والمؤهلات التالية:
1.      أن يكون مطبوعا على إجراء المقابلة
ومحبا لهذا العمل؛
2.      أن يكون فد استفاد من تكوين أكاديمي
ومهني عميق ويتوفر على رصيد معرفي
وتربوي يؤهله لإجراء المقابلة
الفردية؛
3.      أن يتمتع بمعرفة مكثفة بمجال أو أكثر
من مجالات المعرفة والعلوم، خصوصا منها
علم النفس وعلوم التربية وعلم الاجتماع
والعلوم المتفرعة عنها؛
4.      أن تكون لديه مهارات وخبرة ميدانية
وحساسية مرهفة لإدراك المشكلات ومعرفة
ما يحدث أثناء المقابلة من سلوكات
وانفعالات لدى التلميذ من خلال تعبيره
اللفظي والحركي وغيره ؛
5.      أن يكون متواصلا، ويجيد التعبير
والتفاهم والتفهم وييسر مجريات ومقاطع
المقابلة ويوقظ مشاعر التلميذ وحاجاته
حتى تحقق المقابلة أغراضها.
6.      أن يتمتع بالقدرة على استقطاب
التلاميذ وذلك بالتمتع بالأخلاق الطيبة
والسلوك الحسن …؛
7.       أن يجيد مهارات الملاحظة والتعامل مع
مختلف الحركات الصادرة عن المستشير
وتفسيرها تفسيرات صحيحة، دون تأويل،
وبتجرد تام من حمولته الثقافية.
استتباعا لما ورد أعلاه، يجدر بنا رفع
التساؤلات التالية:
Ø       هل نال المستشار في التوجيه التربوي
من التكوين النظري ما يؤهله لإجراء
مقابلة إرشادية وفق الشروط والضوابط
العلمية المطلوبة؟
Ø       هل تمكن المستشار في الوجيه التربوي
من العلوم الأساسية المعتمدة في تدبير
مراحل المقابلة الفردية ومختلف
مجرياتها ومقاطعها؛
Ø       هل استفاد المستشار في التوجيه
التربوي من تداريب ميدانية كافية تمكنه
من تدبير مختلف مقاطع المقابلة الفردية
بمهنية واحترافية دون تأثر ولا انفعال؟
Ø       هل تمكن المستشار في التوجيه التربوي
من تقنيات عملية تمكنه من التحكم في
مجريات المقابلة الفردية صمتا وتعبيرا
لفظيا وحركيا؟
Ø       هل لدى المستشار في التوجيه التربوي
إلمام بمختلف الثقافات المجتمعية وطنيا
وجهويا وإقليميا ومحليا للقدرة على
معرفة وفهم، وبالتالي تفسير وتأويل
مختلف المفردات والمصطلحات والإشارات
تأويلا صحيحا لا يؤثر في المستشير
لاتخاذه القرارات المناسبة لوضعيته
الشخصية؟؛
V.      على صعيد انخراط الفاعلين التربويين
الداخليين:
يتم ملامسة، بكل جلاء، ممارسة الفاعلين
التربويين المتدخلين الداخليين، من أطر
إدارية وهيئة التدريس،  المهام
الموكولة إليهم بمعزل كل منهم عن الآخر،
وفي غياب تنسيق وتعاون بخصوص مختلف
القضايا والأحداث ذات الصلة بالحياة
المدرسية ومرافق المؤسسة التعليمية:
i.      فالأطر التربوية المشتغلة بالفصول
الدراسية تنجز الدروس وتسابق الزمن
وأعينها على المقررات وتدبير مختلف
الأحداث والنزاعات، التي تقع داخل
الأقسام، بطريقة أو بأخرى، منها اقتراح
عقوبة معينة بشكل متسرع، أو ، وفي حالة
غضب، إقصاء التلميذ من قاعة الدرس، الذي
صدر عنه فعل معين مخالف للنظام العام،
مع مطالبته إحضار أولياء أمره؛ أو
إحالته، في حالة تشنج، على مدير المؤسسة
أو على الحارس العام أو الناظر الذين
يتخذون، على عجل، قرارات وفق تقديرات
وتخمينات، هذه القرارات التي، إما تكون
صائبة أو مجانبة الصواب حسب الظروف
والملابسات التي يتم تقديرها وتقييمها،
غالبا وفق أحكام ذاتية زائغة عن
الموضوعية ودون استقصاء الحقائق ومعرفة
الأسباب والدوافع؛
ii.     والأطر الإدارية تقضي اليوم منغمسة
في تدبير شؤون الموظفين، من غياب وتأخر
وشنآن وصراع مع التلاميذ وتدبير
ملفاتهم من حيث المواظبة والانضباط
ولوائح الأقسام وأوراق التنقيط،
وتدبير المراجع الإدارية والنصوص
التشريعية من مذكرات ومراسيم وكتابة
تقارير وإنجاز مراسلات والإشراف على
إرسالها إلى الجهات المعنية، والإشراف
على إصلاحات وترميمات، والتنقل إلى
مصالح النيابة للتوصل بمراسلات أو
تجهيزات ومعدات وحملها إلى المؤسسة
وتسليمها إلى الأطر المعنية والعمل على
تنفيذ المطلوب، من إحصاءات مستعجلة
وتنظيم لقاءات وعقد اجتماعات…؛
من خلال هذه الأوضاع المعيشة تربويا
وإداريا، والمترددة يوميا، وفي غياب
تكوينات متخصصة، وفي غياب نصوص تشريعية
تحدد المواقع والمهام بشكل إجرائي،
يتبادر إلى الذهن التساؤلات التالية:
1.      ما هي جوانب مشاركة وتدخل الفاعلين
الداخليين، من أطر إدارية وهيئة
التدريس، في الإجراءات المتعلقة
بالمقابلة الإرشادية؟
2.      هل تنحصر تدخلاتهم ومساهماتهم في
تعبئة مطبوعات طلب المقابلة وتسجيل
التلاميذ الراغبين في ذلك  وإحالتهم على
المستشار في التوجيه التربوي؟
3.      ألا يعدون تمهيدات ومقدمات من خلال
تقارير توجز ملاحظاتهم وآرائهم حول
القضايا التي تعرض عليهم ويسلمونها إلى
المستشار في التوجيه التربوي الذي
يعتمدها كمنطلقات ومرجعيات لإجراء
المقابلة الإرشادية؟
4.      ألا يعد الأستاذ(ة) أو الحارس العام
ملفا شاملا حول القضية المعروضة عليه من
طرف التلميذ الراغب في مقابلة إرشادية،
يضم معلومات شخصية حول التلميذ، ومساره
التربوي والدراسي من سلوك ومواظبة
ونتائجه المدرسية ووضعيته الاجتماعية
والثقافية والاقتصادية من خلال تصريحات
التلميذ نفسه وأولياء أمره، وحالته
الصحية الجسمية والنفسية، ويسلمه إلى
المستشار ليعتمده ويستعين به خلال
مجريات المقابلة الإرشادية؟
5.      وما موقع الأستاذ الكفيل؟ ألا يتم
تفعيل الأدوار المنوطة به في مجال
التوجيه التربوي عموما؟
VI.     على صعيد انخراط الفاعلين التربويين
الخارجيين:
يتداول، منذ مدة زمنية، من خلال مختلف
النصوص التشريعية ما سمي بنظام المناطق
التربوية، لكن عدة وضعيات تربوية
وإدارية لا تزال يكتنفها غموض وفي حاجة
لتوضيح ونفض الغبار عليها:
1.      ما المهام الموكولة فعلا وإجراء
لمفتش المنطقة التربوية؟
2.      ألا يقوم بمهمة التأطير في مجال
التوجيه التربوي عموما وإجراء المقابلة
الإرشادية خصوصا؟
3.      ألا ينجز تقارير تركيبية حول مختلف
الخلاصات المتوصل إليها من خلال
المقابلات الفردية وعرضها على الجهات
المسئولة؟
4.      ألا يقوم باتصالات مع جمعيات
أخصائيين اجتماعيين ونفسانيين لعقد
اتفاقات تعاون وتنسيق لدراسة وتحليل
مختلف القضايا الاجتماعية والتربوية
المعروضة على المستشارين في التوجيه
التربوي للبحث وإياهم عن الحلول
الناجعة للمشاكل المستعصية التي تعترض
بعض التلاميذ بتنسيق مع أولياء أمورهم؟

VII.    على صعيد انخراط الشركاء الخارجيين:
يرد عبر مختلف المذكرات والنصوص
التنظيمة للعمليات التربوية
والتكوينية ما يطلق عليه تدخل أو مساهمة
الشركاء الخارجيين من أمهات وآباء
وأولياء التلاميذ والفاعلين
الاقتصاديين والاجتماعيين والجامعات
والمؤسسات التكوينية في المجالات
التربوية والمدرسية والمهنية، لكن
أدوار هذه الأطراف ما تزال تشوبها
اختلالات وتصطدم بعقبات وعراقيل، يجب
العمل على تجاوزها:
1.      فأمهات وآباء وأولياء التلاميذ لا
يزورون المؤسسة التعليمية إلا نادرا،
حيث ثقافة تفقد أحوال أبنائهم المدرسية
والتربوية لا تزال لم تتأسس بعد، وحيث
تسجل موافق سلبية لدى هيئة التدريس من
هذه الزيارات واللقاءات مع أولياء
التلاميذ. من هذه المنطلقات، ما هي
مساهمات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ
من جانبهم في محاور المقابلة الإرشادية
الخاصة بأبنائهم؟
2.      والفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون
لم تتبلور أدوارهم بعد، ضمن منظومة
التربية والتكوين عموما، ومجال التوجيه
التربوي على الخصوص، سواء على صعيد
المشاركة في مختلف التظاهرات التربوية
والثقافية (أيام الإعلام والتوجيه)، أو
على صعيد تنشيط منتديات وندوات ولقاءات
إعلامية حول المهن والوحدات الإنتاجية.
فأين هي إذن جوانب تدخلاتهم في حل مشاكل
التلاميذ والطلبة الذين يتخذون قرارات
معينة بعد استفادتهم من مقابلة
إرشادية؟
3.      والجامعات والمؤسسات التكوينية ما
تزال محط تساؤلات عدة لدى التلاميذ
والطلبة. فالمؤسسات الجامعية ذات
الاستقطاب المفتوح تشهد اكتظاظا كبيرا
لكن تعطي منتوجا قليلا. والمؤسسات
التكوينية يرغب في ولوجها تلاميذ وطلبة
كثر لكن تلجأ إلى تطبيق نظام الحصيص
والانتقاء الشديد تحت ذريعة محدودية
المقاعد. وهكذا ينتج هدر الطاقات
البشرية. فكيف يقتنع التلاميذ والطلبة
بنتائج وخلاصات المقابلات الإرشادية،
ويقبلون، لحل مشاكلهم الدراسية
والمهنية، على مؤسسات يعلمون مسبقا
ضآلة استجابتها لحاجياتهم؟
VIII.   على صعيد الحالات المستعصية تربويا
ومدرسيا واجتماعيا:
انطلاقا من تجارب ميدانية وواقع مدرسي
معيش، يمكن ترتيت التلاميذ، من حيث
وضعياتهم، في صنفين:
1.      تلاميذ أسوياء، إلى حد ما، نفسيا
وتربويا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا،
يعانون، أحيانا من مشاكل عارضة وطارئة،
يمكن تجاوزها، وذلك من قبيل:
§       مشاكل التفوق الدراسي والتميز وهاجس
النتائج الجيدة والاحتكاكات بالزميلات
والزملاء والأساتذة ومحاولة إثبات
الذات وفرض الرأي والتشبث بطرائق خاصة
في التفكير والتحليل…؛
§       مشاكل تخص التوجيه المدرسي
والتكوينات العليا والآفاق المستقبلية
تكمن في الرغبة الجامحة لدى هؤلاء
التلاميذ في اعتناق، في نظرهم، أفضل
الشعب والمسالك الدراسية، والالتحاق
والقبول بأفضل المؤسسات التكوينية
العليا كانت بالمغرب أو خارجه،
والاندماج في الحياة العملية بمزاولة
أفضل المهن والوظائف الضامنة لأجور
جيدة ومكانة اجتماعية مرموقة؛
2.      تلاميذ غير أسوياء، إلى حد ما، إما
نفسيا أو تربويا أو اجتماعيا أو ثقافيا
أو اقتصاديا، أو ارتباطا بهذه المجلات
مجتمعة أو ببعضها، يعانون من مشاكل
مزمنة ومستدامة، تتطلب تدخل عدة فاعلين
تربويين داخليين وخارجيين وشركاء
وأطراف ذات الصلة بالمجالات التربوية
والمدرسية والمهنية والاجتماعية
والاقتصادية، ويمكن تصنيف هؤلاء
التلاميذ حسب مختلف الوضعيات ضمن
المجموعات التالية:
§       تلاميذ انفصل أبواهما وتزوج أحدهما،
خصوصا الحاضن؛
§       تلاميذ توفي أحد أبويهما وتزوج من
بقي على قيد الحياة؛
§       تلاميذ يعاني أبواهما أو أحدهما
أمراضا نفسية أو جسدية مزمنة؛
§       تلاميذ تغيب أبواهما أو أحدهما بسبب
ظروف معينة وبقوا يعانون الضياع
والإهمال؛
§       تلاميذ يعانون وقع صراعات ونزاعات
مستمرة بين أفراد أسرهم، خاصة الأبوين؛
§       تلاميذ تعاني أسرهم وضعية الفقر
المذقع والبطالة المستدامة وقلة ذات
اليد؛
§       تلاميذ تبعد المؤسسة التعليمية عن
سكناهم، خصوصا بالبوادي، ويعانون عناء
المسالك الوعرة ومشاكل النقل العمومي
والسري، مع عدم توفر المؤسسات
التعليمية على أجنحة للداخلية؛
§       تلاميذ، لأسباب مختلفة (الإدمان،
الفقر المذقع…)، يعانون الإهمال
الأبوي، فينال منهم الانحراف والانحلال
الخلقي، ويسمهم السلوك السيئ والعادات
المشينة ومعاشرة الأشرار؛
§       تلاميذ يعيشون مشاكل السكن (بيت مع
الجيران) وكثرة أفراد الأسرة، حيث تغيب
ظروف المراجعة والتذكر وإنجاز الواجبات
المنزلية؛
بالنظر إلى هذه الفئات من التلاميذ
الذين يعانون مشاكل معقدة تتطلب تدخل
عدة أطراف من داخل المؤسسة التعليمية
ومن خارجها، والتي يمكن أن تؤثر سلبا
على تحصيلهم الدراسي ومردوديتهم
المدرسية ووضعيتهم بالمؤسسة
التعليمية، مما يؤدي إلى انقطاعهم عن
الدراسة ومغادرتهم الأسلاك الدراسية:
ü       فما نوع النتائج والخلاصات التي قد
تفضي إليها المقابلة الإرشادية المجراة
مع هؤلاء التلاميذ؟
ü       وما هي القرارات التي يمكن أن
يتخذوها لحل المشاكل التي تعترض
مساراتهم الدراسية حتى يتابعوا دراستهم
بارتياح ويتجنبوا الفشل الدراسي؟
IX.     على صعيد إحالة التلميذ الصادر عنه
سلوك سيء على المستشار في التوجيه
التربوي:
حيث إن ظواهر متعددة وآفات أخذت تغزو
المؤسسات التعليمية، من سلوكات عنيفة
ونزاعات وصراعات قوية وشنآن مستمر بين
التلاميذ أنفسهم وبين التلاميذ والأطر
الإدارية والتربوية، والتغيب المفرط
وإهمال الواجبات المدرسية، وحيث إن
الأساتذة يقفون عند حدود إنجاز الدروس
وتصحيح الفروض، وحيث إن الأطر الإدارية
يظلون منهمكين في التعامل مع القضايا
الإدارية والملفات المدرسية وتدبير
الساحة ومراقبة الممرات والحجرات
الشاغرة ومنح ورقة الغياب، فإن
المستشار في التوجيه التربوي يبدو، في
نظر الأطر الإدارية والتربوية، العنصر
الوحيد الأكثر تفرغا لاستقبال الحالات
الشاذة وحل مختلف المشاكل، وهكذا لا
يتوانون في إحالة جميع الحالات
والأحداث الصادرة عن التلاميذ العنيفين
وغير المنضبطين، والتي تقع داخل
المؤسسة وتعكر صفو سير العمليات
الإدارية والتربوية، على المستشار في
التوجيه التربوي، اعتقادا منهم أن ذلك
تخصصه ومجال مهامه، فتصبح طوابير من
التلاميذ أمام مكتبه كل ينتظر دوره، وما
قد تسفر عنه هذه الإحالة من خلاصات
ونتائج.
يجدر بنا إذن، في هذا الإطار، رفع
التساؤلات التالية:
1.      هل يعتبر اللقاء المنعقد بين
المستشار في التوجيه التربوي والتلميذ
المحال عليه مقابلة إرشادية؟
2.      وكيف يتعامل هذا التلميذ مع المستشار
في التوجيه التربوي قبل المقابلة
الإرشادية وأثناءها وبعدها؟
3.      ألا يستعمل التلميذ آليات المقاومة
من أول وهلة دفاعا عن موقفه وخوفا من
العقاب؟ حيث يتساءل منذ إحالته على
المستشار في التوجيه التربوي: لماذا تمت
إحالتي على هذا الشخص؟ وما يا ترى عساه
يفعل؟ هل سوف يعاقبني على فعلتي؟
4.      وهكذا يتسلح التلميذ المحال على
المستشار، بعد صدور فعل مشين عنه،
بآليات الحيطة والحذر، ويلتجئ إلى
أساليب المراوغة والإنكار، ويتخذ مواقع
المقاومة والدفاع، وبالتالي يتخذ مواقف
معينة من المستشار في التوجيه التربوي،
وينأى بنفسه مسافة عن حقائق موضوع
الإحالة.
5.      فكيف تبدو صورة المستشار في التوجيه
التربوي في أعين أولئك التلاميذ الذين
صدرت عنهم أفعال سيئة وسلوكات عنيفة
داخل قاعة الدرس أو خارجها وتمت إحالتهم
عليه؟
وهكذا، وانطلاقا من هذه الملاحظات
والخلاصات، فإن اللقاء بين المستشار
والمستشير لا يعد مقابلة إرشادية إلا
برغبة من المستشير في ذلك وبمحض إرادته
وقناعته وشعوره بنفسه بالمشاكل
والصعوبات التي تعترضه من خلال نتائجه
المدرسية أو من خلال ملاحظات تربوية
توجه إليه من أحد الأطراف الفاعلة في
العملية التربوية، دون تعنيف ولا
إكراه.
X.      على صعيد التقمص الوجداني:
يعتبر التقمص الوجداني إحدى التقنيات
الأهم والأكثر ممارسة خلال إجراء
المقابلة الفردية لفهم عمق المستشير
وجدانيا وعاطفيا، تتجلى في التماهي
والمواءمة مع أحاسيسه ومشاعره قلبا
وقالبا والعيش داخل أعماقه لإشعاره
بالتجاوب معه والانشغال بوضعه وشخصه
والاهتمام بظروفه ومعاناته؛
وحتى تفي هذه التقنية بالأغراض
المنتظرة منها، فإنها تتطلب درجة عالية
من الدربة الميدانية والخبرة المهنية،
حتى لا ينجر المستشار في التوجيه
التربوي إلى حالات التفاعل والانفعال
المستمرة، حيث إن تكرار مثل هذه الحالات
في مختلف وضعيات المقابلة الفردية يمكن
أن يؤدي بالمستشار إلى انفصال مستمر عن
الذات وتأثر عاطفي مستدام، فانهيار
عصبي يصبح حالة مرضية عارضة أو مزمنة
تستوجب علاجا نفسيا، ومن ثم النفور
والاشمئزاز والانطواء.
خاتمة:
إن المقابلة الإرشادية فعل تربوي محض،
في حاجة إلى أسس متينة فبناء فبلورة
فتعزيز، تتطلب تقنيات وممارسات علمية
وتكوينا نظريا وتدريبا ميدانيا متينين،
وتضافر جهود مختلف الفاعلين التربويين
والمتدخلين الداخليين والخارجيين
وجميع الشركاء والأطراف ذات الصلة
بمنظومة التربية والتكوين. كما أن مهمة
المقابلة الإرشادية في حاجة إلى نصوص
تشريعية تحدد حدود ممارستها وإطارها
الأخلاقي والتعاقدي بين المستشار
والمستشير ومجال وحدود استعمال
المعلومات المجمعة، وكيفية الاحتفاظ
بها، والمهام الموكولة إلى مختلف
الأطراف المشاركة في العملية التربوية،
عموما، والمقابلة الإرشادية، على
الخصوص، سواء من داخل المؤسسة
التعليمية أو من خارجها. كما تحدد
النصوص التنظيمية كيفية وحدود التعامل
مع مختلف الحالات المستعصية، ومتى تحال
على أخصائيين اجتماعيين ونفسانيين أو
جمعيات مدنية وملاجئ ومؤسسات خيرية
تعني باليتامى والمشردين وأبناء
الأبوين المنفصلين وجميع التلاميذ
الذين يعانون الإهمال والحرمان.
وعليه فنشر ثقافة المقابلة الإرشادية
في صفوف التلاميذ وأولياء أمورهم
والأطر الإدارية والتربوية بمختلف
الوسائل بات أمرا مستحبا ومرغوبا فيه
حتى يطلع كل طرف على أهميتها في المجال
التربوي والتعليمي وتقنياتها والأهداف
المنتظرة منها المتجلية في مساعدة
التلاميذ على تجاوز الصعوبات والمشاكل
التي تعترضهم، كما يطلع كل طرف على
المهام الموكولة إليه حتى تؤتي
المقابلة الإرشادية الثمار المرجو
منها.
وحتى لا تنعكس المقابلة الإرشادية على
صورة ومكانة المستشار في التوجيه
التربوي فإنه يجب توفير جميع الشروط
والظروف لإنجاحها وتحقيقها الأهداف
المنتظرة منها، من تخصيص فضاء خاص ومريح
ومعزول عن الضوضاء وكل ما يزعج، ووضع
رهن إشارة المستشار في التوجيه التربوي
جميع الوسائل والتجهيزات والأدوات
المكتبية والإعلاميائية ومختلف
الروائز المتخصصة في المجالات المعرفية
والاجتماعية والنفسية، وملفات شاملة عن
التلاميذ الراغبين في المقابلة
الفردية.
من إنجاز السيد نهاري امبارك، مفتش في
التوجيه التربوي، مكناس.
NHARI Mbarek, Inspecteur en orientation de l’Education, Meknes ;
ملحوظة:
لمزيد من المعلومات حول المقابلة
الفردية، من خلال أجوبة على الأسئلة
التالية: ما هي المقابلة الفردية؟ وما
هي دواعي الحاجة إليها؟ وما هي الأهداف
المرجوة منها؟ وماهي أنواعها؟ وما هي
خصائصها ومقوماتها؟ وما هي خطواتها
الإجرائية؟ يمكنكم الاطلاع على هذا
الموضوع: المقابلة الفردية مهمة تربوية
أساسية في التوجيه التربوي v بقلم: نهاري
امبارك، مفتش في التوجيه التربوي،
مكناس الذي تم نشره بتاريخ 11 يناير 2008
بالوقع التالي:

المقابلة الفردية مهمة تربوية أساسية في التوجيه التربوي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. Houssin
    02/10/2017 at 12:03

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    حاليا وبعد صدور المذكرة الوزارية 17*022 اصبح المفتش في التوجيه مثله مثل المستشار في التوجيه يمارسون التوجيه بالقطاعات المدرسية ويقدمون خدمات التوجيه ويقومون باجراء مقابلات فردية مع التلاميذ، حيث ان عدد كبير من المفتشين في التوجيه غيروا الاطار الى من مستشار الى مفتش بالاقدمية بعد ولوجهم الدرجة الاولى (السلم 11) ، رللأسف تم حرمان المستشارين في التوجيه والتخطيط أفواج ما بعد 2004 من تغيير الاطار الى مفتش. لذلك أصبحنا نجد في الوضع الراهن مستشارين في التوجيه ومفتشين في التوجيه رغم ان لهم نفس المسار المهني ونفس التكوين ونفس الدبلوم. ومن مداخل اصلاح منظومة التوجيه توحيد الاطار من خلال منح حق تغيير الاطار بالنسبة لمستشاري التوجيه والتخطيط أفواج ما بعد 2004 مع منح امتيازات للمفتشين الذين خضعوا لتكوين للقيام بمهام التأطير.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *