Home»National»الهوة سحيقة بين واقع الدروس المقلق في الفصول وبين التنظير لها في المناهج الدراسية

الهوة سحيقة بين واقع الدروس المقلق في الفصول وبين التنظير لها في المناهج الدراسية

0
Shares
PinterestGoogle+

الهوة سحيقة بين واقع الدروس المقلق في الفصول وبين التنظير لها في المناهج الدراسية

 

محمد شركي

 

لا تخلو حلقة من حلقات التكوين المستمر سواء تعلق الأمر بالجديد من قبيل ما سمي بيداغوجيا الإدماج ، أم بالمـألوف من قبيل ديداكتيك المواد من طرح السادة المدرسين لمعضلة التعارض بين واقع الدروس في الفصول الدراسية ، وبين التنظير لهذه الدروس في المناهج الدراسية . ففي الوقت الذي  تحرص التوجيهات التربوية الرسمية على تقديم الدروس نظريا وفق مواصفات لا يمكن إلا أن توصف بأنها طموحة ، ومغرية في إطار تبني بيداغوجيا الكفايات، التي تهدف إلى إنماء وتطوير كفايات المتعلم المغربي ليلحق بالكب الحضاري المتقدم  ، فإن هذه الدروس  تتخلف عمليا على أرض الواقع، الشيء الذي يجعل المدرسين  يظنون أن  استدعاءهم لحلقات التكوين المستمر، أو للقاءات التربوية هو محض عبث بهم ،حتى أن بعضهم يقاطع هذه الحلقات إما مقاطعة حقيقية ،بحيث لا يكلف نفسه مجرد الحضور أصلا ، وإما مقاطعة مجازية بحيث يحضر بجسده ، ويغيب وعيه أو عقله أو فكره أو إرادته . وحقيقة هذا الإعراض أو التشكيك في جدوى التكوين المستمر هو معضلة الفرق بين واقع حال الدروس في الفصول الدراسية ، وبين التنظير لها في المناهج الدراسية . ومعلوم أن المعضلة هي مشكلة مستعصية على الحل . والوعي بهذه المعضلة موجود لدى السادة المدرسين ، والمفتشين والإداريين منذ عقود . ولا يخلو اجتماع تربوي ، أو حديث ثنائي بين هؤلاء الفاعلين التربويين  من الإشارة إلى هذه المعضلة المؤرقة للجميع. فعندما تستعرض المقاربات ، والطرائق والمنهجيات، لا تختلف الأطراف التربوية الفاعلة في أنها جيدة نظريا و أكثر من ذلك طموحة ، ولا يمكن التشكيك في مصداقيتها، إلا أنها تفقد كل مصداقية عندما تنزل على أرض الواقع ، حيث يصير هذا الواقع هو المحك للحكم على مصداقيتها . فكل المواد الدراسية بكل مكوناتها  تخضع للمقاربة بالكفايات ، وهذه المقاربة تترجم إلى طرائق ومنهجيات لها مواصفاتها الخاصة من مراحل، وخطوات ،وأنشطة تخدم المهارات والقدرات التي تصب في الكفايات  الخاصة النوعية المستهدفة ، ومن ثم في تصب في الكفايات العامة المتقاطعة أو المستعرضة بين مختلف المواد. ومن نافلة القول  الجزم بتمكن كل المدرسين في الغالب من هذه المقاربة الكفائية نظريا ،إلا أن تنزيلها  أو أجرأتها  شيء يختلف فيه المدرسون اختلاف شذر مدر كما يقال ، لأن المورد النظري لهذه المقاربة واحد  يستحيل أن ينتج عنه خلاف ، بينما الموارد العملية أو التطبيقية لها مختلفة باختلاف البيئات الدراسية . فكم من مدرس بارع ذي خبرة لا يمكن الطعن فيها ، يصير مدرسا فاشلا عندما يجد نفسه في بيئة دراسية لا تسمح بغير الفشل المحقق الذي لا يمكن أن يزعم أحد تحقيق النجاح معه . والمناهج الدراسية  تقع في خطأ جسيم عندما تحدد مواصفات المتعلم المنشود ضمن غاياتها وأهدافها ، وهو متعلم مثالي لا وجود له على أرض الواقع . ولا تكلف المناهج نفسها حتى مجرد الإشارة إلى الإكراهات  والعوائق التي تحول دون وجود هذه المتعلم المثالي المنشود . فالمتعلم المغربي المتشبع بوطنيته المسلم السني الأشعري المالكي الجنيدي الحداثي المنفتح على الحضارة الإنسانية  إلخ….. قد  يكون من الممكن صناعته عبر هذه المناهج الدراسية زيادة أو نقصانا على حد تعبير الفرنسيين ، ولكن المنهاج لا يتناول العوامل الأخرى التي تتدخل في صناعة هذا المتعلم ،والتي تنزل به من المثالية إلى الواقعية الصادمة مع شديد الأسف . وهذه العوامل المسكوت عنها هي التي تقرر اليوم مصير هذا المتعلم ، ولا تفسح المجال للعوامل المصرح بها في المنهاج لصناعته أو تكوينه . فالمنهاج سكت عن المتعلم الفاقد للرغبة في الدراسة لعدة أسباب  أولها  اليأس وفقدان الثقة في المنظومة التربوية التي تخرج العاطلين والفاشلين في حياتهم   والذين ينتهي بهم المطاف إلى بوابة البرلمان، أو بوابات الوزارات، ليكونوا  فئران تجارب تتدرب عليها قوات مكافحة الشغب لتعلم الضرب والاضطهاد  وتطوير مهاراتهم الحس ـ حركية التي لا يتعلمونها في مراكز التدريب  . والمنهاج سكت عن المتعلم الذي تعود الانتقال، ولم يتعود النجاح واقتحام عتبته عن جدارة واستحقاق ، فراكم التعثرات من سلك إلى آخر ، وانتهى به المطاف إلى المحطة النهائية حيث صارت التعثرات فشلا دراسيا، بعدما غررت به سياسة الانتقال التي هي الواقع الفعلي المقابل  لسياسة الجودة والنجاح النظرية أو الإشهارية في كل المحطات الإصلاحية خاصة آخر محطة . والمنهاج سكت عن المتعلم الذي فترت همته فصار لا يقوى على مجرد احترام الزمن المدرسي، وزمن التعلم، بحيث يلتحق متأخرا في بداية الموسم الدراسي بالدراسة  ، وينقطع مبكرا ، وبين البداية والنهاية يصل يوميا متأخرا في الساعات الأولى صباح مساء ، ويستهلك ضعف أوقات الاستراحات اليومية على حساب حصص التحصيل دون أن ينهي مقرراته الدراسية . والمنهاج سكت عن المتعلم  الذي يحضر إلى المؤسسة بدون أدوات ضاربا عرض الحائط مقتضيات الحياة المدرسية ،  وكذا القوانين الداخلية للمؤسسة. والمنهاج سكت عن المتعلم الذي لا يعنيه الإعداد القبلي ، ولا التعلم الذاتي ، فيحضر إلى الفصل بدون مكتسبات قبلية. والمنهاج سكت عن المتعلم الذي جعل العبث  واللهو واللعب دأبه اليومي، الشيء الذي يحول الحصص الدراسية إلى حصص عبث تتطلب التوجيهات الأخلاقية عوض الاشتغال على المقررات . والمنهاج  سكت عن المتعلم الذي لا يكلف نفسه حتى تدوين ما  يقدمه المدرسون من  معلومات تولد من بعض المتعلمين في الغالب بالطريقة القيصرية . والمنهاج سكت عن المتعلم الذي لا يجيد في فروض المراقبة المستمرة وفي الامتحانات سوى استعمال الغش ، والاعتماد على قصاصاته. والمنهاج سكت عن انفصام شخصية المتعلم  المغربي  الفاشل في الجمع بين شخصيته الوطنية والعربية والإسلامية ، وشخصية غيره ممن يختلفون عنه  هوية وعقيدة وثقافة . ولقد صار غرابا لم يستطع إتقان مشية الحجل ، وفي نفس الوقت نسي مشيته ، فابتدع مشية هجينة بين المشيتين . ولقد وقع المتعلم المغربي بين تجاذبات واقع يعج بالنقائص والانحرافات ، وبين  تنظير المنهاج المثالي، الذي لا يمكن أن يثبت أمام قوة الواقع الموبوء مع شديد الأسف والحسرة . والمتعلم المغربي  يقف على مسافة ضوئية من القيم المثالية التي سطرها المنهاج ، بل  صارت له قيمه الخاصة به ، وهي قيم يحكمها التمرد على الهوية ، وعلى العقيدة ، وعلى الثقافة ، على كل ما سطره المنهاج من قيم مثالية  ، وأخلاق صارت موضوع سخرية المتعلم المغربي . ولقد تحولت المؤسسات التربوية من مؤسسات تعليمية تربوية إلى مؤسسات  تعالج يوميا الانحرافات المختلفة . فالإدارات التربوية صار شغلها الشاغل اليومي هو الدفاع عن حوزة الزمن المدرسي وزمن التعلم  عن طريق إغراء المتعلمين بمجرد الالتحاق بالفصول الدراسية ، والبث في قضايا الشغب اليومي المتزايد ، والقيام بالإجراءات الإدارية من خلال تعبئة المطبوعات ، دون أن تجد وقتا لاستثمار النتائج، أو إعداد خطط الدعم بأنواعه ، أو تنفيذ مشاريع المؤسسات الهادفة إلى الرفع من مستوى التحصيل ، أو إنجاز الأنشطة  التربوية  الموازية لدعم الأنشطة الرسمية… إلى غير ذلك مما يشترط في الإدارة التربوية  . وبعدما كانت الإدارة التربوية مطلبا عزيزا صارت شيئا لا يحسد عليه ، ينفر منه الجميع بسبب انفلات المتعلمين من مواصفات حددها المنهاج  بطريقة مثالية ، وهي تتكسر على صخر الواقع الفاسد .  والمدرسون صار شغلهم  اليومي الشاغل هو البحث عن فرصة سانحة لتبليغ أقل ما يمكن تبليغه  ، وفي ظروف استثنائة لمتعلمين يعنيهم في الحياة كل شيء إلا التعلم . وعندما يعرض المشرفون التربويون المقاربات البيداغوجية في حلقات التكوين المستمر أو غيرها ، كما يقدمها المنهاج يصيرون عرضة لسخرية المدرسين، لأنهم  في نظر هؤلاء  يحاكون موقف النعامة عندما يداهمها الخطر ، فتخفي الرأس ،وتترك الجسد عرضة للخطر. فالمشرفون مضطرون إلى أحد أمرين: إما الإعراض عن تناول إكراهات واقع المتعلمين الفاشل جملة وتفصيلا ، أو التظاهر بالتباكي مع المدرسين على هذا الواقع من أجل  تخفيف درجة الاحتقان لديهم خلال اللقاءات بما فيها لقاءات التكوين المستمر. ولقد آن الأوان في زمن قبض المدرسين على جمر التدريس الفاشل بسبب الهوة بين الواقع المؤسف ، والمثال الذي يتغنى به المنهاج ، أن يقال لهم حاولوا فقط أن تحبسوا المتعلمين خلال بعض لحظات الزمن المدرسي وزمن التعلم ، ولا تثريب عليكم إن لم تدرسوا ، ولم يتعلموا ما دمتم ترابطون صابرين على تمرد هؤلاء المتعلمين  الذي تجاوز كل الحدود . وأخيرا سيقول البعض إن  وصف الواقع بهذه السوداوية مبالغ فيه ، وأقول إن الحديث عن الاستثناءات  لا يمكن أن  يخفف من قتامة هذا الواقع الفاسد ، والذي لا ينكر فساده إلا صاحب مصلحة يخشى عليها من الضياع  ، فيرفع كاذبا شعار الجودة والنجاح . فهما تفاءلنا فلن يكون تفاؤلنا وحده  كافيا لتغيير هذا الواقع ، فلا بد من أن يراجع المنهاج في مثاليته ، ولا بد أن نفكر في الإصلاح البعيد عن الإشهار البخس ، فالقضية أخطر مما يعتقد البعض لأننا بصدد إعداد جيل سيتولى أمر البلاد والعباد ،والله تعالى  اشترط عدم السفاهة في تحمل المسؤولية ، ولا يمكن أن  تؤول الأمور إلى من  لم يتعلم أصلا تقدير المسؤولية في مؤسسات التعليم والتربية . وتوصيفنا لواقع التعليم بهذا الشكل لا يعني أننا  ندعو إلى تبني سياسة التفرج ، أو السكوت الشيطاني ، بل نحن نعول على الإرادات الصادقة والشجاعة لتغيير هذا الواقع الموبوء كل من زاوية مسؤوليته ، ولكن التعويل على انخراط البعض دون انخراط الكل  سيبقى مجرد خبط عشواء في ليل بهيم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

5 Comments

  1. Anonyme
    21/12/2011 at 11:07

    فالمتعلم المغربي المتشبع بوطنيته المسلم السني الأشعري المالكي الجنيدي الحداثي المنفتح على
    الحضارة الإنسانية »
    …………………..
    درست أكثر من عشرين سنة ولم أجد متعلما بهذه المواصفات فهل سبق لك أن درست هذا الصنف من المتعلمين
    لقد درست فقط لمن لا يفرقون بين الدال والذال والظاء والضاد ومن يخلطون بين الباروديوالسيلبي
    يا أستاذ نحن نفتخر بكوننا مالكية أشاعرة
    لكن هل يدري الأساتذة لا التلاميذ ما معنى أن يكون الشخص سنيا مالكيا
    ما دخل هذا الكلام في المقال
    إذا كنت تخشى على هويتك الدينية فكن متأكدا أنها محصنة
    بالرغم من كل المخاوف التي يثيرها البغض وأنت منهم
    ويثير انتباهي أن الشيعة لا يتحدثون أبدا عن خوف اختراق التسنن للعالم الشيعي بينما نحن في قلق دائم من هذه العقيدة لماذا يا ترى لا نظهر لهم أننا محصنون عقديا
    ولا نثير هذه الزوابع وللأسف لقد قرأت كتيبا لسليم العوا وهو العالم المسلم السني يقر فيه أن الشيعة يعرفون عن السنة أكثر مما يعرف أهل السنة عن مذهب الشيعة
    أرجو ألا تهول في الموضوع ولا تحمل موضوعك التربوي مالا يتحمل من مواضيع العقيدة التي إن شئت أفرد لها موضوعا خاصا أو اتركها لأهل التخصص

  2. المكي قاسمي
    21/12/2011 at 17:57

    حان الوقت، في نظري،إن لم نكن قد تأخرنا، لنطرح عن أنفسنا جميعا كفاعلين تربويين السؤال حول الأسباب التي تحول دون التفعيل الناجح أو المقنع للمقاربة بالكفايات.إذ يجب أن نحدد وبشكل « علمي » ما إذا كان المشكل يكمن في المقاربة نفسها أم في العنصر البشري المسئول عن تصريفها، أم في الشروط الموضوعية المتاحة.وحين أتكلم عن العنصر البشري،أقصد كل الفاعلين التربويين، من المقررين على صعيد مركزي إلى المتعلمين داخل الأقسام.وأرى أن الإجابة عن السؤال حاسمة، في ما يخص التعامل الممكن مع مقاربة الكفايات مستقبلا

  3. Mohammed ELOUCHI
    21/12/2011 at 22:43

    Excellent article! vous avez réussi à démontrer la différence qu’il y a entre la théorie et la pratique,entre l’idéalisme et le réalisme dans le domaine de la pédagogie de l’enseignement et de l’apprentissage.Il y a loin entre dire et faire,recommander et exécuter et pratiquer. Il ne suffit pas de faire des exposés ,d’inventer des théories pédagogiques,d’élaborer des manières de faire,il est indispensable de prendre en considération les conditions,les circonstances,l’environnement,les contraintes,les difficultés,les problèmes qui entravent l’application,la pratique d’une théorie pédagogique ambitieuse,l’adapter aux spécificités socio-culturelles ,aux conditions aux circonstances dans lesquelles elle va être pratiquée,appliquée de l’apprenant,de l’enseignant,de l’école.

  4. استاذة متابعة
    21/12/2011 at 23:20

    مقال وضع الاصبع على الداء الا ان هناك توضيحا بخصوص تغيب البعض فهو راجعاساسا الى استهتار المسؤولين عن ايصال الاستدعاءات الى السادة الاساتذة فمنهم من وصله اخر يوم وهو يلتحق بعمله فاي ارادة صادقة في التكوين
    ثم ان واقع الاكراهات حاضر بقوة لكن يبقى ضمير الاستاذ هو الفيصل فان ركن الى الاكراهات لم يقم بواجبه حتى في حدوده الدنيا وان خشي ربه في هؤلاء التلاميذ الضحايا « غالبا » جاهد و اجتهد

  5. fadwa tahiri
    22/12/2011 at 19:12

    شكرا للأستاد الشركي على هدا المقال الصريح والواضح فقد عهدنا فيك الصراحة وقول الحقيقة حتى ولو مرة من موقعك كمسؤول تربوي على عكس مانرى ونسمع من زملائك في المهنة الدين يطلون علينا من برج عاج مهمتهم ترديد مايملى عليهم من الوزازة وتنفيد دلك وكأن مسألة التربية والتعليم ليست شأنهم ومصير البلاد والعباد لايهمهم لأنهم يعتبرون أنفسهم مجرد موظفين فقط يتقاضون أجرا على عملهم,

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *