انتصار لندن على باريس بـ 54 صوتا ضد 50 في معركة تنظيم الألعاب الأولمبية لعام 2012 تزامن مع بداية رئاسة بريطانيا العظمى للاتحاد الأوربي واحتضان البريطانيين لقمة الثمانية الكبار وإحياء مرور مائتي سنة على المعركة البحرية «ترافالغار» التي كان الإنجليز قد انتصروا فيها على الفرنسيين، وكل هذا يؤكد عراقة الصراعات بين فرنسا والجارة التي يفصلها عنها بحر المانش. وتاريخ فرنسا هو كذلك صراعات أخرى مع الجيران الآخرين في ألمانيا ويفصل فرنسا وألمانيا نهر الراين وهذه صراعات احتدت في الحربين العالميتين التين عرفتهما أوربا في القرن الماضي وذهب فيها عشرات الملايين من الضحايا القتلى والمعطوبين ومنهم نسبة كبيرة من الفرنسيين والألمان. وعندما عاد الجنرال دغول إلى الحكم بعد أحداث 13 ماي 1958 بالجزائر، عمل مع «كونراد ايدناور» على تجاوز النزاعات الفرنسية الألمانية، وهو ما أكدته علاقات فرانسوا ميتران مع هيلموت كول وما يربط اليوم الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالمستشار الألماني غيهار شرويدر.

وبقدر ما يعمل اليوم مشروع الوحدة الأوربية على تقارب باريس مع برلين، تتعارض مصالح باريس مع لندن بخصوص مصير هذه الوحدة الأوربية والنظام النقدي الموحد لأوربا. ومع ذلك فهذه الصراعات لم تمنع فرنسا وبريطانيا من حفر نفق في أعماق بحر المانش يخترقه يوميا قطار الوحدة الأوربية وكل يوم يتنقل مئات آلاف الناس ما بين فرنسا والجزر البريطانية لأن الشعوب المتحضرة لا تقبل أن تتحمل نتائج صراعات السياسيين. لا قادة لندن ولا قادة باريس فكروا في معاقبة الشعب الفرنسي أو الشعب البريطاني بجعلهما يتحملان عواقب خصومات الحكام وانعكاساتها على الحياة اليومية للمواطنين. قبل الإعلان عن نتيجة قرار اللجنة الدولية الأولمبية قال إنجليزي استضافته القناة الفرنسية الثانية بأن أحلى ما يمكن أن يأتي به اختيار لندن هو «فوز إنجلترا على فرنسا». خرج هذا الإنجليزي إلى الشارع في باريس ولم يعتد عليه أحد من الفرنسيين شأنه شأن عشرات آلاف الإنجليز الذين يوجدون في الديار الفرنسية أو الفرنسيين الذين اختاروا الحياة في الجزر البريطانية. أتمنى أن نرتقي إلى هذا المستوى في علاقاتنا نحن المغاربة ونحن الجزائريين الذين نعيش في بلدين لا تفصلهما لا بحار ولا أنهر

.

عبد اللطيف جبرو

الأحداث المغربية