Home»National»رؤية سوسيولوجية للسجن :

رؤية سوسيولوجية للسجن :

0
Shares
PinterestGoogle+

السجن هو الحبس أو الحجز في مكان معين ، تسلب فيه الحرية ، يسمى هو الآخر السجن ، كسجن زابيرا ، جوانتنامو ، أبو غريب ، المزة ، الفيوم ، أبو زعبل روبن ، برج لندن ، جزيرة الكاترازا … وقد عرفه ابن تيمية بأنه [ تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه ، ولو بربطه بشجرة أو جعله في البيت أو المسجد ]. وهو ظاهرة اجتماعية عرفتها كل المجتمعات، منذ فجر التاريخ. بدليل قوله تعالى [ …ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه إلى حين ودخل معه السجن فتيان…] (سورة يوسف آية 35 و 36) وقوله: [ لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ](سورة الشعراء آية29 ) .وعالم الاجتماع دوركايم اعتبر السجن كآلية زجرية ،عقابية ، ضرورة اجتماعية فرضها العقل الجمعي لحماية القيم والأعراف الاجتماعية التي ارتضاها .أما مشال فوكو فقد اعتبر السجن مؤسسة إصلاحية راقية تجمع بين الهدف الاجتماعي والإصلاحي . أما علماء الإسلام فبدورهم يجمعون على مشروعية السجن باعتباره من العقوبات التعزيرية والتأديبية ، التي تساهم في الأمن والضبط الاجتماعي ، على شرط أن لا يعطل الحدود أو يحول دون تطبيقها . ودليلهم قوله تعالى :[ واللائي ياتين بالفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ] ( سورة النساء آية15) .

إن المجتمع الإسلامي ، كغيره من المجتمعات عرف السجن ، ومارسه على المجرمين ، كعقوبة احتياطية في حالة الاعتقاد بنجاعته في الردع والإصلاح . ولكن المسلمين ظلوا يعاملون السجناء معاملة طيبة فاضلة ، ويرعونهم رعاية كريمة بما فيهم أسرى الحرب و الله سبحانه وتعالى يشهد لهم في قوله : [ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا …]( سورة الإنسان آية8 ) . والسجون المغربية ظلت على مر التاريخ متشبثة بمضمون الآية الكريمة السابقة الذكر. إذ كانت ولا زالت تقدم الدواء والطعام والكسوة والغطاء… للمسجونين، بل تسمح لهم حتى بالخلوة.وفي الآونة الأخيرة ،بدأ بعض المحسنين بمدينة وجدة ، يؤدون عن الغارمين الدين – خاصة المسجونين منهم بسبب النفقة على الزوجات المطلقات – ليبرؤوا ذممهم ويطلقوا سراحهم . لا أحد ينكر أن للسجن آثار سلبية وخيمة على الفرد، والأسرة، والمجتمع، وقد ارتبط في العرف الاجتماعي بكل أنواع العقاب الجزائي، النفسي والجسدي، في من يفترض فيهم ارتكاب الجرائم في حق الفرد والجماعة.وهو ضروري إذا كان بهدف الإصلاح، وتعديل السلوك وإعادة التأهيل ، من أجل تسهيل عملية الاندماج في المجتمع ، وتكوين نظرة تفاؤلية جديدة إلى الحياة لدى السجين بعد خروجه من السجن .وهذا ما أراده سيدنا عمر رضي الله عنه بقوله في رجل حبسه في جريمة : ( أحبسه حتى أعلم توبته ). وعلى أساس هذه الرؤية العمرية للسجين ، الهادفة إلى إيقاف المجرم الظالم عند حده ، وضمان حق الضعيف المظلوم ، والمحافظة على الأمن والاستقرار … – (لأن العقوبة كما يرى هيجل هي عدل الجريمة )-.

بدأ المجتمع المغربي يهتم بمؤسسات السجن وينفق عليها الأموال، من أجل إيقاف الجريمة أو التخفيف منها على الأقل، ومن أجل تحقيق الأمن وحماية المجتمع من الفساد بكل أنواعه أيضا.لأن الجرائم تفسد المجتمع والفساد يؤدي به إلى الانهيار والهلاك. ولكن الملاحظ أن المجرم اطمأن إلى رأفة وعطف المجتمع عليه ، كما ألف الغذاء الوفير ، والنوم الكثير، والترفيه الزائد . فأصبح يخشى الحرية ، وإذا خرج من السجن استعجل الرجوع إليه . والتجربة أثبتت أن المجرم يعاود جرمه بسرعة أكبر مما نتصور، بمجرد ما يخرج من السجن، وقد تكون جريمته الثانية أبشع من الأولى، والثالثة أبشع من الثانية …لأنه لم يعد يخاف الشرطة ولا المحكمة ولا يرهب السجن، الذي تعود على نظامه ، فازداد فسادا على فساد ، بدلا من التوبة وتقويم السلوك ، بحكم معاشرة ومخالطة الحاملين للقيم الإجرامية ، المتمردين على الدين والمجتمع ، الذين لا يرهبون العقاب ، ولا يخافون السجون،لأنهم تعودوا على الشر، حتى أصبح جزءا من نظام حياتهم ، يصعب عليهم تركه . هذا النوع من المجرمين ، عصاة متمردون ، يزهقون الأنفس بلا رحمة ، ويقطعون السبيل ، ويسلبون أموال الناس تحت تهديد السلاح ، محاربون لله ورسوله … فهم خطر دائم على الأمن والاستقرار، وسرطان لا يرجى منه إلا الفساد والإفساد ،لا تنفع معه عقوبة السجن ، علاجه الاستئصال . ودواؤه { وكتبنا عليهم فيه أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } ( سورة المائدة آية 45) وقوله تعالى : {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيزحكيم }( (سورة المائدة أية38 ) وقوله سبحانه وتعالى إ نَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة:33). إن تطبيق الحدود التي جاء بها الإسلام هي وحدها الرادعة لهؤلاء ، لتحقيق الأمن والأمان للإنسان وحماية المجتمع من الانهيار . وإن كان بعض الحقوقيين الذين لم يكتووا بنار المجرمين أو الذين في قلوبهم مرض ينظرون إلى المجرم نظرة عطف وحنان ، ولا ينظرون إلى الضحايا بنفس النظرة ، وكأنهم لا يدركون أن المجرم واحد والضحايا الأبرياء عديدون. ففي المغرب مثلا 49 مؤسسة سجنية يقدر عدد النازلين بها ب 58 ألف سجين وإن كانت بعض التقارير الغير الحكومية تقدرهم ب 80 ألف سجين . هذا الجيش العرمرم من المجرمين ، يستفيد من الخدمات ، وكل النفقات بالمجان ، والأمة هي التي تدفع هذه الجزية أو الإتاوة نظير الاحتماء منهم .وكان المفروض أن يستفيد المجتمع من قواهم البدنية والعقلية ، فيشغلهم كل حسب اختصاصه من أجل تنمية البلاد ( استصلاح الأراضي، شق ا لطرقات ، تنظيف المحيط ، إيقاف زحف الصحراء … ومن لم نجد له عملا مناسبا ، فاليغرس الصبار، وكل أنواع الأشواك ، واليجمع العقارب …) .لأنه لا معنى أن ينفق المجتمع على السجين المجرم دهرا ، ليكتوي بالمزيد من جرائمه وجرائم من أطرهم داخل السجن ، كلما رأى النور. لأن بيئة السجن وخدمات بعض الحقوقيين ذوي المعايير المزدوجة لحقوق الإنسان ،عوامل تحمي المجرمين و تشجعهم على الأنشطة الإجرامية والسلوك الخارج عن القانون . لم يعد السجن قادرا على إيقاف الجريمة ، التي ظلت تتوالد وتتطور باستمرار، والمجتمع حائر بين نارين ، نار الجريمة ، ونار التبعات القضائية في حالة الدفاع عن النفس، لأنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد دون السلطة ، والسلطة غافلة عن تطبق الحدود الرادعة التي جاء بها الإسلام ، والقادرة وحدها على الإصلاح ونشر الأمن والسلام و تنظيم وضبط أمور المجتمع .

لأن القتل أنفى للقتل ، والقطع أنفى للسرقة وصدق الله العظيم .{ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } (سورة البقرة آية 179) إن السجناء أنواع ،منهم الصالح والطالح ، ولكن مفردة السجين كالسجن ذاته ، لا تعرف التميز بينهم ، فهي تطلق على المنحرف المجرم، كما تطلق على المظلومين، والمصلحين الدينيين، والمفكرين الاجتماعيين والسياسيين، والمجاهدين من أجل قضاياهم الدينية والوطنية… كالإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعي وبن تيمية والسيد قطب، وأمينة قطب ، والأمير عبد القادر، ومحمد البشير الإبراهمي وعبد الحميد بن باديس ، وعمر المختار وسعيد ألنورسي وعبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي والمختار السوسي وعبد السلام ياسين … وهؤلاء إخوة ليوسف عليه السلام ،يضحون بسعادتهم ورفاهيتهم من أجل المستضعفين . السجن بالنسبة إليهم بلاء وخلوة ، فيه يراجعون أنفسهم ويزكونها ، ويتفرغون لطلب العلم ،وحفظ القرآن الكريم ، وذكر الله كثيرا… فإذا خرجوا منه ، خرجوا قادة ،وأبطالا تدين لهم الجماهير بالولاء ،وتقيم لهم الأفراح ، ويفتخر بهم الأهل والأقارب ، ويتخذهم البعيد نموذجا يتقدي به ، ويخلدهم التاريخ…هؤلاء ، السجن لا ينفع معهم ، بل يزيدهم تشبثا وإسرار على المضي في مشروعهم . ويبقى السجن من وجهة نظري عقوبة احتياطية ، وليس له الأسبقية على الحدود إذا وجبت . بقلم عمر حيمري : في 9/10/2010

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. manara
    13/10/2010 at 17:28

    oridou an a3f ida ma kont ant ostadan lilfalsafa fi thanawiyyat zaynab annafzaouiyya
    fi 1979/1980 wa ma9abl

  2. عمر حيمري
    05/04/2011 at 20:11

    نعم هو بعينه منارة

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *