Home»Enseignement»من صفات التعليم الجيد عند ابن خلدون. الجزء الأول.

من صفات التعليم الجيد عند ابن خلدون. الجزء الأول.

0
Shares
PinterestGoogle+

في
مقدمة ابن خلدون أفكار تربوية مهمة، فقد
خصص في آخر مقدمة كتابه  » كتاب العبر
وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم
والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر »
ما لا يقل عن سبعة فصول عالج فيها مسائل
التربية والتعليم، وهذه الفصول هي:

  • في أن كثرة
    التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل.
  • في أن كثرة
    الاختصارات الموضوعة في العلوم مخلّة بالتعليم.
  • في وجه الصواب
    في تعليم العلوم وطريق إفادته.
  • في أن العلوم
    الآلية لا توسع فيها  الأنظار ولا تفرع
    المسائل.
  • في تعليم
    الولدان واختلاف مذاهب الأمصار الإسلامية
    في طرقه.
  • في أن الشدة
    على المتعلمين مضرة بهم.
  • في أن الرحلة
    في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال
    في التعليم.
  • في تعلم اللسان
    المضري.
  • في أن حصول
    هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة
    المحفوظ.

      إن
ابن خلدون في هذه الفصول ينتقد التعليم
في عصره من حيث المحتوى وطريقة التدريس،
ثم يشرح وجه التعليم المفيد عنده، وواضح
أنه كان يسعى إلى تقديم منظور إصلاحي للتربية
والتعليم، وهذا  دليل على أن الإصلاح
أمر طبيعي في كل عصر وزمان، ومما ينبغي
ذكره هو أن ابن خلدون استمد منهجه في التعليم
المفيد من تجربته الشخصية في التعليم،
فقد عين مدرسا بالمدرسة القمحية كما يذكر
ذلك هو نفسه: » وكنت لأول قدومي على القاهرة،
وحصولي في كفالة السلطان، شغرت مدرسة بمصر
من إنشاء صلاح الدين بن أيوب، وقّفها على
المالكية يتدارسون بها الفقه، ووقّف عليها
أراضي من الفَيُّوم تغل القمح، فسميت لذلك
القمحية…وتوفي مدرسها حينئذ، فولاني السلطان
تدريسها…وحضرني يوم جلوسي للتدريس فيها
جماعة من أكابر الأمراء تنويها بذكري وعناية
من السلطان ومنهم بجانبي1« . كما
استمد منهجه التعليمي من تجارب المعلمين
الذين عاصرهم واحتك بهم، بمعنى أن أفكاره
التربوية أفكار واقعية أكثر مما هي نظرية،
من هنا نحسب أن معرفة هذه الأفكار مفيدة
للناس مهما تطور الزمن، لأنها أفكار مرتبطة
بالإنسان وليس بالزمان، ولا شك أن في الإنسان
أمورا لا تتطور ولا تتبدل مهما تقدم به
الزمن، لذا فإن من حق البشرية أن تتطلع
على تجارب الإنسان في العصور السابقة،
وفي هذا ربح للوقت والجهد. إنه من العيب
أن نرفض أفكار وخبرات من مضى، لا لشيء سوى
أنها تنتمي إلى الماضي.

1-
التدرج:

      يقول
ابن خلدون ينتقد سوء التعليم في عصره:  »
وقد شاهدنا كثيرا من المعلمين لهذا العصر
الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفادته،
ويُحضِرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل
المقفلة من العلم، ويطالبونه بإحضار ذهنه
في حلها، ويحسبون ذلك مرانا على التعليم
وصوابا فيه، ويكلفونه رعي ذلك وتحصيله؛
فيخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون
في مبادئها، وقبل أن يستعد لفهمها فإن قبول
العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا2« 

      إن
ابن خلدون  غير راض عن تعليم أكثر المعلمين
في عصره؛ وغير راض عن طرق التدريس، وغير
راض عن محتوى التدريس. إنه يرفض التعليم
الذي يركز على الكم، والغالب أن طريقة التدريس
المرتبطة بالكم هي طريقة الحفظ، إن التعليم
الذي يطالب المتعلم بحفظ ودراسة كتب كثيرة
في علم واحد تعليم سيء، وقد ذكر ابن خلدون
بعض أسماء الكتب الكثيرة التي كانت مقررة
للمتعلمين آنذاك، في علمي الفقه، و العربية3.

       و يعتبر ابن خلدون  الكتب المختصرة الموضوعة
في علم من العلوم محتوى سيئا للتعليم، حيث
قال: » وربما عمدوا إلى الكتب الأمهات
المطولة في الفنون للتفسير والبيان، فاختصروها
تقريبا للحفظ، كما فعله ابن حاجب في الفقه
وأصول الفقه، وابن مالك في العربية والخونجي
في المنطق وأمثالهم، وهو فساد في التعليم
وفيه إخلال بالتحصيل ». وقد علل فساد هذا
الطريق من التعليم قائلا:  » وذلك لأن
فيه تخليطا على المبتدئ بإلقاء الغايات
من العلم عليه، وهو لم يستعد لقبولها…ثم
فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع
ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني
عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها،
لأن ألفاظ المختصرات نجدها لذلك صعبة عويصة،
فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت4« 

      إن
أهم ما جعل ابن خلدون يرفض هذا المحتوى
التعليمي أنه لا يراعي استعدادات المتعلم،
ولعله يقصد هنا الاستعداد العقلي والنفسي،
فالمدرسون كانوا يبدؤون من حيث ينبغي أن
ينتهوا، لأنهم يلقون « الغايات » من
العلم على المتعلمين؛ بمعنى أنهم يطالبون
المتعلمين باستيعاب ما بلغوه من العلم
في تعلمهم هم، أي أنهم لم يراعوا النمو
العقلي للمتعلمين، فلم يخاطبوهم على قدر
عقولهم، بل خاطبوهم بما بلغوه من علم.

      وإذا
كان واضحا أن ابن خلدون يرى أن التعليم
الذي يعتمد المطولات أو المختصرات، التي
اختصرت اختصارا شديدا، تعليم سيئ مضر بالمتعلمين،
فما المحتوى الدراسي الذي يحقق تعليما
جيدا مفيدا؟

      إن
المحتوى التعليمي الجيد عنده ينبغي أن
يكون متدرجا، ومعنى التدرج عند ابن خلدون
أن يُقدَّم العلم للمتعلم قليلا قليلا،
أي أن يلقن المتعلم معلومات قليلة في بداية
تعليمه، ثم تزاد كمية المعلومات شيئا فشيئا
مع مرور الزمن وتقدم المتعلم في السن، وهذا
النوع من المحتوى المبني على التدرج هو
البديل الذي قدمه ابن خلدون للمحتوى الذي
انتقده سابقا.

       إن أهم ما ينبغي أن يفهم من كلام ابن خلدون
هنا هو أنه يحث على أن يكون المحتوى 
في المرحلة الأولى من التعليم بسيطا غير
مركب، بمعنى على المعلم أن يُخضِع المعلومات
التي يقدمها للمتعلم لما أضحى يسمى بعملية
« النقل الديداكتيكي »، وبتعبير أوضح
عليه أن يبسِّط المعلومات التي تلقاها
على شيوخه أو تعلمها من الكتب، إن فكرة
تبسيط المحتوى أصيلة في فكر ابن خلدون،
ولا شك أن هذا التبسيط كان موكولا آنذاك
إلى المعلم الحاذق، لأن الكتب المتداولة
آنذاك كانت إما مطولات أو مختصرات، وهي
بنوعيها غير صالحة. قال ابن خلدون : » اعلم
أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا،
إذا كان على التدريج، شيئا فشيئا وقليلا
قليلا، يلقى عليه أولا مسائل من كل باب
من الفن هي أصول ذلك الباب5« 

      وقد
عدّ سعيد إسماعيل علي التدرج من القواعد
الأساسية للتعليم في الإسلام، حيث قال: »
فلقد تضمنت السنة النبوية عددا غير قليل
من القواعد والمبادئ التربوية العامة التي
تُفعّل من العلم التربوي وتعززه نذكر منها…
التدرج: فنحن نلاحظ أن من سنن الحياة الطبيعية
في تناول الطعام مثلا نتناوله جزءا جزءا
حتى يتيسر العمل للجهاز الهضمي، فكذلك
في تناول المعرفة لا بد من أخذها بالتدريج،
حتى يستطيع العقل أن يستوعبها ويفهمها
فهما جيدا6« 

-2- الابتداء بالعموميات:

      الصفة
الثانية في المحتوى المفيد عند ابن خلدون
هي الابتداء بالعموميات، أي على المعلم
أن يُعلّم المتعلم  المعلومات والمعارف
العامة في علم من العلوم، وهذا يتماشى مع
الركن الأول الذي هو التدرج، فالمتعلم
في المرحلة الأولى من تلقيه لعلم من العلوم
لا يمكن أن يستوعب إلا ما هو عام في ذلك
النوع من العلم، ولعل هذا ما يفهم من كلام
ابن خلدون « ، يلقى عليه أولا مسائل من
كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب7 »
ولا شك أن إلقاء التفاصيل والجزئيات على
المتعلم في بداية العلم، مهما كان مستواه
التعليمي، مضر بالتحصيل. ويبدو أن ابن خلدون
قسم التعليم، إلى ثلاثة مراحل أساسية. وهنا
تنتهي المرحلة الأولى، والتي ينبغي أن
يكون محتواها مشتملا على معلومات بسيطة
عامة متدرجة.

      وبعد
أن بين مواصفات التعليم المفيد في المرحلة
الأولى ، ذكر ابن خلدون الغاية المرجوة
من هذه المرحلة التعليمية، قائلا:  » اعلم
أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا،
إذا كان على التدريج، شيئا فشيئا وقليلا
قليلا، يلقي عليه أولا مسائل من كل باب
من الفن هي أصول ذلك الباب. ويُقرِّب له
في شرحها على سبيل الإجمال ويراعي في ذلك
قوة عقله واستعداده لقبول ما يورد عليه، حتى ينتهي إلى آخر الفن، وعند ذلك يحصل
له ملكة في ذلك العلم
8 » لكن هذه
الملكة ليست تامة قوية، بل هي « جزئية
ضعيفة »، وهذا أمر عادي لأن الملكات لا
يمكن أن تتحقق في زمن قصير، وعليه فالغرض
من هذه المرحلة هو تهييء المتعلم  
لفهم المسائل المركبة والدقيقة في ذلك
العلم، قال ابن خلدون : »  إلا أنها
(الملكة) جزئية وضعيفة، وغايتها أنها هيأته
لفهم الفن وتحصيل مسائله9« 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *