Home»National»ظاهرة الرشوة و أخلاقية القانون / الجزء الثاني

ظاهرة الرشوة و أخلاقية القانون / الجزء الثاني

2
Shares
PinterestGoogle+

 ظاهرة الرشوة
و أخلاقية القانون

الجزء
الثاني

قراءة
في التنظيم الموضوعي للرشوة

                                محفوظ كيطوني   

      
  

        
يقصد بالتنظيم الموضوعي للرشوة النصوص
المتعلقة بتجريم هذه الجريمة وعقابها وما
يلحق بها من نصوص مساعدة ،ويلاحظ
بهذا الصدد أن – النصوص-
أصبحت واردة فقط في مجموعة القانون الجنائي
،بعد أن تم حذف محكمة العدل الخاصة بقانون
79/03 ،

والنصوص
الواردة في مجموعة القانون الجنائي
هي :

224-248-249-251-252-253-255-256
-256/1

        
وبتأمل النصوص التي أوردناها أعلاه يلاحظ
ما يلي :

أ
* المشرع المغربي جعل من جريمة الرشوة رشوات
تختلف عقوبتها بحسب الأحوال فهناك :

1- جريمة
الفصل 248 الذي يقرر رشوة القضاة والموظفين
العموميين والمتوالين لمراكز نيابية( وكل
هذه الطوائف تدخل تحت تعريف الموظف العمومي
عملا بالفصل 224 القانون الجنائي ومن في
حكمهم كالخبراء والمحكمين
والأطباء والملاحظ أن المشرع في هذا النص
يجعل من رشوة الموظف العمومي ومن في حكمه
جنحة تأديبية لكنه يصيرها جناية
إذا اقترن الفعل بعمل جنائي في القانون
فان العقوبة المقررة لهذه الجناية تطبق
على مرتكب الرشوة أو مستغل النفوذ .أو إذا
تعلق الأمر بطبيب أو جراح أو طبيب أسنان
أو مولدة وهذا ما يثير الانتباه
في هذا الفصل- هو تشدد المشرع
في الفقرة الرابعة منه- بالرفع من العقوبة
السالبة للحرية من خمس سنوات إلى عشر سنوات
ورفعه للغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف
درهم لصفة الطبيب أو الجراح أو طبيب
أسنان أو حتى مولدة إذا ارتكب احدهم جريمة
رشوة سواء بإعطاء شهادة أو بيانات كاذبة
عن مرض أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة
حمل ..

وهكذا
تبدو الازدواجية في النظرة إلى جريمة ارتشاء
الموظف العمومي ومن في حكمه على مستوى العقوبة
والتغيير في الوصف الجنائي وهي فلسفة
تجد تبريرها في  خطورة الجريمة ذاتها
وليس في أهمية المقابل في الرشوة
–كما كان معمولا به قبل صدور قانون 79/03
ومع ذلك فنعتقد بأن هذه الفلسفة يجب الاحتفاظ
بها في أي إصلاح وعدم تجاهلها لمراميها
الاجتماعية ولتطبيقاتها المتنوعة على
مستوى تفريد العقاب الذي نرى رفعه في الحالتين
.

 
2 – جريمة الفصل 249 الذي يقرر جريمة ارتشاء
من نوع مغاير للأولى تحصل من المستخدمين
في المشروعات الخاصة التي لا يمكن نعت الفاعلين
فيها بالموظفين العامين أو ما في حكمهم
( لعدم انطباق الفصل 224 حتما عليهم)والميزة
المميزة لهذه الجريمة التي هي
جنحة تأديبية هي استحالة تحولها
إلى جناية أبدا في ضوء النصوص الجنائية
المغربية الحالية والمنطلق المستخرج من
موقف المشرع المغربي هذا ،
إن هو دل على شيء فإنما يدل
– ربما – على أنه – المشرع
– لا يعتبرها خطيرة كجريمة الموظف العام
المعاقبة بالفصلين 248 القانون الجنائي
،مع أن هذا المنطلق قابل للنقاش لان
الأخذ به معناه التساهل في جعل تدمير المؤسسة
الخاصة من الداخل بين المستخدمين الذين
يأكلون خبزهم منها ،ومع ذلك
فإذا نحن احترمنا إرادة المشرع جزئيا فلا
نوصي بانقلابها جناية أبدا،فإننا نرى رفع
عقوبة المرتشي فيها لتصبح
مماثلة للعقوبة غير الموصوفة المقررة في
الفصل 248 من القانون الجنائي .

3- جريمة
الفصل 251 الذي يقرر جريمة الراشي ( مقدم
المقابل أو الرشوة للمرتشي ) يعاقب بالعقوبات
الواردة في الفصلين 248 أو 249 أي بعقوبة جنحة
تأديبية فقط ،  ونعتقد أن الاحتفاظ في
الإصلاح بهذه النظرة للأمور مستحبة أخذا
بالمنهجية التي اتبعناها أعلاه .

ج- الوسيط
الذي هو عنصر خطير في جريمة الرشوة لم يحظ
بالتفاتة خاصة من المشرع على المستوى النصي
( إلا في الفصل 251 وبكيفية عرضية)مما يجعله
خاضعا للقواعد العامة في المشاركة المنصوص
عليها في الفصل 129 من القانون الجنائي ،مع
أن الواجب يقتضي التشدد معه بكيفية أو بأخرى
من أجل الإقلال من الجريمة .

د- المستفيد
من الرشوة وهو عالم بذلك لم يحظ كذلك بالتفاتة
خاصة من قبل المشرع ،مع أن دوره خطير في
ستر الجريمة ،إذ هو يخضع للفصل 571 من القانون
الجنائي ـالمتعلق بإخفاء أشياء
متحصله من جناية أو جنحة مع أن المقتضى
في مكافحة الجريمة يقتضي التشديد عليه
ليتحقق التضييق على المرتشي .

هـ – الذي
يعلم بجريمة الرشوة ولا يبلغ عنها للسلطات
لا يعاقب إلا في حدود ما ينص عليه الفصل
299 من القانون الجنائي المتعلق بوجوب التبليغ
عن الجنايات ،وعليه فان كانت الرشوة جنحة
فلا يجب التبليغ عنها قانونا عندنا مادام
المشرع قد نص على ذلك بمفهوم المخالفة مع
أن الأمر يقتضي أن يكون التبليغ في هذه
الحالة واجبا خصوصا والكل يعلم أن غالبية
جرائم الرشوة عندنا- في الواقع
– تكون جنحا من الجنح ،وهكذا نرى
بإلزامية التبليغ عن جرائم الرشوة مطلقا
خروجا على الفصل 299 .

و-
إدخال الأطباء – في الفصل 248 ق.ج
–في الطوائف التي يمكن أن ترتكب جريمة
المرتشي هو إدخال لا فائدة منه وينبغي التخلي
عنه تماما ،لان النصوص العائدة للتزوير
هي الأليق لزجر مثل هذه الأوضاع .

وعلى مستوى
الإثبات لهذه الجريمة يلاحظ أن المشرع
ترك الأمر للقواعد العامة لتحكمه ،مع أن
المشكل الحقيقي في هذه الجريمة هو صعوبة
إثباتها ، بحيث كان على المشرع
–وهو الذي فعل هذا الأمر في جرائم أخرى
أنظر مثلا الفصل 213 من القانون الجنائي-
أن يراعي الطابع السري لهذه الجريمة ورغبة
التستر عليها من أطرافها مخافة افتضاحها
مادام العقاب سيطال الجميع راشيا كان أم
مرتشيا وبقوة القانون كما هو معروف ،ولا
نبالغ إن قلنا بأن مسلك المشرع الحالي يجعلها
صعبة الإثبات لدرجة كبيرة
حيث يطمئن الراشي كليا بأن المرتشي لن يشي
به لأنه إن فعل دخل مجال المساءلة بدوره
بالرغم من ما اقتصر في الفصل 1-256 من القانون
الجنائي على العذر المعفى للراشي فقط
…وهكذا يحصل الأخذ والمعطى على ضمان
الأمان المطلوب – ومن المشرع
– على عدم افتضاح سر الجريمة بوشاية أحد
الأطراف في الرشوة بالأخر ، بل أكثر من
ذلك فحتى الإطراف تعمد
إلى إخفاء أدلة الجريمة وبتعاون تام بينها
لما فيها من خطر عليها كلها .

  وقد
فعل المشرع عملا ايجابيا في الفصل 1-256 حيث
أعطى للراشي عذر معفى إذا ابلغ السلطات
عن جريمة الرشوة شريطة إذا قام الراشي بتبليغ
السلطات قبل تنفيذ الطلب المقدم إليه أو
إذا أثبت في حالة تقديمها ،أن الموظف هو
الذي طلبها وأنه كان مضطرا لدفعها .

لكون المشرع
في هذا الفصل المحدث بموجب قانون 03/79
أخذ بعين الاعتبار موقف
الأطراف التي قد تدفع عن اضطرار لارتكاب
الجريمة وخصوصا الراشي عليه
إما دفع الرشوة أو تحمل كارثة مدمرة تحل
إما باستثماره أو وضعيته عموما ،ومكن من
التبليغ عن الجريمة التي كان مدفوعا لارتكابها
وتشجيعه على ذلك بإعفائه في هذه الحالة
من العقاب كان أجدى وأفيد ، بل وأكثر من
ذلك فهذا العذر إن هو
وجد الأرضية المسطرية  له
لأدى دورا وقائيا كبيرا في كبح الرشوة.

وهذا سيجعل
المرتشي أن يأخذ هذه الوضعية القانونية
بعين الاعتبار إذ مجرد كونه على علم بأن
الراشي في إمكانه أن يشي به
إن هو أراد ولن يناله شيء من ذلك بسبب تمتعه
بعذر معف من العقاب سيجنح به ولابد
إلى التفكير جيدا قبل
إقدامه على هذه الجريمة مخافة وقوعه في
قبضة العدالة لوحده وبعد أن قضى حاجة الواشي
به .

  ك-
المكافأة اللاحقة للموظف العام أو من في
حكمه بعد انجازه للعمل لم تنل من المشرع
المغربي وقفة بصددها فهو لم يجرمها صراحة
والفقه في المغرب منقسم في المسألة
،فمنه من يحبذ عدم عقابها ومنهم من يرى
الإمساك عم ذلك .

 
     وإذا كان القضاء المغربي من
الرأي الأخير الذي لا يرى عقابها ( راجع
حكم المجلس الأعلى عدد 459  مجلة المحاماة
عدد 19 ص 164 وما بعده مع تعليق للدكتور أحمد
أجوييد عليه في مرجعه (( جريمة رشوة الموظف
العمومي ))،فانه لا يخفي علينا بأن المكافأة
اللاحقة هي رشوة مغلفة وما كانت
إلا بسبب نيل صاحب الحاجة لحاجته ،والموظف
الذي لا يتعفف عن قبضتها ما هو إلا مختبئ 
في ثغرات القانون ومستغل لتضارب
أراء الفقهاء مع القضاء في هذا الشأن ،ويكفي
برهنة على صدق ما نقول أن نتأمل لو أن هذا
الأخذ للهدية اللاحقة لم يكن موظفا عاما
أ ستصله هدايا لمنزله الذي يقعد فيه ويعترف
له بالجميل ؟؟؟؟،لا أبدا ولذلك فالواجب
يقتضي حفاظا على سمعته وكرامة الوظيفة
وخصوصا في زماننا هذا ألا يقبل الموظف أية
هدية للذي قضى حاجاته له لأنها ما قدمت
له إلا ووراءها ما وراءها من غايات وأهداف
وفتح لسبل الحرام في المستقبل .

     
و نختم هذا الجزء برواية أبي حميد عبد الرحمان
بن سعد الذي قال :استعمل رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلا من الازد يقال له ابن اللتية
على جمع الصدقات فلما قدم (أي رجع ) قال هذا
لكم وهذا أهدي إلي ،فقام رسول الله على
المنبر فحمد الله وأثنى عليه ،ثم قال : ((أما
بعد ،فاني أستعمل الرجل منكم على العمل
مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا لكم وهذا
هدية أهديت إلي ،أفلا جلس في بيت أبيه وأمه
فينتظر أيهدي إليه أم لا ؟؟)).

يتبع

محفوظ كيطوني

mahfoud.guitouni@gmail.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. CFPI
    20/03/2010 at 14:32

    اخي محفوظ اشكرك على التطرق لهذا الموضوع واشكرك على استشهادك بكل هذه الارقام من النصوص والفصول والقانون الجنائي و………لكن الواقع يقول ان الرشوة في اجمل بلد في العالم اصبحت الاكسجين لعديد من المغاربة من الاحسن ان اردت فتطرق الى موضوع العدل حتما سوف تختفي كل الافات الاجتماعية ومنها طبعا الرشوة وجزاك الله خيرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *