Home»National»حلم القضاء على الرشوة

حلم القضاء على الرشوة

0
Shares
PinterestGoogle+

لنحلم،ولنحلم دائما ما دام الحلم لا نؤدي عنه ولحد الآن مقابلا ، ولاهو يخضع لقانون العرض والطلب. ولنمن النفس بغد أفضل،تنجلي فيه غيوم اليأس من القطيعة مع عوامل التسميم في حياتنا،وما أكثرها . ولنداعب الخاطرالذي يترنح تحت صدمات الواقع المرير العصي عن التغيير،عسانا نفلح في ترويضه على التعايش مع مصيره المحتوم .. دعونا نحلم بيوم آت نتخلى فيه طوعا عن « عدميتنا » المفترى عليها ونستقبله بالوجه البشوش والمزاج المتفائل. يوم نحرر فيه آمالنا من العقال ونضعها على سكة التحقق العياني.يوم نسردفيه المحاسن دون تنميق ونعتز فيه بالمنجزات دون أن نبالغ في التصفيق. ونتباهى بهويتنا كما تفعل شعوب الدنيا،بدل جلد الذات والتباكي على دونيتنا التي، من فرط تطبيعنا مع شروطها ونتائجها،صرنا نلتمس المعاذير لتبريرها.

كيف صار حالنا نحن المغاربة مع الآفات التي تعاظمت وأحكمت طوقها على أعناقنا،فآستفردت يمصيرنا وأحدثت الشرخ المجتمعي الذي من شأنه إفراز الآراء المتضاربة؟فمن مبرر يسعى إلى التماس التعايش مع وضع خطير محاولا تصويغه بالتغرير تارة وتارة أخرى بالتحذير ،إلى مناوئ لا يرى في آنتشار الداء إلى نتيجة منطقية لموت الضمير الذي يشهد ويبارك لواقع التقصير. وليتساءل المغاربة هل تغيرت أحوالهم مند إطلاق تلك المبادرات التي أسميها « مبادرات ورقية »،فأزداد لديهم منسوب التفاؤل بغد أفضل يسعون إليه حثيثا .وهل هناك خطة مدروسة وواقعية وملزمة كذلك، تنأى بالجميع عن المو سمية في التعاطي مع الآفات المجتمعية التي من ضمنها الرشوة . وتتخلى عن منطق الإشهار المزيف للحقائق وعن الردع الذي لا يخلو من مصادرة للحقوق ؟
ماذا كان مصير قانون منع التدخين بالأ ماكن العمومية في غياب عنصر الأ لزام؟ أم أن القانون لا يعدو أن يكون نسيج عنكبوت سهل الإختراق كلما كان حجم الحشرة أكبر؟ ماذا عن برنامج محاربة الفقر الذي تشرف عليه هيئة وطنية ،ولما تزداد طوابير الفقراء طولا يوما عن يوم؟ ماذا عن قانون وضع حزام السلامة الذي يلقى من التساهل ما يجعل الإنسان يشكك في جدواه، أليس ذلك نتيجة لدور الرشوة التي لعبت ببنوده فجعلتها رخوة لا تصمد؟

لقد تأسست بالفعل هيئة مركزية لمحاربة الرشوة،بعد مسطرة طويلة من التحسيس ثم التأسيس،فالتنصيب. وبالرغم من وجاهة هذا التدرج المنطقي،فمن السذاجة أو بالأحرى من السابق لأوانه الحكم على نجاعة هذه المبادرة لأسباب..

أولها: كونها هيئة استشارية غير ملزمة،وهذا لوحده من شأنه أن ينتقص من جدواها وأساليب التعاطي معها.فهي قد حددت لنفسها مهمة تنسيق سياسات الوقاية من الرشوة والإشراف عليها، والسهر على تتبع تنفيذها وجمع المعلومات في هذا المجال،ولاهي تمتلك سلطة الردع.بل فقط سلطة معنوية مستمدة من طبيعة تمثيليتها.وقد نستطيع الحديث عن شيء من التماثل بين هذه الهيئة ونظيرتها في الإنصاف والمصالحة لجهة الإستنكاف بل والعجز عن مواجهة القلاع العنيدة،تلك المصرة على إبقاء الحال على ماهوعليه والمعطلة لكل ما من شأنه أن يذهب بعيدا في مجال المحاسبة.

ثانيها:أنها لم تنبثق من صلب القاعدة الشعبية لتضمن لنفسها الشروط الملائمة للإحتضان، وحظوظ الديمومة والمفعول التلقائي، فكان تأسيسها تأسيسا أكاديميا بهاجس تحقيق التوازن على المستوى السياسي والقطاعي،وكان تنصيبها بروتوكوليا يعطي الإنطباع بأن هناك شيء ما سيعدل من مجرى حياة الناس،فيهدد مصالح البعض ويرعى مصالح البعض الآخر. وهذا طبعا سيجعل أساليب التصدي عند هؤلاء والقبول عند أولائك محكومة بالمراوغةواليقضة،ليس في أفق عدم معاودة الفعل الإرتشائي،بل من أجل إبداع المناورات التي من شأنها تمنيع الممارسة الإرتشائية وإكسابها السلاسة الضرورية للمواقف والحالات المتباينة.

ثالثها:ويتعلق بالطابع الإشهاري/ الدعائي الذي صاحب عملية التنصيب هاته،فهو من شأنه أن يذهب ببريق هذه المبادرة الوليدة،والتي أريد لها أن تكون حاجة مجتمعية لكن بلبوس سياسي،وصدى إعلامي مجلجل سرعان ما يخبو ليشتغل الراي العام ،بإيعاز من صناع القرار،على مبادرة ورقية جديدة هي الأخرى ميؤوس من جدواها ،بعد أن تكون سابقتها قد عرفت طريقها إلى ثلاجة الإنتقال الديمقراطي.
لا بد أن نكون واقعيين إزاء واقع الرشوة ببلادنا،فليس بوسعنا أن نستعرض القطاعات التي تنخرها هذه الآفة ،ولا أن نسردالحالات المتباينة للفعل الإرتشائي. فقط يجب أن نعي جميعا أن الرشوة هي في واقع الأمر ليست خسارة مادية بالأساس، فما أكثر المال الذي ينفلت بين أيدينا حتى لدواعي غير ضرورية، إن الأمر يا ناس يتعلق بالكرامة الإنسانية التي تنكسر إزاء الفعل الإرتشائي . فالذي يطالبك بمقابل مادي نظير خدمة مجانيةيضمنها الدستور،ويتوسل من أجل ذلك بأساليب العرقلة والتسويف، إنما في الحقيقة هو مهين لكرامتك، لأن معنى الكرامة في القواميس الحقوقية هو تحصين حقوق الأفراد وعدم الإجهاز عليها دون موجب حق.

هكذا يجب أن نفسر الخسارة الحقيقية التي تفرزها ظاهرة الرشوة، وهي خسارة يحجبها للأسف، الإنخراط اللا واعي للجميع في تحقيق مآربه الآنية دون اكتراث بما سواها، كأن يسائل المرء نفسه عن شروط تحقيق هذه المآرب ومدى انسجامها مع إملاءات الضمير.
وليست الرشوة الرائجة في مجال الصفقات،مما يصطلح عليه ب »الرشوة الكبيرة » إلا صنفا من أصناف الرشوة يراد تفخيمه وهو في الحقيقة لا يستحق ذلك، وليس القضاء عليه ضرورة حيوية وأمر مستعجل وملح بمقدار حيوية وملحاحية غيره حيث يتعلق الأمربعلاقات مجتمعية وأحتكاك وتدابر بين الإدارة والمواطنين. فالمنخرطون في الصفقات قد يسعفهم الحظ في تعويض خسارتهم،وقد تأخذ العملية الإرتشائية شكل المنافسة،وعموما فهم يتأقلمون مع الحالة الزئبقية للمال وتوابعه،ولاتتأثر حياتهم المعيشية في شيء حيث لهم حرية الإختيار بين الإنخراط وعدمه. لكن لا ينبغي أن يعتبر هذا التساهل تصويغا لجواز ومباركة هذا الصنف بقدرما ينبغي أن ندرجالأمر في إطار ترتيب للأولويات ،تيسيرا للتدخلات العلاجية،وتركيزا لجهود التصدي التي لم تأت للأسف بجديد إلا في نطاق إعطاء العبرة دون أن تجد من يعتبر.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *