Home»National»ازدواجية السلوك الديني والأخلاقي في المجتمع المغربي : بقلم عمر حيمري1 ( يتبع

ازدواجية السلوك الديني والأخلاقي في المجتمع المغربي : بقلم عمر حيمري1 ( يتبع

1
Shares
PinterestGoogle+

ازدواجية السلوك الديني والأخلاقي في المجتمع المغربي : بقلم عمر حيمري

الازدواجية ،هي الظهور بمظهرين مختلفين  ومتناقضين أو متعارضين –  أقصد هنا ،المفهوم المذموم للتعارض والتناقض  –  في آن واحد على مستوى الفرد والجماعة  و يكون هذا التناقض في السلوك والأخلاق والحكم

أقصد بالسلوك هنا بصفة عامة تصرفات الإنسان وسيرته  وتوجهاته تجاه موقف ما وتفاعله معه ، سواء كان هذا الموقف ، عملي مادي أو فكري مجرد ، انطلاقا من مبادئ حددها له الشرع ، يؤمن بها عن قناعة عقلية وشعورية داخلية ، نفسية  يتشبث بها كمرجعية له ، لا يحيد عنا وهذا في تصوري ، سوك لائق ومقبول، وهذا النوع من السلوك على العموم حسن ومحبذ ومطلوب من كل الناس ، في كل زمان وكان ، لأنه  قيمة مطلقة  لا يمكن أن يختلف عليها اثنان .

 أما التظاهر بالإيمان ، بما لا يؤمن به من المبادئ  والأخلاقيات ، وإخفاء ما لا يبدي ويظهر ، فهذا هو النفاق عينه  ، والمتصف بهذا السلوك  يسمى منافق ، وهو سلوك مذموم وقبيح  يستهجنه ، كل الناس ولا يحبذونه في كل مكان وزمان . والإسلام يعتبر كل من أظهر الإسلام وأضمر الكفر منافقا . وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم  لنا صفات المنافق فقال : ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان )  » رواه أبو هريرة : متفق عليه  » فالكذب وعدم إنجاز الوعد وخيانة الأمانة ، أمور طبيعية عند المنافقين ، متجذرة في نفوسهم ، وقد حرسوا في كل الأوقات والأزمان أن يجعلوا رأس مالهم كله في الكذب والخداع . يتظاهرون بالإيمان والصلاح ويتسترون خلف الإسلام ، كما يتظاهرون بالأخلاق الحميدة وحسن العاملة ، اتقاء للفضيحة وللخبث ، الذي يخفونه في نفوسهم والمتمكن من ذواتهم وسريرتهم ، وهم الذين درجوا وتعودوا على الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وجعلوا البخل والشح يسكن وجدانهم ، فلا يقدمون ، نفقة ولا صدقة في سبيل الله ، بل يمنعون الناس من فعل الخير والإحسان وتقديم العون والمساهمة فيما يعود على المجتمع بالنفع  ويدفعه للتقدم والازدهار … فهم حجر عثرة يضعون العراقيل في طريق ، أي مشروع خيري أو تنموي بحججهم الواهية الباطلة ، وهذا بشهادة الله سبحانه وتعالى في  قوله : [ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ] (سورة التوبة آية 67 ] . ولقد وعد القرآن الكريم  هذه الفئة  بأشد العقوبة في قوله سبحانه تعالى  : [ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ] ( سورة النساء آية 145 ).

إن سلوك النفاق وازدواجية المعيار الديني والأخلاقي نجده سائد ورائجا في المجتمع المغربي ،الذي ما هو تصوري ، إلا نموذجا أو صورة مصغرة  للمجتمع العربي الإسلامي ، إن لم أقل للأمة الإسلامية كاملة على اختلاف طوائفها ومذاهبها وطرقها الصوفية ، منذ أن حادت عن الشرع والمنهج الإسلامي  . فمثلا إن الفرد في المجتمع المغربي ، لا يزن أقواله  وأفعاله  بميزان الشرع والدين ولا يعرضها قبل أن يأتيها وينفذها أو بعد أن يأتيها على القرآن الكريم  ولا يأخذ رأي السنة الشريفة فيها ، بل يتصرف انطلاقا من هواه ومصلحته وما تمليه عليه شياطين الإنس والجن من الشرور .  يدور حيث دارت مصلحته ولا يلوي  ، فالنفع الذاتي المادي ينسيه أنه مسلم ، وأن عليه أن يسلك سلوك المسلم الملتزم بمبادئه الدينية المطلوب تطبيقها شرعا وترجمتها ، إلى واقع حياته اليومية ، كما عليه أن يؤمن إيمانا قاطعا مطلقا ، بأن الدين هو منهج حياة شامل من رب العالمين ، منهج  كامل ومتكامل ، لا يقبل التجزئة ولا الانتقائية ، ولا الازدواجية ، على أساس أن الدين الإسلامي عبارة عن بنية أو نسق من العناصر والأجزاء ، يكون من شأن أي تغير أو تبديل ، لأي عنصر من عناصره ، أن ينعكس على باقي العناصر الأخرى ، فيحدث فيها تحولا  يؤثر على البنية الأصلية  تأثيرا واضحا . إنها شبكة من العلاقات الدينية ، تربط بين الأحكام والتشريعات  والواجبات الشرعية  والأخلاق التي حث عليها الشرع  من حلال وحرام وواجب ومندوب ومستحب … وهذه العناصر وغيرها  هي المكونة للبنية  الشرعية والدينية ، التي على المسلم أن يراعيها في واقعه اليومي ، ومن ثم فلا مكان ولا وجود  لمقولة   » ما لقيصر  لقيصر وما لله  لله  »  في دين وحياة المسلم ، فالكل لله سبحانه وتعالى . لأن الإسلام ، ليس مجرد شعار يرفعه المسلم ، متى وأين شاء ، ثم يتخلى عنه متى وأين شاء . يجب على المسلم ، أن لا يجعل الحلال والحرام في نفس الدرجة ، متساويان عنده ، يأخذ بالذي منهما لا يقف ولا يتعارض مع مصلحته ولا يلتفت إلى الآخر او يلتف حوله ويؤوله حسب هواه .لأن المفروض والواجب على المسلم  أن يلتزم بمبدئ أو موقف معين واحد غير متذبذب ، يمتثل للمنهج  الرباني  وشروطه ، وإلا  سيصنف في خانة النفاق والكفر وما يتبعهما من الآثام والعقاب ووعد وعيد من الله سبحانه وتعالى  .  يقول الله سبحانه وتعالى [ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ] ( سورة الصف آية 2- 3) فالالتزام بالمواقف والمبادئ ، التي حث عليها الشرع مطلوب ومسؤولية  يحاسب عليه . ولكن ما أشاهده وأعايشه  يوميا ،  في مجتمعي، هو نقيض هذا تماما ، فسلوك المسلم والمطلوب إسلاميا ، لا ينعكس مطلقا على  الحياة العامة ولا على المعاملات  بين أفراد المجتمع ، رغم تشدقهم بالإسلام وبالأخلاق الإسلامية  وكثرة حديثهم عن الحلال والحرام وعن الجائز والمندوب والمكروه … وكشهادة مني على هذا الواقع الممسوخ ، الواقع المنافق ، إن صح التعبير سأعطي أمثلة ، أكشف من خلالها سلوك النفاق ، المتمكن  من جل وأكثر فقهاء وأئمة ومفكري وكبار سياسيي المجتمع ودعاتهم ، أقصد خاصة المجتمع وأعيانه ووجهائه والنافذين فيه  . كما أتناول نفس هذا  السلوك المتفشي كذلك بين عامة أفراد المجتمع بشكل رهيب ، بما فيهم الطبقات الدونية والفئات المنبوذة والبسيطة باعتبارهم صناعة وصياغة لمنتوج الخاصة وتشكيلاتهم الثقافية وتوجيهاتهم التعليمية والدينية  والدعوية ، فالخطاب الديني المنحرف والموجه في المساجد أحيانا  » ولا أعمم الحكم  » وفي الزوايا وفي حلقات الوعظ والإرشاد المبيت لها ، وعلى المنابر السياسية الموجهة سياسيا وفي المواسم  والمهرجانات على اختلافها الدينية والسياسية  وفي الإعلال الرسمي والخاص  ، كل هذا يساهم في تشكيل ثقافة وعقلية أفراد وطبقات المجتمع ، وبالتالي تعويدها على سلوك النفاق والتطبيع معه  ، حتي يبدو أمرا طبيعيا يمكن التعايش معه ، إلى جانب المعتقد والمنهج الإسلامي السليم والصحيح ، وعند ذلك يطوع المنهج الإسلامي ويروض بحسب الهوى وما تمليه النفس والشيطان ، فلا يشعر  » المسلم  » بالتعارض والتناقض بين أقوله وأفاعله ولا بازدواجية السلوك .

إن الفقيه  العالم المقرب من صاحب القرار السياسي المعين له ، بل الخادم له ، يفتي للسياسي والقائد ولكل ولي لنعمته بما يتلاءم وهوى ومصلحة هذا النافذ في المجتمع ويستعمل كل ما أوتي من أدوات الإقناع ، سواء كانت فكرية أو دينية أو أخلاقية ، بل يستغل حتى الأعراف والعادات وما قاله الاباء والأجداد من أساطير وخرافات لتمرير فتواه المغرضة ، التي فصلها تفصيلا على مقياس رغبة القائد النافذ ، – ونموذج فتاوى إمام الحرمين لصالح أصحاب القرار السياسي  شاهد على ما أقول –  مستعملا أسلوب الترغيب مرة وأخرى الترهيب والتخويف ، مستشهدا بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة غير مراع لقصدها ولا لمناسبتها وغير مكترث بأسباب نزولها ولا في من نزلت أو قيلت . المهم والأساسي عنده هو إقناع العامة والكثرة من الحشود والرعاع بما يفتي به ويرضي ولي نعمته صاحب القوة والسلطان والنافذ السياسي وهذا دأب جل الفقهاء وشيوخ  الصوفية الذين لا يخشون الله  ولا يملكون الحس الإنساني ولا الضمير الحي الحر.

وحتى أبرر ما ذكرته وما سأذكره من آراء ومواقف تجاه ازدواجية السلوك الديني أو النفاق      (  يتبع  )

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *