Home»National»خطيب الجمعة و الحكاية الشعبية

خطيب الجمعة و الحكاية الشعبية

2
Shares
PinterestGoogle+

خطيب الجمعة و الحكاية الشعبية

الحكاية الشعبية أحدوثة يغلب عليها طابع الخيال والعفوية، تنتقل عبر الأجيال المتعاقبة  بأساليب شفوية في الغالب الأعم ،تعد لونا من ألوان الإبداع الشعبي، يختلط فيها الواقع بالخيال  وهي في الغالب ما تعطي للمتلقي تصورا عن الثقافة والعادات السائدة في المجتمع ،وما تحمله من قيم أخلاقية، وتعليمية، استعملها الإنسان منذ القدم للتوعية والتخفيف من الآلام المرتبطة بالضغوطات الاجتماعية والنفسية تعمل على تحقيق أهداف تربوية، واجتماعية إضافة إلى دورها في الإمتاع والتسلية

وقد تحظى بسطوة أكبر حينما تفرض نفسها على المجالات الرسمية كثقافة تستخدمها المنابر الدينية  لتبرير ممارسات أو تفسير ظواهر غيبية لا علاقة لها بالعلم والمنطق ، كما حدث لأحد خطباء الجمعة حينما تلقف  حكاية شعبية  من الشارع وصعد بها إلى المنبر  لتمرير المفاهيم الأخلاقية والدينية التي يقرها الإسلام

فقد كانت  تروج عند بعض العامة من الناس حكاية تنتمي إلى عالم الأسطورة لم أكن أحفل بها كثيرا ولا ألقي إليها بالا لأنني كنت أعتبرها من المُبتَكَرات الشعبية التي تفتقر إلى الموضوعية إلى أن جاء اليوم الذي صعدت فيه إلى المنبر في ذات يوم جمعة فأصبحت تكتسي حلة المصداقية وعلى أحداثها طابع المشروعية ،والحكاية المستهدفة هي في الحقيقة في صيغة الجمع لأنها رويت بصيغ متعددة  وإن كانت تتفق في السمات العامة التي تهدف إليها الحكاية الشعبية في الثقافة العربية الإسلامية كارتباطها بالغيب والحياة الآخرة والصراع بين الخير والشر  ومسألة الجنة والنار والوعد والوعيد  وسنعرض  هنا  لنموذجين من الحكاية الأولى تروج عند العامة والثانية لخطيب الجمعة وسنحاول إبراز مواطن الإتلاف أو الاختلاف بينهما   مع التركيز  على حكاية الخطيب لأنها هي المستهدفة بالدرس والتحليل

ملخص حكاية العامة مفادها رجل عزم على أداء فريضة الحج  فدعا جيرانه إلى وليمة عشاء  أقامها بالمناسبة إلا واحدا منهم كان متهما بمعاقرته للخمر ،وفي مكة المكرمة رأى في منامه الرسول صلى الله عليه وسلم يكلفه بإبلاغ سلامه لجاره السكير ويبشره بأنه من أهل الجنة  حينما رجع الحاج إلى بيته في المغرب أتصل بالجار السكير واعتذر له عن السلوك والنظرة الدونية التي كان ينظر بها إليه ثم سأله عن سر هذا التكريم النبوي الشريف فرد الجار السكير بأنه وهب منزلا لأرملة  لإنقاذها من التشرد هي وأبناؤها *انتهى ملخص الحكاية *

حكاية الخطيب كانت أكثر تركيزا على التفاصيل وأن بطلها ليس إنسانا عاديا فهو ينتمي للعالم الدعوي –داعية مغربي –رأى في المنام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يكلفه بتبشير مواطن سعودي بالجنة ،جمع الداعية المغربي ماله ومتاعه ثم رحل إلى بلاد الحرمين للبحث عن هذا الإنسان الذي رآه في المنام وقد ساعده البعض في البحث عنه إلى أن عثر عليه وكما في حكاية العامة فإنه كان لا يهتم بأهم الأركان وهي الصلاة رغم قربه من المسجد الحرام ،اتصل به الداعية وأخبره الخبر فبكى ثم اغتسل وتوجه إلى المسجد الحرام ثم صلى وفي السجدة الأخيرة مات الرجل ،اعتبر الإمام نهاية المبشر بالجنة  قمة الشهادة طالبا من الله موتة هذا الشخص –انتهى الملخص –

 ما يلاحظ على الحكايتين أنهما تركزان من حيث الشكل على المقدس في شخص الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومن حيث المكان بيت الله الحرام ،والكعبة المشرفة لما ترمز إليه ولما تمثله مما يدخل في باب العبادات والفرائض ومن حيث الزمان وإن جاء هنا ضمنيا يفهم من سياق الكلام وهو موسم الحج والعمرة والذي يعتبر عند المسلمين من بين أهم أركان الإسلام أما من حيث الموضوع فالهدف  منه رغبة الراوي إثارة الجانب الوجداني لدى المتلقي ، كما تركز الحكايتان كذلك على القواسم المشتركة التي تجمع بينها الدلالات الرمزية التي وظفت في القصة فالشخوص فيها من عالم الواقع، رجلان ينتميان لنفس المكان وهو المغرب  و بحكم هذا الانتماء فهما يتفقان في الهوية  لكنهما يختلفان في موضوع الرؤيا، الأول رأى في المنام شخصا يعرفه بحكم الجوار والثاني لا يعرفه إطلاقا لأنه ينتمي إلى محيط يعد غريبا عنه أما الإطار العام للحكاية –موضوع الدراسة – فهي من جهة مستمدة من الموروث الشعبي العربي ومن جهة أخرى لها ارتباط   بما توحي به النصوص الدينية كالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة،و من خلال هذا العرض المختصر لظروف وملابسات نشأة الحكاية وتطورها وعلاقتها بما هو ديني يحق لنا أن نتساءل عن خلفيات التوظيف الرسمي للحكاية الشعبية  ،ومدى أهميتها في الخطاب الديني وما هي الآثار التي تخلفه على سلوك الإنسان العربي المسلم  ؟

 يجب  الإقرار بداية أنه و من باب المجازفة الادعاء بامتلاك أجوبة شافية حول الموضوع الذي نحاول مقاربته لأنه ليس سهل المنال  فهو يتحدث عن عالم لا يمكن ضبطه بالأساليب الموضوعية المتوفرة في الميادين التي تخضع لمنهج البحث العلمي لأن أحداثه  مستمدة من عالم الأحلام وهي عوالم ليست في متناول العقل لبعدها عن الواقع المادي الذي يمكن ضبطه بوسائل بحث مادية  ، فما يمكن التوصل إليه في هذه الدراسة   يمكن إجماله في الملاحظات التالية

1- أنها تتقاطع مع حكاية العامة من حيث الأهداف التي تتجلى في تمرير الجوانب الأخلاقية ذات الصلة بما هو ديني كالإحسان و حسن الخاتمة ، فالمبشران بالجنة حسب الحكاية  كلاهما فاز برضا الله ورسوله من أجل أرملة الأول بإيوائها والثاني باقتسامه راتبه الشهري معها ،كما تتقاطع معها  من حيث اعتمادها على شخوص تتشابه في الملامح والصفات التي منها الصلاح والإيمان و في الفعل وهي الرؤيا الصادقة و في المقدس في شخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- و في بلاد الحرمين إلا أن حكاية العامة لا تهتم كثيرا بالتفاصيل عكس تلك التي وظفت في الخطبة، والرؤيا  في حكاية العامة  أقرب للموضوعية لأن الحالم رأى في المنام رجلا يعرفه بحكم الجوار بينما في حكاية الخطبة فهو لا يعرفه و الخاتمة  في حكاية العامة  ليست أساسية  بينما حكاية الخطبة تركز على الجانب الدراماتيكي للسرد  فيها  –كالخوف – والبكاء –والعناق –والصلاة في الحرم ثم النهاية الحتمية ألا وهي الموت في مرحلة السجود،

2- حكاية الخطيب  لها جذور تاريخية فقد سبقتها حكايات  تطرقت إلى المقدس وإلى الرؤيا الصادقة لتمرير المفاهيم الدينية والأخلاقية  المرغوب فيها من وجهة نظر الإسلام واغلبها كانت تعتمد على المصادر الدينية منها تستلهم أحداثها وعلى ضوئها تستمد أهدافها  ومن أهم هذه المصادر القران الكريم وما يحتوي عليه من القصص التي تعد من بين أنجع الأساليب الخطابية والبيانية التي استخدمها القرآن الكريم في تثبيت القيم الإيمانية وترسيخها في النفوس وقد عبر عنها القرآن الكريم بأحسن القصص في قوله عز وجل – نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآن- يوسف: الآية 3-كما كانت للأحاديث النبوية دورها في التأثير على الحكاية الشعبية في نشر القيم الإسلامية السمحة فقد ورد عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قوله- أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم – وورد عنه –صلى الله عليه وسلم- قوله لأصحابه -يطلع عليكم الآن من هذا الفجِّ رجلٌ من أهل الجنة وهي قصة يستشهد بها كثير من الخطباء ومن الأقوال النبوية المأثورة  كذلك دخول رجل الجنة في كلب سقاه ودخول امرأة النار في هرة حبستها كما كان للموروث الشعبي الإسلامي دوره في التأثير على حكاية الخطيب كتلك التي تتحدث عن العالم الزاهد الذي حجت عنه الملائكة لأنه ساعد أرملة بالمال الذي وفره للحج وكذلك تلك التي رواها الداعية راتب النابلسي ، بطلها إمام مسجد رأى الرسول –صلى الله عليه وسلم- في المنام يكلفه ببشارة  رجل كفل لقيطا وستر أمه الزانية والأمثلة كثيرة في التراث الشعبي العربي- لا يتسع لها المجال هنا لسردها كاملة-

3 – إذا كانت الحكاية في الموروث الشعبي الإسلامي لا تعتني إلا بالصاحين والزهاد والمتصوفة فإن مثيلاتها المعاصرة قد  تخطت المألوف لتتجاوز الرؤيا الصادقة فيها المشمولين بالبشارة النبوية من العلماء والصالحين إلى السكارى والمعربدين و ربما قد تتطور الأمور إلى المجهول لتشمل الملحدين والمارقين والغاصبين لحقوق العباد وغيرهم وقصة قاتل المائة رجل التي رواها الإمام مسلم في صحيحه ربما قد تستغل مستقبلا بشكل  مريب و بخلفية ملتبسة لتفتح المجال  للعفو عن القتلة والمجرمين

4-ما هي الخلفية التي كان يرمي إليها الخطيب  حينما وصف المواطن السعودي بأنه لا يهتم بالشعائر الدينية رغم قربه من أشرف بيت على وجه الأرض وأحبه لرسول الله-صلى الله عليه وسلم؟ وهل بهذا الأسلوب يمكن أن تتحقق الأهداف من الخطاب أم العكس هو الذي قد يحصل ؟ لأنه وحسب منطق الحكاية المعروضة في الخطبة فإن الإنسان يمكنه أن يُعفى من التكاليف التعبدية مقابل  مساعدته للمحتاجين؟وهنا قد يتبادر إلى الذهن عند البعض بإمكانية إعادة النظر في طريقة التقرب إلى الله ،ثم هل يمكن أن نحكم بهذا المنطق على الذين وهبوا ثرواتهم للمحتاجين في دول الغرب ؟ وإذا كان الجواب بالنفي،  فما هو المانع خصوصا عند دعاة الديانات السماوية التي أصبحت تطلق عليهم صفة أهل الكتاب ؟  ثم ما هو القصد من نقلها أصلا من الشارع إلى المنبر ؟ وهل الخطاب الديني بما يحتوي عليه من مواضيع غنية بالدروس و العبر يحتاج إلى مثل هذه القوالب الحكواتية ليستقر في الأذهان  ؟

4- تطرح حكاية الخطيب إشكالية أخرى تعد من أهم المحاور التي بني على أساسها السرد وهي الرؤيا الصادقة في زمننا هذا ومدى أهميتها في حياة المسلم المعاصر وهل الشروط التي بها تتم رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم مازالت متوفرة على أرضية الواقع في عصرنا الحالي ؟وهل البشارة بالجنة تحتاج إلى رؤيا ووسيط ؟ ثم لماذا عزت الرؤيا الصادقة عن المبشرين بالجنة ؟هذه الرؤيا التي كلفت الداعية المغربي ترك الأهل والولد وركوب أهوال  السفر لتبليغ رسالة البشارة  والقيام بدور شرطي المخابرات في البحث والتقصي عن هذا المواطن السعودي  إلى درجة أنها أفزعت المسكين–ونحن نعلم مغبة البحث البوليسي في الوطن العربي –ثم بعد كل هذا وذاك فهل كل الأحلام قابلة للتأويل ؟لأن جل الناس لا يبالون كثيرا بأحلامهم مبررين مواقفهم بأنها مجرد سلسلة تخيلات تراودهم خلال النوم وحسب فرود (فإنها مجرد وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة) وحسب كارل جونغ – (فإن القواسم المشتركة في محتوى الأحلام بين الأفراد، ترجع أحيانًا إلى تشاركهم في ثقافة واحدة )

و الأحلام تختلف عن الرؤى الصادقة التي أختص الله تعالى بها أنبياءه ورُسُلَه والصالحين من عباده و التي تعتبر من طرق الوحي الذي كان ينزل على أنبياء الله عليهم الصلاة وقصة إبراهيم عليه السلام مع ابنه ستظل واردة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،

 أما الرؤيا الصادقة عند عامة الناس  فلابد من أسباب قلما تتوفر في زمان عز فيه الإيمان الصادق  والصلاح والتقوى والأمانة وغيرها من صفات فلاح الفرد وتزكيته فقد ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم-(أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ) فهل مازالت الرؤيا الصادقة في زماننا هذا تراود الناس في منامهم ؟والجواب عن هذا السؤال يمكن العثور عليه عند  تجار الأحلام و تفسيره الذين وجدوا ضالتهم المنشودة في كثير من الحالمين  و في رواج  هذه التجارة المربحة في  المنطقة العربية خاصة مع تزايد الاهتمام المبالغ فيه أحيانا من قبل الذين يعتقدون بأنها تحمل إشارات ورموز يمكن تحقيقها على أرض الواقع ،وهناك من يبني قرارات حاسمة في حياته يستلهمها من عالم الأحلام

6- وختاما أعتقد أن الخطابات الدينية ليست في حاجة إلى تطعيمها بالأساطير والخوارق لتمرير المفاهيم والغايات المقصودة منها  كما أننا لسنا في حاجة إلى تلك التي تقتحم علينا بيوتنا بدون استئذان عبر القنوات  التلفزيونية المنتشرة كالفطر  حتى أننا  أصبحنا لا نميز بين الغث والسمين منها أضف إلى ذلك مخاطر وسائل التواصل الاجتماعية التي اكتسحت عقول ووجدان صغارنا وشبابنا لذلك علينا أن نحصن أنفسنا ونحفظ عقول ووجدان شبابنا من الضياع عن طريق الرقابة الذاتيَّة أولا لأنها مهمة في حياة الفرد ثم الرقابة الأسرية بمتابعة ما يسترعي اهتمام أطفالنا  وتوعيتهم بكيفية التعامل معها ،مع الحرص على التنسيق مع المدرسة والمؤسسات الدينية التي يجب عليها أن تجتهد في كيفية تجديد الخطاب الديني الذي أصبح ضرورة ملحة فعلى المسؤولين على الحقل الديني أن يسعوا إلى الاهتمام بهذا الجانب الحساس لأن تجديد الخطاب الديني الواعي والهادف سيخرجنا من التيه الذي ندور فيه وسيجعلنا قادرين على مسايرة العصر مع وجوب مراعاة الضوابط التي تحكمه،لأن الأصول والثوابت من الدين  غير قابلة للتجديد أو التغيير وإنما الغاية هو تجويد هذا الخطاب شكلاً ومضموناً،والارتقاء به، وإكسابه مقومات التكيّف مع العصر

MOULILA BENYOUNES

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *