Home»National»التربية على الخدمة العسكرية: شهداء الوطن لا يموتون

التربية على الخدمة العسكرية: شهداء الوطن لا يموتون

1
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الادريسي

تقديم:
يتطلب التنزيل السليم لقرار الخدمة العسكرية ، تطعيم بعض برمجنا التعليمية ،في الابتدائي والإعدادي والثانوي،بدروس تهيء للعسكرية؛حتى يتشربها التلميذ ،وتغدو نبضا من نبضات قلبه،ينتظر بفارغ الصبر متى يحل دوره ليبرهن على حبه لوطنه.
لا ارى برامجنا الحاملة،حاليا،إلا خالية تماما من هذا المنحى البيداغوجي الضروري ،لأمة تعيش ضمن محيط من الحرائق.
هذه قصة أتقدم بها لوزارة التربية الوطنية،لتحذو حذوها ،وتطعم المواد الحاملة ؛بدل تطعيمها بمفردات « البغرير ،والحرشة والبكبوكة ».
وربما هي حكاية تعيد تربية بعض الكبار أيضا،من الخاصة والعامة.
قصة كفاح من وطننا العربي:

في حروبٍ دفاعية من أجل حماية الوطنِ من الأعداء،استشهد عددٌ كبير من الجنود الكبار والصغار،كما استشهد عدد من السكان المدنيين،رجالا ونساء.
نعم،لأنَّ الوطنية اذا كانت تنبض كقلبٍ – وهكذا يجب أن تكون في صدر كلِّ واحد منا- فان حب الاستشهاد دفاعا عن الوطن،من هذا النبْض.
ما حكاية هؤلاءِ الجنود الصغار؟
انهم مجموعة من أطفال احدى القرى ،هالهُم ما أصاب بلدتَهم من خراب ،من طرف المُعتدي ؛اضافةًً الى من قُتل أو أسر من آبائهم وأمَّهاتهم،فقرروا حملَ السلاح ؛ولم يكن قائدُهم غيرَ معلمهم خالد؛الذي كثيرا ما ألقى على مسامِعهم زمن السلم، دروسا في الوطنية،والمسارعة للاستشهاد من أجل الوطن.
في صباح بئيسٍ اسيقظ من تبقى من سكان القرية، على دمارٍ هائل أصاب المنازل والإنسان والحيوان،وحتى قطط الأزقة وحمامِها.
في هذا الصباح ما أن دخل التلاميذُ ،الناجون من دمار الليل، الى الفصل الدراسي ،حتى خاطبهُم معلمهم بقوله:
هل حفظتم كلَّ دروس التربية على المواطنة ؟
أجابوا جماعة:نعم يا مُعلمنا العزيزَ.
حسنا ،قفوا الآن وقفة عسكريةً مستقيمة وصارمة؛اذ درسُ اليوم هو الاستشهاد من أجل الوطن.
قضى المعلم يومَه كاملا وهو يُدرب التلاميذ الكبار على حمل السلاح،والمشية العسكرية،بعد أن صرف الصغارَ الى منازلهم،أو المغارات حيث تختفي أسرُهم ؛وكم أسعده أن يجدهم مُتحمسين لمحاربة الأعداء،وكان أكثرَهم حماسا اولائك الذين فقدوا آباءهم في المعارك.
كانت للمعلم خبرةٌ قتالية،لأنه استفاد وهو شاب من الخدمة العسكرية ؛ولهذا حينما طلبَ منه قائد الجيش الوطني المنتشر على قمم الجبال المحيطة بالقرية، اختيارَ كبار التلاميذ لينضموا الى المقاتلين ،لتعويض القتلى ،لم يتوانَ لحظة.
بل اعتبرها فُرصة ذهبية ليواصل تقديم دروسِه في الوطنية؛لكن هذه المرة بحمْل السلاح والمرابطة في الجبال،مع مقاتلين كبار.
في الليلةِ الموالية تسلل التلاميذ الجنودُ ،وراء معلمهم ،وغادروا تحت جُنح الظلام الى الجبال.
وتواصلت المعاركُ ،ويوما بعد يوم يزداد تمرُّس التلاميذ بالقتال ،ويتقوى صبرُهم على المكاره من برد وجوع وتسلق للجبال الشاهقة.
لم يكن معلِّمهم يفارقُهم ،اذ أخبرهم منذ البداية أنَّ الدراسة لن تتوقف ؛لأن في توقفها انتصاراً للجهل ،وهو أخطرُ من العدو الحالي.
سنواصل دراستنا في الجبال،يقول المعلم خالد ،لكننا سنستبدلُ بعض البرامج ببرامج عسكرية ميدانيةٍ.
هكذا أراد الله والوطن.
وتوالت الأيام ،الى أن كان ذاتَ يوم أغار فيه طيران العدو على فيالق عسكرية بعينها ،فاستشْهِدت جماعةٌ من الأطفال الجنود.
ثم توالت المعاركُ زمنا ،تكبد فيها العدوّ خسائر فادحةً ،فقرر وقف النزيف ،وانسحَب مهزوما من طرف الكبار والصغار؛حتى الذين استشهدوا ؛بل لولا استشهادهم لما تحقق هذا النصر.
بعد مدة نظمت احتفالات الانتصار في كل أرجاء البلاد ،بالمدن وبالقرى .
استُهِلت الاحتفالات بالترحُّم على أرواح الشهداء،ثم توزيع الأوسمة والرتب العسكرية، على كبار الجند وصغارهم.
وكم صفق الناس وزغردت النساء ،حينما نودي على معلم القرية،خالد، ليصعَد الى المنصة ؛لكن قبل أن يصعد ألح على أن يصعد معه من تبقى حيا من تلامذته ،فكان له ما أراد.
مرة أخرى تعالت الهتافات ،حينما وَشح حاكم البلاد صدر المعلم بوسامٍ هام ورتبة عسكرية كبيرة؛ووشحَ مساعدوه فرقتَه العسكرية من التلاميذ، بدرجات عسكرية وأوسمة.
وصدحت الموسيقى الوطنية احتفاءً بهذه الفرقة من التلاميذ ،التي تركت مقاعد الدراسة لتلتحق بالجبال مع معلمها البطلِ.
وأعلِن يوم الغد احتفالا خاصا بكلِّ أطفال الوطن،تكريما لشهداء المدرسة؛على أن يتضمن الاحتفال توزيعَ الملابس الجديدة واللعب.
قضى الآباء مساءهم في الأسواق ؛وكلُّ واحد منهم يجتهد لشراء ما يسْعد أطفاله ،ويزيد من فرحتهم بهذا النصر الكبير.
كان من نصيب ناصِر ،ابن المعلم الضابط خالد، فرقةََ جنودٍ من رصاصٍ.
اختار الضابط خالد هذه اللُّعب ،ليزرع في ابنه الصغير حبَّ الجندية؛فمن يدري ما سيأتي به المستقبل.
سُر ناصر بجنوده غاية السرور ،كان عددهم عشرةً،وكل واحدٍ منهم،بزي عسكري قتالي،وقُبعةً خضراءَ، و على ظهره سلاحُه.
هاهو يشرع في تصفيف فرقته العسكرية ،بكل دقة ،ولسانُه لا يكف عن ترديد مقاطعَ من الموسيقى الوطنية التي استمع اليها بالأمس ،أثناء الاحتفالات الرسمية.
قضى ناصر يومه ،وهو في منتهى السعادة مع جنوده الصغار؛تارة يرصُّهم صفا واحدا لتحية العلم؛وتارة يحيطهم بدبابات ورقية صنعها ،ويوزِّعهم على مواقع قتالية،وهكذا.
زهِد حتى في تناول طعامه،رغم المناداة عليه من طرف أمِّه مرارا وتكرارا.
ما أن حل المساء حتى كان التعَب قد بلغ منه مبلغا كبيرا ؛ولهذا سارع الى وضع جنوده في خزانته الخشبية،دون أن ينسى تصفيفَهم ،ليناموا وهم واقفون ؛على غرار الأبطال،على حد تعبير سبق أن سمعه من والده.
حينما استغرق في النوم ، أقبل الضابط خالد صوب خزانة ابنه وفتحَها،فتعجب من الكيفية التي رتب بها ابنُه عساكره،وقوفا وعلى استعداد لصد كل معتدي؛ابتسم وقال بينه وبين نفسه: ابنُ الوز غطاسٌ.
بعد دقائق من تأمله لفرقة الجنود داخل الخزانة ،شرد ذهنه صوب مواقعه الجبلية السابقة ،ايام القتال ، وتذكر جماعة الشهداء من تلامذته فانسابت الدموع من عينيه.
هاهو وجهه يكتسي صرامةً،فينتصب في وقفة عسكرية مُستقيمة،رافعا رأسه ، ومؤديا التحية العسكرية ،وكأنه أمام حاكم البلاد.
في الصباح ،وأثناء تناول ناصر لفطوره ،رفقة أبيه وأمِّه ،ظل يقسم أنه استمع أثناء الليل الى الموسيقى العسكرية تنبعث من خزانته.
ويضيف :استمعت أيضا الى وقع أحذية فرقتي العسكرية وهي تؤدي التحية.
ابتسم الضابط خالد ،وقال لابنه :هكذا تكون أحلام الأبطالِ دائما.
لا لا يا أبي لم أكن أحلم ؛وحتى حينما أديت أنت التحية العسكرية لجنودي ،لم أكن مستغرقا في النوم.
وقد اقشعر جسدي للطريقة التي أديتَ بها تحيتك.
وتواصلت الأيام على هذه الوتيرة؛لا ينام الضابط خالد – وقد اختير مديرا لمدرسة عسكرية- حتى يؤدي التحية لفرقة الشهداء من تلاميذه،واقفا أما جنود ابنه ،المصفوفين في الخزانة.
وفي الصباح يقسم ناصر أن فرقته العسكرية ،أقامت داخل الخزانة عرضا عسكريا،وأحيانا أدَّت التحية للعلم ؛وأحيانا يؤكد أنه استمع الى أزيز الرصاص ،وغارات الطائرات.
ومع تكرار هذه الروايات من طرف ناصر ،لم يعد يقبل من والده حديث الأحلام.
يُلح ويلح أنه فعلا استمع وهو مستيقظٌ الى كذا وكذا.
يرد عليه الضابط خالد:
لا يهم يا ناصر أكنت نائما أم مستيقظا؛المهم أن يظل ذكر شهداء الوطن ،تتقدمهم فرقتي من التلاميذ،حيا في أذهاننا. هذا هو المهم؛وقد أسعدني أنني اخترت لك من اللعب ما ظل يربِطك بالوطن.
ومن جهة أخرى لولا جنود الرصاص ،داخل الخزانة ،ما تعودتُ على أداء التحية العسكرية للشهداء قبل النوم.
نعم يا أبي ولكن..لا تقل لي مرة أخرى اني أحلم ؛وهل تكون أنت نائما حينما تؤدي تحيتك العسكرية؟
ضحك الأبُ من قوة سؤال ابنه ،وليجاري رواياته الصباحية قرر مشاركته النوم في غرفته.
اتفق مع ابنه أن يوقظه حينما يستمع الى الموسيقى الوطنية ،منبعثةً من الخزانة.
ما رأيكم أنتم ؟
هل ستصدح فعلا هذه الموسيقى الوطنية ؟
هل سينتصر الحلم أم الواقع؟
على أي لنتركهم في هذه الوضعية ؛لأن ما يهمُّنا هنا أكثر، هو أن يظل الاستشهادُ من أجل الوطن،ان دعت الضرورة لذلك،هو نبضُ الوطنية في صدورنا.
وما يهمنا أكثر من كل هذا، هو شهادة الحق سبحانه وتعالى:
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون » « 

رمضان مصباح

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *