Home»National»نوعان من الندم لا يوجد أشد ولا أمض منهما على الإنسان إذا خدع بالله أو بالمودة فانخدع

نوعان من الندم لا يوجد أشد ولا أمض منهما على الإنسان إذا خدع بالله أو بالمودة فانخدع

0
Shares
PinterestGoogle+

نوعان من الندم لا يوجد أشد ولا أمض منهما على الإنسان إذا خدع بالله أو بالمودة فانخدع

محمد شركي

من أقسى أنواع العذاب التي يتجرعها الإنسان  الشعوربالندم وهو عبارة عن خليط من مشاعر الحسرة، والأسى ،والأسف، والحزن، والعذاب ، والمعاناة يحصل للإنسان حين يكتشف على سبيل المثال لا الحصر أنه  قد فرط في شيء وعاد عليه ذلك التفريط بعواقب وخيمة ، أوحين يكتشف أن علاقة  بناها مع غيره أول مرة على أساس محبة صادقة، فتبين بعد حين أنها لم تكن كذلك ، أو يكتشف غير ذلك مما يسبب له الندم.

ومن الندم ما يقضي على صاحبه ، ومنه ما يجعل النادم يعض على يده كما جاء في الذكر الحكيم (( ويوم يعض الظالم على يديه  يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )).  ومما يروى أن الشاعر المرقش الأصغر قطع إبهامه ندما لأنه  خدع معشوقته بتنازله عنها لصاحبه عمرو بن جناب، فاكتشفت خدعته وصدتهما معا، فقال بيته الشعري المشهور :

ألم تر أن المرء يجذم كفه = ويجشم من لوم الصديق المجاشما

ولا يوجد ندم أشد وأمض على الإنسان من ندم يكون سببه أنه خدع بالله فانخدع لخادعه أو خدع بالمحبة فانخدع لمن خدعها بها .

أما المخادع أو الخادع بالله هو من يلبس التدين والتقوى، وهو في حقيقته مجرد ثعلبان ماكر يجيد المكر والخداع ، ويتظاهر بسمت التدين ، وتقوى اللسان ، ويستدرج بذلك من يثق في سمته ولسانه حتى إذا ما قضى منه وطره أماط اللثام عن ثعبانيته الماكرة ، وصرح عنها بالإشارة أو بالعبارة أو بهما معا ،وقد تمكن من قضاء وطره، وانتهت حاجته من مخدوعه ، فانصرعنه انصرافا غير جميل ،وخلفه في حالة ندم شديد ،لأنه أحسن الظن به لحسن ظنه بالله عز وجل ، ولولا حسن الظن بالله لما استطاع الثعلبان الماكر النيل منه . و معلوم أن أقسى ندم على الإطلاق ندم من  يخدع  بالله عز وجل فينخدع ، لأن الخدعة تنطلي عليه بسهولة ويسر إذا طرق المخادع باب الله ليلج منه ، وهو باب لا يوجد خيرا منه أمنا وأمانا وثقة ووثوقا . وأخس الخلق الذي يخدع غيره بالله ، ولا يجرؤ على الخداع بالله إلا الذي لا خلاق له .

وأما المخادع بالمحبة فهو من يظهر لغيره أصنافا شتى من الحب بما فيها العشق والوله والهيام و ما في قمة الصبابة من وجد  … وكل ما تصفه أشعار الشعراء هذه الأصناف  ، علما بأن الشعر هو أكثر الأقوال خداعا ومخادعة حين يتعلق لأمر بالتعبير عن الحب، وأصحابه يقولون ما لا يفعلون كما جاء في الذكر الحكيم ، وبأقوالهم ينخدع  المنخدعون من الغاوين . ولهذا قال  أمير الشعراء أحمد شوقي :

خدعوها بقولهم حسناء= والغواني يغرهن الثناء

وما أظن الكيسة من الغواني تصدق من يحاول خداعها بوصفها بالحسن وهي تعرف نصيبها  قدرها منه ، فتجلس دونه ، وتحمد الله عز وجل على ذلك حمدا كثيرا. أما غير الكيسة فيطربها الثناء ،وهي لا تجهل نصيبها وقدرها من الحسن ومع ذلك يطربها الثناء الكاذب المغشوش الذي يثني على الحسن المكذوب .

والمخادع بالمحبة يسقط قناعه عند أول اختبار، فتتهاوى قصور ما يدعيه من أصناف المحبة  التي لا يقوى على وصفها إلا الشاعر النحرير، وسرعان ما تتحول تلك الأصناف من المحبة إلى سراب بقيعة لا يروي ظمآنا  بل  يروي المخدوع بالمحبة الكاذبة من ندم شديد يفوق الظمإ  شدة . ومحبة المخادع سرعان ما تتحول إلى بغضاء وقطيعة ، وعداوة ،فيشيح بوجهه عن المخدوع  بعدما كان يظهر له الإقبال الكبير ، ويزعم رؤيته في كل يقظة ومنام ، ثم يقول فيه ما لم تقله اليهود في نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ، وقد كان يمدحه مدحا يعجز عنه عظماء المداح ، ويمضي كأن لم يكن بينهما ود جدير بأن يرعى ويحفظ .

وإذا كان المخادع يمضي إلى حال سبيله  بعد خداعه المخدوع خالي الذهن لا يبالي بما فعل بضحيته  لأنه ينطلق أساسا من نية خداع مبيتة عن سوء طوية   يريد  من ورائها الخداع لمصلحة يضمرها ، فإن المخدوع لا يفارقه ندمه أبدا ، ويجتره على الدوام كل لحظة ، لأنه انطلق من تصديق المخادع والثقة به .

 وغاية  ندم المخدوع أنه يتمنى لو أنه لم يعرف أصلا من خادعه فخدعه ، ولم ينخرط معه في علاقة أو يرتبط  معه بمودة ، أو ولو أنه تنبه إلى خداعه قبل أن تتمكن مودته  من قلبه . وإذا كان المخادع ينتقل بيسر وسهولة من محبة كاذبة إلى إعراض أو حتى كراهية وخصومة ، فإن المخدوع على العكس من ذلك يشق عليه أن ينتقل من محبة صادقة إلى نقيضها، ويزيد ذلك  من شدة ندمه ومضاضته ، فيتمنى  حينئذ لو أنه أحس بالخديعة قبل أن يقضي منه المخادع وطره . ولا يندم المخدوع على شيء مادي ضاع منه بقدر ما يندم على  ما حسر من معنوي  كالوقت والعمر الذي ضاع منه وهو مخدوع  أو كالإحساس  الذي ابتزه منه المخادع ، ولو أنه تفطن إلى الخديعة لما صرف من أجله ثانية من عمره ، ولا مكنه من بريق شعور كنه له  ، ولا مكنه من فتات عطاء  أعطاه إياه.

ويعيش المخدوع حياته وهو يردد كلمتين  اثنتين لا ثالثة لهما ،وهما : (يا ويلتى ، ويا ليتني ) فالأولى تدل على جزع وتحسّر، والثانية تدل على تمني المستحيل ، ومع حصول الندم لا الجزع والحسرة ينجليان عن النادم ، ولا ما يتمناه ممكن الحصول، ولهذا قالوا (ولات حين مندم) ، وتقدير هذه العبارة عن أهل اللغة (ولات الحين حين مندم) أي ليس الوقت وقت ندم ، ولات من أخوات ليس .ومن الأمثال السائرة  قولهم ( ندم البغاة ولات ساعة مندم )، وقياسا على هذا يمكن القول ( ندم المخدوع ولات ساعة مندم ) .

 وإذا كان ندم المسيء توبة كما جاء في الحديث الشريف ، فإن ندم المخدوع ليس كذلك بل هو حسرة عليه لا ينقضي عذابها أبد حتى يكون حرضا أو يكون من الهالكين .

والبائس من الناس من اجتمع عليه من خدعه بالله ومن خدعه بالمودة والمحبة ، ونال من قلبه ، ومن عمره ووقته ، ومن كل ما عز مما لا عوض له .

ورحم الله الشاعر ابن سهل الأندلسي وقد اكتوى بنار الندم فقال :

خدعوا فؤادي بالوصال وعندما = شبّوا الهوى في أضلعي هجروني

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *