Home»National»رؤية سوسيولوجية للكذب

رؤية سوسيولوجية للكذب

0
Shares
PinterestGoogle+

رؤية سوسيولوجية للكذب

بقلم عمرحيمري

الكذب أن يخبر أو يخبر إنسان عن شيء ما ، أو واقعة ما ، أو ينقل خبرا مخالفا للواقع ومنافيا للحقيقة ، كليا أو جزئيا ، سواء كان تزييف الحقائق والأحداث والأقوال من نسج خيال الكذاب ، أو من تأليف غيره ، بنية التزييف وقلب الوقائع وتغيير الحقائق وتلفيقها ونشر الأراجيف والأباطيل بين الناس ، قصد إيهامهم وتضليلهم وخدعهم ، لقضاء حاجة في نفسه والوصول إلى تحقيق مآربه المادية والمعنوية والمجتمعية ، أو بقصد التغطية على سلوك قبيح صدر منه ، يستهجنه المجتمع ، أو بقصد دفع شبهة لحقت به أو مضرة أو عقوبة مهدد بها أو للتخلص من كل ما هو غير سار له .

وفي تصوري ، قد يكون الكذب مجرد عادة اجتماعية ، يهدف الكذاب من خلاله إيهام وإبعاد المتطفلين الذين يعجبهم الاطلاع على عورات الناس ومعرفة أسرارهم ومشاريعهم المادية والسياسية المستقبلية وأحوالهم الأسرية والاجتماعية ، أو للبحث عن مكانة اجتماعية له داخل الأسرة ، أو القبيلة ، أو المحيط الذي يعيش فيه ، وقد يكون الكذب ، أويستعمل بهدف حب الظهور وطلب الاستعلاء والتباهي على الآخر ، بصفات وقيم وبتاريخ أسري وثراء عائلي متخل لا وجود له ، أو بغرض نكران الماضي ، الذي يؤلمه وفي نفس الوقت لا يرضى به ويحاول التخلص منه . وهذا النوع من الكذب يمكن رده إلى الشعور بالنقص ، نتيجة التراتب والتمييز الاجتماعي والتفاوت الطبقي الصارخ والحرمان المادي والامتياز الاجتماعي ، فهو إذن نوع من التعويض النفسي عن الحرمان الذي يشعر به ونوع من الاحتجاج على المجتمع وعدم الرضى بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه …خاصة في غياب الثقافة الدينية وهيمنة ثقافة الاستحقار والاستعلاء واستكبار الطبقة الميسورة ومحاولة ظهورها دائما كطبقة فوقية ، مميزة تخرج على الضعفاء يوميا في أبهى زينتها ، فيتمنى الضعفاء المحرومون والمقهورون مكانتها ولسان حالهم يقول  » يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم  » [ سورة القصص آية 78 ] .

إن الكذب أصلا مستهجن بصفة مطلقة ، لارتباطه بمحرمات عديدة ، كالغش والنصب والسرقة والتدليس على الناس والاحتيال عليهم والترامي على حقوق الآخر وتشويه صورته وتلفيق التهم والأباطيل للناس بدون تمييز .

قد يقترن الكذب ببعض الممارسات المهنية ، التي لا يراعى فيها خوف الله ، كالسياسة والصحافة والسمسرة والاشتغال بالإعلانات التجارية والدعائية… فيصبح حرفة يقتات بها وأسلوب حياة وفنا ومنهجا لتحقيق الأغراض والأهداف والمرامي على المدي القريب والبعيد .

والكذب نقيض وعكس الصدق ، ومن ثم حرمته كل الأديان واستهجنته كل الفلسفات ، وعاقبت عليه كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والأعراف الاجتماعية . وهو من أشد الأمراض الاجتماعية وأخطرها وأفتكها بالمجتمعات ، لأنه يقضي على الثقة بين أفراد المجتمع ويزرع بينهم سوء الضن والشك وفقدان الأمن والأمانة وعدم الاطمئنان لبعضهم البعض ، وهذا ما قد يؤدي إلى انحلال المجتمع وتفككه ويتسبب في كوارث أخلاقية لها انعكاسات سلبية على المجتمع وأفرده ، لأنه ضرب من ضروب النفاق وازدواجية بين القول والفعل ، فهو سلوك غير مقبول اجتماعيا وأخلاقيا ولا دينيا وهو أنواع : منه السياسي والديني والأخلاقي القيمي … لذلك وصف الله سبحانه وتعالى الكذابين بعدم الإيمان . لقول سبحانه وتعالى :[ إنما يفتري الكذب الذين لا يومنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون  » سورة النحل آية 105  » فالكذاب عند الله لا يؤمن ، ومن لا يؤمن سهل عليه زرع الشقاق وإشعال الفتنة والنزاع والنعرات وعدم الثقة بين الناس . بل قد ينعكس شر الكذب على صاحبه إذ نجد في مجتمعي مثلا أن الكذاب ولضعف إيمانه بالعقيدة ، يعيش تناقضا صارخا بين ما وهو ديني تعبدي وما هو سلوكي تعاملي فهو يصلي ويصوم ويحج وقد يزكي… ولكنه يظلم ، يسحق الضعفاء ، يغش ، يختلس المال العام ، يأكل أموال الناس بالباطل ويخون الوطن إن تاحت له الفرصة ولا يرى في ذلك أي غضاضة ولا تناقضا ولا نفاقا ولا انفصاما في الشخصية .

إن الكذاب يبقى دائما مهزوزا نفسيا ، ضالا سلوكيا ، غير مهتديا أخلاقيا ودينيا . يقول الحقسبحانه وتعالى [ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ]  » سورة غافر آية 28  » وقال صلى الله عليه وسلم ٍفي حديث له مشهور  » أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلة منهم كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب وإذا عاهد خان وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر « . وفي حديث آخر له صلى الله عليه وسلم قال :  » قال رسول الله عليه وسلم : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا  » [ رواه بن مسعود وقال عنه أبو عيسى هذا حديث صحيح ِ]

إن أعظم الكذب ، هو الكذب على الله ورسوله ، إذ يحل صاحبه ويحرم ويجيز ويفتي بهواه باسم الله ورسوله لقوله تعالى [ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ]  » سورة الزمر الآية 59  » ولقوله صلى الله عليه وسلم  » من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار « 

إن الكذب جرثومة ، تنخر ذات الكذاب وتأكله من الداخل وتشل المجتمع وتفقده الأمن والأمان .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *