Home»Enseignement»مجانية التعليم بين تخريج الحكومة وفهم الأسر المغربية

مجانية التعليم بين تخريج الحكومة وفهم الأسر المغربية

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

مجانية التعليم بين تخريج الحكومة وفهم الأسر المغربية

بعد تداول مشروع القانون الإطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي والتعليق عليه من قبل عدد من المهتمين، اضطر السيد رئيس الحكومة في كلمته الافتتاحية للمجلس الحكومي ليوم الخميس 4 يناير 2018 إلى تكذيب الأخبار التي تُروِّج أن القانون الإطار المشار إليه يتضمن تراجعا عن مجانية التعليم، وأشار إلى أن الأمر يتعلق بفرض رسوم التسجيل على الأسر الميسورة. وإذا كان الأمر كذلك فإني أستنتج أن هؤلاء المُروِّجين وجُلُّ من اطلع على نص القانون الإطار لا يفهمون اللغة العربية، الأمر الذي سيؤدي بنا إلى طرح مشكل أعمق يمكن صياغته كما يلي: أيعقل أن يوجد في بلد استقل منذ أزيد من ستين سنة من لا يفهم اللغة العربية؟ خاصة إذا كان هؤلاء من الطبقة المثقفة، ذلك أن من يتدخل في قضية كهذه لا يمكن إلا أن يُدرج ضمن هذه الطبقة، مع العلم أن دستور2011 ينص في الفصل 5 على « أن العربية تظل اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها ». ألا يحق لهؤلاء إن وُجدوا مطالبة مختلف المسؤولين عن هذا الخلل منذ الاستقلال بالتكفير عن خطيئتهم هذه؟

وبما أن موضوع هذا المقال لا يدخل في هذا السياق، واعتمادا على قاعدة « رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب » المنسوبة للإمام الشافعي، فإني أفترض احتمال فهم هؤلاء نص القانون الإطار هو الفهم الصحيح، ومن ثم سأحاول أن أتعرف على الحيثيات التي أدت بهم إلى هذا الفهم الذي لم يقبله السيد رئيس الحكومة. لأجل ذلك سأتساءل معهم عن ثلاثة مفاهيم أساسية وهي مفهوم المجانية، مفهوم الإلزامية، مفهوم اليُسر والعسر، ثم معنى رسوم التسجيل.

فبخصوص المجانية فإنها تعني في اللسان العربي « بدون تكلفة أو مقابل »، مما يُفهم منها أن المتعلم أو بالأحرى ولِيُّه لا يتعين عليه المساهمة في مصاريف الدراسة مهما كان نوعها، وأما إذا كان كلما أقبل موسم دراسي جديد إلا وحسب له ألف حساب بسبب المصاريف التي ترتفع كلفتها وباطراد كلما ارتفع عدد المتمدرسين في العائلة الواحدة، ولولا المبادرة الملكية مليون محفظة لما استطاع عدد كبير من المغاربة تسجيل أبنائهم في المرحلة الابتدائية وحتى في المرحلة الإعدادية، وإذا علمنا أن هذه المصاريف ترتفع كلما ارتفع المستوى التعليمي للمتمدرس، فأين المجانية بالنسبة لهؤلاء في التأهيلي والجامعة على افتراض أن الباقي من الأبناء يمكن إدراجهم ضمن المسماة أسرا ميسورة. ويرتبط بهذا المفهوم مفهوم الإلزامية، ويقال في العربية « ألزم فلانا الشيء أي أوجبه عليه »، والسؤال الذي يفرض نفسه: من المُلزِم ومن المُلزمَ؟ فإذا كانت الدولة هي المُلزِمة والأسرة هي الملزَمَةُ فلا أتصور أن أحدا يرفض تعليم أبنائه إلا إذا كان معسرا، وفي هذه الحال تكون الدولة هي المُلزِمةُ والمُلزَمةُ في آن واحد، بحيث يتعين عليها توفير مختلف المستلزمات طبقا لمفهوم المجانية مقابل إلزام هؤلاء بالدراسة، وإلا فما معنى أن تُلزِم شخصا بالذهاب بابنه إلى المدرسة وهو غير قادر على أن يوفر له لقمة العيش، وبهذا الصدد حضرتني إحدى التجارب التي خضتها مع أحد مكاتب الدراسة في إطار افتحاص حساب الجمعيات المكلفة بالتربية غير النظامية بالجهة الشرقية، ومن بين ما لفت انتباهي في هذه التجربة هو أنه أثناء حضوري بإحدى مؤسسات التعليم العمومي التي احتضنت قسما من هذه الشريحة، إسناد حجرة مهترئة لهؤلاء « التلاميذ » رغم قلة عددهم (6 مستفيدين) ، وهي تفتقر إلى وسائل  التدفئة مع العلم أن الوقت كان وقت قَرٍّ ولا أحد منهم يتوفر على ثياب مناسبة للجو الذي تشتهر به المنطقة، والأدهى هو أنه لا يُسمح لهؤلاء المستفيدين من الاستفادة بالاستراحة في نفس الوقت مع تلاميذ المؤسسة كأنهم مصابون بمرض الجذام، ولا يُسمح لهم بتناول الوجبة المدرسية التي كان يستفيد منها غيرهم. ولما استفسرت المدير الإقليمي آنذاك، أجابني بأن الميزانية المتعلقة بهذه الوجبات خاصةٌ بالتلاميذ الأصليين في المؤسسة. أَية إلزاميةٍ هذه وأية مجانية ؟؟؟

أما فيما يتعلق بمفهوم اليسر فقد ورد في اللسان العربي أيضا أنه من فِعل يَسَرَ، ويسر الشيء/ يسر الأمرُ: سهُل وأمكن؛ فهل فعلا كل من أُدرِج أو سيُدرج ضمن الأسر الميسورة، سهُل عليه أمر تعليم أبنائه، ومن ثم سيسهُل عليه أداء رسوم التسجيل، خاصة إذا علمنا أن هذا المعيار هو نفسه الذي تم اعتماده في إسناد مِنَح التعليم الجامعي للحاصلين على الباكالوريا، ومع ذلك فَكَمْ من مُعسر لم يستفد أبناؤه من هذه المنحة وفي المقابل كم من ميسور استفاد أبناؤه منها لأسباب متعددة من بينها سبب موضوعي مُهم هو أن مفهوم اليسر والعسر ليس من السهل قياسهما. لنأخذ مثالا على ذلك في إطار شريحة الموظفين، حيث إذا اعتبرنا موظفين يتقاضيان نفس الأجرة الشهرية وهي المؤشر المعتمد في أغلب الحالات، يمكن أن يكون أحدهما ميسورا لكونه يعول عائلة صغيرة، في حين لا يمكن إلا أن يُدرج الثاني في خانة المعسرين لكونه يعول عائلة متعددة الأفراد كما هو معروف لدى عدد كبير من الأسر المغربية، دون الحديث عن باقي العوائق التي تختلف من موظف لآخر والتي تستنزف هذه الأجرة، هذا بالإضافة إلى أن اليسر والعسر مرتبط بمواسم السنة، ذلك أن الميسور في موسم معين يمكن أن يكون بل يكون بالضرورة مُعسرا في موسم آخر، لكون المصاريف ترتفع في هذه المواسم في الوقت الذي يبقى فيه الراتب وحده ثابتا لا يتغير خلال السنة كلها، نذكر من هذه المواسم موسم الدخول المدرسي، شهر رمضان الكريم، عيدي الفطر والأضحى، موسم أداء التأمين ومختلف الضرائب…

ولما كان وضع العديد من الأسر المغربية ظاهره اليسر وحقيقته العسر، فإن إضافة مصاريف التسجيل لا يمكن إلا أن تكون عائقا إضافيا من عدة جوانب، فبالإضافة إلى الجانب المادي الذي لا يمكن إغفاله، هناك الجانب السيكولوجي إذ كيف يمكن أن تكون نفسية وشخصية شاب يلجأ إلى الاعتماد على أبويه حتى وإن كانا ميسورين لاقتناء حاجياته الضرورية بله الحاجيات الكمالية؟ كما أنه لا يمكنه الإقدام على أية عملية تحتاج إلى مصاريف إلا بعد الرجوع إلى أبويه. فكيف في هذه الحال لهذا الشاب أن يتعلم الاستقلالية والاعتماد على النفس؟ لهذا لا غرابة إذا وجدنا شبابا يُفترض أن لهم استقلاليتهم المالية ومع ذلك يلجئون إليهما لتغطية بعض المصاريف.

من هنا يظهر أنه من العبث فرض هذه الرسوم على الأسر بغض الطرف عن عسرها أو يسرها، وأبناؤها لا تُضمن لهم فرص شغل بعد التخرج من هذه المؤسسات التي من شأنها أن تعوضها على ما أنفقته عليهم من تكاليف ورسوم، علما بأن بعض الأبناء ينهون مسارهم التعليمي بالحصول على شواهد عليا، فيجدون أنفسهم ضحايا البطالة الجامعية فيضطر الآباء في هذه الحال وإن بلغوا سن المعاش الإنفاق عليهم من معاشاتهم، وقد كان من المفروض إذا بلغ الأبناء سنا معينة وأنهوا دراستهم ألا تكون هذه وضعيتهم كما هو الحال في المجتمعات التي تضمن لمواطنيها الاستقلالية المالية حتى في حالة البطالة وعدم الشغل.

وفي الأخير أرجو أن تُغلِّب الحكومة الحِكْمة والتريُّث بخصوص قرار التخلي عن المجانية حتى بالصيغة التي خرج بها السيد رئيس الحكومة، وعدم المضي قدما في خطوة غير محسوبة العواقب في ظروف مالية استثنائية اضطرتها إلى اتخاذ مثل هذا القرار وما شابهه من قرارات في مجالات أخرى يمكن قراءتها على أنها تضييقا على المواطنين. وكان جديرا بالحكومة أن تجتهد في تجهيز مؤسسات التعليم العالي التجهيز الملائم خاصة المؤسسات العلمية التي تفتقر إلى الضروري من هذا التجهيز، كما يتعين اعتماد مناهج وطرق تضمن إكساب المتخرجين منها خبرات تؤهلهم لولوج سوق الشغل والتأقلم مع متطلباته المتجددة.

الحسن جرودي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. د. محمد بن العياشي
    11/01/2018 at 22:45

    شكرا جزيلا للأستاذ حسن فقد أجدت وأفدت في مقالك الرصين هذا الذي تضمن قضية اجتماعية وتربوية وتدبيرية غاية في الجدية والوضوح الغائب بامتياز في بعض السياسات الحكومية ومنها مشروع قانون الإطار الخاص بالتربية والتكوين والبحث العلمي الذي عرض للمناقشة أمام المجلس الحكومي، ومن المتوقع عرضه للمصادقة على المجلس الوزاري. والذي اعتبره رئيس الحكومة « من النصوص القانونية التي طال انتظارها، منوها بأنه لأول مرة سيكون لبلادنا قانون إطار في هذا المجال يتضمن – في رأيه – العديد من الأمور الأساسية و »المهمة،  » كما أنه مبني على حوار ساهم فيه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بجزء وجهد كبير وذلك بالتشارك مع مختلف القوى الوطنية من أحزاب سياسية وخبراء ونقابات ومجتمع مدني ومهنيي التعليم الذين شاركوا في إعداد الرؤية التي تم تقديمها لجلالة الملك والتي أمر حفظه الله بتحويلها إلى قانون ملزم. »
    يبدو يا أستاذ حسن أن مقالك لن يفهم لأن هؤلاء الخبراء والمهنيين من مدنيين وعسكريين كانوا في حوار بلغة غير لغتنا وبهوية غير هويتنا وحول مجنمع غير مجتمعنا لذلك كل تعقيب على هذا المشروع سيعد تشويشا وإشاعة لأخبار كاذبة رغم أن دلالة كلمة رسوم واضحة في جميع اللغات. حتى ولو تم ربطها مرحليا بالأسر الميسورة. وتكافؤ الفرص والتوظيف الشكلي لألفاظ مثل الطبقات الهشة والفقيرة بقصد التنويم والتطمين السياسي لاغير. علما بأن الموظف صاحب 5000 درهم هو من الميسورين في نظرهم وتوزيع المنح الدراسية الذي أشرت إليه صديقي العزيز يؤكد هذا الطرح. وعليه فكلمة ميسور تفهم بلغتين لغة حكومية خيالية ولغة شعبية واقعية . ولن يشذ النص التنظيمي والتطبيقي المنتظر لهذا المشروع عن هذا الغموض اللغوي الحكومي. والأيام بيننا.
    والسؤال الغائب لماذا هذه الرسوم؟ هل جد جديد من الرفاه والرخاء لا نعرفه؟؟ أما أبناء الميسورين المستهدفين فهم في الغالب خارج أرض الوطن

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *