Home»National»إلى السيد رفيقي: المغاربة ليسوا منافقين، ولم يكرهوا أحدا على الإسلام

إلى السيد رفيقي: المغاربة ليسوا منافقين، ولم يكرهوا أحدا على الإسلام

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
طلع علينا هذا الأسبوع عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الشؤون الدينية، ورئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والأبحاث التابع لحزب الاستقلال، بمحاضرة دينية ضمن ندوة فكرية ثقافية نظمتها مدرسة  HEMبالدار البيضاء، وقبل أن أطرح وجهة نظري في كلام السيد رفيقي لابد أن نعرف بأن الرجل يعد من زعماء السلفية، وأحد المطالبين بمغربتها، وله آراء شاذة جلبت عليه العديد من الانتقادات على رأسها موقفه من بيان الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يدافع فيه عن تركيا ويدين تصرفات هولندا من خلال خرقها للخيار الديموقراطي الذي يتبجح به الغرب، كما اتهم التاريخ السني على أن فيه ما ينتج التطرف ويغذيه، واعتبر داعش فرقة سنية لا تكفر صاحب الكبيرة، وآخر خرجاته المثيرة هي دعوته للمساواة في الإرث وإعادة النقاش في المسألة نظرا للتغيرات التي طرأت على المجتمع المغربي.
وفي آخر خرجة له على إثر محاضرة يوم الثلاثاء 22 ماي 2017 تناول فيها بالحديث والتفصيل مقاربة جعلته يميز فيها ين الدين على عهد الجيل الأول من الصحابة الكرام، والذي امتاز بنوع من (العقلانية)،على حد تعبيره وكانت السلطة تعتمد على الصحابة للتأثير على المجتمع، ومع مرور الزمن، يرى رفيقي، أن هذا الدور بدأ يتخلف وينقلب إلى العكس، حيث أضحى معظم أهل الدين يمارسون التضليل ويتحدثون بالخرافات وحاولوا إكراه الناس على اعتناق الدين، وهذا الإكراه تسبب في انتشار النفاق والنفور من الدين. وشدد « أبو حفص » على أن بناء مجتمع ديمقراطي مؤسس على ثقافة الاختلاف والتعايش، لا يمكن أن يتم بناء على الإكراه المؤدي إلى النفاق، متسائلا: « ماذا يمكن أن يستفيد المجتمع من النفاق؟، وما حاجة الدين إلى أن يؤمن من يؤمن به وهو مكره؟ ».
واعتبر رفيقي أن التضييق على حرية المعتقد في المجتمع الإسلامي ليس مرده لوجود آيات قرآنية أو أحاديث نبوية تمنع من حرية المعتقد، ولكن ذلك نتيجة ثقافة مجتمعية لا علاقة لها بما هو موجود في الدين أصلا، مشيرا إلى أن موقف الدين من حرية الاعتقاد واضح جدا لأن القرآن مليء بالآيات المؤسسة لحرية المعتقد والإيمان بدين من عدمه.
وأشار أن بعض النصوص الأخرى التي تمنع تغيير المعتقد، هي نصوص مرتبطة بسياق تاريخي معين وظروف وجودها خاصة بحقبة زمنية محددة، مشددا على أن فهم هذا التمايز بين النصوص العامة المطلقة والنصوص الخاصة بزمن معين هو من سيساعد على إزالة الإشكالات المتعلقة بحرية المعتقد في الإسلام، مبرزا أنه حينما يتم القول إن الإسلام ليس به حرية المعتقد فإننا نرتكب جريمة في حق كل الأجيال ».
هكذا كان كلام الأستاذ الباحث في الدين عبد الوهاب رفيقي، والذي لابد أن نحلله ونضعه  في ميزان الحقيقة الإسلامية والتاريخية. أولا، فما قاله عن الجيل الأول من الصحابة الكرام، فهو تحصيل حاصل، ولا أحد من المؤمنين ولا حتى المستشرقين ولا أي باحث في التاريخ الإسلامي إلا ويقر بأن الجيل الأول جيل متميز على جميع المستويات، وهو كما سماه سيد قطب رحمه الله جيل قرآني فريد، ولا يمكن أن يتكرر مثله عبر الأزمان، لأن الله تعالى قد اصطفى لرسوله صحبة خاصة بها مكن الله لهذا الدين حتى وصلنا عن طريق هؤلاء العدول الذين زكاهم الله تعالى أجمعين في أكثر من موقع في القرآن الكريم، ومقارنتهم بأي جيل آخر يعد ضربا من الخبل.
وأما قوله:  »  وكانت السلطة تعتمد عليهم للتأثير على المجتمع » فيعد كلاما غير مفهوم، فماذا يقصد بالسلطة؟ هل يقصد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم يقصد الخلفاء الراشدين؟ أم يقصد كبار الصحابة من دوي القرب من إمارة المومنين الذين كانوا يمثلون حاشية الشورى  من أمثال سعد وأبي عبيدة والزبير وطلحة وابن عوف ؟
وهل كانت (السلطات) حينها تقوم بتوظيف الصحابة للتأثير على المجتمع؟ إن الغبش الذي يحيط بهذه المقولة يمنح الفرصة لأي علماني أن يفهم ما يشاء، كأن يفهم بأن تعريف الصحابي كان مقتصرا فقط على من هم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان المقصود بالسلطة  هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان المقصود بها إمارة أبي بكر  أوعمر بن الخطاب أو علي أو عثمان، فمعنى ذلك أن المجتمع الذي يتحدث عنه رفيقي يشكل أقلية ما دامت الأغلبية صحابة على اعتبار أنهم التقوا برسول الله عليه السلام وآمنوا به وبرسالته، وبذلك لا تحتاج السلطة لتوظيف الصحابة للتأثير على المجتمع مادام الصحابة يشكلون أغلبية مطلقة،  ثم هل كانت، ما سماها رفيقي بالسلطة، تحتاج إلى التأثير في المجتمع، فالمعنى الخفي يوحي بأن هناك دسائس أوتوجهات معينة تخالف القرآن والسنة، أو أن الصحابة كانوا يقومون بتمرير أمور تحتاج إلى التأثير، فرفيقي لا يقصد هذا ولكن كان عليه أن يسمي الأشياء بمسمياتها بكل وضوح وبعيدا عن كل غبش يمكن أن يترك في ذهن الآخر مكانا لتعدد الفهوم والتأويلات،  فلماذا لا يسمي رفيقي  الأمور بمسمياتها فيقول: إن الأمة الإسلامية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت  راشدة تسير وفق ما جاء في القرآن والسنة ولم تحد عنها قيد أنملة، حتى نفهم ويفهم جميع الناس أنه العهد الذهبي للإسلام الذي لا مثيل له وأنه الأنموذج الذي اقتدى به القرن الثاني والثالث أحسن الاقتداء مما جعل هذين القرنين يحضيان بتوصيف متميز من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شهادته على أنهما من بين خير القرون.
ثم إنني أستغرب وصفه للصحابة بالعقلانيين، وهو توصيف، غير منصف للصحابة، على اعتبار الخلفية والدلالة التي ترافق هذا المصطلح، والذي يعني فيما هو مألوف في الفكر الغربي اتخاذ العقل والاستنباط معيارا للحقيقة بدلا من المعايير الحسية أو النصية. والأفضل وصفهم كما وصفهم من كان جزءا منهم أي بعض الصحابة أنفسهم من أمثال عبد الله بن مسعود فيما رواه  ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله حيث عرفهم بقوله:  » أولائك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه… »  ويمكن القول بأن الصحابة قد جمعوا بشكل مدهش بين الفهم المعقلن والاتباع الذي يتأسس على قوله تعالى ( آمنا به كل من عند ربنا) فعمر بن الخطاب عندما وقف أمام الحجر الأسعد ترجم هذه الثنائية أفضل تمثيل، إذ علم عقلا أنه أمام حجر (مجرد حجر لا يملك ضرا ولا نفعا)، ولكنه  أيضا قبله أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعا له. ونفس الشيء وقع لأبي بكر الصديق يوم الإسراء والمعراج، إننا على العموم لا نحتاج أن نصف الصحابة بمصطلح غربي له دلالاته الفكرية  وحمولته الخاصة لأن الحديث عنهم وعن حسن فهمهم واجتهاداتهم وعبقريتهم في السلم والحرب تغنينا عن اللجوء إلى مصطلح قد يكون مضرا أكثر منه نافعا ومنصفا والله أعلم.
وبعد هذا يقول رفيقي:  « إن هذا الدور بدأ يتخلف وينقلب إلى العكس، حيث أضحى معظم أهل الدين يمارسون التضليل ويتحدثون بالخرافات وحاولوا إكراه الناس على اعتناق الدين، وهذا الإكراه تسبب في انتشار النفاق والنفور من الدين »
إن كلمة « بدأ يتخلف وينقلب إلى العكس » يوحي بأن هذا الدين لا يحمل بوادر البقاء والاستمرارية في الزمن، وربما قد نتفق معه إذا قال أن الأمة قد ابتليت بفتنة وأن هذه الفتنة كان من ورائها بنو فلان وبنو علان، نفهم أن الأمة الإسلامية تمر بسنن هي عبارة عن امتحان قد تحدث عن بعضه القرآن الكريم،  وذكر بعضه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن كلمة « بدأ يتخلف ويتحول إلى العكس » لا توحي بتاتا بأن هنالك فاعلا أو مناورات أحيكت بالإسلام والمسلمين تزعمها اليهود وبعض من غلبت عليهم شهوتهم وطائفيتهم فحادوا عن الصواب. والعلماء قد كتبوا في الفتنة الكثير ووضحوا كل ما فيها. ولكن سياقات الكلام لا توحي بأنه يتحدث عن الفتنة الكبرى، وإنما يتحدث عن التحولات الكبيرة والخطيرة التي طرأت على المجتمع الإسلامي حيث سيتحول من (العقلانية) إلى ممارسة معظم أهل الدين للتضليل والحديث عن الخرافات ومحاولة إكراه الناس على اعتناق الدين »
إن المنهج العلمي يقتضي إعطاء  ولو مثالا واحدا كنموذج يشهد لمصداقية هذا الكلام وإثباته، كما أن للتأريخ أهمية قصوى حيث لا يمكن إطلاق الكلام جزافا وعلى عواهنه دون تحديد الفترة الزمنية التي يتحدث عنها المتحدث، حتى يسهل علينا نحن المتطفلين الرجوع إلى المرحلة التاريخية حتى يحصل لدينا اليقين والدليل على صدقية ادعاء المدعي أو كلام المحدث.
أما حديثه عن الخرافات وإكراه الناس على اعتناق الدين، فالعاقل لا يتحدث بهذا إلا إذا كان هو النمط السائد والأغلب في مرحلة ما، ولكن لم يشهد التاريخ الإسلامي في أي من مراحله أن غلبت عليه الخرافات وإكراه الناس على الدين، والدليل أننا عندما نتصفح كتب التراجم لا نجد قرنا ولا زمنا خاليا من العلماء والمشايخ وأهل العلم الذين كانوا دائما يشكلون مصابيح تنير طريق الأمة، وحتى في القرن الثاني عشر الهجري الذي عرف نشوء الوهابية في بلاد نجد (قرية العيينة) والتي قد اشتهر عنها أنها بلاد كثرت فيها الخرافات والشعوذة والإكراه، فإن العديد من العلماء الذين هم من بلاد نجد كالدكتور عبد الله نصيف ينفون عن نجد أنها كانت بكل هذا السوء الذي يذكره ابن عبد الوهاب أو ابن غنام أو ابن بشر كأهم المؤرخين لبلاد نجد، وقد وافق ابن العثيمين عبد الله نصيف فيما ذهب إليه.
اللهم إلا إذا كان هذا مجرد تغزل من رفيقي في العلمانيين المغاربة يود التقرب منهم حتى يبدو كحداثي منصف ويستطيع أن يكسر جميع الطابوهات منها الشجاعة في صبغ الصحابة ب (العقلانية) لنفيها عمن سيأتي بعدهم، وطعن التاريخ الإسلامي وتشويه صورة المغاربة واعتبارهم منافقين في أغلبهم وأنهم يمارسون إكراه الناس على الدين.
ثم هل اتفق أغلب أبناء الأمة على خرق آية محكمة وهي قوله تعالى (لا إكراه في الدين)، إن كلمة « أغلب » تشكل خطرا في السياق يوحي بأن الرجل يقول: « هلك الناس » وإذا كان الرجل يتحدث عن المجتمع المغربي، فأنا شخصيا لم أر أحدا يكره آخر على الدين، ولا أعرف أحدا يعرف آخر فعل نفس الفعل، ولا قرأت في الإعلام ولا في المنشورات والمواقع عن مغربي أكره ابنه على الصلاة بله أن يكره علمانيا أو كافرا على أن يعتنق دين الإسلام. وذلك لأن المساجد في بلادنا تقوم بدورها، والمجالس العلمية والوعاظ والخطباء يلعبون دورهم في التوعية والإرشاد والتوجيه بما يجعل المغاربة يعون أن الله تعالى خاطب رسوله وقال له: ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين) فكيف يجرأ مسلم في هذا الكون على إكراه آخر وهو يقرأ القرآن الكريم، ويعلم أن رسول الله رغم حبه لعمه أبي طالب ورغم حب عمه له لم يستطع أن يكرهه وهو يعلم أنه كافر ورغم ذلك فالله تعالى يقول له: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
كان من الممكن القبول بهذه الافتراءات لو تعلق الأمر بأي بلاد أخرى، ولكن أن يقال هذا في بلاد رفعت راية الإسلام خفاقة، وراية الجهاد مرفرفة في أزيد من نصف إفريقيا على عهد أبي بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله الذي استشهد في نفس هذا الشهر أي شعبان سنة 480 هـ. وفي بلاد يعتبر أمير المومنين فيها أحد أبرز الناشرين للمذهب المالكي في إفريقيا، وفي بلاد المرابطين والموحدين والسعديين، أن يقال هذا في بلاد تختم مساجدها القرآن 40 ألف مرة في كل شهر، وتصدح حناجر الخطباء بالحق والدين في كل مساجدها مما يغطي الوطن ويعبئ المواطنين، فعن أي أغلبية هاته يتحدث رفيقي، هذه الأغلبية التي تكره الناس على الدين وقد دب فيها النفاق.
ويستطرد رفيقي قائلا: « إن الدين يهدف إلى الخلاص الفردي للإنسان » فلست أدري كيف لباحث في الأمور الدينية أن يقول بهكذا كلام، إلا إذا كانت زلة لسان أو يقصد شيئا آخر خانه التعبير فيه، فالخلاص مصطلح مسيحي يهودي محض ولا يمكن إسقاطه على الإسلام، لكونه مصطلحا ارتبط بمفهوم الخطيئة  التي يتقاسمها البشر كلهم، والذين سيحتاجون للمخلص الذي هو يسوع ابن الله الذي يقدم نفسه فداء وخلاصا للبشرية.
إننا نخلق العذر تلو الآخر لرفيقي لأنه يقصد بذلك النجاة من النار يوم القيامة والفوز بالجنة، وفي المفهوم القرآني لهذا المعنى، الإنسان يعيش مصيرا مشتركا داخل أهله وأسرته، وداخل أمته، رغم أنه سيبعث يوم القيامة وحده (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) فعلى مستوى الأهل فالله تعالى يقول: (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) أي لا يمكن للإنسان أن يطمئن ويركن إلى كونه صالحا مطمئنا، بل عملية الإنقاذ، إن صح التعبير، هي  ما يصطلح عليه الإسلام بالتبليغ والدعوة ونشر الخير بين الناس بالتي هي أحسن والموعظة الحسنة، أما على مستوى الأمة فيعتبر الإنسان مسؤولا (كل أمة تدعى إلى كتابها)، والمجتمع في الإسلام أشبه بالسفينة التي من الممكن عند التفريط فيها أن يغرق كل من فيها « هلكوا وهلكوا جميعا »، وذلك بسبب التخلي عن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي بطبيعة الحال يكون بمنهج منضبط وقواعد محددة في الشرع بعيدا كل البعد عن كل ما يؤدي إلى الاحتراب أو العنف أو الإكراه.
وأما عن قوله في حرية المعتقد والتي يقول فيها: إن التضييق على حرية المعتقد في المجتمع الإسلامي ليس مرده لوجود آيات قرآنية أو أحاديث نبوية تمنع من حرية المعتقد، ولكن ذلك نتيجة ثقافة مجتمعية لا علاقة لها بما هو موجود في الدين أصلا، مشيرا أن موقف الدين من حرية الاعتقاد واضح جدا لأن القرآن مليء بالآيات المؤسسة لحرية المعتقد والإيمان بدين من عدمه.
فنظرا لطول الموضوع سنخصص لموضوع حرية المعتقد ردا منفردا كمادة خاصة تنشر تبعا لهذا الموضوع.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *