Home»National»يعذر المرء إن لم يجد لغة غيره ولا عذر له إن لم يجد لغته الأم

يعذر المرء إن لم يجد لغة غيره ولا عذر له إن لم يجد لغته الأم

0
Shares
PinterestGoogle+

يعذر المرء إن لم يجد لغة غيره ولا عذر له إن لم يجد لغته الأم

محمد شركي

يقول الله عز وجل في محكم التنزيل : (( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين )).  ففي هذا النص القرآني يعتبر اختلاف لغات البشر كاختلاف ألوانهم ، وذلك من آيات الخالق جل وعلا الدالة على عظيم قدرته إذ جعل البشر مختلفين في ألسنتهم وألوانهم مع أنهم  خلقوا من ذكر وأنثى  . ومما يدل عليه هذا النص أيضا أن لكل صنف من البشر لسانا خصّه به الخالق سبحانه . وبحكم احتكاك البشر فيما بينهم يتعلم بعضهم لغة بعض ، ويكون ذلك سببا في سهولة التواصل و تبادل المنافع فيما بينهم . ويقتضي المنطق ألا يعاب على الناس عدم استعمال أو عدم إجادة لغات غير لغاتهم إلا أن الملاحظ عندنا أن بعض الناس يحاولون تبرير تقصيرهم في استعمال لغتهم الأم بنوع من الاعتذار الممجوج والمرفوض  بعدم تمكنهم منها مقابل نوع من الافتخار الممجوج أيضا بتمكنهم من لغة غيرهم. وإذا كان المرء يعذر إن لم يجد لغة غيره، فلا عذر له إن لم يجد لغته الأم . ولا يخاطب أو يحاور أو يسأل البعض بلغتهم الأم  إلا ويعدلون عنها إلى  لغة غيرهم في خطابهم أو حوارهم أو أجوبتهم ، بل قد يصرح البعض دون حجل أو وخز من ضمير أنه يجيد التعبير بلغة الغير ولا يجيد التعبير بلغته الأم ،علما بأن غيره  لا ينحو نحوه في التصريح بعجزه عن التعبير بلغته الأم  ولا يرضى بذلك . وإذا كنا نجد مغاربة يصرحون بأنهم يجيدون التعبير بالفرنسية مقابل عجزهم عن التعبير بالعربية ، فلا نجد فرنسيين يصرحون بأنهم يجيدون التعبير بالعربية مقابل عجزهم عن التعبير بلغتهم الأم ، ومن وجد فرنسا واحدا  نطق بالفرنسية في صباه يصرح بذلك أعطيته نسخة من لسان العرب جائزة له . إن الأمر يتعلق بعقدة مستعصية لدي البعض حيث يرون في استعمال الفرنسية مفخرة وامتيازا يميزهم  طبقيا عن غيرهم ، وأنه يكفي الإنسان أن يلوك لسانه الفرنسية ليصير محسوبا على طبقة  اجتماعية راقية  مواكبة للركب الحضاري . والذي لا أفهمه أن البعض يحصل على شهادة الباكلوريا في الشعب الأدبية ، وقد تكون آخر شهادة حصل عليها أو قد يواصل دراسته الجامعية بلغة أجنبية ، فيزعم أنه لا يجيد لغته الأم ،علما بأن منهاج اللغة العربية في الشعب الأدبية غني بالنصوص الأدبية الرفيعة وبعيون الشعر العربي من احتك بها استقام لسانه بالعربية . ومن المثير للسخرية والشفقة في نفس الوقت أن يسأل بعض المنتسبين للشعب الأدبية عن معنى كلمة بالعربية أو عن كيفية كتابتها إن كانت فيها همزة أو عن إعرابها علما بأن دروس الإعراب في المرحلة الابتدائية والإعدادية كافية لمعرفة المعلوم من الإعراب بالضرورة . وقد  يخاطبك بعض هؤلاء بأسلوب  لا يخلو من سخرية واستهزاء  قائلا : كيف تقولون لكذا بالعربية ؟ وعندما نتأمل الخطاب الصادر عن هؤلاء أو المتداول فيما بينهم  نجدهم يستنكفون عن استعمال لغتهم الأم فيستثقلون على سبيل المثال لا الحصر عبارة  » السيد فلان  أو السيدة فلانة  » بينما تسلس ألسنتهم بعبارة  » مسيو فلان أو مدام فلانة  » ، كما يستثقلون تبادل التحية بالعربية ، ويطربون للتحية بالفرنسية ، وقس على ذلك من أنواع الخطاب اليومي الذي يعدلون فيه عن العربية إلى الفرنسية . ومنهم من يطرب أشد الطرب حين يسمع أبناءه  تلوك ألسنتهم الفرنسية ، ويتألم شديد الألم إن تعثروا في استعمالها ، ولا يشعر بأدنى حرج إذا تتعتعوا في النطق بلغتهم الأم ، وقد يفخر أمامك بأن ابنه أو بنته يجيد الفرنسية ويحبها أكثر من العربية وأن نتائجه في الفرنسية متميزة ، في حين يعاني من ضعف النتائج في العربية  ويحمل مسؤولية ذلك لمن يدرسه العربية . ولما أعلنت وزارة التربية الوطنية  عندنا عن إحداث ما يسمى بشعبة الباكلوريا الدولية تهافت الآباء والأمهات على إلحاق أبنائهم بها رغبة في دراستهم باللغة الفرنسية لأنها رمز الحضارة ، ووسيلة تحقيق المبتغى . وقد يبلغ الأمر بالبعض حد تجريح من كان يدرسهم العربية ، ويحملونه مسؤولية فشلهم في إتقانها مقابل الثناء على من كان يدرسهم الفرنسية . ولا يدع عيبا أو نقيصة إلا ونسبها لمدرس العربية ، وفي المقابل لا تفوته محمدة إلا وجعلها لمدرس الفرنسية . ومن شر العقوق لدى هؤلاء أن شيوخ الكتاتيب القرآنية لا يذكرون  عندهم إلا ليذموا مع أنهم كانوا يعلمونه كلام الله عز وجل  باللسان العربي المبين كما وصفه رب العزة جل جلاله ، ولا يستحضرون من ذكرياتهم معهم سوى الحديث عن  » الفلقة  » أي التأديب  في حين لا يستحضرون شيئا مما حفظوه من كلام الله عز وجل . ولقد خصص معظم الروائيين الذين يكتبون باللغة الفرنسية  عندنا حيزا في مؤلفاتهم للسخرية من شيوخ الكتاتيب القرآنية  ووصفهم بأوصاف تتقزز منها النفوس . وفي المقابل يثنون على المدرسين الفرنسيين ويبجلونهم أشد التبجيل ويرفعونهم إلى درجة الملائكة المقربين وعباد الله الصالحين . وقد يستظهر بعضهم أناشيد باللغة الفرنسية حفظها في صباه بزهو وافتخار  ولكنه لا يستطيع استظهار سورة قصيرة من سور القرآن الكريم  تنفعه في صلاته ولا أنشودة بالعربية ولا قصيدة بلا خجل ولا حياء .  وأخيرا نقول للمفتخرين بإجادة لغة غيرهم مقابل الاعتذار عن جهلهم بلغتهم الأم شأنكم شأن من عق أمه التي حملته وأرضعته ، وبرّ غيرها التي ما عرفها  إلا بعد أن اشتد عوده . ولا يجب أن يفهم من كلامي  هذا أني أعارض تعلم اللغات الأجنبية  بل أعترض على من يتذرع بالذائع الواهية لتبرير  تقصيره في التحدث أو الكتابة بلغته الأم لأن في ذلك تنكرا لهويته ، وجحود لآية من آيات الله عز وجل وهي اختلاف ألسنة الخلق ، وقد أمرنا أن نذكر آيات الله عز وجل ونعمه علينا كما أمرنا بشكرها ، ومن شكر النعم  استعمالها فيما يرضي المنعم سبحانه ، ومن  شكر نعمة العربية أن نتعلمها ونعلمها لنتواصل مع كلام الله عز وجل الذي شرفت به العربية .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *