Home»National»حكايا استاذ متقاعد : نبش في رحلة وراء البحار – الجزء 6 ـ

حكايا استاذ متقاعد : نبش في رحلة وراء البحار – الجزء 6 ـ

0
Shares
PinterestGoogle+

أتممت أخر الاجراءات،ثم ركبت القطار الفرنسي لترتسم أمامي الاختلافات: لقد أصبح بامكاني التواصل بدون عناء ،وهكذا استوعبت اول رسالة عبر مكبر الصوت تنبه لعملية الاغلاق الاتوماتيكي للأبواب!
كان هذا اول مؤشر على أن عالما جديدا بانتظاري تختصر فيه التكنولوجيا كثيرا من المعاناة، وتحتم على الانسان التسلح بالعلم حتى لا يبقى خارج الركب الحضاري.
تذكرت الوطن لتنهال على ذهني صور التخلف المركب ومحنة المواطن مع وسائل النقل والادارة عموما خاصة حينما علمت سلفا موعد انطلاق القطار، وعدد دقائق التوقفات ،ثم موعد الوصول، فكان كل شيء كما كان مرتبا له بدقة!
شغلني التأمل في الفضاءات التي يخترقها القطار عما يجري بالداخل، حيث لم تقع عيني على أرض خلاء كما هو الحال عندنا.
لقد أعد الفرنسيون كل شبر في بلدهم لما يثمنه ويجعله حلقة لاغنى عنها في سلسلة متكاملة لتتيح للانسان الفرنسي أن يعتز بوطنه وكبريائه!
عندما توقف القطار بمدينة ،، مونبوليي،، استرجعت ذكرى عميد الادب العربي: في هذه المدينة تعلم المرحوم طه حسين، وساق القدر الى طريقه امرأة بمواصفات ملك الأرض لتفتح له قلبها.
لقد أشفقت لحال الشاب الضرير المتعطش للعلم فقررت توفير الأسباب له، بينما فهم هو هذه الرقة بما توارثه عن العربان حينما تبتسم المرأة في وجوههم، حيث يعتبرون ذلك مؤشرا على القبول اللامشروط!
قابلت السيدة،، سوزان،، نية الشاب المصري بانسانية المراة العظيمة فلم تنهره- كما كان يقتضي المنطق- بل قررت أن تساير أهواءه لأنها أدركت حجم الصنيع الذي ستقدمه لهذا المغرم الذي يقيس جمال الانثى بصوتها فيعفيه عن باقي التفاصيل!
تعلم طه حسين حتى نبغ، لأن السيدة ،،سوزان،، قدمت له شحنة العاطفة التي كان بحاجة اليها، فتفجرت طاقاته ونافس عمالقة الادب، ورد الاعتبار لنظيره المعري حين اعاده الى الواجهة من خلال رسالته الجامعية( في ذكرى ابي العلاء).
تحية لروح السيدة ،،سوزان،، التي اقترنت بعميد الادب العربي ، وصار اسما خالدا في نهضة العرب الفكرية المعاصرة.
نزلت بمحطة،، ليون بيراش،، ثم قصدت الفندق الذي كنت اتوقع أن أجد فيه الشخص الذي أبحث عنه، لكنني لم اجده.
كان هذا الفندق قد تحول الى اقامة للعمال، وحينما علم أحد المغاربة بأنني ابحث عن قريب، ادخلني الى مكتب الشخص المسؤول عن الاقامة، ثم طلب منه أن يطلعني على لوحة علقت عليها صور جميع المقيمين وراياتهم الوطنية.
حين تأكدنا أن المبحوث عنه غير موجود، أقسم المغربي أن يستضيفني تلك الليلة.
لم أجد بدا من مسايرة شهامة الرجل الذي ظل محافظا على مغربيته الاصيلة، وبلغت به به الحفاوة ان تنازل لي عن سريره ليبيت على ارضية البيت مباشرة!
كان اغلب المقيمين من الجزائريين، وخلال سهرنا بمقهى الفندق، لاحظت كيف كان هذا المغربي محط احترام وتقدير من طرف هؤلاء الذين استسلموا لصرامته.
وفي اليوم الموالي، وبعد توديع مضيفي، قررت ان أواصل مغامرتي بالتوجه نحو جزيرة،، كورسيكا،،.
يتبع.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *