Home»Correspondants»حرمة بيوت الله .. !

حرمة بيوت الله .. !

0
Shares
PinterestGoogle+

المختار أعويدي

إن من ينظر اليوم في بيوت الله في البلاد الإسلامية، يرى ويسمع حجم ما تعرفه من اعتداءات فظيعة، وما تشهده من انتهاكات صارخة غير مسبوقة. تستهدف قدسيتها وأمنها وسكينتها وطمأنينتها وآدابها. وذلك بدوافع متعددة، سياسية، أو طائفية، أو حزبية، أو إيديلوجية، أو عنصرية، أو إرهابية.. فقد تحولت إلى أهداف سهلة مستباحة، من جهة، لقوى التطرف والإرهاب، ومن جهة أخرى، لقوى الغزو والإحتلال، ومن جهة ثالثة، للقوى المتصارعة المتناحرة، سواء في إطار حروب أهلية، أو اقتتال ومواجهات حول السلطة. ومن جهة رابعة، لنشطاء الحركات والتنظيمات الشاذة، وهلم جرا. فقد انتهكت حرماتها، وأهينت قدسيتها، وبخست مكانتها وقيمتها، بشكل يبعث على المرارة والحزن والألم والحسرة والغضب.
يحدث كل هذا، برغم ما أولاه الإسلام للمساجد من مكانة وعناية وقدسية وتعظيم، يقول تعالى: « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ * رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مّن فَضْلِهِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ». )النور(. يحدث هذا برغم ما خص به الإسلام المساجد، من آداب وتوقير وتعظيم واحترام، حتى في دقائق الأمور وأبسطها. فلا يجوز للمصلي، على سبيل المثال لا الحصر، رفع الصوت فيها حتى بتلاوة القرآن الكريم، ولا يجوز له دخولها بعد أكله الثوم أو البصل، مخافة إيذاء المصلين برائحتها الكريهة، ناهيك عن ضرورة عنايته بطهارته ولباسه قبل ولوجها « يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ » )الأعراف.( إضافة إلى ضرورة الحرص على صيانتها والحفاظ على نظافتها ومحتوياتها… يحدث هذا، بعدما كانت المساجد على الدوام، حتى في عهود أشرس الإمبراطوريات والدول، وأفتك الحروب والصراعات، مقرات دينية مهابة الجانب، معظمة القدر، محترمة الرسالة، وفضاءات للعبادة والذكر والعلم.
لقد توالت الإنتهاكات والإعتداءات على بيوت الله اليوم، بشكل مستفحل صادم، في أكثر من بلد، وبعنف وحقد وإصرار كبير غير مبرر، حتى من طرف بعض من يدّعون الإيمان، وينصبون أنفسهم مدافعين عن الإسلام. ناهيك عن التيارات المتصارعة، أو قوات الإحتلال، أو الجماعات الطائفية، أو الحركات الشاذة أو العنصرية، بشكل يدعو إلى القلق والغضب، وذلك دونما مبالاة بوَعيد الله تعالى لمن ينتهك حرمتها، في قوله: « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، وَسَعَى فِي خَرَابِهَا، أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ، لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ »)البقرة(.
تصاعدت الإعتداءات المستهدفة لبيوت الله بوتيرة مسعورة، وتحت ذرائع وحجج واهية واهمة. فمِن مُدّع بمواجهة الطوائف المارقة عن الدين، ومن متحجج بمحاربة الإرهاب، ومن قائل بتمرير وإرسال الرسائل والخطابات والإحتجاجات.. وقد اتخذت هذه الإعتداءات أشكالا متعددة، تتراوح بين تدنيس هذه الأمكنة بسلوكات مشينة )نازلة مسجد حسان بالرباط(.. وتلطيخها بكتابات وشعارات عنصرية )مساجد بلاد الغربة..(، ونسفها وتفجيرها فوق رؤؤس المصلين وارتكاب المجازر الدموية في حقهم  )الكويت والسعودية وسوريا واليمن..( وقصفها وتدميرها، بل واستباحة فضاءاتها )الغزو الأمريكي للعراق والصهيوني لفلسطين..( بل وإغلاقها في وجه جموع المصلين )مصر وتونس..( دون رادع ديني أو أخلاقي أو إنساني أو قانوني.
فقد شهدت الكويت قبل يومين، تفجيرا إرهابيا دمويا من طرف تنظيم داعش، استهدف مسجد الإمام الصادق الذي يرتاده الشيعة، وقت أداء المصلين صلاة الجمعة، أدى إلى خسائر بشرية فادحة في صفوفهم. وكان نفس التنظيم قد فجر مسجدا شيعيا قبل أسابيع، ببلدة القديح في محافظة القطيف بالعربية السعودية، نجم عنه عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المصلين، تحت مبررات طائفية موغلة في التطرف والتشدد.
وفي مطلع شهر رمضان الكريم هذا، قامت طائرات النظام السورى وقت صلاة المغرب، بإلقاء برميل متفجر على مسجد الأنصاري بحلب، أدى إلى مجزرة في صفوف المصلين. وفي مطلع هذا العام )يناير(، تعرض مسجد شيعي في مدينة بيشاور الباكستانية، لهجوم مسلح بالرصاص والقنابل، أدى إلى إزهاق أرواح عدد كبير من المصلين، وإلحاق جروح متفاوتة الخطورة بالآخرين.
وخلال الغزو الأمريكي للعراق 2003 قام الجنود الأمريكان بتدمير عدد هائل من المساجد، وعاثوا فسادا بأحذيتهم ونجاستهم، في الباحات الداخلية لهذه المساجد، بل واتخذوا صوامعها أبراجا للمراقبة والحراسة. وخلال حروب الكيان الصهيوني المتوالية الظالمة على غزة، تفرج العالم على استهداف الصواريخ الصهيونية لبيوت الله ولصوامعها ومناراتها، دونما احترام لخصوصيتها ووظيفتها الدينية. ناهيك عن قيامهم بانتهاكات يومية لأقدس مساجد المسلمين )المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة(.
وبعد اندلاع الصراع المسلح في سوريا، عقب ثورة الربيع، تحولت المساجد إلى أهداف لنيران الأطراف المتصارعة، وخاصة قصف طائرات ومدافع النظام السوري، ما أدى إلى تدمير عدد هائل من المساجد، منها عدد من المساجد التاريخية، التي عمرت مئات السنين. ويقوم اليمنيون اليوم أيضا، في صراعهم واقتتالهم حول السلطة، الذي تحركه نعرات طائفية وسياسية، بدك بيوت الله في وطنهم بشكل أعمى.
وبعد قيام الإنقلاب الدموي على الشرعية في مصر منذ سنتين، قامت قوات السيسي وبلطجيته، بعد فض اعتصام رافضي الإنقلاب، بإحراق مسجد رابعة، وذبح عدد غير قليل من المصلين والمعتصمين به. وكذا استباحة حرمة عدد آخر من المساجد، كمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، الذي تم رجمه بالحجارة، بل ورميه بالنار، بعدما تم حصاره وتطويق عدد هائل من المصلين بداخله. ناهيك عن إغلاق آلاف المساجد، بدون موجب حق، سوى بمبرر القضاء على معارضي الإنقلاب. وقبل يومين قام وزير الداخلية التونسي، عقب التفجير الذي هز أحد الفنادق بمدينة سوسة السياحية، وأدى إلى خسائر بشرية جسيمة في صفوف السياح الأجانب، برد فعل متشنج وغريب، تمثل في قرار إغلاق حوالي ثمانين مسجد بالبلاد، بدعوى انتشار الفكر المتطرف بها. في خطوة عوض أن يقوم فيها النظام بالقضاء على المتطرفين، وأسباب التطرف، فضل القيام بالقضاء على بيوت الله، التي أغلق منها هذه الأعداد الكبيرة بالجملة.
وفي المغرب شهدت باحة مسجد حسان بالرباط، قبل أيام قلائل، إقدام بعض الحركات الشاذة، على انتهاك قدسية المكان، والقيام بعدد من الأعمال المشينة الفاضحة، بهدف تبليغ رسائلها المنحطة، من قبيل قيام ناشطتي حركة « فيمن » الفرنسيتين بالتعري شبه الكامل، وتبادل القبلات الفموية السحاقية، دونما مراعاة لهالة المكان واحترامه. وكذا قيام شابين مغربيين، من الشواذ الجنسيين، في نفس المكان، بتبادل القبلات اللواطية بلا خجل أو حياء، أو مراعاة للضوابط الشرعية والأخلاقية. كما شهد المكان أيضا قيام بعض الشبان المغاربة، بالإفطار العلني خلال شهر رمضان الكريم، للتعبير عن رفضهم الصيام، وتمسكهم حسب زعمهم بضرورة احترام الحريات، مشهرين إلحادهم بشكل واضح فاضح.
وفي بلدان المهجر تكاد لا تتوقف الإعتداءات العنصرية المتطرفة، على المساجد الإسلامية بها، والتي تتخذ شكل كتابات عنصرية أو إحراق أو تدنيس لمحتوياتها ومرافقها.
يا لهذا الوضع المزري الحزين، الذي باتت تعيشه الكثير من بيوت الله في كثير من البلدان!! فبعدما كانت المساجد على مر التاريخ، وحتى في عهود الصراعات والحروب الكبرى، مشرعة الأبواب على مدار الساعة، وملجأ لعابري السبيل، وملاذا للخائف والمستجير والملهوف، وبيتا للاجئ والمشرد، وكل من تقطعت بهم السبل. بعدما كانت منارات للعلم والفكر والذكر والحوار والنقاش البناء، ومقصدا للعلماء والفقهاء والفلاسفة، إضافة إلى كونها دور عبادة وصلاة لجموع المصلين، أصبحت في يومنا هذا عرضة لصنوف الإعتداءات والإنتهاكات. كما تقلصت أدوارها حتى أصبحت موصدة الأبواب، مهجورة المحراب على الدوام، سوى خلال أوقات محدودة معدودة لأداء الصلوات، يتم بعدها إغلاقها على عجل. تقلصت أدوارها حتى أصبحت أمكنة تؤدى فيها الصلوات فقط. لا لشيء، سوى لأنها أصبحت تمثل مصدر خوف للحكام، الذين يسوسون بلدانهم على غير هدى من الله. تقض مضاجعهم، وتقلق راحتهم، وتزعج طمأنينتهم، متى ما ظلت أبوابها مفتوحة، ومنابرها تلقن صنوف العلوم والمعارف المختلفة. ولذلك تراهم لا يجدون غضاضة في إغلاقها، والتخلص من « إزعاجها » كلما تيسرت لهم الفرص لفعل ذلك.
ها قد أصبحت بيوت الله مقصدا للتطرف والغلو بكل أشكاله، الديني والطائفي والحزبي والسياسي، يقصفها بأفكاره المتشددة، فإن لم تنفع فبقنابله أو صواريخه أو أحزمته الناسفة. دون مبالاة بتعاليم القرآن الكريم، الذي أكد في غير ما موضع على حرمة المساجد، قال تعالى: « وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا » )الجن(. ها قد أصبحت مكانا لتصفية الحسابات الطائفية والنعرات الحزبية والسياسية، وهدفا لنيران وقذائف وصواريخ وأحذية قوات الغزو والإحتلال )الأمريكي الصهيوني(. بالمجمل لقد بلغت أوضاع الكثير من المساجد درجة من السوء، أصبح معها المصلي لا ينعم بالأمان، حتى وهو بين يدي خالقه، يناجي ربه في إيمان وخشوع. مبعث ذلك، أنها قد تحولت بفعل هذه النعرات المتشددة المختلفة، إلى أماكن لتصريف التطرف والحقد والغلو، وفضاءات لتنظيم الوقفات والإحتجاجات وخدمة الأجندات الضيقة المتناحرة المتباينة، وكل أشكال التجييش والتهييج… حتى قد أصبحت مقصدا لكل باحث عن دعاية سياسية أو مذهبية أو طائفية أو حزبية أو عنصرية أو إرهابية معينة.
لقد أصبح المصلين، من فرط تصاعد هذه الإعتداءات وتنوع أشكالها وأهدافها، غير آمنين حتى وهم في بيوت الله. غير آمنين على أرواحهم وأبدانهم وأخلاقهم وقيمهم وعباداتهم.. لقد استبد بهم الخوف نتيجة التهديدات المتفاقمة، فتبدد الأمن، وانعدمت الطمأنينة والسكينة، التي طالما كانت توفرها بيوت الله، حتى كأن الأمر قد أصبح يستوجب استحداث شرطة مساجد، أو بالأحرى جمارك خاصة، ترابط عند بوابات بيوت الله، لتفتيش المصلين عند كل صلاة، للكشف عما يحمله بعضهم من أفكار متشددة ملغومة، أوأحزمة متفجرة ناسفة !!
إنها صورة ناطقة، تختزل وتختصر حجم الضرر والتطاول الذي باتت تعانيه بيوت الله، من دون أن يحرك الأمر ساكنا. حتى أننا قد أصبحنا نرى ونسمع على الهواء مباشرة قصف مئذنة، أو تفجير صومعة، أو نسف محراب، أو استهداف مصلين، أو رجم مسجد بالحجارة، أو رميه بالنار، أو حرق محتوياته، أو التجول بالأحذية والأسلحة في أركانه، أو كتابة الشعارات الطائفية أو العنصرية على جدرانه، أو استعراض سلوكات شاذة منافية للأخلاق في باحاته وفضاءاته… نشاهد كل هذا، من دون أن يحرك الأمر ساكنا، لا في مسؤولي البلدان المعنية، ولا في جموع المسلمين أفرادا وجماعات في بقاع الأرض. ولكن قد تقوم الدنيا ولا تقعد، إذا ما تم اعتقال متبرجة ترتدي تنورة مخلة بالحياء والآداب في الشارع العام، أو ردع إشهار سلوكات فاحشة )قبلة مراهقي الناظور على الفايس( فتستنفر الجمعيات والتنظيمات والأحزاب.. وتنظم المظاهرات والوقفات والإحتجاجات والتنديدات والصراخ والزعيق والنعيق.. وقد لا يتوقف الأمر في غالب الأحيان، إلا وقد أعيدت الأمور إلى ما يشتهيه أصحاب الحراك !!
لقد ضاعت آداب المساجد أو تكاد، في كثير من بلاد المسلمين، وشرعت الأبواب على مصراعيها لانتهاك حرمات بيوت الله، والعبث بقدسيتها والقيام بتدميرها، واستهداف مصليها ومرافقها ومحتوياتها، والإخلال بآدابها، نتيجة ضياع أخلاق أهلها من المسلمين، واستبداد النعرات والإنتماءات والمصالح الضيقة المختلفة بأحوالهم، ما تمخض عنه ضعفهم وتقاعسهم وتردي أوضاعهم. فقد أدت كثرة الملل والنحل والطوائف والجماعات والحركات والتنظيمات.. وتسلط الديكتاتوريات وأنظمة القمع والطغيان، إلى تشرذم وتمزق وتفتت غير مسبوق في صفوف المسلمين. ولذلك، لا عجب، فيما يلحق مؤسساتهم ومقدساتهم الدينية، من خراب وتدمير وانتهاك واستخفاف، على يد الغزاة أو الأحزاب أو الحركات أو النعرات أو الطوائف أو الغلاة أو الساسة والمستبدين.. إن ما آل إليه حال بيوت الله من وضع مترد محزن، يعكس إلى حد بعيد حجم العطب الكبير، والخلل الخطير، الذي يعتري جسم هذه الأمة الإسلامية وينخر كيانها.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *