Home»International»حاجتنا إلى قافلة الفقهاء (4) بقلم عمر حيمري

حاجتنا إلى قافلة الفقهاء (4) بقلم عمر حيمري

0
Shares
PinterestGoogle+

 

حاجتنا إلى قافلة الفقهاء : ( 4 ) عمر حيمري 

أيها الفقهاء ، احتفوا بأقل شرائح المجتمع شأنا ، من عمال وخماسين ورباعين فلاحين ، وطلبة معوزين ، وبكل من تزدريه الأعين بسبب مظهره ، وفجاجة منظره ، وشحابة واصفرار وجهه ، ونحافة وسقامة جسمه ، وقبح ودمامة شكله ، وبشاعة عاهته ، ورثاثة ثيابه … وخصوهم بالرعاية الشاملة ، والدفء العاطفي ، والخدمات النوعية … حتى يندمجوا في المجتمع ، ويشاركوا في البناء والتنمية . واعلموا أنكم مسئولون عن أي إهمال للعقل ، أو تعطيل للجوارح ، وعن كل قول بلا بفعل . لقوله تعالى : [ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسؤولا ] ( الإسراء آية 36 ) ، وقوله : [ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ] ( سورة الصف آية 2ـ 3 )

أيها الفقهاء الدعاة ساندوا سجناء الحق الخاص ، وخاصة أولائك الموقوفين بسبب الدين لفقرهم ، ولعجزهم عن أداء الواجبات والمستحقات المترتبة عن الطلاق والانفصال ، أو بسبب الخصومات والضرب والجرح المتبادل ، أو بغيرها من الأسباب ، أدوا عنهم ديونهم وغراماتهم وحرروهم من الاعتقال ، وأصلحوا ذات البين بينهم . ولا تنسوا المظلومين من سجناء الحق العام  المعتقلين بسبب أفكارهم ومواقفهم ، ومعارضتهم السياسية ، وكذالك السجناء المجرمين الذين أخطؤوا في حق أنفسهم ومواطنيهم وخالفوا تشريعات بلدهم ووطنهم ، هم الآخرون ، خففوا من معاناتهم ، وفتحوا أبواب الأمل والتوبة في وجوههم ، وعضوهم وقولوا لهم في أنفسهم قولا مباشرا بليغا مؤثرا يستقر في القلوب فيرغبها في العودة إلى الله وإلى رسوله ، وصححوا مفاهيمهم الدينية وأفكارهم  المغلوطة ، وساعدوهم على الاندماج الاجتماعي والديني والخلقي وخاطبوهم بما يفهمون واشرحوا وفسروا لهم ما لا يفهمون . وعن طريق التربية والإقناع بالحجة والبرهان ، وزرع الإيمان في قلوبهم ونفوسهم ، تحاربون فيهم الغرائز الإجرامية المتأصلة والمتمكنة من نفوسهم ، وتطهرونهم  من الإجرام ، فيشرق الجانب المظلم من  قلوبهم ، وينبعث الخير ويفيض  على المجتمع ، لأن الإيمان قوة نفسية باطنية  فعالة ، تلزم الناس على الالتزام بالخير والابتعاد عن الشر وتنور القلب . يقول يوسف القرضاوي : ( ولقد رأينا من المفكرين والفلاسفة من لا يؤمن بالله ولكنهم يؤمنون بالإيمان بالله ـ أي يعتقدون بنفع هذا الإيمان ـ باعتباره قوة هادية موجبة ، وقوة مؤثرة دافعة ، وقوة منشئة خلاقة لم يستطع هؤلاء أن يجحدوا ما للإيمان بالله من طيب الأثر في نفس الفرد وفي حياة المجتمع ) ( من كتاب الإيمان والحياة ليوسف القرضاوي ) . وقد أبرز أحد المفكرين دور الإيمان في استقامة الحياة فقال : ( لم تشككون في الله ؟ ولولاه لخانتني زوجتي ، وسرقني خادمي ) .

أيها الفقهاء ، انخرطوا في المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية  والجمعيات التطوعية الخيرية وشاركوا في  الانتخابات وترشحوا لمناصب القرار والمسؤوليات واخرجوا إلى الشوارع على رأس المظاهرات للمطالبة بالإصلاح وبكل معروف أو للتنديد بالفساد وبكل منكر ، تقربوا من مختلف التيارات المعارضة لكم وافتحوا معها باب الحوار، لتمتصوا نفورها ولتتمكنوا من معرفة صالح وطالح مشاريعها ، فتكون المواجهة انطلاقا من علم لا من جهل ، اهتموا بأحوال وأوضاع المسلمين في العالم وتضامنوا معهم ، ودافعوا عن قضاياهم المشروعة وأسمعوا أصواتهم ومعاناتهم إلى أحرار العالم . واليكن هدفكم من وراء هذا العمل العظيم ، إعلاء كلمة الله ، ومصلحة الأمة والوطن ، وخدمة الناس كل الناس ، بغض النظر عن توجهاتهم الدينية والثقافية والفلسفية والإيديولوجية والسياسية.

أيها الفقهاء ، لتكن لكم إستراتيجية عمل ومواجهة على المدى القصير والبعيد تتضمن مشروعا متكاملا للعمل المؤسساتي ، الجمعوي ، على مستوى الدعوة بالقول : ( الخطبة ، والمحاضرة ، والمقالة ، والمجلة ، والكتاب ، وسائل الإعلام والاتصال الحديثة ، والبريد الإلكتروني … )  . والفعل أي التطبيق ، وذلك بالنزول إلى الميدان وممارسة الأنشطة الاجتماعية والتثقيفية والترفيهية كالسياحة الدينية : ( تنظيم رحلات للحج  والعمرة ) السياحة العلمية : ( تنظيم وترتيب زيارات لبعض العلماء المشهود لهم بالعلم والصلاح ، ولبعض المدارس القرآنية العتيقة ، التي ساهمت وتساهم في التعليم والإصلاح . تنظيم رحلات علمية استكشافية ذات الصلة بالآثار والجغرافية والبيئة والتاريخ . تنظيم رحلات وأنشطة ترفيهية تهدف إلى إدخال السرور على الشباب والأطفال عن طريق النزهة والمرح واللعب واللهو المباح والتوسعة في الأكل والشرب الحلال واعلموا أن هذه الأسباب ، هي التي جعلت يعقوب عليه السلام يوافق على إرسال يوسف عليه السلام مع إخوته إلى النزهة بعد تردد وخوف شديد : [  أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن ياكله الذيب وأنتم عنه غافلون ] ( سورة يوسف آية 12 ـ 13 ) أطروا الجمعيات المدنية والأحزاب السياسية وأقيموا المخيمات بالشواطئ والغابات لتحفيظ القرآن وللتربية والتكوين وبناء الأجسام والترفيه عن الشباب لملء  فراغه  ، هذه بدائل تقطع الطريق أمام السياحة الجنسية ، والسياحة الحرام ، والأنشطة الحرام غير البريئة ، التي تقدمها الحركات العلمانية للإفساد والاستقطاب . ولنا في لوط عليه السلام الأسوة الحسنة ، فهو لم يقف في دعوته عند التحريم والمنع ، بل قدم البديل الطيب لقوم خبيث ، فقد كان على علم بفساد فطرة قومه وفسادها، وبمرضهم النفسي الشاذ جنسيا ، والمعدي اجتماعيا ، والمعطل لإنماء الحياة وتطورها . ولكن لما هددوه في ضيفه ، حاول أن يوقظ فيهم الفطرة السليمة ، فوجههم إلى الجنس الآخر إذ عرض عليهم التوبة والرجوع إلى الفطرة الطبيعية النقية ، التي فطر الله عليها الناس ، ثم الزواج ببناته اللاتي يلبين الفطرة الطاهرة والنظيفة ، ويثرن المشاعر السليمة ، وبمثل هذا الزواج الذي لا يتعارض مع الطبيعة البشرية السليمة ، تسكت الشهوة الجامحة ، المجنونة ، المحمومة ويعالج الشذوذ الجنسي والمرض النفسي . وهذا ما تفصح عنه الآية الكريمة . [ وجاء قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني  في ضيفي  أليس منكم رجل رشيد ] ( سورة هود آية 78 ) .

وعلموا  أن العمل الجمعوي المدني نحن أهله ، سبقنا الدنيا إليه بفضل توجيهات القرآن الكريم والسنة الشريفة ، فالقرآن الكريم  حثنا وشجعنا عليه ، من خلال العديد من الآيات الكريمة كقوله سبحانه وتعالى : [ إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها  وتوتوها الفقراء فهو خير لكم ]  (سورة البقرة  آية 271 ) وقوله [ … وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ] ( سورة المائدة  آية 2 ) . كما أن السنة النبوية الشريفة فعلت نفس الشيء ، إذ ورد في قوله صلى الله عليه وسلم  : {  من أفضل الأعمال إدخال السرور على مؤمن : يقضي عنه دينا ، يقضي له حاجة ، ينفس له كربة } ( شعبة الإيمان للبيهقي صححه الألباني في صحيح الجامع ) وقوله : { إن أردت تليين قلبك فأطعم المسكين وامسح على رأس اليتيم } ( رواه أحمد ) وقوله { خير الناس أنفعهم للناس } ( رواه الطبراني في الأوسط والضياء في المختار وصححه الألباني )  . وقوله { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة } ( رواه مسلم في صحيحه ) . وفي تراثنا الاقتصادي ، الاجتماعي اهتمام عجيب بالعمل الجمعوي ، يبدو في أعمال الوقف وما قام ويقوم به من خدمات تعدت الإنسان إلى الحيوان . ـ ( نموذج : خيول الجهاد المعطوبة ، غير الصالحة الخارجة عن الخدمة ، ينفق عليها من الأوقاف حتى تموت ) ـ واستفادت منه جميع الشرائح والطبقات الاجتماعية بغض النظر عن جنسها ، أو لونها ، فالخادمات اللواتي يكسرن الأواني يجدن بدائل عنها في مؤسسة الأوقاف لكي لا يعاقبن . إن المؤسسات المدنية والجمعيات الخيرية والزوايا ، هي أقرب إلى الناس وأكثر تأثير فيهم لحيويتها ونشاطها ولقدرتها  على المحافظة على الهوية الإسلامية ونشر الوعي والثقافة الدينية والفكر الإيماني والإيديولوجي السياسي  (  نموذج الزاوية البودشيشية ونعم للدستور ـ جماعة العدل والإحسان و20 فبراير ) وبهذا تتم مواجهة الإلحاد ومشروعه الرامي إلى نشر الفاحشة بين الناس وإفساد أخلاقهم وردهم عن دينهم إن استطاعوا …. أيها الفقهاء قاطعوا الولائم الشبوهة وأصحابها ، ولا تكن قبلتكم ووجهتكم للدرهم ، حاربوا الخمارات وأصحابها ومروجي المخدرات والمحرمات والداعين إلى الفاحشة ، لا تصلوا على أحد منهم مات ولا تترحموا عليه ولا تٌقفوا على قبره ولا تقرؤوا عليه قرآنا ولا تقدموا لأهله عزاء ، لا تزوروهم في مرضهم ، لا تأكلوا طعامهم ولا تحضرا صدقاتهم ولا تباركوا لهم زواجا … وسترون النتائج وستعلمون أي جهاد تخوضونه وأي نتائج إصلاح تحققون .

على الجمعيات المدنية والخيرية التي ينتسب إليها الفقهاء ويؤطرونها ، أن تكون متنوعة بحيث تضم بين صفوفها مختلف الشرائح الاجتماعية ، المختلفة الأعمار ، والثقافة ، والتكوين بما فيه الكفاية لتغطية كافة مجالات الحياة ، ولكنها تكون موحدة ومشتركة في الرؤية والمرمى . وأن لا تعتمد على تمويل الحكومة أو السير في ركابها أو مجاراتها في تبرير مشاريعها السياسية والاجتماعية المرفوضة من الناس ، بالفتاوى التبريرية والمضللة يبنون عليها صمتهم وخضوعهم وخنوعهم .

أيها الفقهاء ما وصلنا الإسلام إلا بخروج الصحابة ، وبتحركهم في البلاد بين العباد وبالتضحيات ، وقد انتهى زمانهم ، فمن يبلغ وينشر دين الله في أرض الله من بعدهم ؟ ومن المسؤول عن الأقوام التي تموت يوميا على الكفر والنفاق أو ترتد عن دينها بسبب الجهل والفقر وإغراء التبشير ؟ ومن المسؤول عن دماء الأبرياء التي تسيل يوميا بسبب فتاوى شيوخ العسكر والانقلابيين ؟

                                        بقلم عمر حيمري 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *