Home»Correspondants»حاجتنا إلى قافلة الفقهاء : تابع ( 3) عمر حيمري

حاجتنا إلى قافلة الفقهاء : تابع ( 3) عمر حيمري

0
Shares
PinterestGoogle+

حاجتنا إلى قافلة الفقهاء : تابع ( 3 ) عمر حيمري

على الفقهاء أن يتحركوا ، في المدن والقرى  والمداشير وفي المناطق النائية والأسواق ، بين الفقراء والمساكين والمحتاجين والمهمشين للاطلاع على أحوالهم المعيشة ، ومعرفة أوضاعهم الاجتماعية ، وتكوينهم وثقافتهم الدينية عن قرب ، وهذا ما يكسبهم معرفة بعقلية وعادات وأعراف من سيتعاملون معهم من هذه الفئة ، وبالتالي سيسهل عليهم التواصل والتدخل من أجل المساعدة ، والإرشاد والتعليم ، والحث على فعل الخير والإحسان والتشبث بالأخلاق الحميدة ومحاربة الرذيلة والفساد ،  وتقديم العون ، والإغاثة … في الوقت المناسب . فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي في الأسواق ويخالط الناس ، ويراقب الغش ، ويتبرأ من الغشاشين ، ويحارب  ظاهرة الغش ، ويقدم علاجها ،  حتى لا تتفشى  وتتكرر بين التجار ، ويقول للغاش  : { ما هذا  يا صاحب الطعام ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله . قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ .من غش ليس مني  }  ( رواه أبو هريرة ) وكان صلى الله عليه وسلم يقابل السيئة بالحسنة ، ولا يقابل جهل من يجهل عليه ، إلا بالعفو والحلم والإحسان أو الإعراض عنه ، امتثالا لقوله سبحانه وتعالى : [ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ] ( فصلت آية 34 ) وقوله [ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبغي الجاهلين ] ( القصص آية 55 ) وقوله [ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ] ( سورة الفرقان آية )63  . كما كان يحسن إلى الناس جميعا ويزيد ، عندما يتعلق الأمر بالجيران ، ولو كانوا يهودا يكيدون له ، ويؤذونه ويناصبونه العداء ، وفي نفس الوقت يدير أمور الدولة السياسية والتعليمية ، والاقتصادية ، ويقضي بين الناس بالعدل . لا يتحيز لمسلم، ولا يتحامل على يهودي، أو نصراني. فالعدل عنده مطلق لا مكان للذاتية فيه ، لا يتوقف عند جنس ، أو لون ، أو دين ، أو قرابة رحم ، أو مكانة ، أو طبقة اجتماعية معينة  … وقصة « طعمة » أو « بشير » بن أبريق ، الذي سرق الدرع من جاره المسلم ،  ورمى به يهوديا ظلما وعدوانا ، شاهدة على عدله صلى الله عليه وسلم الموضوعي والمطلق ، وقد سجل الحادث القرآن الكريم في الآية التالية : [ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بالحق بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ][…  ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ] ( النساء آية 105ـ106ـ107 … 111ـ1012 ) وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه من فرط تواضعه ، كان يحلب شاة امرأة عجوز ويكنس وينظف بيتها ويزورها ويعجن عجينها وهو خليفة المسلمين . وعمر بن الخطاب نزل عند رأي امرأة وتراجع عن قرار ه في تحديد الصداق ، وقال أصابت امرأة وأخطأ عمر ، ثم يوبخ نفسه ويلومها قائلا : كل الناس أفقه منك يا عمر ، ويتفقد الرعية ليلا ويحمل الدقيق على ظهره  لليتامى ، ويطهو لهم الطعام ، ولا ينصرف عنهم  حتى يناموا  ، ويركب الحمار خلف الغلام وهو أمير المؤمنين .أبعد هذا تواضع عرفه التاريخ ؟ .

أيها الدعاة ، هذه أخلاق نبيكم وأصحابه نورا لكم تمشون به ، فخالطوا الناس كل الناس واخفضوا لهم جناح الذل من الرحمة ، وقفوا على مسافة واحدة من الصغير والكبير ، ومن القوي والضعيف ، ولا تفرقوا  بين الغني و الفقير ، أو الوضيع والشريف  : تكسبوا محبة جميع الناس ،  وتتفتح لكم قلوبهم ، وعقولهم وتكونوا أرفع الناس وأشرفهم  قدرا وفضلا وأحسنهم أخلاقا ، وقرآنا يمشي على الأرض ، وأحسن من هذا الفوز برضا الله . يقول السيد قطب رحمه الله  ( … وانتصر محمد بن عبد الله يوم صنع أصحابه رضوان الله عليهم صورا حية من إيمانه ، تأكل الطعام وتمشي في الأسواق ، يوم صاغ من كل فرد منهم قرآنا حيا يدب على الأرض ، يوم جعل كل فرد نموذجا للإسلام يراه الناس فيرون الإسلام . ) ( دراسات إسلامية ص 26 ) ويسترسل السيد قطب في توضيح الفكرة فيقول: ( … ولقد انتصر محمد بن عبد الله يوم صاغ من فكرة الإسلام شخوصا ، وحول إيمانهم بالإسلام عملا وطبع من المصحف عشرات من النسخ ثم مئات وألوفا ، ولكنه لم يطبعها بالمداد على صحائف الورق ، إنما طبعها بالنور على صحائف من القلوب وأطلقها تعامل الناس وتأخذ منهم وتعطي وتقول بالفعل والعمل ما هو الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله من عند الله ) ( المرجع السابق ص 26 ) . ويقول الداعية الشيخ عايض القرني : ( تتوافد قبائل العرب لتنظر إلى هذا العظيم وهو في مكة لباسه عادي لا يساوي ثلاثة دنانير ، خبزه الشعير ، ينام ، في بيت متواضع ، يقف مع العجوز الساعات الطوال ، يحمل الأطفال ، يحلب الشاة ، لا يجد كسرة الخبز ، ومع ذلك تتساقط تحته عروش الظالمين ، كسرى وقيصر ، لماذا ؟ لأنه كسر بسيفه العدل ظهور الأكاسرة ، وقصر برماح التضحية آمال القياصرة )  ( مقال للشيخ عائض القرني  تحت عنوان  » أيها الدعاة .. اتركوا الفنادق وانزلوا إلى الفنادق  » نشر بموقع  صيد الفوائد بتاريخ 1552015  )                  

أيها الفقهاء تحرروا من عشق الدنيا وملذاتها ، ومن الجلباب الأبيض الأنيق واللباس الفاخر والحذاء اللامع ، ومن حب الحياة وطيباتها ، والموائد وما عليها من أصناف وأنواع الطعام والشراب وكل ما لذ وطاب ، ومن تزيين الولائم والمؤتمرات بالخطب الرنانة والكلمات المؤثرة ، ومن التملق والتقرب لأصحاب السلطة والجاه والمال واحذروا الفتاوى التبريرية ، التي تريدون بها وجه السلطان ، وتزيدون بها في طغيان السلطان … واجعلوا هدفكم ونبل غايتكم ومرماكم، هداية الناس وخدمتهم وإصلاح المجتمع ، وإقامة شرع الله وعدله على أرض الله . تخلصوا من كراهية الموت والخوف، والضعف، والهوان، ومن توجس غضبة السلطان الجائر، وما يحتمل من العقاب . والتكن الشهادة مطلبكم وأعز أمنيتكم ، والموت في سبيل الله مرضاتكم ، كما اليقين في الله أنه الرازق الضار النافع . وعلموا أن رسولكم أرجع الأمر كله من رزق وضرر ونفع وقوة وضعف لله …  يوم قال لأبي عباس رضي الله عنه : { يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك  ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف } ( رواه الترمذي ، وأحمد وصححه الألباني )  . وعند ذلك فقط يبدل الله سبحانه وتعالى خوفكم وذعركم أمنا وذلكم عزا  وتواضعكم رفعة وسموا وضعفكم قوة .                                                

أيها الدعاة يبشركم رسولكم بالجنة إن أنتم أفشيتم السلام وأطعمتم الطعام وصليتم والناس نيام فقال : { يا أيها الناس : أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام } ( رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي ) . وهذا ما يؤكده القرآن الكريم  [ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ] سورة الإنسان آية 8 ـ 9 ) . فإطعام الطعام للضعفاء المحتاجين ، مع شدة حبه والحاجة إليه ، هي قمة الإيثار والرحمة ، وإخلاص العمل لله وحده ، طمعا فيما عنده ، لا فيما عند الناس من جزاء وشكر .

أيها الفقهاء حفزوا الناس على البذل والعطاء ، وحببوا لهم النفقة في سبيل الله ، والرحمة بالفقراء وذوي الحاجة من الضعفاء ، فهذا العمل هو أولى الخطوات على طريق الهداية واقتحام العقبة ، ثم النجاة . يقول سبحانه وتعالى : [ فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة  ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحلة ] ( سورة البلد آية  من 11 إلى 17) . فليس من آمن وأعطى ماله ونفسه وصدق والتقى ، كمن كذب وبخل بماله ونفسه واستغنى عن الله وهدايته ، فالأول يستحق عون الله وتوفيقه وتسهيل وتيسير أمره ، وكل ما يقدم عليه من مهام خيرة وطاعات ، والثاني يستحق أن يعسر الله عليه كل أموره ، ويحرمه من التيسير ويجعل حياته مشقة وضنكا وحرجا . مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : [ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى ] ( سورة الليل من آية 5 إلى 11 ) .( يتبع ) بقلم عمر حيمري 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *