Home»Femme»السيدة فوزية: الأم التي حكمت عليها ابنتها بالإفراغ !

السيدة فوزية: الأم التي حكمت عليها ابنتها بالإفراغ !

0
Shares
PinterestGoogle+

الأم، مخلوق مرهف الإحساس، وينبوع الحنان الدافق باستمرار. هي التي حملتك في بطنها تسعة أشهر بدون تذمر، وأخرجتك إلى النور تحت لهيب سياط الألم. سهرت الليالي الطوال وتحملت قساوة الطقس البارد لتمنحك الحيوية والدفء. أرضعتك حليبا نقيا ليشتد عظمك. جاعت لتشبعك، وكافحت لتأمين راحتك. ذاقت الكثير من ألوان المهانة والقهر لتسعدك، وساهمت في تحويل آلامك إلى آمال مشرقة. فهي القلب النابض بالمحبة، وأبرز أشكال التضحية وأسمى معاني النبل والقيم الرفيعة. إنها المرأة التي غذت المجتمعات بكبار العظماء والعباقرة، وأسعدت الإنسانية بنبوغهم الفكري وأبحاثهم العلمية والتكنولوجية.
وإذا كان كبار الشعراء والأدباء في سائر العصور والأزمنة، قد نظموا أروع القصائد التي تغنى بها الكبار والصغار، واعترفوا بعجزهم الواضح عن إيفائها حقوقها كاملة مقارنة مع فضائلها عليهم، فقد خصها الإسلام بمكانة متميزة، لما لها من دور ريادي في حياة الشعوب والأمم، حيث تتالت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، تحث الأبناء على قيامهم بواجباتهم حيال الوالدين، والأم تحديدا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « قيل يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أباك ». وليس هناك من حق على الإنسان أعظم وأكبر بعد حق الله تعالى وحق رسوله الكريم، من حقوق الأبوين. حيث أوجبها سبحانه بأقوى صيغة:  » وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا » (الإسراء: 23).
والعبارة هنا جاءت أشد بلاغة وبصيغة القضاء، وهي أقوى تراكيب الأمر والإلزام. وإذا كان حكم القاضي ملزما ونافذا، فإن الله أحكم الحاكمين، بل أعدلهم وأقواهم. والأم تتقدم على الأب في مجال البر بالوالدين، وحظها من الحقوق أوفر على الابن/البنت، لأنها الأضعف والحامل والمرضعة والراعية، وقد أوصى بها القرآن الكريم لفضلها الكبير على أبنائها، كما ورد في الآية: 15 من سورة الأحقاف: « ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ».
فالحديث عن فضل الوالدين وتكريمهما ذو شجون، لاسيما إذا ما عدنا إلى ما يحمله كتاب الله وأقوال رسوله الكريم من أحكام ومواعظ، ولأن البر بالوالدين والأم بصفة خاصة من أسباب رضا الله عن عبده ودخوله الجنة، انتشر بين الناس قول منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم: « الجنة تحت أقدام الأمهات » بينما هو في واقع الأمر مجرد تخيلات، لما تشكله الأم من رمز للوقار والتقدير. بيد أنه في زمننا الأغبر، هناك فئة من منعدمي الضمير، يجعلون عرش الرحمان يهتز لتعنيف الوالدين، متجاهلين غضب الله الذي سيظل يلاحقهم في الحياة قبل الممات. ترى، كيف يعقل أن يتنكر ذو عقل سليم لأمه، متجاهلا ما قدمته من خدمات جليلة لا تقدر قيمتها بثمن، وتطاوعه نفسه الأمارة بالسوء، في التسلط عليها وقهرها وإذلالها تحت أي مسوغ كان، إما طمعا في ميراث، أو إرضاء لزوج »ة »… في وقت نهانا المولى عز وجل عن قول « أف » للوالدين، فما بالكم بغيرها من إهانات ومعاملات سيئة، وما صرنا نعيشه من مآس وأحداث غريبة تنفطر لرؤيتها القلوب، ويشيب لسماع رواياتها الولدان؟
ويأتي حديثنا في سياق ما يعرفه البرنامج الإذاعي المباشر « سمير الليل » من سخونة وتفاعل، يمتد بثه حاليا على مدى أربع ساعات، من الحادية عشرة ليلا إلى الثالثة صباحا. ويسهر على إعداده وتنشيطه بكفاءة واقتدار، الإعلامي الذائع الصيت السيد: مصطفى الهردة. وهو برنامج اجتماعي وتواصلي، يعتبر متنفسا أثيريا للبوح وطرح هموم المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية، ممن يعانون بصمت ويمرون بتجارب قاسية في حياتهم الخاصة، عاقدين الأمل على جمهور المستمعين، لمؤازرتهم في محنهم ومساعدتهم في إيجاد حلول لمشاكلهم عبر مداخلاتهم واقتراحاتهم.
وفي هذا الإطار، تندرج هذه القصة ذات البعد الإنساني العميق، والتي سأحاول عرضها بإيجاز تام. ذلك أنه من بين الأصوات التي استأثرت برأي أصدقاء البرنامج ومتتبعيه الأوفياء، صوت امرأة تدعى « للا فوزية » تبلغ من العمر حوالي ستين سنة، لم تكن تستطيع الاسترسال في الحديث أثناء بوحها دون بكاء، لشدة ما تستشعره من مرارة وظلم إحدى فلذات كبدها، التي ضحت من أجلها بالنفس والنفيس من غير أن تعلم أنه سيأتي يوم تتحول فيه إلى وحش كاسر، وينقض عليها بلا أدنى رأفة. فما الذي حدث لتلقى ذلك التعاطف الكبير وتلك الأمواج الهادرة من السخط والتنديد بما تعرضت إليه من غدر؟
تحكي هذه الأم المكلومة بحرقة، كيف أن زوجها ارتأى اللجوء إلى الطلاق والتخلي عنها والأبناء الستة، بعدما لم يعد قادرا على مواجهة أعباء الحياة والتخلص من آفة الإدمان على الخمر، لتجد نفسها مضطرة إلى التشمير عن ساعديها والخروج للعمل، قصد إطعام الأفواه الجائعة إلى أن يأتي الله بالفرج. وكانت الابنة الكبرى المسماة « ز »، تبلغ من العمر آنذاك حوالي عشرين سنة، وهي اليوم تتجاوز الأربعين عاما، أم لطفلين وبطلة قصتنا المأساوية.
فتاة الأمس، وبدعم والدتها الدائم استطاعت الهجرة إلى سويسرا، وهناك شاء القدر أن تتزوج شرعيا بأحد أبناء تلك الدولة. وبعد أن فتح الله عليها أبواب الرزق، أقامت مشروعا بالمغرب في مدينة مراكش، وكلفت والدتها بالتفرغ لتسييره والقدوم من حين لآخر لرعاية طفليها مقابل أجر مادي، مادام أن باقي الأبناء تزوجوا وأصبحت حرة. وهكذا صارت الأم « للا فوزية » تعيش بين المغرب وسويسرا. ولما توفر لها قدر مالي في حدود 260.000 درهم وأرادت الاستفادة من سكن اقتصادي، سارعت ابنتها إلى تسلم المبلغ منها على أساس الاحتفاظ لها به، وقامت باقتناء شقة بشارع 2 مارس في مدينة الدار البيضاء، وطمأنتها بأن البيت بمثابة ملكها الخاص، ولن يكون بإمكان أي أحد إخراجها منه مهما حدث.
وبما أن إحدى بناتها طلقت ولها طفلان، فقد جاءت للاستقرار إلى جوارها دون أدنى اعتراض من أحد. لكن ما عجل بقلب صاحبة الشقة الطاولة على أمها وإنكار الأمانة (المبلغ المالي المتبقي بحوزتها)، هو أنها رفضت تدخلها في حياتها الشخصية. حيث أن الأم لم ترد وقوع ابنتها ضحية لأحد بني جلدتها، الذي لعب برأسها وجعلها تصحبه معها إلى سويسرا والإقدام على خيانة زوجها وإهمال طفليها. وبعدما حاولت التصدي لتلك العلاقة غير الشرعية وإنقاذ ابنتها من الضياع، فإذا بها تتعرض للاتهام بإعداد مسكنها للدعارة، ثم تلته دعوى قضائية بالإفراغ. وبالفعل حكمت المحكمة لفائدة البنت العاقة، التي ركبت رأسها وضربت بكل القيم الإنسانية عرض الحائط.
وفي انتظار عدالة السماء، فإن الأمل معقود على ذوي القلوب الرحيمة، لنصرة « للا فوزية » وتخليصها من شبح التشرد قبل تنفيذ الحكم يوم 27 ماي 2015.
اسماعيل الحلوتي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *