Home»Correspondants»الإبداع في العالم الافتراضي

الإبداع في العالم الافتراضي

0
Shares
PinterestGoogle+

الإبداع في العالم الافتراضي

 

يتيح عالم الويب الافتراضي للناس حرية لا يتيحها العالم الواقعي، وغني عن البيان أن الإبداع لا يزدهر إلا إذا اتسعت مساحة الحرية التي يشعر بها المبدع.

إن العالم الافتراضي، يحول الذوات المشخصة إلى ذوات رمزية، إن صحت العبارة، فتتخلص من ثقل الجسد، وإكراهات الواقع الاجتماعي الذي يفرض على الذات ضغوطا مختلفة، تجعله يشذب شخصيتها بما يتيح لها الانسياب المرن في البيئة الاجتماعية؛ إن الذات تتنازل عن ذاتها، وتخسر شيئا كبيرا من خصائصها، لأنها لا تعيش وحدها.. إن عيوننا مفتوحة دائما على مواقف الآخرين وسلوكاتهم، فنحن لا نتصرف بالحرية التي نريد، وإن كنا مقتنعين تمام الاقتناع أننا لا نصدر في مسالكنا وتصرفاتنا عن غير قناعاتنا الخاصة؛ إن المجتمع كان حاضرا في كل مراحل حياتنا، وكان في كل لحظة يمد إلى أعماقنا يدا سحرية خفية فيصوغ شخصياتنا، وتصوراتنا، ومواقفنا، وميولنا.

إن القناعة التي نشعر أننا نملكها، وأنها توجه مسلكنا، هي نفسها صياغة المجتمع، فنحن لم نعش لحظة واحدة حياة الغاب التي تعزلنا عن الناس، وتتيح لنا الفرصة لأن نبني هوياتنا وقناعاتنا الخاصة .. إننا بكلمة واحدة لسنا أحرارا، ولم نكن كذلك في يوم من الأيام.

ولا شك أن الفرد في سعيه إلى توسيع مساحة الحرية، قد ينجح في خلق شيء يسير من الاختلاف، عن المحيط الذي يوجد فيه، لكنه اختلاف كاختلاف أشكال الناس الخارجية، اختلاف لا ينهض بمنح الذات جوهرها ووجودها المستقل. ولذلك نظل نسخة من شخصية المجتمع الذي قدر لنا أن نزرع في رحمه.

بيد أن عالم الإنترنيت استطاع أن يوسع مساحة الحرية بشكل لافت، فهو يتيح لنا أولا أن نخرج من مجتمعنا لنعيش في بيئات أخرى، ونلاقي شخصيات مختلفة عنا، فنبدأ في التكيف مع الواقع الجديد، ونشرع من حيث ندري أو لا ندري بتشذيب ذواتنا، وتعديل سلوكنا ليتوافق مع المحيط الجديد المتسم بشدة الانفتاح، وشدة التمايز.

ثم إنه يتيح لنا ثانيا أن ننسى ولو إلى حين واقعنا الحقيقي ، ونتصرف على راحتنا (طبيعتنا ) ، فلا أحد ممن نتعامل معهم يعرفنا، لأننا بالنسبة لهؤلاء جميعا محض أرقام، بل شخصيات رقمية، تختفي فيها حتى تلك الخصائص الطبيعية، فلا نستطيع أن نهتدي إلى حقيقة من نخاطب : أذكر هو أم أنثى، شاب أم كهل، سوي أم شاذ، أبيض أم أسود، عربي أم أعجمي، مسلم أم يهودي أم ملحد … لا نعرف شيئا من كل هذه المحددات الطبيعية أو الثقافية. إننا نعرف الصورة التي يريد صاحبها أن يسوق لها ـ ولسنا نملك غير ذلك ـ ونرسم لها في أذهاننا وجودا متخيلا قد يكون بينه وبين الحقيقة مسافة تعد بالسنوات الضوئية.

إن هذا الوجود الرمزي المتخيل بقدر ما ينأى بأحكامنا عن ساحة الحقيقة، يقربنا من إدراك حقيقة ذواتنا .. إن تلك الشخصية التي نرسمها للناس، أو يرسمونها لنا، في العالم الرقمي، هي ذواتنا التي نصبو إلى أن نجسدها على أرض الواقع، فيمنعنا الواقع من ذلك. إنها تلك الذوات التي استطاعت أن تمتح وأن تتنفس أكبر قدر ممكن من هواء الحرية.

لذلك لا يكون مستغربا أن تجد في إنتاجات الناس بعالم الافتراض، إبداعات نجحت في أن تخطو خطوات واسعة جدا في اتجاه تطوير  الكتابة الإبداعية، وإن كان من الصعب جدا تمييزها وسط ذلك الحشد الهائل من الكتابات التي تطفل أصحابها على عالم الكتابة في غيبة النقد، واستسهلوا عملية الإنتاج الفني، كأنه أمر يقع في قدرة الناس جميعا، حتى أولئك الذين لم يسبق لهم أن قرأوا رواية أو قصة أو قصيدة ، والذين لم يرتفع طموحهم يوما لأن يقرأوا دراسة نقدية تهديهم في مجاهيل الكتابة، وتلقنهم أساسياتها وتقنياتها.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *