Home»Jeunes talents»لبنتان للبناء

لبنتان للبناء

0
Shares
PinterestGoogle+

البيوت.. جدران محيطة وارض مبسوطة وأسقف مرفوعة…أبواب تولج ونوافذ توصد..وزركشة وهندسة تريح أو تقلق الخواطر ..

يروح رب البيت يصنع له صورا شتى في خياله ليعيد هدمه مرات ومرات قبل أن يستقر على شكل قد يكون مخالفا لكل خيالاته..بعد شراءه الأرض يودع سره لمهندس يشرع في تطبيق نظرياته ويحضر عمالا يستعرضون قوتهم وإبداعاتهم..ويبدأ أول أسرار البيوت في التشكل..الغش  أو الإتقان في البناء لينتهي بالبيت بالتهاوي أو التباهي..منذ بداية تشكله وأحلام أفراد البيت تتشكل معها مدا وجزرا ..فهاته الزوجة تفرح لمملكتها المطبخية وكيف سترتب الأواني فيها ..والأبناء يحلمون بزاويتهم المليئة بالأسرار البريئة ..والأب وطموحه في إنجاح مشروعه قد يدفعه للتفكير في بيعه كي يسدد ما يثقل كاهله من تبعات الديون ..

البيت الذي أطلق عليه قبر الدنيا تعج به الحياة من كلمات وصرخات وضحكات ونصائح وذكر وصلاة ووو…فكيف يكون قبرا..ينتهي البناء ويبدأ الترتيب للأثاث حسب نزوات وأهواء وفلسفة أفراده..

بيت سيده مؤمن بما وهبه الله من نعمه راح يصلي ويشكر الله على نعمه الزائلة..تفوح بجنبات بيته رائحة زكية ..وتلتصق بجدرانه نسائم عطرة من توجهات لله الواحد طول اليوم بالدعاء والشكر والتأمل في ملكوت الديان..فتهدأ الأعصاب وترتاح الأجساد وتصفو الأذهان ..وتغمر الجميع طمأنينة العيش بما قسمه الله لهم غير مبالين بما يزخر به شتى البيوت من بذخ و كماليات .. ويظل الأب يفرغ عصاراته الفكرية والأخلاقية والإنسانية وتجاربه الحياتية ..في عقول صغيريه ويحشدهم ويرويهم بأنبل ما أخذه من أبويه ومجتمعه وكتبه ومجاله البيئي..حين تكون أمهم الكريمة تطعمهم وترويهم وتسعدهم وتشفق وتحنو وترق وتصفو ناقلة لهم عصارة قلب حنون أخذته هي الأخرى من عالمها وجذورها الأصيلة..وراحت الصغار تتشكل وفق ما يتوق إليه الوالدين وما يريده الله تعالى ..

قبالة هذا البيت بيت اتسم أهله بالصراخ والعويل ..ينبئك منظره بفوضى عارمة داخله..أب سكير ..قد يزيد القمار على بليته.. يدخل بصراخ يزلزل أركان فؤاد أهله..يصفع الأم والابن والفتاة..يسب ..يشتم..يلعن الدين والملة..ينفث سموما كلامية وحركات إرهابية بين أضلع رقيقة حانية طالما تأخذ شكل مشكلها..أم يائسة من صلاح من ظنت في يوم أنه الفارس والقائد المجاهد والربان العازم على إيصال السفينة إلى بر الأمان ..أم.. لم يعد همها سوى أمن وأمان وسلامة الصغار رافعة أكفها حينا إلى الباري أن يهديه ويعيده إلى حمى الصواب وأحيانا تروح تسب وتشتم وتعتصر القلب غلا أن يجعل الله بينها وبينه فراقا كفراق سيدنا الخضرمع سيدنا موسى عليهما السلام..ووسط المد والجزر والإقبال والإدبار..عقول صغار تخزن مئونتها الكافية لنفث سم قاتل لمن حواليها..انتقاما من وسط لا قدر لهم فيه..

يلتقي فريقي البيتين وراء جدران بيوتهما ..كل شاحن بطارية عقله وقلبه وعاطفته بما زخر به وسطه الضام لهم طوال ردح من الزمان ..وينفث اللسان ما شاء له أن ينفث..وتبذر البذور لتتشكل أشجار وفق أصولها..ويروح استعراض عضلات الفكر والقلب وما تفرزهما ليهدينا مجتمعا ممسوخا ممزوجا بسموم ..ملونا بألوان الطيف نروح وقت صفاء الذهن نتساءل ونستنكر ونبحث عن علاج ناسين أنه كان بين أيدينا في الزمن الماضي ..وأن طينته من طينتنا ..وعسله من عسلنا أو علقمه من علقمنا..لماذا نتمرغ في الوحل ونشتكي التراب ..ولماذا نلقي بالقمامة ونشتكي الذباب ..ونبني المصانع ونشتكي التلوث..ونزرع الحشيش ونشتكي الإدمان..ونصنع السلاح ونشتكي الحرب..

هذا نسيج مجتمعنا خيوطه أفكار آباء وآراءهم  بثت في رؤوس أبناء ..كأحجار وضعت في أسس بيوت ..يتوقف صلابة بنائها على نوعها والتي توارت بالاسمنت لا يعلم كنهها إلا بانيها..نراها من خارجها فتبهرنا زخرفتها وألوانها وشكلها لكن ما يقيمها يحدد دوامها أو دمارها…فكذا الإنسان..كما يقول المثل المصري– من برا الله الله  ومن جوا يعلم الله –ما إن تنبس شفتاه بكلمة حتى تطفو عناصر تكوينه إلى السطح لتكرمه وتشرفه ..أو لتذله وتهينه..

و عجبي لمن يتبجح بأفكاره ويفرض علينا أساليبه الدخيلة أو المستوردة ويستبيح بذلك الأعراض والدماء والمال..

إن ما نسمعه في المواجهة الكلامية أو العضلية بين إنسانين يندى له الجبين بما تسمعه آذاننا بما تزخر به أدمغتهما من تشكيلة عجيبة من أفحش المفردات حاشى أن تكون حال حيوانين وقت خصامهما حيث لا يتواجهان إلا لعظيم..

ولولا أن الله أمر بالصبر ومجد صاحبه لعرفنا حربا ضروسا يطلق عليها حرب أفكار..ولكن البقاء للأصلح والأنفع والأجدى..ونكف عن خوض هاته الحرب طلبا لما عند الله ..

ولعل خير ما يساعدني على إيصال فكرتي وخلاصة ما نوده جميعا هو ما جاء في قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)..

وهو الشيء الذي اقتنع به كثير من العلماء حيث  قال الفيلسوف الالماني*ألبرت شويتزر*..(إن أعظم اكتشاف لهذا الجيل هو أن الجنس البشري يمكنه تغيير حياته من خلال تغيير أفكاره).. وغيره كثير حتى استحدثوا علما أطلقوا عليه **البرمجة اللغوية العصبية**يساعدهم على هذا التغيير..وبهذا يتوقف نوع البناء حسب نوعية اللبنة المكونة ..الحجر للبيت..والفكرة للإنسان..لبنتان خطيرتان واجب الحذر في التعامل معهما…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *