Home»Islam»دلالة الزواج في الإسلام

دلالة الزواج في الإسلام

1
Shares
PinterestGoogle+

الزواج ظاهرة طبيعية بالنسبة لكل الكائنات الحية المتوالدة ، وهو سر وجود وبقاء وتكاثر هذه الكائنات . والزواج في الإسلام بالنسبة للكائن البشري يتعدى وظائف المحافظة على الوجود والبقاء وتحقيق التكاثر بمعنى يتعدى الوظيفة الطبيعية إلى وظيفة أهم وهي الوظيفة الدينية والتعبدية حيث تعبد الله تعالى الناس بالزواج تماما كما تعبدهم بباقي العبادات والمعاملات ، ذلك أن كل العبادات والمعاملات تقوم على أساس عبادة الزواج الضامنة للوجود البشري وبقائه واستمراره. ولم يستثن الله عز وجل أحدا من البشر من هذه العبادة بما في ذلك الرسل والأنبياء صلواته وسلامه عليهم أجمعين والذين كانت وظيفتهم هي هداية البشرية ، مع ذلك لم تمنعهم وظيفتهم الجسيمة من ممارسة عبادة الزواج التي كانت بالنسبة لهم دليلا قاطعا على طبيعتهم البشرية والتي تريد بعض العقائد الخاطئة المتطرفة نفيها عنهم كما هو حال العقائد التي تسلب بعض الرسل والأنبياء طبيعتهم الناسوتية وتضفي عليهم الطبيعة اللاهوتية التي لا يستقيم معها الزواج . فالزواج بالنسبة للبشر يدل على ندية لأن كلمة زوج تعني الند من ضمن ما تعنيه ، والندية في الطبيعة اللاهوتية لا تستقيم في حين هي ضرورية في الطبيعة الناسوتية .

ولقد خصص القرآن الكريم سورا وآيات معلومة للحديث عن عبادة الزواج منها سورة النساء ، وفي تسمية سورة من أعظم سور القرآن باسم النساء دليل على تكريم الإسلام للمرأة عكس ما يروج له مخالفوه ذلك أن الكتب السماوية السابقة لا توجد فيها نصوص تحمل اسم المرأة أو النساء كما هو الشأن بالنسبة للقرآن الكريم علما بأنه لا توجد سورة في القرآن الكريم تحمل اسم الرجال . ففي فاتحة هذه السورة يقول الله عز وجل : (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) فهذا النص القرآني الكريم يدل على أن الزواج عبادة وليس مجرد عادة ذلك أن الله عز وجل يخاطب مطلق الناس ويتعبدهم بالتقوى وهي حفظ عهوده وما تعبدهم به من عبادات ومعاملات لأنه خالقهم وموجدهم ، والخلق صفته سبحانه التي تفرد بها وهي عملية الإيجاد بقدر معلوم لحكمة، لهذا لا يصح أن تسند صفة الخلق للإنسان لأنه قد يخترع ويركب ويفعل أو يعمل أو ينجز لكن دون حكمة وإنما لغرض فلا يكون إنجازه خلقا وإنما فعلا أو عملا بدون حكمة توجهه

. فالله عز وجل خلق النفس الواحدة لحكمة ، ولو شاء أن يخلق كل الأنفس دفعة واحدة لفعل لأنه لا يعجزه شيء ولكن حكمته اقتضت أن يكون أولا خلق النفس الواحدة ثم اقتضت تلك الحكمة خلق الند أو الزوج لهذه النفس من نفس الطبيعة ، ثم اقتضت تلك الحكمة بث ونشر البشر ذكورا وإناثا من الزوجية أو الندية . وعملية البث أو النشر هذه رهينة بعبادة الزواج لهذا أمرالله تعالى الناس بطاعته وتقواه في كل العبادات والطاعات بما في ذلك عبادة وطاعة الزواج والدليل على ذلك أنه قرن سبجانه تقواه بتقوى الأرحام أو بالأحرى فصل المقصود بتقواه في هذا النص القرآني . وتقوى الأرحام هو حفظها ، وحفظها هو ممارسة عبادة الزواج على الوجه الذي أراده الله عز وجل مع التزام ما يترتب عن هذه العبادة من صلات تجمعها كلمة أرحام التي تفيد أول ما تفيده التراحم بين الأطراف المتعاقدة بواسطة عبادة الزواج ، وهو تراحم ذكره الله عز وجل في معرض امتنانه على خلقه بنعمه التي لا يحصيها عد في قوله تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )) فجعل الذكور أندادا للإناث عن طريقة علاقة الزواج نعمة امتنها الله على خلقه لما وراءها من مودة ورحمة ، وهي مودة ورحمة تنشأ بين الندين الذكر والأنثى أو الزوجين لتصير بعد ذلك شاملة لمن انتشر وانبث منهما من رجال ونساء في علاقات رحمية هي الأبوة والأمومة والبنوة والحفدية والعمومة الخؤولة وعلاقات المصاهرة وعلاقات الانتماء القبلي والانتماء الشعبي والأممي كما صورها القرآن الكريم في قوله تعالى : (( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا )) ، وفي قوله جل من قائل : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) . فالمودة والرحمة تبدأ بين زوجين لتصير بعد ذلك بين شعوب وقبائل.

وأهم وأخطر ما في النص القرآني الذي افتتحت به سورة النساء هو قوله تعالى : (( إن الله كان عليكم رقيبا )) فالرقيب هو العالم العارف القادر بعلمه ومعرفته على الحفاظ على ما يعلمه ويعرفه . فالله تعالى خلق الأزواج أو الأنداد وحدد لهم العلاقة في شكل عبادة لصيانتها من كل ابتذال ، وسمى عبادة الزواج الميثاق الغليظ ، وسر غلظة هذا الميثاق مشاركة الله عز وجل فيه كطرف ضامن. فكل ميثاق بين طرفين بشريين يكون عرضة للنقض ما لم يكن الضامن رقيبا عليهما وتكون له قدرة عليهما . فعلاقة الزواج أو الميثاق الغليظ لا يصير مجرد ميثاق بين الندين أو الزوجين بل يصير ميثاقا بين كل منهما من جهة وبين والله عز وجل من جهة ثانية ، لهذا يأمر الله تعالى بحفظ ميثاقه أو صيانة مشاركته في الميثاق الغليظ لأنه الضامن المتحمل لحقوق الطرفين المتعاقدين ، فمن أخل بالتزامات الميثاق الغليظ ألحق الضرر بالطرف الند ومن ثم يكون قد مس الطرف الضامن الذي هو الخالق سبحانه الذي لا يقوى أحد على المساس به والذي لا بد أن يتقى . وأول ما يراقبه الله عز وجل في عبادة الزواج صيانة الزوجين أو الندين للحقوق والواجبات التي تعبدهما الله بها ، وهي حقوق تترتب عن صيانتها المودة والرحمة . فكل علاقة زوجية مفتقرة إلى المودة والرحمة هي علاقة مخلة بالحقوق والواجبات الزوجية لأن الحكمة من خلق الزواج هي تحقيق المودة والرحمة عن طريق صيانة وحفظ الميثاق الغليظ بما يقتضيه من حقوق وواجبات . ولا يمكن اعتبار الميثاق الغليظ محفوظا ومصونا على الوجه الأكمل إلا إذا صاحبته صيانة باقي العلاقات المنبثقة عن علاقة الميثاق الغليظ سواء كانت علاقة مصاهرة أو أبوة أو أمومة أو بنوة أو حفدية أو عمومة أو خؤولة أو غيرها . فالمفرط والمضيع للمودة والرحمة في العلاقة الزوجية هو بالضرورة مضيع لهذه المودة والرحمة في باقي العلاقات المنبثقة عن العلاقة الزوجية . ولقد جعل الله تعالى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم إسوة المسلمين في كل أحوالهم و فيما يخص هذه العلاقة وما يترتب عنها من علاقات ذلك أنه أفضل وأحسن من تزوج وصان الميثاق الغليظ . ولقد سئل يوما عن المودة من خلال الاستفسار عن أحب الناس إليه فكان جوابه : إنها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أي الزوجة فسئل عن أحب الرجال إليه فقال : أبوها أي الصديق رضي الله عنه وهو الصهر. ومن خلال أجوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبين أن تحقيق المودة على مستوى العلاقة الزوجية يفضي بالضرورة إلى تحقيق هذه المودة على مستوى باقي العلاقة المترتبة عن علاقة الزواج .

ولا يمكن أن تنقطع أو تزول المودة في مستويات العلاقات الأخرى. ولهذا نجد المودة في الأرحام أو في القربى إنما مصدرها المودة في العلاقة الزوجية . وكل علاقة زوجية تبنى على أسس غير أسس المودة والرحمة يكون مصيرها الزوال ،لهذا أوصى الإسلام باعتماد معايير صحيحة في العلاقة الزوجية وهي معيار التدين الذي يحقق تقوى الله عز وجل . فالمرأة في الإسلام لا تنكح إلا استنادا إلى معيار التدين كما جاء في الأثر :  » تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك  » لقد أسقط الإسلام معايير المال والجمال والحسب لأنها معايير يعتريها التغيير والزوال ، فتزول العلاقات المعتمدة عليها بالضرورة لهذا أبقى الإسلام علاقة قوامها التدين الذي لا يعتريه زوال ، وفي ذلك حفظ للعلاقة الزوجية . ونفس الشيء يشترط في الزوج إذ جاء في الأثر :  » إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوا تكن فتنة وفساد في الأرض  » إنه نفس المعيار وهو معيار التدين الذي لا يعتريه الزوال كما يعتري باقي المعايير التي حذر الإسلام من اعتمادها في العلاقة الزوجية . واعتمادا على الواقع نجد أن كل علاقة زوجية أسست على أساس معايير الجمال والمال والحسب وكل نوع من أنواع المصالح الزائلة يكون مصيرها الزوال ولا تنتج عنها مودة ولا رحمة بل كل ما ينتج عنها هو التعلق بالزائل فإذا ما زال زال التعلق به وانهارت العلاقة الزوجية بزواله . وقد يخيل للبعض أنهم يمارسون المودة والرحمة من خلال علاقات غير علاقة الزوجية وهم في مودتهم كاذبون يكذبهم الواقع . فالمودة المكذوبة من خلال علاقة الزنا أو السفاح هي مودة لا تخرج عن علاقة تقوم على أساس معيار زائل ذلك أن الزاني أو الزانية لا يراعي كل منهما في الآخر سوى المتعة الغريزية الزائلة ، فبزوالها تتأثر العلاقة بينهما وتزول وتضمحل ، وقد تكون هذه المتعة مقترنة بمعايير أخرى زائلة كمعيار المال أو المصلحة فتنهار هذه العلاقة بانهيار المصالح .

وما يقال عن علاقة الزنا أو المخادنة يقال عن أنواع الأنكحة غير المؤبدة من قبيل ما يعرف بزواج المتعة عند طائفة الرافضة وهو عبارة عن علاقة معرضة للزوال بانتفاء شرط التأبيد فيها والذي تقف وراءه حكمة المودة والرحمة إذ لا يمكن أن تستمر هذه المودة والرحمة مع علاقة متعة زائلة لا تتميز عن متعة الزنا إلا بمحاولة الرافضة شرعنتها لتسويقها كبديل مقنع عن الخدانة .وخلاصة القول أن علاقة الزواج في الإسلام هي قبل كل شيء عبادة وطاعة تقوم على أساسها كل الطاعات من عبادات ومعاملات لهذا لا بد أن تفهم على هذا الأساس لا على أساس أنها مجرد عادة ، كما أنه لا بد أن تمارس كما أراد الخالق سبحانه وللحكمة التي أرادها لا كما يحلو للناس وفق عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم التي لا تقوم على أساس العبودية لله تعالى بل على أساس الخضوع للأهواء التي هي مصدر كل فساد في الحياة البشرية .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. زهير ابو بسملة
    05/08/2010 at 13:20

    اتمنى ان تكون الحلقة المقبلة او الموضوع المقبل للاستاد الشركي حول البيت المسلم السعيد او كيف نحقق البركة والسعادة في المؤسسة الزوجية لا سيما ان كثير من البيوت تفتح في هدا الصيف او يتكلم لنا الاستاد الشركي حول كيفية اتباع الهدي النبوي في المؤسسة الزوجية……….تحياتي للاستاد الشركي

  2. ملاحظ
    05/08/2010 at 13:20

    كل ماورد في المقال نتفق حوله ولكن ما يمارسه المسلمون شيئا آخر فالمجتمعات مليئة بالخدع والغدر والغش في الزواج

  3. عكاشة ابو حفصة
    05/08/2010 at 13:21

    الحمد لله الدي خلق لنا من انفسنا ازواجا لنسكن اليها وجعل بيننا مودة ورحمة.وقال اعز من فائل*- الطيبون للطيبات والخابثون للخابيثات*- صدق الله العظيم. والزواج ميثاق غليظ يجمع بين دكر وانثى تحت سقف واحد تريطهما العشرة الزوجية المبنية على المودة والرحمة كما يحث على دلك الدين الحنيف. وقد قيل بان زواج ليلة تدبيره عام.اما الرسول الكريم فقد حث على الظفر بدات الدين مع تحديد اربعة ركائز للزواج والركيزة الوحيدة هي الظفر بدات الدين .اما المراءة فمن جانبها التركيز على الدين والخلق.وعدم الاكراه على البغاء… ولابد عند الاقدام على هده الخطوة الاساسية من البحث والتقصي لان العرق دساس.مع الابتعاد كل البعد على خضراء الدمن وهدا ضارب جدوره في عمق التاريخ.ومن بين الاسئلة المصاحبة هي لمادا لم تعد المراءة صابرة محتسبة كما كانت من قبل؟ ولمادا كانت النسوة سايقا يستقرن مع اب وام الزوج في منزل واحد ولم تكن تشترط افرادها بالسكن بعيدا عن اهله ودويه كما اصبح يشترط حاليا؟ ولمادا اصبح الشباب يعزف عن الزواج واصبح ياخره الى ما بعد سن الاربعين؟ وهل ارتفاع ثمن العقار بشكله الصاروخي وعدم وجود سوق كرائية تاخد بعين الاعتبار دوي الدخل المحدود؟ .لا احد ينكر دور الزواج في الحياة الاجتماعية لكن كما يقال الله غالب خاصة ادا لدغ المرءفاصبح يخشى الضفيرة كما يقال.هدا ما يمكنني التعليق به على هدا الموضوع في انتظار الجديد والسلام عليكم ورحمة الله

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *