Home»Islam»من يصلح الملح إذا الملح فسد؟!

من يصلح الملح إذا الملح فسد؟!

1
Shares
PinterestGoogle+

علماء الشرع هم ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في الأمة، فهم مصابيح الدجى وأنوار الهدى؛ يهدي الله بهم الحيارى في ظلمات الهوى، ويبصر العمي في دياجير الانحراف، يأخذون بأيدي العامة إلى طريق الفلاح، ويأخذون على أيدي الطائشين منعا لهم من التمادي في سبل الانسلاخ.
العلماء الربانيون زكاهم الله في كتابه لأنهم يعلمون الناس صغار العلم قبل كباره، ويحرصون على هدايتهم إلى الحق ومروجه، ويحذرونهم من الباطل ودروجه، ولذلك رفعهم درجات بين الخلق: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم درجات}، وأشهدهم على وحدانيته وتفرده بالعبادة : {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألو العلم}، وهذه مكانة لم تنل بالتمني ولا بالتحلي ولكن بالعلم والعمل واليقين والطمع فيما عند رب العالمين.

لقد مضى زمن كان فيه للعلماء مكانة مرموقة؛ تسير الحياة بتوجيهاتهم الربانية النيرة، ويستشارون في كل قضية وملمة ولا يصدر الخاصة والعامة إلا عن رأيهم؛ إيمانا منهم بمنزلتهم في النظر إلى مآلات الأمور وعواقبها، لأنهم يرون بنور العلم والبصيرة لصفاء قلوبهم من كل دغل أو غل، أو تعلق بشيء سوى الله وما عند الله.
أعزوا أنفسهم بالصلاح والتواضع واليقين فأعزهم الله وأكرمهم وقذف هيبتهم في القلوب وتعظيمهم في النفوس بلا جفاء ولا تقديس، وما كان يجرؤ أحد على التطاول عليهم أو التنقيص منهم أو لمزهم بأي أنواع اللمز وإلا كان مصيره كمن ذهب بحتفه إلى ظلفه، ومن ينجيه من مخالب العامة والخاصة التي تضع العلماء على رؤوسها تقديرا لما خصهم الله به من ميراث النبوة، ناهيك عن سنة الله المعلومة فيمن تكلم فيهم ونهش أعراضهم وألصق بهم تهما ملغومة. يقول الإمام الثوري في حق الإمام مالك:

يأبي الجواب فلا يراجع هيبة *** والسائلون نواكس الأذقان
أ

دب الوقار وعز السلطان التقى *** فهو المهاب وليس ذا سلطان

لقد مضى هذا الزمن الذي عز فيه العلماء وصارت حياتهم ذكريات يرويها السلف للخلف، ويتأسف عليها كل أبي أنف، سيرهم تذكر عندما تضرب مثالا للأنفة والعزة، والكرامة وقول الحق، وصد الباطل وقيادة الأمة واحتلال الصدارة وهلم جرا..

وها هو الزمن قد دار دورته والوجه قد تغيرت صورته، وصار علماؤنا كأسد عجوز يلعب القردة على ظهره، أو مسن بلغ من الكبر عتيا يرميه الصبيان والسفهاء بالحجارة، ذهبت معهم كرامة العالم وشهامته، وتبدل هديه وسمته، وتغير موقفه ولان نطقه وخشعت صرامته وذلت شجاعته وهانت نفسه، واستُرذل رأيه وصارت الحياة بغير توجيهاتهم فأضحت بالشكل الذي ترى العين رسمه وتسمع الأذن خبره، تقضى الأمور دونهم ولا يستشارون حتى وإن هم شهود.

وبهذا تطفل الأراذل على دين الله وتكلم الرويبضة في شرعه بالتنقيص والتشويش والتشويه، ونطق السفهاء بما تخر له الأرض هدًّا، وادعوا لله كل نقيصة ولرسوله جمعوا كل لقيطة، وعاثوا في أحكام الله فسادا، وتحلل الناس من تعاليم الإسلام وانتشر الفسوق والفجور وظهرت الخيانة وتغيرت كثير من الأشياء ولم يعد يفرح بمكان ولا زمان حيث لا حسبة ولا نكران.
حدث هذا لما آنس هؤلاء من أنفسهم قوة وأنهم في منَعة وأمان، وبمنأى عمن يأخذ على أيديهم ويمنعهم مما هم فيه من عصيان، ويقف سدا منيعا في وجه سيل الطغيان.

لكن:
أين أوتاد الأرض وصمام الأمان؟
أين حماة الدين وحراس العقيدة؟!
لقد صاروا ضميرا غائبا في وعي الأمة مغيبون في واقع الغمة، استبدل بعضهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، رضوا بالمتاع الزائل فحال بينهم وبين قول الحق حائل، وتنافسوا على المناصب وتنمية الثروات فلم يقدروا على نقد الهفوات، واشتغلوا بالصفق في الأسواق ومعالجة الجنان فما استطاعوا أن يشيروا إلى باطل ببنان، والأخذ على أيد كل مفسد وفتان؛ فتكبلت ألسنتهم وثقلت، وغلفت قلوبهم وفزعت، وربما تكلموا بالباطل وجعلوا دين الله عرضة لسهام العُذل والمتربصين، فاقتبس من فتاواهم وأرائهم الشاذة كل مسلم مغشوش، وعدو للإسلام بالطعن في دين الله مهووس (فالنقاب عندهم عادة، وشرب الخمر حلال وجماع الدمى مباح..).
وربما حُكم عليهم بالسكوت فاستروحوا إليه واكتفوا بالنظر، حتى وإن تكلموا لم يعبأ بهم بشر، ولذلك لا تشرق شمس يوم حتى نصبح على كارثة أخلاقية أو عقدية أو فكرية تطبل لها الصحافة، ويضخمها الإعلام، حتى يخيل للسامع أن الأمر بالشكل الذي يقدم وأنه واقع معمَّم، فتنطبع عليها النفوس وترضى بها القلوب والعلماء هم أول الساكتين المتفرجين، لا يقدرون على موقف صارم ولا رأي حازم.

ونزل البلاء بعد أن كان يرفعه الله بهم عن أمة استحقت ذلك، ولكن لو أن أهل العلم صانوه صانهم، ولو عظموه في النفوس لعظما، فأين هم من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

« ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله، ولم يترك القرآن إلى غيره »

.
وقول الحسن رحمه الله:

« إن كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وزهده، وإن كان الرجل ليطلب الباب من أبواب العلم فيعمل به، فيكون خيرا له من الدنيا وما فيها، لو كانت له لجعلها في الآخرة »

.
وعن عمران المنقري قال: قلت للحسن يوما في شيء قاله: يا أبا سعيد، ليس هكذا يقول الفقهاء قال: فقال:

« ويحك أو رأيت أنت فقيها قط؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير في أمر دينه، المداوم على عبادة الله عز وجل »

[أخلاق العلماء للآجري].
نقول هذا ونحن نؤمن أنه لا زال لله من هو قائم له بالحجة إلى قيام الساعة ممن بهم تقف الأرض أن تميد بأهلها، غير أنهم في نقصان وإن الله يقبض العلم بقبض بعضهم في إثر بعض، وإنما قصدنا أن نُحمّل علماءنا الأفاضل مسؤوليتهم التي أناطهم الله بها.
وما قيل لا يرتفع، لأن الواقع دال بصدق على ذلك، ولو كانوا كما كانوا لما كان واقعنا كالذي هو كائن، ولما ضربت علينا الذلة والمسكنة وحاق بنا الهوان، وصرنا أمة نقتات من فتات الخوان.

فلتكونوا كما كنتم يا علمائنا فأنتم ملح البلد فمن يصلح الملح إذا الملح فسد؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *