Home»International»مفكرو الأمس اليساريون أصبحوا اليوم علماء إسلام والهدف واحد بين الأمس واليوم

مفكرو الأمس اليساريون أصبحوا اليوم علماء إسلام والهدف واحد بين الأمس واليوم

0
Shares
PinterestGoogle+

لما كان العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي مسرح صراع بين قوتين غربيتين شيوعية ورأسمالية تتصارعان من أجل توسيع مناطق النفوذ في ما يسمى العالم الثالث المتخلف تكنولوجيا واقتصاديا وعلميا وعسكريا ، كانت ظاهرة ما يعرف بالطابور الخامس موجودة هنا وهناك في البلاد المتخلفة تلعب دور الصراع بين الأيديولوجيتين الشيوعية والرأسمالية على رقع هذا العالم الثالث المتخلف . وكان شكل الطابور الخامس هو إما أن يدين النظام الحاكم في البلاد المتخلفة إلى هذا المعسكر أو ذاك ، مقابل أن يدين الطابور الخامس المضاد والمعارض له للمعسكر المعادي.

وهكذا كان الشكل السياسي الغالب على أنظمة دول العالم الثالث هو وجود نظام تابع لهذه القوة العظمى أو تلك ، وله معارضة تابعة للقوة العظمى النقيضة. ولما كانت البلاد العربية والإسلامية توجد ضمن ما يسمى العالم الثالث فقد قسمتها القوتان الرأسمالية والشيوعية إلى مناطق نفوذ بأنظمة موالية مقابل معارضة معادية. وكانت الحرب الباردة بين القوتين تتحول في العديد من دول العالم الثالث إلى حرب ساخنة وطاحنة يمولها المعسكران عسكريا ،وهي حرب بين الأنظمة الموالية لهذا المعسكر أو ذاك ، وبين المعارضة النقيضة . ولم تكن الحرب الساخنة بدون حرب إيديولوجية وإعلامية حيث كان راديو موسكو في الشرق يرد على راديو صوت أمريكا في الغرب ، وكانت الصحف الروسية تواجه صحف الولايات المتحدة وأوربا الغربية ، كما كانت الكتب الشيوعية تخوض حربا أيديولوجية ضد الكتب الرأسمالية .

ومقابل الحرب الأيديولوجية بين مفكري النظامين كانت تدور حروبا أيديولوجية بين مقلدي هؤلاء المفكرين في البلاد المتخلفة يجترون ما يروج في هذا المعسكر أو ذاك من أفكار ، ويضيفون إليها من عندهم ما يناسب بلدانهم وخصوصياتها دون أن يخرجوا عن الخط الذي كانت ترسمه أو تسطره هذه الأيديولوجيا أو تلك . وهكذا نشأ في عالمنا العربي والإسلامي نوع من مرتزقة الفكر إما الرأسمالي أو الشيوعي ، وظهرت فينا أحزاب سياسية تحاكي هذا التيار أو ذاك ولها وسائل إعلامها الناطقة باسمها ، وظهر فينا مبدعون وأدباء يمثلون هذا التيار أو ذلك . وانتقل الصراع إلى مؤسساتنا التربوية وجامعاتنا . وكانت البلاد العربية والإسلامية ذات الأنظمة الموالية للولايات المتحدة وأوربا الغربية تعرف ما يعرف بالمعارضة اليسارية يقودها مرتزقة الفكر الشيوعي من كتاب ومبدعين وصحفيين ومدرسين مقابل ما يعرف بالمعارضة الرجعية التي يقودها مرتزقة الفكر الرأسمالي الإمبريالي. ولما كانت غالبية البلاد العربية والإسلامية تدين بالدين الإسلامي حاول المعسكران الرأسمالي والشيوعي إقحام الدين الإسلامي في صراعهما الأيديولوجي ،واستغلاله ، وركوبه لهذا الغرض . وهكذا صار مرتزقة الفكر الشيوعي في البلاد العربية والإسلامية يشنون حربا على الدين الإسلامي ويعتبرونه رجعية بدعوى أنه يناصر الرأسمالية والإمبريالية خصوصا وأن الرأسمالية مع أنها علمانية ولائكية لم تكن تضايق ولا تمنع مظاهر التدين الكنسي الصليبي ،في حين كانت علمانية ولائكية الشيوعية لا تسمح بمظاهر التدين لهذا وجد مرتزقة الفكر الشيوعي ضالتهم في نعت الدين الإسلامي باعتباره دينا بأنه رجعية مساندة للرأسمالية . وكانت كتب هؤلاء المرتزقة تروج للفكر الإلحادي الذي يرفع شعار :  » لا إله والحياة مادة  » وكان كل إنتاج فكري شيوعي إلحادي سواء كان إبداعا أم غير إبداع يصب في هذا الاتجاه . وخلال هذه الفترة تم نقض كل الأطروحات الدينية الإسلامية ، ولم يقر مرتزقة الفكر الشيوعي بطبيعة القرآن الكريم كوحي ، ولا برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل اجتهدوا وبذلوا كل جهودهم لتسفيه فكرة الوحي والرسالة عن طريق تفسيرهم المادي للتاريخ ، وقد أضلوا خلقا كثيرا في بلاد العروبة والإسلام بمقولاتهم ، ولا زال الكثير من ضحايا هذا الفكر الارتزاقي الإلحادي على ضلالهم القديم إلى يومنا هذا .

وقد وجدوا في بعض الطوائف المحسوبة على الدين الإسلامي من طرقية وطوائف ضالة خير معين من أجل الترويج لفكرهم الإلحادي خصوصا عندما كانت هذه الطوائف الدينية الضالة ترتمي في أحضان الأنظمة الموالية للرأسمالية ، وتدعمها بتضليل سواد الناس وتذليلهم لهذه الأنظمة التي تذللهم بدورها للرأسمالية. وصار شباب الأمة ومثقفوهم ينفرون من مظاهر التدين المغشوش الموالي للإمبريالية والرأسمالية والرجعية ، ويجدون ضالتهم في الإلحاد الثائر التقدمي كما كان يوصف ،ويراهنون عليه كبديل حضاري للخروج من دائرة التخلف والتبعية للرأسمالية ، مصدقين الوعود الشيوعية ببناء العالم المثالي الذي تذوب فيه الطبقية. ومقابل الطوائف الدينية الضالة والمرتمية في أحضان الأنظمة التابعة للمعسكر الرأسمالي ، كان في البلاد العربية والإسلامية ذات الأنظمة الموالية للمعسكر الشيوعي نوع من المؤسسات الدينية الصورية التي تخدم هذه الأنظمة ، وتحاول تطويع الدين ليواكب الطرح الإلحادي الذي يستهويها . ومقابل الطوائف الدينية الضالة هنا وهناك في البلاد العربية والإسلامية التابعة لهذا المعسكر أو ذاك كانت هناك طوائف دينية معادية للمعسكرين معا ، وكانت مضطهدة في البلاد التابعة لهما معا ، وكانت تتهم هنا وهناك بأنها عميلة لهذا النظام أو لذاك وتابعة لهذا المعسكر أو ذاك نكاية فيها ، ومن أجل تبرير محاربتها. وبقدرة قادر تفكك المعسكر الشيوعي لأسباب لا داعي للخوض فيها الآن لأنها ليست موضوع هذا المقال ، وبقدرة نفس القادر تحول مرتزقة الفكر الشيوعي الإلحادي إلى مرتزقة للفكر الرأسمالي الليبرالي الإمبريالي ولكن بطريقة أخرى حيث نقضوا مقولاتهم في الدين الإسلامي السابقة يوم كانوا مرتزقة الفكر الإلحادي وصاروا يصفون أنفسهم بالمفكرين الإسلاميين الذي فهموا الدين الإسلامي الفهم الصحيح المخالف لفهم القدماء ، ومن يحذو حذوهم من المعاصرين. وهكذا طلعوا علينا بتفاسير وتأويلات ، وفهوم غريبة للتراث الديني الإسلامي لأن المعسكر الرأسمالي أرادهم مرتزقة لفكره بطريقة خبيثة لمواجهة ما يسميه المد الأصولي الإرهابي الذي حل محل خصم الأمس الشيوعي ،خصوصا وقد اتفق أن كانت نهاية المد الشيوعي على يد ما يسميه الغرب الأصولية الإسلامية التي انطلقت من أفغانستان والتي يراهن عليها اليوم الغرب تجنبا لنهاية مفجعة كنهاية المد الشيوعي . ولهذا أصبحنا نسمع بضرورة حرب حاسمة في أفغانستان تكون الرأسمالية وما يسمى العالم الحر هما الغالبين فيها كما كانت لهما الغلبة على الشيوعية . والغريب في أمر مرتزقة الفكر الشيوعي هو النعيق بالمقولات الغربية ضد الدين الإسلامي ، وضد المسلمين أو ما يسمونهم الإسلاميين كناية عن الطابع السياسي المعارض للسياسات الغربية في العالم العربي والإسلامي وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط . لقد صاروا من كانوا بالأمس يؤلفون الكتب في الفكر الإلحادي عبارة عن مفكرين إسلاميين بالنكهة الغربية .

وكما كانوا بالأمس يحاولون التشكيك في الوحي والرسالة ، صاروا اليوم يشككون في الفهم الصحيح لهذا الوحي ولهذه الرسالة عن طريق تقديم الفهم البديل الضال المضل . ولقد استغلوا ما يسمى حرية التعبير ، وهي مجرد حرية صورية وأحادية الجانب في البلاد العربية والإسلامية حيث لا يسمح بهذه الحرية إلا لمن يردد المقولات الغربية ، أما إذا كانت المقولات ضد الغرب وإيديولوجيته فهي في حكم التطرف والإرهاب الذي لا يجب أن لا يسمح له بالوجود أصلا. وهكذا يستغل مرتزقة الأمس الذين كانوا يروجون للفكر الإلحادي وسائل الإعلام التي توضع رهن إشارتهم من أجل الترويج لبضاعتهم التي تروم محاربة الفكر الإسلامي الأصيل والسليم والتشويش عليه بالبديل الضال المضل . ولقد استطاع هؤلاء في بعض البلاد العربية والإسلامية التي وصلت فيها أحزاب يسارية إلى سدة الحكم استغلال حتى وسائل الإعلام الرسمية من أجل الترويج للفكر المرتزق المسوق للأيديولوجيا الغربية نكاية فيما يسمونه أصولية وإرهابا وتطرفا. وهكذا ربحنا بين عشية وضحاها مفكرين وفلاسفة إسلاميين جدد ، وبطرق جديدة وأساليب غير معهودة وقد كانوا بالأمس القريب ينظرون وبحماس للفكر الإلحادي . لقد صارت لهم آراء في تنجيم القرآن وترتيبه ، وفي ناسخه ومنسوخه ، وفي علومه ، وشطبوا بجرة قلم كل ما خلفه المفسرون والعلماء والفلاسفة القدماء .

لقد كان على العالم أن ينتظر طويلا حتى يأتي هؤلاء النابتة بتعبير الجاحظ ليصححوا بأقلام حمراء ما خلفه السلف ، وتابعهم عليه الخلف ممن يعتبر في نظر مرتزقة الإلحاد بالأمس ومرتزقة الإمبريالية اليوم متخلفين عقليا لأنهم عارضوا الشيوعية والرأسمالية معا ورفعوا شعار الإسلام البديل الذي صار يهدد الحضارة الغربية النخرة التي أوشكت على التداعي بعدما استنفدت كل حيلها الباطلة التي أزهقها الحق بشهادة الواقع الذي لا ينكره إلا جاحد .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *