Home»International»‏رد العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة على ابن تيمية في قضية المجاز

‏رد العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة على ابن تيمية في قضية المجاز

2
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
من المعروف عن ابن تيمية أنه ينكر أن يكون الصحابة أو التابعون ومن تبعهم قد قالوا بالمجاز، أي يعتبر المجاز حادثا بعد انقضاء القرون الثلاثة الأولى، إذ يقول في كتاب الإيمان الكبير:  » تقسيم الألفاظ الدالة على معانيها إلى حقيقة ومجاز، وتقسيم دلالتها أو المعاني المدلول عليها، إن استعمل لفظ الحقيقة والمجاز في المدلول أو في الدلالة فإن هذا كله قد يقع في كلام المتأخرين، ولكن المشهور أن الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ، وبكل حال فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة، لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم، كمالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو، كالخليل وسيبويه وأبي عمرو ابن العلاء ونحوهم »
لقد تعددت ردود المفكر الإسلامي العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة على ابن تيمية في مسألة المجاز وقد تناثرت في بعض كتبه ومقالاته العلمية، ولكن كتابه « السلفية الجامعة » أخذ منها حصة الأسد لكون السياق والموضوع كان يتطلب التوسع بحيث اعتبر ابن تيمية عدم القول بالمجاز أحد الشروط الثلاثة التي لزم أن تتوفر في المنتمي لأهل السنة والجماعة، وهو أمر في غاية الخطورة، كما يرى العلامة أن الرد على بن تيمية في هذه المسألة استدعته مجموعة أمور أخرى منها انتماء موضوع المجاز إلى حقول معرفية متعددة منها الحقل اللغوي الدلالي، ثم الحقل البياني البلاغي، والحقل الأصولي والتفسيري والعقدي، ولهذا يرى العلامة أن دراسة المجاز يجب ألا تتم من زاوية واحدة دون غيرها.
ولكننا في هذا المقال نريد فقط أن نبرز للباحثين، ونلخص لهم كيف كان رد العلامة مصطفى بن حمزة على ابن تيمية في قوله بخلو القرون الثلاثة الأولى من القول بالمجاز.
وبما أن المنهج العلمي في البحث يقتضي إثبات ولو حالة واحدة كي تفند القول بالإطلاق، فإن العلامة بن حمزة لم يفعل ذلك فحسب، بل استخرج من أقوال ابن تيمية نفسه ما يفند ما ذهب إليه، حيث صرح هو نفسه بأن أحمد بن حنبل قد قال بالمجاز في كتابه الرد على الجهمية والمعطلة لما قال: » إنا ونحن ونحو ذلك في القرآن هذا من مجاز اللغة، يقول الرجل: إنا سنعطيك، إنا سنفعل، فذكر أن هذا مجاز ».(فتاوى ابن تيمية 7/89(
ليس هذا فحسب، بل ذكر ابن تيمية أن قول أحمد بالمجاز هو الذي حمل آخرين على القول بوجود المجاز في القرآن مثل أبو يعلى الفراء في كتابه العدة في أصول الفقه، والذي استعرض فيه أنواعا كثيرة من المجاز بالحذف والزيادة. وفي كتابه « معاني القرآن » تحدث عن المجاز العقلي إذ يعتبره مكونا من مكونات المجاز وهو يتمثل في إسناد الفعل وما في معناه إلى غير فاعله الحقيقي، وقد توقف الفراء عند هذا النوع من المجاز لدى تفسيره لقوله تعالى: « فما ربحت تجارتهم » فقال ربما قال القائل كيف تربح التجارة، وإنما يربح الرجل التاجر، وذلك من كلام العرب ربح بيعك وخسر بيعك فحسن القول بذلك، لأن الربح والخسران إنما يكونان في التجارة، فعلم معناه ومثله من كلام العرب هذا ليل نائم ومثله في كتاب الله: « فإذا عزم الأمر » وإنما العزيمة للرجال.
وإلى مثل ذلك ذهب ابن عقيل، وكذا فعل أبو الخطاب الكلوادي في كتابه التمهيد في أصول الفقه الذي يقول فيه:  » ذهب أكثر الناس إلى أن في اللغة مجازا »، وقد استعرض الكثير من أنواع المجاز سواء بالزيادة أو الحذف أو التقديم والتأخير.. يقول العلامة بن حمزة: « ومنه يعرف بأن القول بالمجاز لم يكن قولا اختص به أحمد بن أحمد، وإنما هو قول بعض الحنابلة أيضا.
وهكذا يثبت العلامة مصطفى بن حمزة أن نفي ابن تيمية للقول بالمجاز في القرون الثلاثة الأولى هو قول مجانب الصواب، ولكني به كأنه يخلق له بعض العذر أدبا مع عالم كبير مثل ابن تيمية، إذ ذهب يجيب عن سر عدم القول بالمجاز حيث أرجع الأمر إلى الخلط بين أن يكون المجاز موجودا باعتباره ظاهرة تعبيرية في العربية، مألوفة في الاستعمال، وبين أن يكون كلمة اصطلاحية محدثة غير متداولة بين علماء السلف. والفرق بين الوضعين، يقول: كبير لأن الظاهرة اللغوية قد تكون حاضرة في النص العربي إلا أن اكتشافها والتعبير عنها بألفاظ اصطلاحية قد يتأخر إلى زمن تطور الحياة العلمية.
‏ويعطي مثالا على ذلك إذ يقول: إن ظاهرة الإعراب والترابط الإعمالي في اللغة العربية كانت موجودة لكنها لم تبرز إلا حينما نشأ علم النحو، واتخذت تلك الظواهر أسماء اصطلاحية فعبر النحاة بالإسناد والعمدة والفضلة والعامل اللفظي والمعنوي وباقي المصطلحات النحوية الكثيرة.
كما ذهب إلى أن القدماء، وإن لم يصرحوا بكلمة المجاز بالذات فإنهم عبروا عنه بلفظ آخر مقارب، فتحدث سيبويه عما أسماه بالتوسع في الكلام، وأورد فيه ذات الأمثلة التي يسوقها البلاغيون ضمن شواهد المجاز.
‏ويثبت أن استعمال المجاز في القرآن الكريم يعتبر ظاهرة أقوى من أن تفوت العلماء المسلمين أو يقولوا بإنكار وجودها، وقد استوقفتهم وهم يقرؤون نصوصا من القرآن والسنة فرضت عليهم التوقف عندها، إذ يسوق أمثلة منها قوله تعالى الله تعالى: « نسوا الله فنسيهم »(التوبة 67) ويقول عز وجل: » وما كان ربك نسيا منسيا » (مريم 64) والآيتان بحسب الظاهر، يقول: متدافعتان إذا صح الأخذ بإحداهما امتنع الأخذ بأخرى، لأن المعنى الراجح من النسيان هو دلالته على آفة ذهنية تطرأ على الإنسان فتمحو المعلومات من ذهنه، وحين تطلق دلالة النسيان بهذا المعنى منسوبة إلى الله فإن ذلك لا يليق به سبحانه، لأن الوصف به وصف بالجهل، وإذا صرف النسيان إلى معنى آخر مرجوح وقليل التداول فإن ذلك يكون هو المعنى المجازي للكلمة.
‏ كما يسوق أمثلة من الحديث النبوي الشريف من مثل الحديث الذي أخرجه البخاري في الصحيح كتاب الأطعمة باب المؤمن يأكل في مِعى واحد. ومسلم في آداب الأطعمة ورواه أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عن الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معىً واحد. والمعنى المتبادر أن الكافر يزيد على المؤمن بستة أمعاء لأنه يأكل في سبعة بينما يأكل المؤمن من معى واحد.
‏ ويذكر العلامة بن حمزة أن ألفاظا كثيرة طرأت على الثقافة الإسلامية كما طرأت كلمة المجاز إذ نجد ألفاظا فقهية وأصولية وحديثية لم يستخدمها السابقون، وقد توالى إنتاج تلك المصطلحات تبعا لتقدم العلوم الشرعية إلى درجة أنه يصح أن يقال إن متقدمي الفقهاء لم يستعملوا مصطلحات مثل الجلسة أو الجزاء أو الجدك في التعبير الحبسي، وهذه كلمات امتلأت بها كتب الفقه المتأخر.
حفظ الله المفكر الإسلامي العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة وأدام وجوده بيننا كمنارة علم ينير طريقنا وطريق الباحثين من طلبة وأساتذة ومشايخ.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *