Home»International»السيد أردوغان وملحمة القربان

السيد أردوغان وملحمة القربان

3
Shares
PinterestGoogle+

السيد أردوغان وملحمة القربان

اطلعت  مؤخرا على  مقال  تحت عنوان ملحمة الثعلب يتحدث فيه صاحبه عن فطنة وذكاء السيد أردوغان وكيف تعامل مع قضية تصفية الصحفي السعودي المعارض ،وما هي الأوراق التي سيلعبها لربح الرهان لصالحه وما سيعود عليه وعلى بلده من انفراج اقتصادي وسياسي بعد الأزمة  الخانقة التي حلت به وبشعبه التركي  بسبب الحصار الاقتصادي من قبل بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة  الأمريكية بقيادة رئيسها ترامب

المقال رغم أهميته من حيث الشكل والمضمون إلا أنه يفتقر إلى الأسس المنهجية السليمة

التي تعتمد على الموضوعية في طرح القضية والدقة في تحليل و إثارة الحيثيات والظروف ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بقضية اغتيال الصحفي السعودي المعارض بتركيا ورئيسها السيد أردوغان  ،لأن ما خفي كان أعظم من أن تستوعبه أقلام المتتبعين لهذه الحادثة المؤلمة  وكل ما ورد في جل الصحف المكتوبة أو القنوات  العربية والعالمية  وما تخللها من تحليلات و استنباطات  ومناقشات في شأن هذه النازلة  تظل مجرد تخمينات وتأويلات تعتمد على عوامل ومصادر خارجية ذات أحكام انطباعية وتصورات هلامية تكاد تكون أقرب إلى ألأفلام الخيالية التي تثير الرعب في المتلقي  ومن هنا تميعت القضية بين مصيب ومجانب للحقيقة والواقع إلى أن يرفع عنها الستار من قبل الفاعلين الحقيقيين لهذه الجريمة

قضية الصحفي السعودي المعارض بدأت في الحقيقة يوم حط  الرئيسي الأمريكي ترامب الرحال بالمملكة  السعودية ليؤشر على صفقة القرن ويباركها ويبايع الوافد الجديد  على السلطة  لأن ما بعدها كشف بالملموس عن أمور غير طبيعية تطبخ على نار ملتهبة ومتسارعة في المملكة  تمخضت عن  حملة اعتقالات ومداهمات همت  أمراء وفقهاء وخطباء كانوا يتعايشون مع انتقال السلطة بين آل سعود  ثم انتهت لحد الآن  باغتيال الصحفي السعودي المعارض على الأراضي التركية ،بالقنصلية السعودية ذات الحصانة الدبلوماسية  كما هو متفق عليه دوليا ،والسؤال الذي قد يتبادر إلى أذهان كثير من المتتبعين لهذه القضية يمكن حصره فيما يلي

1- لماذا وقعت هذه الجريمة على الأراضي التركية  بالذات؟ مع العلم أن الصحفي المقتول كان  يتنقل قيد حياته بين أمريكا وأوروبا بكل حرية وأمان

2- ما هي نوايا القتلة وخلفياتهم حينما اختاروا المكان والزمان المناسبين للجريمة ؟

3-وهل القنصليات والسفارات أصبحت ملاذا للمجرمين بدعوى الحصانة الدبلوماسية ؟

4- كيف تسللوا إلى التراب التركي ؟وكيف خرجوا منه بهذه السلاسة بعدما انتهوا من  مهمتهم  الإجرامية  من  دون إثارة  أدنى فضول للاستخبارات التركية التي أصابها الصمم والعمى واليوم يطالب السيد الرئيس السعودية  بتسليمهم  لمحاكمتهم فوق التراب التركي ؟

 أي نفاق عالمي جديد هذا الذي انطلق من تركيا وحل بأمريكا التي رغم امتلاكها لشبكات ضخمة من خلال مخابراتها المركزية وأقمارها الاصطناعية التجسسية والتي لها القدرة الهائلة على امتلاك العناصر المادية والواضحة حول ضلوع الأطراف والفاعلين الحقيقيين في هذه الجريمة فإن الرئيس الأمريكي من خلال تذبذب مواقفه من هذه النازلة بدأ تتضح نواياه الخلفية والحقيقية و هو الذي يتعامل مع المحيط الدولي برؤية المقاول لعالم المال والأعمال

5- ما هو دور تركيا الخفي والمعلن في هذه النازلة ؟- وما هو الجزاء من وراء كل هذا ؟

6- ما هو موقف السيد الرئيس التركي من هذه الحادثة المؤسفة ؟ وهو الذي خطف الأضواء وآسر قلوب كثيرين  من المعجبين العرب فأصبح  ذكره يتردد على الألسن و تتحدث عنه الركبان ويضرب به المثل في الثبات على القضايا الجوهرية والمثل العليا في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقضايا حقوق الإنسان المحلية والعالمية .

علاقة السيد أردوغان بهذه الجريمة النكراء  تذكرني ليس بملحمة الثعلب كما ورد عند صاحبنا  وإنما بملحمة ايفيجينيا الذبيحة في إلياذة اوديسا هوميروس التي راحت ضحية تهور عابر قُدّْمت بسببه قربانا للآلهة  لكي ترفع عقابها عن الملك اليوناني وجيوشه وتسمح للرياح بالهبوب  لتتحرك السفن ويتحرك معها الاقتصاد، وقد أظهرت الأحداث المصاحبة لهذا الحادثة المؤسفة أن هناك شيئا ما يطبخ في السر بين تركيا والأطراف التي ساهمت بشكل أو بآخر في هذه العملية كالربط مثلا بين اختفاء الصحفي السعودي وصفقة إخلاء القس الأمريكي الذي كانت تحتجزه السلطات التركية ،ثم تلتها تصريحات مهادنة بين الموفد السعودي و المسؤولين الأتراك في أوج الأزمة التي تسببت في خلقها تباين المواقف السياسية في ما أصبح يعرف بأزمة الخليج والحرب الأهلية السورية توجت بتحد  صارخ  للسيادة التركية التي يعتبر أصحابها أن بلدهم يعد من الأماكن والملاجئ الآمنة  للمهددين في  حرياتهم وحياتهم، وجاء الخطاب المنتظر – وينزل المولود –نصف عورة—ونصف فم -على حد قول الشاعر رغم الضجة الإعلامية  التي سبقته و الدعاية التي ركزت على فضح كل شيء وطرح الأدلة دون تحفظ ودفعة واحدة .وبالفعل  فقد ألقى الرئيس التركي خطابه الموعود كما كان منتظرا ،سلط فيه بعض الضوء حول ملابسات قتل الصحفي السعودي المعارض والبعض الآخر ظل مغلفا ومعلبا داخل علب سوداء لا تحتاج سوى إلى قليل من الحدس ليفطن المتتبع خصوصا من العرب أن السيد أردوغان لم يكن همه الأكبر أن يحدث زلزالا للأسرة المالكة في السعودية ، فقد كان الخطاب عبارة عن رسائل وإشارات  مشفرة ، موجهة إلى من يهمهم الأمر ولم يأت بجديد رغم وعوده بكشف التفاصيل والحديث عنها ،فماذا جرى في الكواليس حتى يتغير مضمون الخطاب بقدرة قادر من التلويح بالفضح وكشف خيوط الجريمة وملابساتها والضالعين فيها إلى الاكتفاء بما هو معلوم ومشاع عند الخاصة والعامة ،فلاشك أن وراء الأكمة ما وراءها  مقابل وأد الحقيقة وعدم إفشاء الأسرار والجهر بها ،وفي الحقيقة من كان يحلم بمغامرة السيد الرئيس بتفجير القضية والدخول في صراع دبلوماسي بينه وبين من يهمهم الأمر فعليه أن يصحو من نومه ليواجه الحقيقة كما هي فمن خلال خرجات السيد اردوغان السياسية في كثير من مداخلاته الوطنية والدولية يتضح أنه لن يتخلى عن دهائه وحنكته السياسية ولهذا كله فإن الخطاب كان في مستوى التطلعات السياسية لتركيا الهادفة إلى الحفاظ على مصالحها العليا

 وهكذا هي السياسة ليس فيها غباء ولا ذكاء ولا دهاء ولا ملحمة فيها مصالح متبادلة بين الأطراف والفاعلين السياسيين ولو على حساب المبادئ والأخلاق والأعراف ،وليس لها أي علاقة بالعواطف الجياشة والشعارات الاستهلاكية الموجهة لعامة  الناس ،فالمسؤول السياسي  خصوصا على مستوى القمة تحكمه المصلحة و بها يحكم ويتصرف ،وما يشاع عن تصرفاته بين الناس لا  يهمه من قريب و لا من بعيد والسياسة كما هو معروف عنها ليس فيها عداء دائم ولا صداقة ثابتة فيها مصالح وكل ما يرد في الشعارات الاستهلاكية تؤجل إلى إشعار آخر قد يأتي وقد لا يأتي

فرغم بشاعة الفعل الإجرامي وحصانة للنفس وما تضمنه لها الشرائع السماوية من تبجيل وتقديس ومع التنديد الذي يجب على كل محب لحرية الشعوب جماعات كانوا أم فرادى ورغم كل الاحترام الذي أكنه لضحية الغدر فالأهمية –والله أعلم –والضجة التي صاحبت هذا الفعل الشنيع لا يرجع  لأهمية ووزن القتيل بقدر ما يعود لأهمية ووزن القاتل في سلم أولويات الابتزاز واكتساب أوراق الضغط والتوظيف السياسي للتكسّب من الجريمة وهذه حقيقة لا تبخس قيمة الزعيم ولا تزكيه فهو كجميع المسؤولين السياسيين الذين يسهرون على رفاهية شعوبهم ويحرصون على مصلحة أوطانهم الاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها من الأمور التي تؤلف وتوحد لحمة المجتمع تحت قيادة تراعي المصلحة العامة للوطن فحينما تقدم له هدية فوق طبق من ذهب ولو كانت على حساب جثث الغدر والخديعة فلا شك أنه سيبتهج لأن الهدية لا ترد ولا ترفض كما هو متعارف عليه اجتماعيا بل ويتلقفها بشغف وكيف لا و الكماشة الأمريكية كانت قد ضيقت عنه الخناق ولهذا فليس من البدع أن يقدم القربان لفك الحصار  كما قدمت إيفيجينيا من قبل لتحريك الرياح

وعلى كل حال يجب رفض وشجب هذه الجريمة البشعة كيفما كان مصدرها كما يجب إظهار الحقيقة كما هي دون مراباة أو محاباة أحد كيفما كان مركزه الاجتماعي لأن هذا الحدث المؤلم لا يخص الشخص  وحده بقدر ما تعني الإنسانية بكل تجلياتها كما لا تعد معزولة عن العالم الحر كما يدعي البعض من الإخوة السعوديين لذلك يجب على المسؤولين الأتراك وكذا الأحرار في هذا العالم التأكيد والإصرار على عدم غلق هذا الملف وطي صفحته بدعوى المحافظة على المصلحة العليا للبلاد و لنا كل الآمال في أحرار الشعب التركي وأحرار الشعب السعودي الصامت القابع تحت سلطة الترهيب والبلطجة  ولنا كذلك الأمل كل الأمل في أحرار الغرب حتى يتم رفع الغطاء عن هذه المصيبة لتنكشف الحقيقة ويطبق القانون على المجرمين الحقيقيين ولا يقتصر التحقيق على أكباش الفداء للتغطية على جريمة الدولة وقد عودنا تاريخ الاغتيالات السياسية للأسف أنها تأتي حقائقها وأحداثها مبتورة وناقصة و هذا راجع لكون ملفات الاغتيالات السياسية من أخطر الأسرار التي تحرص الدول على إبقائها طي الكتمان، حفاظا على المصالح السياسية الخاصة طبقا لحساباتها

 MOULIL BENYOUNES

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *