Home»International»قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 19 بقلم عمر حيمري

قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 19 بقلم عمر حيمري

0
Shares
PinterestGoogle+

لم يكن  لأبناء يعقوب  أما م المعجزات والدلائل القاطعة على خيانتهم وتآمرهم  على الأب والأخ بدا من الاعتراف بجرمهم فطلبوا على الفور الصفح والمغفرة  دون محاولة  البحث عن الأعذار  فقالوا  [ يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا  كنا خاطئين ] ( يوسف آية 97 ) وكعادة الأنبياء والرسل لم يتوانى  يعقوب عليه السلام بالاستجابة  للأبناء فوعدهم بالصفح عنهم  والاستغفار لهم ، فقال [ قال سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ] ( يوسف آية 98 ) .

إن  الذي أنا متأكد منه ، أن يعقوب عليه السلام  استغفر لأبنائه ، لأنه وعدهم بذلك  والأنبياء لا يخلفون وعدهم مطلقا  ولكن هل غفر الله لهم أم لا ؟  فذلك ليس من همي ، بل هو شأن إلاهي وأمر غيبي ، خاص بالله سبحانه وتعالى ، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم . المهم أن وصية يوسف عليه السلام نفذت  والرسالة وصلت ، وهاجر أهل يوسف  أجمعين هجرة جماعية من البادية إلى الحاضرة ، حيث  الملك والسلطان والحضارة والرخاء والأمن والاستقرار . من هنا نستنتج أن  الهجرة  ظاهرة إنسانية ، اجتماعية ، قد تكون فردية أو جماعية  وقد تكون داخل الوطن من بلدة لأخرى أو تكون  خارجية من وطن لآخر ، ولقد عرفها الإنسان  عبر التاريخ   ومارسها ، فهذا سيدنا  إبراهيم عليه السلام ، هاجر من بابل بالعراق ومنها إلى الشام وبلاد فلسطين ، التي سرعان ما تركها واتجه  إلى مصر ومنها مرة أخرى هاجر إلى الجزيرة العربية، حيث يرفع  وبنه القواعد من البيت الحرام  وهاجر سيدنا موسى عليه السلام وقومه إلى فلسطين  فارا بدينه ومن ظلم  فرعون وملئه ،  كما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم  من مكة إلى المدينة ومن قبل أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة  ، لأن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد .  نلاحظ أن الهجرة  هنا كانت لأسباب دينية واضطهاديه  ، وقد توجد لها أسباب أخرى تختلف باختلاف  الزمان والمكان وباختلاف الظروف السياسية والاقتصادية  والاجتماعية  .  فقد تكون مثلا لأسباب  اقتصادية ، كالبحث  عن المراعي الخصبة  ومصادر الماء أو بسبب القحط والمجاعة  أو بسبب طلب العمل والبحث عن الرزق … وقد تكون بسبب الحروب والظلم والقهر والاضطهاد والاعتداء  والعنصرية والطائفية وما ينتج عنها من صراع  وإبادة جماعية  ومن غياب للأمن  وللاستقرار . الأمر الذي يدفع الناس إلى الهجرة  باحثين عن الأمن  وحرية الرأي والتفكير والمعتقد الديني  وقد تكون كذلك  لطلب الرخاء  الاقتصادي  و تحقيق الكرامة وتحسين الوضعية  المهنية والمعيشية  والصحية  ولطلب العلم ، كما هو الأمر في عصرنا الحالي .

 استقبل يوسف عليه السلام الأهل المهاجرين إليه وقد كانت  في تقديري لأسباب اقتصادية وأمنية محضة وليست لأسباب دينية   [ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصرا إن شاء الله آمنين ] ( يوسف آية 99 ) . اجتمع  شمل الأسرة من جديد وضربوا صفحا عن الخلافات التي كانت بينهم وفرح   يوسف عليه السلام  بقدومهم وأكرمهم أيما إكرام  إذ رفع أبويه على العرش  ، وكذلك إخوته بطبيعة الحال   يقول بن كثير أجلسهم على سرير ، وهذا في تصوري إمعانا في التقدير والرفع من شأنهم والترحيب بهم [ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا قال يا أبت هذا تاويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي إ أخرجني من السجن وجاء بكم  من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ] ( يوسف آية 100 ) واعترافا ليوسف عليه السلام على  الصفح الجميل وتهنيئا له على تحقيق الله  لرؤياه سجدوا له سجدة شكر وتقدير لا سجدة عبادة  وتلك عادة درجوا عليها . انطلاقا من كل ما ذكرناه عن الهجرة يبدو لي  والله أعلم أمها  مشروعة ، بدليل أن جل الأنبياء هاجروا من أوطانهم ، كما أشرنا آنفا وبدليل  قوله تعالى  [ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يات بصيرا وآتوني باهلكم أجمعين ] ( يوسف آية 93 )  وقوله سبحانه وتعالى [ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ] ( النساء آية 97 ) فالهجرة  إذن  إن كانت  بهدف الفرار بالدين و طلب حرية  التعبد والمحافظة على المعتقد والخوف على المال والنفس والعرض  ، فهي  مشروعة وواجبة  ومن تركها وفرط في دينه وركن  وخضع وأطاع من يمنعه من ممارسة عبادة الله عبادة حرة  وتنازل عن  إيمانه  بحجة ضعفه وعدم قدرته على مواجهة الظالم المشرك  ، فهو آثم وعده الله  بجهنم وسوء المصير .  ونجد في نفس السورة  يؤكد القرآن الكريم على الهجرة في سبيل الله  ويرغب فيها ويحرض على مفارقة المشركين  فيقول [ ومن يهاجر في سبيل الله يجد مراغا كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ] ( النساء آية 100 ) . إن الذي يخرج من بيته مهاجرا بسبب الاضطهاد الديني وبسبب الظلم والتضييق في الرزق أو من أجل طلب العلم ثم يدركه الموت في البر أو البحر فهو شهيد ، وقع أجره على الله .

اما  الذين يهاجر إليهم ، فعليهم أن يستقبلوا المهاجرين ويساعدوهم  ويحسنوا إليهم ، فهذا النجاشي  ملك الحبشة  يستقبل من هاجر إليه من المسلمين ويمنعهم من عمرو بن العاص على الجاهلية ، الذي جاء النجاشي محملا بالهدايا  يطلب منه أن يسلمه المسلمين المهاجرين إلى الحبشة  لإرجاعهم  إلى مكة بلد الكفر آن ذاك ولكن النجاشي  رفض طلب عمرو بن العاصي  ورد إليه هداياه وأعلن حمايته  للمسلمين المهاجرين إليه ،الذين فاروا بدينهم  و من ظلم واضطهاد  كفار قريش .  والأنصار نموذج أخر ضحوا بكل نفيس من أجل من هاجر إليهم  وضربوا لنا مثالا  في التضحية  والإيثار  لم يعرفه التاريخ  من قبل ولا من بعد . والله يشهد لهم بذلك  وكفى بالله  شهيدا يقول سبحانه وتعالى [ والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ] ( سورة الحشر آية 9 )  .

بعد أن سجد الأبوان والإخوة ليوسف عليه السلام  وبعد أن تحققت الرؤيا أدرك يوسف عليه السلام بعقله الراجح وبما علمه الله ووهبه من معرفة ذوقية  مباشرة أن الدوام والبقاء لله  وأن الفناء سنة إلاهية وأن القوة والسلطان والجاه والغنى وكل النعم الدنيوية لا محالة زائلة طال الزمن أم قصر  ، وكما قال أبو البقاء الرندي في قصيدة  له يرثي فيه الأندلس بعد سقوطها ويبكيها :

                      لكل شيء إذا ما تم نقصان

                                           فلا يغر بطيب العيش إنسان

                   هي الأمور كما شاهدتها دول

                                        من سره زمن ساءته أزمان

                  وهذه الدار لا تبقي على أحد

                                       ولا يدم على حال لها شأن

أدرك يوسف عليه السلام  أن الله سبحانه وتعالى يرث الأرض ومن عليها [ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذوا الجلال والإكرام ] ( سورة الرحمن آية  26 / 27 ) [ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا ترجعون ]  (سورة مرية آية 40  ) . ولكن هنا ك العمل الصالح  ، الذي يرافق صاحبه إلى عالم  البقاء والحقيقة واليقين  المطلقة ، فبادر وسارع إلى طلبه  من مصدره الفعلي ، الذي هو الله سبحانه وتعالى ، فرفع يديه  في ذل وانكسار وخشوع   متذرعا  إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو وقت إذن ، في كامل عزه وجاهه وسلطانه وفي قمة فرحه وسعادته بتحقيق رؤياه  وترجمتها إلى واقع محسوس  وجمع شمل الأهل والأقارب وبسجود الأب والإخوة له  وبما حقق من إنجازات اقتصادية  جعلت الملك يستخلصه لنفسه  ويجعله من المقربين . فقال : [  رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ] ( يوسف آية 101 ) . دعا يوسف عليه السلام ربه  منيبا إليه  وهو في قمة تمتعه بما أنعم الله عليه من نعم على خلاف  ما يفعله كثير من الناس  و يتكر في كل الأزمنة  والأمكنة  ، فالإنسان  في غالب الحيان بمجرد ما يبدله الله الضر بالرحمة والشقاء بالهناء وشظف العيش  بالرخاء واضيق بالسعة …   ينسى  مطلقا الله  وينسى ما كان يدعو إليه  من قبل من شدة الفرح وقلة الإيمان  ، فينكر فضل الله عليه وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول  في سورة الزمر : [ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ] ( الزمر آية 8 ) و في نفس السورة وفي نفس المعنى جاء قوله تعالى [ فإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ] ( الزمر آية 49 )  وفي سورة يونس جاء نفس المعنى تقريبا  [ وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا او قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كان يدعنا إلى ضره مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ] ( يونس آية 12 ) .

 .  يتوعد الله هذ الصنف من الناس فيقول الله سبحانه وتعالى [ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع  بكفرك قليلا  إنك من أصحاب النار ] ( سورة  الزمر  آية 8 )  ولكن يوسف عليه السلام بحسن اختياره للدعاء  وللتوقيت الذي دعا فيه ،  يكون قد  أحسن شكر النعم ، التي أنعمها الله عليه  وسجل في نفس الوقت نجاحا لا مثيل له في الابتلاء والامتحان ، الذي امتحنه الله به ، لآنه لم يغتر لا بجاهه ولا بسلطته وقربه من الملك ولا بما أنعم الله عليه من  إشراف على خزائن الأرض  ولا بعلمه بتأويل الرؤيا  الذي آتاه الله …  فكل ذلك ما زاده إلا خشية  وخشوعا ومخافة من الله وتواضعا وطمعا في أن يلحقه الله بالصالحين كأعلى أمنية له  عليه السلام  .( يتبع )

لم يكن  لأبناء يعقوب  أما م المعجزات والدلائل القاطعة على خيانتهم وتآمرهم  على الأب والأخ بدا من الاعتراف بجرمهم فطلبوا على الفور الصفح والمغفرة  دون محاولة  البحث عن الأعذار  فقالوا  [ يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا  كنا خاطئين ] ( يوسف آية 97 ) وكعادة الأنبياء والرسل لم يتوانى  يعقوب عليه السلام بالاستجابة  للأبناء فوعدهم بالصفح عنهم  والاستغفار لهم ، فقال [ قال سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ] ( يوسف آية 98 ) .

إن  الذي أنا متأكد منه ، أن يعقوب عليه السلام  استغفر لأبنائه ، لأنه وعدهم بذلك  والأنبياء لا يخلفون وعدهم مطلقا  ولكن هل غفر الله لهم أم لا ؟  فذلك ليس من همي ، بل هو شأن إلاهي وأمر غيبي ، خاص بالله سبحانه وتعالى ، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم . المهم أن وصية يوسف عليه السلام نفذت  والرسالة وصلت ، وهاجر أهل يوسف  أجمعين هجرة جماعية من البادية إلى الحاضرة ، حيث  الملك والسلطان والحضارة والرخاء والأمن والاستقرار . من هنا نستنتج أن  الهجرة  ظاهرة إنسانية ، اجتماعية ، قد تكون فردية أو جماعية  وقد تكون داخل الوطن من بلدة لأخرى أو تكون  خارجية من وطن لآخر ، ولقد عرفها الإنسان  عبر التاريخ   ومارسها ، فهذا سيدنا  إبراهيم عليه السلام ، هاجر من بابل بالعراق ومنها إلى الشام وبلاد فلسطين ، التي سرعان ما تركها واتجه  إلى مصر ومنها مرة أخرى هاجر إلى الجزيرة العربية، حيث يرفع  وبنه القواعد من البيت الحرام  وهاجر سيدنا موسى عليه السلام وقومه إلى فلسطين  فارا بدينه ومن ظلم  فرعون وملئه ،  كما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم  من مكة إلى المدينة ومن قبل أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة  ، لأن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد .  نلاحظ أن الهجرة  هنا كانت لأسباب دينية واضطهاديه  ، وقد توجد لها أسباب أخرى تختلف باختلاف  الزمان والمكان وباختلاف الظروف السياسية والاقتصادية  والاجتماعية  .  فقد تكون مثلا لأسباب  اقتصادية ، كالبحث  عن المراعي الخصبة  ومصادر الماء أو بسبب القحط والمجاعة  أو بسبب طلب العمل والبحث عن الرزق … وقد تكون بسبب الحروب والظلم والقهر والاضطهاد والاعتداء  والعنصرية والطائفية وما ينتج عنها من صراع  وإبادة جماعية  ومن غياب للأمن  وللاستقرار . الأمر الذي يدفع الناس إلى الهجرة  باحثين عن الأمن  وحرية الرأي والتفكير والمعتقد الديني  وقد تكون كذلك  لطلب الرخاء  الاقتصادي  و تحقيق الكرامة وتحسين الوضعية  المهنية والمعيشية  والصحية  ولطلب العلم ، كما هو الأمر في عصرنا الحالي .

 استقبل يوسف عليه السلام الأهل المهاجرين إليه وقد كانت  في تقديري لأسباب اقتصادية وأمنية محضة وليست لأسباب دينية   [ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصرا إن شاء الله آمنين ] ( يوسف آية 99 ) . اجتمع  شمل الأسرة من جديد وضربوا صفحا عن الخلافات التي كانت بينهم وفرح   يوسف عليه السلام  بقدومهم وأكرمهم أيما إكرام  إذ رفع أبويه على العرش  ، وكذلك إخوته بطبيعة الحال   يقول بن كثير أجلسهم على سرير ، وهذا في تصوري إمعانا في التقدير والرفع من شأنهم والترحيب بهم [ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا قال يا أبت هذا تاويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي إ أخرجني من السجن وجاء بكم  من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ] ( يوسف آية 100 ) واعترافا ليوسف عليه السلام على  الصفح الجميل وتهنيئا له على تحقيق الله  لرؤياه سجدوا له سجدة شكر وتقدير لا سجدة عبادة  وتلك عادة درجوا عليها . انطلاقا من كل ما ذكرناه عن الهجرة يبدو لي  والله أعلم أمها  مشروعة ، بدليل أن جل الأنبياء هاجروا من أوطانهم ، كما أشرنا آنفا وبدليل  قوله تعالى  [ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يات بصيرا وآتوني باهلكم أجمعين ] ( يوسف آية 93 )  وقوله سبحانه وتعالى [ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ] ( النساء آية 97 ) فالهجرة  إذن  إن كانت  بهدف الفرار بالدين و طلب حرية  التعبد والمحافظة على المعتقد والخوف على المال والنفس والعرض  ، فهي  مشروعة وواجبة  ومن تركها وفرط في دينه وركن  وخضع وأطاع من يمنعه من ممارسة عبادة الله عبادة حرة  وتنازل عن  إيمانه  بحجة ضعفه وعدم قدرته على مواجهة الظالم المشرك  ، فهو آثم وعده الله  بجهنم وسوء المصير .  ونجد في نفس السورة  يؤكد القرآن الكريم على الهجرة في سبيل الله  ويرغب فيها ويحرض على مفارقة المشركين  فيقول [ ومن يهاجر في سبيل الله يجد مراغا كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ] ( النساء آية 100 ) . إن الذي يخرج من بيته مهاجرا بسبب الاضطهاد الديني وبسبب الظلم والتضييق في الرزق أو من أجل طلب العلم ثم يدركه الموت في البر أو البحر فهو شهيد ، وقع أجره على الله .

اما  الذين يهاجر إليهم ، فعليهم أن يستقبلوا المهاجرين ويساعدوهم  ويحسنوا إليهم ، فهذا النجاشي  ملك الحبشة  يستقبل من هاجر إليه من المسلمين ويمنعهم من عمرو بن العاص على الجاهلية ، الذي جاء النجاشي محملا بالهدايا  يطلب منه أن يسلمه المسلمين المهاجرين إلى الحبشة  لإرجاعهم  إلى مكة بلد الكفر آن ذاك ولكن النجاشي  رفض طلب عمرو بن العاصي  ورد إليه هداياه وأعلن حمايته  للمسلمين المهاجرين إليه ،الذين فاروا بدينهم  و من ظلم واضطهاد  كفار قريش .  والأنصار نموذج أخر ضحوا بكل نفيس من أجل من هاجر إليهم  وضربوا لنا مثالا  في التضحية  والإيثار  لم يعرفه التاريخ  من قبل ولا من بعد . والله يشهد لهم بذلك  وكفى بالله  شهيدا يقول سبحانه وتعالى [ والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ] ( سورة الحشر آية 9 )  .

بعد أن سجد الأبوان والإخوة ليوسف عليه السلام  وبعد أن تحققت الرؤيا أدرك يوسف عليه السلام بعقله الراجح وبما علمه الله ووهبه من معرفة ذوقية  مباشرة أن الدوام والبقاء لله  وأن الفناء سنة إلاهية وأن القوة والسلطان والجاه والغنى وكل النعم الدنيوية لا محالة زائلة طال الزمن أم قصر  ، وكما قال أبو البقاء الرندي في قصيدة  له يرثي فيه الأندلس بعد سقوطها ويبكيها :

                      لكل شيء إذا ما تم نقصان

                                           فلا يغر بطيب العيش إنسان

                   هي الأمور كما شاهدتها دول

                                        من سره زمن ساءته أزمان

                  وهذه الدار لا تبقي على أحد

                                       ولا يدم على حال لها شأن

أدرك يوسف عليه السلام  أن الله سبحانه وتعالى يرث الأرض ومن عليها [ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذوا الجلال والإكرام ] ( سورة الرحمن آية  26 / 27 ) [ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا ترجعون ]  (سورة مرية آية 40  ) . ولكن هنا ك العمل الصالح  ، الذي يرافق صاحبه إلى عالم  البقاء والحقيقة واليقين  المطلقة ، فبادر وسارع إلى طلبه  من مصدره الفعلي ، الذي هو الله سبحانه وتعالى ، فرفع يديه  في ذل وانكسار وخشوع   متذرعا  إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو وقت إذن ، في كامل عزه وجاهه وسلطانه وفي قمة فرحه وسعادته بتحقيق رؤياه  وترجمتها إلى واقع محسوس  وجمع شمل الأهل والأقارب وبسجود الأب والإخوة له  وبما حقق من إنجازات اقتصادية  جعلت الملك يستخلصه لنفسه  ويجعله من المقربين . فقال : [  رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ] ( يوسف آية 101 ) . دعا يوسف عليه السلام ربه  منيبا إليه  وهو في قمة تمتعه بما أنعم الله عليه من نعم على خلاف  ما يفعله كثير من الناس  و يتكر في كل الأزمنة  والأمكنة  ، فالإنسان  في غالب الحيان بمجرد ما يبدله الله الضر بالرحمة والشقاء بالهناء وشظف العيش  بالرخاء واضيق بالسعة …   ينسى  مطلقا الله  وينسى ما كان يدعو إليه  من قبل من شدة الفرح وقلة الإيمان  ، فينكر فضل الله عليه وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول  في سورة الزمر : [ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ] ( الزمر آية 8 ) و في نفس السورة وفي نفس المعنى جاء قوله تعالى [ فإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ] ( الزمر آية 49 )  وفي سورة يونس جاء نفس المعنى تقريبا  [ وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا او قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كان يدعنا إلى ضره مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ] ( يونس آية 12 ) .

 .  يتوعد الله هذ الصنف من الناس فيقول الله سبحانه وتعالى [ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع  بكفرك قليلا  إنك من أصحاب النار ] ( سورة  الزمر  آية 8 )  ولكن يوسف عليه السلام بحسن اختياره للدعاء  وللتوقيت الذي دعا فيه ،  يكون قد  أحسن شكر النعم ، التي أنعمها الله عليه  وسجل في نفس الوقت نجاحا لا مثيل له في الابتلاء والامتحان ، الذي امتحنه الله به ، لآنه لم يغتر لا بجاهه ولا بسلطته وقربه من الملك ولا بما أنعم الله عليه من  إشراف على خزائن الأرض  ولا بعلمه بتأويل الرؤيا  الذي آتاه الله …  فكل ذلك ما زاده إلا خشية  وخشوعا ومخافة من الله وتواضعا وطمعا في أن يلحقه الله بالصالحين كأعلى أمنية له  عليه السلام  .( يتبع )

لم يكن  لأبناء يعقوب  أما م المعجزات والدلائل القاطعة على خيانتهم وتآمرهم  على الأب والأخ بدا من الاعتراف بجرمهم فطلبوا على الفور الصفح والمغفرة  دون محاولة  البحث عن الأعذار  فقالوا  [ يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا  كنا خاطئين ] ( يوسف آية 97 ) وكعادة الأنبياء والرسل لم يتوانى  يعقوب عليه السلام بالاستجابة  للأبناء فوعدهم بالصفح عنهم  والاستغفار لهم ، فقال [ قال سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ] ( يوسف آية 98 ) .

إن  الذي أنا متأكد منه ، أن يعقوب عليه السلام  استغفر لأبنائه ، لأنه وعدهم بذلك  والأنبياء لا يخلفون وعدهم مطلقا  ولكن هل غفر الله لهم أم لا ؟  فذلك ليس من همي ، بل هو شأن إلاهي وأمر غيبي ، خاص بالله سبحانه وتعالى ، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم . المهم أن وصية يوسف عليه السلام نفذت  والرسالة وصلت ، وهاجر أهل يوسف  أجمعين هجرة جماعية من البادية إلى الحاضرة ، حيث  الملك والسلطان والحضارة والرخاء والأمن والاستقرار . من هنا نستنتج أن  الهجرة  ظاهرة إنسانية ، اجتماعية ، قد تكون فردية أو جماعية  وقد تكون داخل الوطن من بلدة لأخرى أو تكون  خارجية من وطن لآخر ، ولقد عرفها الإنسان  عبر التاريخ   ومارسها ، فهذا سيدنا  إبراهيم عليه السلام ، هاجر من بابل بالعراق ومنها إلى الشام وبلاد فلسطين ، التي سرعان ما تركها واتجه  إلى مصر ومنها مرة أخرى هاجر إلى الجزيرة العربية، حيث يرفع  وبنه القواعد من البيت الحرام  وهاجر سيدنا موسى عليه السلام وقومه إلى فلسطين  فارا بدينه ومن ظلم  فرعون وملئه ،  كما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم  من مكة إلى المدينة ومن قبل أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة  ، لأن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد .  نلاحظ أن الهجرة  هنا كانت لأسباب دينية واضطهاديه  ، وقد توجد لها أسباب أخرى تختلف باختلاف  الزمان والمكان وباختلاف الظروف السياسية والاقتصادية  والاجتماعية  .  فقد تكون مثلا لأسباب  اقتصادية ، كالبحث  عن المراعي الخصبة  ومصادر الماء أو بسبب القحط والمجاعة  أو بسبب طلب العمل والبحث عن الرزق … وقد تكون بسبب الحروب والظلم والقهر والاضطهاد والاعتداء  والعنصرية والطائفية وما ينتج عنها من صراع  وإبادة جماعية  ومن غياب للأمن  وللاستقرار . الأمر الذي يدفع الناس إلى الهجرة  باحثين عن الأمن  وحرية الرأي والتفكير والمعتقد الديني  وقد تكون كذلك  لطلب الرخاء  الاقتصادي  و تحقيق الكرامة وتحسين الوضعية  المهنية والمعيشية  والصحية  ولطلب العلم ، كما هو الأمر في عصرنا الحالي .

 استقبل يوسف عليه السلام الأهل المهاجرين إليه وقد كانت  في تقديري لأسباب اقتصادية وأمنية محضة وليست لأسباب دينية   [ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصرا إن شاء الله آمنين ] ( يوسف آية 99 ) . اجتمع  شمل الأسرة من جديد وضربوا صفحا عن الخلافات التي كانت بينهم وفرح   يوسف عليه السلام  بقدومهم وأكرمهم أيما إكرام  إذ رفع أبويه على العرش  ، وكذلك إخوته بطبيعة الحال   يقول بن كثير أجلسهم على سرير ، وهذا في تصوري إمعانا في التقدير والرفع من شأنهم والترحيب بهم [ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا قال يا أبت هذا تاويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي إ أخرجني من السجن وجاء بكم  من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ] ( يوسف آية 100 ) واعترافا ليوسف عليه السلام على  الصفح الجميل وتهنيئا له على تحقيق الله  لرؤياه سجدوا له سجدة شكر وتقدير لا سجدة عبادة  وتلك عادة درجوا عليها . انطلاقا من كل ما ذكرناه عن الهجرة يبدو لي  والله أعلم أمها  مشروعة ، بدليل أن جل الأنبياء هاجروا من أوطانهم ، كما أشرنا آنفا وبدليل  قوله تعالى  [ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يات بصيرا وآتوني باهلكم أجمعين ] ( يوسف آية 93 )  وقوله سبحانه وتعالى [ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ] ( النساء آية 97 ) فالهجرة  إذن  إن كانت  بهدف الفرار بالدين و طلب حرية  التعبد والمحافظة على المعتقد والخوف على المال والنفس والعرض  ، فهي  مشروعة وواجبة  ومن تركها وفرط في دينه وركن  وخضع وأطاع من يمنعه من ممارسة عبادة الله عبادة حرة  وتنازل عن  إيمانه  بحجة ضعفه وعدم قدرته على مواجهة الظالم المشرك  ، فهو آثم وعده الله  بجهنم وسوء المصير .  ونجد في نفس السورة  يؤكد القرآن الكريم على الهجرة في سبيل الله  ويرغب فيها ويحرض على مفارقة المشركين  فيقول [ ومن يهاجر في سبيل الله يجد مراغا كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ] ( النساء آية 100 ) . إن الذي يخرج من بيته مهاجرا بسبب الاضطهاد الديني وبسبب الظلم والتضييق في الرزق أو من أجل طلب العلم ثم يدركه الموت في البر أو البحر فهو شهيد ، وقع أجره على الله .

اما  الذين يهاجر إليهم ، فعليهم أن يستقبلوا المهاجرين ويساعدوهم  ويحسنوا إليهم ، فهذا النجاشي  ملك الحبشة  يستقبل من هاجر إليه من المسلمين ويمنعهم من عمرو بن العاص على الجاهلية ، الذي جاء النجاشي محملا بالهدايا  يطلب منه أن يسلمه المسلمين المهاجرين إلى الحبشة  لإرجاعهم  إلى مكة بلد الكفر آن ذاك ولكن النجاشي  رفض طلب عمرو بن العاصي  ورد إليه هداياه وأعلن حمايته  للمسلمين المهاجرين إليه ،الذين فاروا بدينهم  و من ظلم واضطهاد  كفار قريش .  والأنصار نموذج أخر ضحوا بكل نفيس من أجل من هاجر إليهم  وضربوا لنا مثالا  في التضحية  والإيثار  لم يعرفه التاريخ  من قبل ولا من بعد . والله يشهد لهم بذلك  وكفى بالله  شهيدا يقول سبحانه وتعالى [ والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ] ( سورة الحشر آية 9 )  .

بعد أن سجد الأبوان والإخوة ليوسف عليه السلام  وبعد أن تحققت الرؤيا أدرك يوسف عليه السلام بعقله الراجح وبما علمه الله ووهبه من معرفة ذوقية  مباشرة أن الدوام والبقاء لله  وأن الفناء سنة إلاهية وأن القوة والسلطان والجاه والغنى وكل النعم الدنيوية لا محالة زائلة طال الزمن أم قصر  ، وكما قال أبو البقاء الرندي في قصيدة  له يرثي فيه الأندلس بعد سقوطها ويبكيها :

                      لكل شيء إذا ما تم نقصان

                                           فلا يغر بطيب العيش إنسان

                   هي الأمور كما شاهدتها دول

                                        من سره زمن ساءته أزمان

                  وهذه الدار لا تبقي على أحد

                                       ولا يدم على حال لها شأن

أدرك يوسف عليه السلام  أن الله سبحانه وتعالى يرث الأرض ومن عليها [ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذوا الجلال والإكرام ] ( سورة الرحمن آية  26 / 27 ) [ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا ترجعون ]  (سورة مرية آية 40  ) . ولكن هنا ك العمل الصالح  ، الذي يرافق صاحبه إلى عالم  البقاء والحقيقة واليقين  المطلقة ، فبادر وسارع إلى طلبه  من مصدره الفعلي ، الذي هو الله سبحانه وتعالى ، فرفع يديه  في ذل وانكسار وخشوع   متذرعا  إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو وقت إذن ، في كامل عزه وجاهه وسلطانه وفي قمة فرحه وسعادته بتحقيق رؤياه  وترجمتها إلى واقع محسوس  وجمع شمل الأهل والأقارب وبسجود الأب والإخوة له  وبما حقق من إنجازات اقتصادية  جعلت الملك يستخلصه لنفسه  ويجعله من المقربين . فقال : [  رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ] ( يوسف آية 101 ) . دعا يوسف عليه السلام ربه  منيبا إليه  وهو في قمة تمتعه بما أنعم الله عليه من نعم على خلاف  ما يفعله كثير من الناس  و يتكر في كل الأزمنة  والأمكنة  ، فالإنسان  في غالب الحيان بمجرد ما يبدله الله الضر بالرحمة والشقاء بالهناء وشظف العيش  بالرخاء واضيق بالسعة …   ينسى  مطلقا الله  وينسى ما كان يدعو إليه  من قبل من شدة الفرح وقلة الإيمان  ، فينكر فضل الله عليه وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول  في سورة الزمر : [ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ] ( الزمر آية 8 ) و في نفس السورة وفي نفس المعنى جاء قوله تعالى [ فإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ] ( الزمر آية 49 )  وفي سورة يونس جاء نفس المعنى تقريبا  [ وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا او قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كان يدعنا إلى ضره مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ] ( يونس آية 12 ) .

 .  يتوعد الله هذ الصنف من الناس فيقول الله سبحانه وتعالى [ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع  بكفرك قليلا  إنك من أصحاب النار ] ( سورة  الزمر  آية 8 )  ولكن يوسف عليه السلام بحسن اختياره للدعاء  وللتوقيت الذي دعا فيه ،  يكون قد  أحسن شكر النعم ، التي أنعمها الله عليه  وسجل في نفس الوقت نجاحا لا مثيل له في الابتلاء والامتحان ، الذي امتحنه الله به ، لآنه لم يغتر لا بجاهه ولا بسلطته وقربه من الملك ولا بما أنعم الله عليه من  إشراف على خزائن الأرض  ولا بعلمه بتأويل الرؤيا  الذي آتاه الله …  فكل ذلك ما زاده إلا خشية  وخشوعا ومخافة من الله وتواضعا وطمعا في أن يلحقه الله بالصالحين كأعلى أمنية له  عليه السلام  .( يتبع )

لم يكن  لأبناء يعقوب  أما م المعجزات والدلائل القاطعة على خيانتهم وتآمرهم  على الأب والأخ بدا من الاعتراف بجرمهم فطلبوا على الفور الصفح والمغفرة  دون محاولة  البحث عن الأعذار  فقالوا  [ يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا  كنا خاطئين ] ( يوسف آية 97 ) وكعادة الأنبياء والرسل لم يتوانى  يعقوب عليه السلام بالاستجابة  للأبناء فوعدهم بالصفح عنهم  والاستغفار لهم ، فقال [ قال سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ] ( يوسف آية 98 ) .

إن  الذي أنا متأكد منه ، أن يعقوب عليه السلام  استغفر لأبنائه ، لأنه وعدهم بذلك  والأنبياء لا يخلفون وعدهم مطلقا  ولكن هل غفر الله لهم أم لا ؟  فذلك ليس من همي ، بل هو شأن إلاهي وأمر غيبي ، خاص بالله سبحانه وتعالى ، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم . المهم أن وصية يوسف عليه السلام نفذت  والرسالة وصلت ، وهاجر أهل يوسف  أجمعين هجرة جماعية من البادية إلى الحاضرة ، حيث  الملك والسلطان والحضارة والرخاء والأمن والاستقرار . من هنا نستنتج أن  الهجرة  ظاهرة إنسانية ، اجتماعية ، قد تكون فردية أو جماعية  وقد تكون داخل الوطن من بلدة لأخرى أو تكون  خارجية من وطن لآخر ، ولقد عرفها الإنسان  عبر التاريخ   ومارسها ، فهذا سيدنا  إبراهيم عليه السلام ، هاجر من بابل بالعراق ومنها إلى الشام وبلاد فلسطين ، التي سرعان ما تركها واتجه  إلى مصر ومنها مرة أخرى هاجر إلى الجزيرة العربية، حيث يرفع  وبنه القواعد من البيت الحرام  وهاجر سيدنا موسى عليه السلام وقومه إلى فلسطين  فارا بدينه ومن ظلم  فرعون وملئه ،  كما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم  من مكة إلى المدينة ومن قبل أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة  ، لأن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد .  نلاحظ أن الهجرة  هنا كانت لأسباب دينية واضطهاديه  ، وقد توجد لها أسباب أخرى تختلف باختلاف  الزمان والمكان وباختلاف الظروف السياسية والاقتصادية  والاجتماعية  .  فقد تكون مثلا لأسباب  اقتصادية ، كالبحث  عن المراعي الخصبة  ومصادر الماء أو بسبب القحط والمجاعة  أو بسبب طلب العمل والبحث عن الرزق … وقد تكون بسبب الحروب والظلم والقهر والاضطهاد والاعتداء  والعنصرية والطائفية وما ينتج عنها من صراع  وإبادة جماعية  ومن غياب للأمن  وللاستقرار . الأمر الذي يدفع الناس إلى الهجرة  باحثين عن الأمن  وحرية الرأي والتفكير والمعتقد الديني  وقد تكون كذلك  لطلب الرخاء  الاقتصادي  و تحقيق الكرامة وتحسين الوضعية  المهنية والمعيشية  والصحية  ولطلب العلم ، كما هو الأمر في عصرنا الحالي .

 استقبل يوسف عليه السلام الأهل المهاجرين إليه وقد كانت  في تقديري لأسباب اقتصادية وأمنية محضة وليست لأسباب دينية   [ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصرا إن شاء الله آمنين ] ( يوسف آية 99 ) . اجتمع  شمل الأسرة من جديد وضربوا صفحا عن الخلافات التي كانت بينهم وفرح   يوسف عليه السلام  بقدومهم وأكرمهم أيما إكرام  إذ رفع أبويه على العرش  ، وكذلك إخوته بطبيعة الحال   يقول بن كثير أجلسهم على سرير ، وهذا في تصوري إمعانا في التقدير والرفع من شأنهم والترحيب بهم [ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا قال يا أبت هذا تاويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي إ أخرجني من السجن وجاء بكم  من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ] ( يوسف آية 100 ) واعترافا ليوسف عليه السلام على  الصفح الجميل وتهنيئا له على تحقيق الله  لرؤياه سجدوا له سجدة شكر وتقدير لا سجدة عبادة  وتلك عادة درجوا عليها . انطلاقا من كل ما ذكرناه عن الهجرة يبدو لي  والله أعلم أمها  مشروعة ، بدليل أن جل الأنبياء هاجروا من أوطانهم ، كما أشرنا آنفا وبدليل  قوله تعالى  [ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يات بصيرا وآتوني باهلكم أجمعين ] ( يوسف آية 93 )  وقوله سبحانه وتعالى [ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ] ( النساء آية 97 ) فالهجرة  إذن  إن كانت  بهدف الفرار بالدين و طلب حرية  التعبد والمحافظة على المعتقد والخوف على المال والنفس والعرض  ، فهي  مشروعة وواجبة  ومن تركها وفرط في دينه وركن  وخضع وأطاع من يمنعه من ممارسة عبادة الله عبادة حرة  وتنازل عن  إيمانه  بحجة ضعفه وعدم قدرته على مواجهة الظالم المشرك  ، فهو آثم وعده الله  بجهنم وسوء المصير .  ونجد في نفس السورة  يؤكد القرآن الكريم على الهجرة في سبيل الله  ويرغب فيها ويحرض على مفارقة المشركين  فيقول [ ومن يهاجر في سبيل الله يجد مراغا كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ] ( النساء آية 100 ) . إن الذي يخرج من بيته مهاجرا بسبب الاضطهاد الديني وبسبب الظلم والتضييق في الرزق أو من أجل طلب العلم ثم يدركه الموت في البر أو البحر فهو شهيد ، وقع أجره على الله .

اما  الذين يهاجر إليهم ، فعليهم أن يستقبلوا المهاجرين ويساعدوهم  ويحسنوا إليهم ، فهذا النجاشي  ملك الحبشة  يستقبل من هاجر إليه من المسلمين ويمنعهم من عمرو بن العاص على الجاهلية ، الذي جاء النجاشي محملا بالهدايا  يطلب منه أن يسلمه المسلمين المهاجرين إلى الحبشة  لإرجاعهم  إلى مكة بلد الكفر آن ذاك ولكن النجاشي  رفض طلب عمرو بن العاصي  ورد إليه هداياه وأعلن حمايته  للمسلمين المهاجرين إليه ،الذين فاروا بدينهم  و من ظلم واضطهاد  كفار قريش .  والأنصار نموذج أخر ضحوا بكل نفيس من أجل من هاجر إليهم  وضربوا لنا مثالا  في التضحية  والإيثار  لم يعرفه التاريخ  من قبل ولا من بعد . والله يشهد لهم بذلك  وكفى بالله  شهيدا يقول سبحانه وتعالى [ والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ] ( سورة الحشر آية 9 )  .

بعد أن سجد الأبوان والإخوة ليوسف عليه السلام  وبعد أن تحققت الرؤيا أدرك يوسف عليه السلام بعقله الراجح وبما علمه الله ووهبه من معرفة ذوقية  مباشرة أن الدوام والبقاء لله  وأن الفناء سنة إلاهية وأن القوة والسلطان والجاه والغنى وكل النعم الدنيوية لا محالة زائلة طال الزمن أم قصر  ، وكما قال أبو البقاء الرندي في قصيدة  له يرثي فيه الأندلس بعد سقوطها ويبكيها :

                      لكل شيء إذا ما تم نقصان

                                           فلا يغر بطيب العيش إنسان

                   هي الأمور كما شاهدتها دول

                                        من سره زمن ساءته أزمان

                  وهذه الدار لا تبقي على أحد

                                       ولا يدم على حال لها شأن

أدرك يوسف عليه السلام  أن الله سبحانه وتعالى يرث الأرض ومن عليها [ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذوا الجلال والإكرام ] ( سورة الرحمن آية  26 / 27 ) [ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا ترجعون ]  (سورة مرية آية 40  ) . ولكن هنا ك العمل الصالح  ، الذي يرافق صاحبه إلى عالم  البقاء والحقيقة واليقين  المطلقة ، فبادر وسارع إلى طلبه  من مصدره الفعلي ، الذي هو الله سبحانه وتعالى ، فرفع يديه  في ذل وانكسار وخشوع   متذرعا  إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو وقت إذن ، في كامل عزه وجاهه وسلطانه وفي قمة فرحه وسعادته بتحقيق رؤياه  وترجمتها إلى واقع محسوس  وجمع شمل الأهل والأقارب وبسجود الأب والإخوة له  وبما حقق من إنجازات اقتصادية  جعلت الملك يستخلصه لنفسه  ويجعله من المقربين . فقال : [  رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ] ( يوسف آية 101 ) . دعا يوسف عليه السلام ربه  منيبا إليه  وهو في قمة تمتعه بما أنعم الله عليه من نعم على خلاف  ما يفعله كثير من الناس  و يتكر في كل الأزمنة  والأمكنة  ، فالإنسان  في غالب الحيان بمجرد ما يبدله الله الضر بالرحمة والشقاء بالهناء وشظف العيش  بالرخاء واضيق بالسعة …   ينسى  مطلقا الله  وينسى ما كان يدعو إليه  من قبل من شدة الفرح وقلة الإيمان  ، فينكر فضل الله عليه وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول  في سورة الزمر : [ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ] ( الزمر آية 8 ) و في نفس السورة وفي نفس المعنى جاء قوله تعالى [ فإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ] ( الزمر آية 49 )  وفي سورة يونس جاء نفس المعنى تقريبا  [ وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا او قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كان يدعنا إلى ضره مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ] ( يونس آية 12 ) .

 .  يتوعد الله هذ الصنف من الناس فيقول الله سبحانه وتعالى [ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع  بكفرك قليلا  إنك من أصحاب النار ] ( سورة  الزمر  آية 8 )  ولكن يوسف عليه السلام بحسن اختياره للدعاء  وللتوقيت الذي دعا فيه ،  يكون قد  أحسن شكر النعم ، التي أنعمها الله عليه  وسجل في نفس الوقت نجاحا لا مثيل له في الابتلاء والامتحان ، الذي امتحنه الله به ، لآنه لم يغتر لا بجاهه ولا بسلطته وقربه من الملك ولا بما أنعم الله عليه من  إشراف على خزائن الأرض  ولا بعلمه بتأويل الرؤيا  الذي آتاه الله …  فكل ذلك ما زاده إلا خشية  وخشوعا ومخافة من الله وتواضعا وطمعا في أن يلحقه الله بالصالحين كأعلى أمنية له  عليه السلام  .( يتبع )

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *