Home»Correspondants»قصة قصيرة ـ نـــــــــــدم

قصة قصيرة ـ نـــــــــــدم

0
Shares
PinterestGoogle+

22/04/2009

قصة قصيرة  » ندم »

ذ. محمد مباركي
دخل البيت فوجده مظلما صامتا كالقبر ،بلا حركة كأن الزمن توقف عند أبوابه و نوافذه ، إلا من حركة كلبته في الحديقة الخارجية ، استقبلته بفرح مشوب بالحذر. أفرغ محتويات كيس في صحنها الخاص ، فبدأت تلتهم أكلتها المفضلة مبصبصة بذنبها يمينا ويسارا ، كان الأطفال يحبون التفرج عليها في هذا المشهد الذي يتكرر كل يوم صباح مساء ، بل كانوا يتنافسون عمن يمنحها هذا المعروف ليفوز بملاعبتها بحنان ، لكنهم غادروا البيت ، و بكوا فراقها أكثر مما بكوا فراقه ، ذهبت بهم أمهم تاركة البيت و من فيه ، غير آسفة على ما أقدمت عليه ، بيت تحول إلى حفرة من حفر الجحيم ، شجار و صراخ و عويل … لا تتوقف آلته عن طحن نفسيات الأم و الصغار زارعة الحقد و الكراهية المتبادلة من أب تحول كليا من المحب الولهان لأفراد أسرته إلى الكاره الممقت للجميع . وقع هذا التحول فجأة كالقدر ..

لم ينس الكل تلك الليلة التي جاء فيها الأب متأخرا على غير عادته ، يترنح فاقدا كل توازن ، ظنته الزوجة يمازح الأطفال كعادته لكن الرائحة التي فاحت من فيه أفزعتها حتى صرخت في رعب ، فهي تعرف ويلات هذه الرائحة الملعونة .. و استحضرت في سرعة البرق صورة والدها كيف كان يأتي منتصف الليل يتمايل و يخور كالثور ، ثم يسقط في فيناء المنزل ، و تجره و أمها إلى غرفة النوم ، و لما يقوم صباحا يقسم بالأيمان الغليظة ألا يعود إلى فعلته التي فعلها ليرجع مساءا و قد نكث أيمانه .
لم تكن هذه الزوجة تتصور يوما أن حياة أسرتها ،في هذا المنزل الفاره ، ستتحول إلى جحيم . وجدت نفسها ، بعد زواجها تعيش في نعيم حلمت به فقط و هي شابة طالبة جامعية تنضح أنوثة و إشراقا . التقت بفارس أحلامها في أروقة الجامعة ، كانت طالبته المقربة المحبوبة . لم يدم التعارف أكثر من سنة جامعية انتهت بزفاف حضره حتى الطلبة و الأعوان . و ازداد الحب الجارف كالطوفان بعد الزواج ، و أحست به صادقا بريئا كبراءة الأطفال ، تناغمت روحهما و دانت الواحدة منهما للأخرى بالإخلاص ، سافرا إلى الداخل و الخارج ، تبضعا حتى التفاهات كصغيرين .

أثمر هذا القران الطفل الأول و الثاني و الثالث ، و غاص البيت في بحر من الزعيق و الصراخ فأضفيا عليه حيوية محبوبة ساهمت في نمو سوي للأطفال . و الكل ينتظر الأب بشوق كالغيث ، حتى الكلبة في الحديقة تنتظر بالبصبصة و النباح و تنافس الأطفال في عناق الأب و التعلق بتلابيبه و التمسح به . و الأم شاخصة أمام هذا المشهد الذي بالحب يوما ، ترسم على شفتيها ابتسامة أميرية محبوبة تنتظر دورها،كانت هي الأولى و أضحت الأخيرة بعد الفلذات الثلاث ، يتركهم الأب في حجرتهم ليعانقها و يطبع على ثغرها المتبسم قبلة يسكر من نخبها حتى يثمل .
لكن الزمن كان يخبئ العجب، إذ تحول الزوج إلى ثور لا يلفظ إلا الكلام الجارح، أفزع الأم و الأطفال،كانوا يختبئون تحت أسرتهم إذا دخل البيت ، و ينامون قبل الموعد ،و يبكون ليلا ، تراجع تحصيلهم الدراسي ، اكتوت نفوسهم الصغيرة بلهيب البيت . عيل صبرهم و صبر الأم ، و توسلوا إليها أن يتركوا البيت لهذا الغول ، و هو اللقب الذي لقبوه به ، و أن يرحلوا إلى أي مكان .
توسلت إليه أن يترك السموم التي أصبح يعاقرها خارج و داخل المنزل أمام الأطفال ، و لم تجد التوسلات بل و كأنها نفخت فيه نار الإصرار على التمادي في الغي .
و رحل الجميع و بقي وحيدا مع الكلبة ، بكى الأطفال لفراقها و لم يبكوا لفراقه .

نظر إلى قنينات السم مصففة ، كجنود كتيبة متحفزة للقتال،على مائدة كانت بالأمس مصففة بأطباق شهية من إعداد الزوجة المتفننة في صنعها ، ملكت بها ذوقه و قلبه ،فازدادت شراهته حتى اكتنز جسمه من فرط الأكل .
زفر بشدة زفرة المذنب ، و طفق الإحساس بالجرم يعيد إليه رشده و تمتم  » يالسخرية اليوم بالأمس  » .
و تساءل في داخله  » أهو مرض ؟  » أهي نزوة عابرة ستزول ؟ » أهو خصاص دفين كان لا بد من إشباعه ؟ » .
وجد نفسه يقضم أظافره كالصبي ببصر شاخص في السقف، و صرخ  » يا ويلي ماذا فعلت؟ »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *