Home»Femme»النسْبة الدينية وخصوصية النسب الأسري للطفل

النسْبة الدينية وخصوصية النسب الأسري للطفل

0
Shares
PinterestGoogle+

الدكتور محمد بنيعيش
أستاذ الفكر والحضارة
المغرب ، وجدة

أولا: مصير الطفل بين قوة النسب وعقيدته الدينية

إن الإسلام لا يسلب الطفل نسبته النسلية الأسرية بسبب اعتبار نسبته الروحية أو الدينية،وإنما يبقى الحق للوالد في ولده رغم أنه غير مسلم والتقط في بلد الإسلام ، طالما أنه قد ثبتت لديه هذه النسبة بالبينة المعتبرة شرعا، ولم يكن التأثير للنسب الروحي والعقدي إلا في مرحلة يكون الطفل قد بلغ فيها سن التمييز وحدد موقفه من الدين إيجابا أو سلبا ،فحينئذ قد يحكم له بنسبته إلى أبيه رغم كفره .
لكنه من حيث النسب الديني يعتبر حسب تصريحه بنوع عقيدته عند مرحلة التمييز والإفصاح ،كما يقول الإمام مالك في المسلم يلتقط اللقيط فيدعي الذمي أنه ابنه : »قلت أرأيت اللقيط من أقام عليه بينة أيقضي له بهن وإن كان في يدي مسلم فأقام ذمي البينة من المسلمين أنه ابنه أتقضي به لهذا الذمي وتجعله نصرانيا في قول مالك؟قال:قال مالك في اللقيط يدعيه رجل أن ذلك لا يقبل منه إلا ببينة أو يكون رجل قد عرف أنه لا يعيش له فيزعم أنه فعله لذلك ،قال ابن القاسم :فإن من الناس من فعل ذلك،فإذا عرف ذلك منه رأيت القول قوله وإن لم يعرف ذلك منه لم يلحق به ،فإذا أقام البينة عدولا من المسلمين فهذا أحرى أن يلحق به نصرانيا كان أو غيره .
قلت:فما يكون الولد إذا قضيت به للنصراني وألحقته به مسلما أم نصرانيا ؟قال:إن كان قد عقل الإسلام وأسلم في يد المسلم فهو مسلم…وإن كان لم يعقل الإسلام قضى به لأبيه وكان على دينه ».
إذن فهناك مسألتان متكاملتان ومنفصلتان في آن واحد ألا وهما النسب الأسري والنسب الديني ،فالنسب الأسري المحض لا يؤدي إلى النسب الديني ابتداء إلا إذا كان مبنيا على أسس شرعية إسلامية إذ »كل مولود يولد على الفطرة »وحيث إن الإسلام دين الفطرة فالمولود يكون عليه أصلا وتبعا.
أما إذا كان النسب الأسري غير مبني على الإسلام فإنه لا يعطي النسب الديني حكما ظاهريا مادام الطفل لم يعبر عن نفسه ، وما دام تحت ولاية أبويه الكافرين سواء كانا ممن يعتبرون أهل الكتاب أو غيرهم من الملحدين والمشركين ،لأن النسب الأسري حينئذ يكون هو الحاكم على وضعية الطفل في كلا المسألتين وهما :النسب النسْلي والنسب الديني أو الروحي ،ومن هنا فلم يكن الإسلام أبدا سالبا للنسب بسبب الانتماء الديني وإنما يحفظه بحسب الارتباط الغريزي للفرع بأصله .
لكن حينما يعبر الطفل عن إسلامه يحكم له بنسبه الديني مع الإبقاء على نسبه النسلي والأسري الغريزي رغم مخالفته لعقيدته . وليس الشأن كما هو في الزواج ،أي أن اختلاف الدين أو العقيدة يفرقه أو يفسخه إذا كان أحد الزوجين مسلما والآخر كافرا وخاصة الزوج فيما سبق وقسمنا فقها.
فهذه المسألة قد تجرنا إلى البحث عن مصير أبناء المشركين من حيث الحكم ومن حيث موقعهم في العالم الأخروي وهل هم من أهل السعادة أم من أهل الشقاء ؟بحيث قد يغلب على الحكم أنهم من أهل السعادة رغم كفر آبائهم وأمهاتهم إذا توفوا في مرحلة ما قبل التمييز أو التكليف ، وذلك من خلال النصوص القرآنية والحديثية الخاصة بهذا الموضوع : »عن ابن عباس قال :سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين ،فقال :الله أعلم بما كانوا عاملين » »عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتجون البهيمة ،هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ،قالوا يا رسول الله أفريت من يموت وهو صغير ؟قال: الله أعلم بما كانوا عاملين « .

ثانيا: حماية النمو والنشأة من لوازم حفظ النسب

كما أن حماية نسب اللقيط تتبعها ضرورة حماية نموه ونشأته وتربيته وكذلك تعويضه عما فقده من والديه أو أمه المتخلية عنه،فيكون لابد من إيجاد جو أسري متكامل يقوم فيه الأفراد المتولون تربيته مقام الوالدين الحقيقيين ،وهذا النوع من التبني الذي قد يصطلح عليه بتبني الجزاء أو التنزيل منزلة الولد ،وهو غير مؤثر على النسب الأصلي الأسري من حيث السلب أو القطع كما أنه غير معطي له جزافا إلا ببينة شرعية تثبته كما سبق وبينا. إذ حكم التبني قد ألغته الشريعة الإسلامية نصا وتطبيقا عمليا حتى لا يؤثر النسب المصطنع أو المفتعل في تحدي العلاقات الأسرية وتوهم المحرمية من غيرها بمجرد الدعوى .
فالحقيقة حقيقة و المواضعة مواضعة ،ولا يمكن للتوظيف اللفظي المحض أو التنزيل أن يلغي الحقيقة الرحمية أو يعطيها بأي وجه كان ،وإنما-كما سبق وبينا- يبقى الإسلام هو النسب الجامع للمجتمع على قاعدة التوحيد والمعوض عن كل نقص ،وذلك من خلال الضوابط العقدية والنفسية والأخلاقية وأيضا التشريعية والقضائية مجتمعة.
من هنا لو فتح المجال لإعطاء النسب لمجهوله جزافا وبمجرد دعوى العاطفة المحضة فإنه سيصبح ذريعة لإهداره والعمل على تضييعه بوهم استدراكه بالتبنيات أو الإلحاقات من خلال الحمل غير الشرعي وإتباعه بالتبني أو بالزواج لتغطيته بدعوى ستر الفضيحة ،لكن قد يصبح العكس هو المتفاقم ألا وهو شيوع الفضائح الجنسية وغياب التحرج من الزنا وما يترتب عنها من حمل غير شرعي، وبتالي طغيان ظاهرة اللقطاء مما هو ليس في صالح الطفل ولا الأسرة ولا المجتمع.
كما أن تخصيص الملاجئ لعلاج المشكلة لا يزيدها إلا استشراء وتعقدا، لأنها تكون بمثابة تشجيع ضمني على التمادي في الخطيئة وإيداع الأطفال غير الشرعيين فيها كإخفاء وتملص من المسؤولية على حساب الطفل البريء ؛الذي قد يدور عليه نفس الدور في تسلسل الخطيئة من الأصل إلى الفرع ثم إلى الشيوع في الأجواء والساحات العامة!.
لكن أعظم علاج و حل لحماية الطفل هو ما نص الشرع على اتباعه عمليا وسلوكيا وقضائيا، كما قد نجد في موضوع وحدة النسب الأسري الخاص والنسب الديني العام وأوجه التكامل بين الجانبين على قاعدة شرعية وتربوية ونفسية وعقدية مع إلغاء التبني في قول الله تعالى: »ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ،ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل،ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ،فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ،ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما،النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم،وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ،كان ذلك في الكتاب مسطورا ».
عن الحد الفاصل في تحديد النسب واستحقاقه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : »الولد للفراش وللعاهر الحجر « .
فلننظر في ضوابط الفراش وأنواعه قوة وضعفا وبتالي واقع الطفل والمرأة بين ظروفه وأحواله الزمانية والمكانية ،واللفظية والنفسية والاجتماعية..

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *