Home»Correspondants»كتاب مشاتل الأمل في المغرب تأليف: ذ رمضان مصباح الإدريسي

كتاب مشاتل الأمل في المغرب تأليف: ذ رمضان مصباح الإدريسي

3
Shares
PinterestGoogle+
 

                                      الفهرس
الموضوع                                                                     الصفحة

تقديم…………………………………………………………………3

رفقة الصحراء والأمل :   ميلاد مزرعة مستحيلة…………………….4

على مرمى حجر من المريخ:كيف نرد؟………………………………..9

الفقه الوردي:  جزرة وذكاء سوسيولوجي زمزمي……………………14

في يوم قنص:بعيدا عن السياسة………………………………………20

يا طالع الشجرة،هات لي معك بقرة……………………………………25

عصيد وعرس الذئب…………………………………………………..29

ميلاد الأمية الأمازيغية…………………………………………………34

عنف السياسي في نقاش الأمازيغية…………………………………..39

بين تفناغ والحرف العربي خط للهدنة…………………………………50

الفاتنة السوداء وخيول إميل زولا……………………………………..54

في الطفولة:لعب بين عسكرين لا يلعبان……………………………….57

الفقه الواقف…………………………………………………………..60

سوسيولوجية الفتوى قبل فقهيتها……………………………………..64

مصارع العلماء وموالد شيوخ السلفية في المغرب…………………….70

رجال تحت الشمس ..سنابل ومناجم……………………………………76

تقديم:

يطمح هذا الكتاب الى تقريب القارئ من النقاش العام،المتنوع والمتكامل، الدائر في المملكة المغربية حول قضايا الثقافة، التنمية ،والسياسة.

يركز الجانب الثقافي على قضية اللغة الأمازيغة، التي تتعدد حولها الآراء ,وتتناقض، أحيانا ،وصولا الى التصادم؛وهو النقاش الذي بعثه و غذاه الدستور الجديد ،إذ اعتبر الأمازيغية- لضرورات سكانية وتاريخية- لغة رسمية في المغرب ،مثلها مثل اللغة العربية.كما نص على العناية بالمكونات الثقافية الأخرى،الحاضرة في المغرب، من أندلسية ،صحراوية حسانية، وعبرية.

كما يشتغل هذا الجانب الثقافي فقهيا أيضا ،من خلال آراء نقدية في مجال وظيفية الفتوى الشرعية،وأدوار الفقهاء والعلماء  في مجتمع يصبو الى نبذ كل أشكال التطرف والتعصب والسلبية.

ومن خلال نماذج من ” الفقه الواقف” ،وبصفة خاصة تجربة فقيه قروي تمكن من تحقيق تماه رائع بين مهمته كفقيه في البادية وخبرته الفلاحية الميدانية ،مما أهله –وهو مندمج مع الفلاحين-الى أن يصبح مؤطرا لهم ،ومحققا لنهضة فلاحية محلية عز نظيرها.

جهود فردية لفقيه قروي لكنها تمتح من الأدوار التي كانت تقوم بها جامعة القرويين،بفاس ،من خلال اندماج علمائها مع كل فئات المجتمع المغربي،لتأطيرها التأطير الأمثل في شتى مناحي الحياة.

وتنتظم ضمن محاور الكتاب مبادرات تنموية فلاحية لشبان عصاميين قهروا الصحراء ؛وخرجات ممتعة إلى أرياف المغرب، لملامسة الواقع المعيشي للسكان ،ثم الانتقال إلى أطلال مدينة منجمية ميتة  ،لمعرفة أثر هذا الموت، الاقتصادي والثقافي، على السكان.

وتحضر السياسة،  طبعا،من خلال جميع المحاور، كما هي حاضرة في أي تدبير ثقافي وتنموي.

وسواء تعلق الأمر بالمقاربات الثقافية ،التنمويةوالسياسية فان الهدف المنشود,ليس الترف الفكري،وإنما بلورة منهجية جديدة للتنمية المتكاملة تتأسس ،أولا وأخيرا، على سياسة القرب.

في عصر العولمة ،التواصل السريع والمذهل،والدفق المعرفي العالمي؛ فان أعز ما يطلب اليوم ،ليس النظرية ،أو المعرفة الأكاديمية،وإنما مخالطة الناس ،حيث هم ،لتحقيق تنمية صحيحة وفعالة.

والسلام

رفقة الصحراء والأمل:     ميلاد مزرعة مستحيلة
يقول الخبر الصحفي:

““مشتل الصحراء” كان الفيلم الوثائقي الذي أعطى انطلاقة لفقرات المهرجان، وهو حكاية عن ثمرة لقاء بين مغربيين، أحدهما يعيش في فرنسا، والثاني يعيش بصحراء منكوبة تسمى “المنكوب” وتعتبر إحدى أفقر مناطق المغرب، أما الفكرة الأساسية للفيلم فتتناول رفع التحدي لإنشاء مشتل الأمل وسط الصحراء حتى لا يخضع قرويو المنطقة لحلم الهجرة نحو الخارج، الفيلم و رغم بساطته التصويرية والإبداعية استطاع أن ينتزع إعجاب و ابتسامة الجمهور الذي ثمن تحدي و إصرار مصطفى كاكا ومصطفى عفيف..”

ياسر الخلفي: نبراس الشباب 11.11.2009

أخيرا يصل “مشتل الصحراء” إلى القناة المغربية الثانية:

يصل – وان متأخرا- ؛وبين يديه الجائزة الثانية لمهرجان الفيلم الوثائقي ,المنظم بأكادير في التاريخ المذكور.

ومن يعرف مصطفى كاكا يدرك أن مثل هذه الجوائز لم تكن واردة أبدا في صراعه ؛ وهو يواجه قساوة الطبيعة: ” طاو ثلاثا عاصب البطن مرمل   *  بصحراء لم يعرف بها ساكن رسما”  ؛كما يقول الشاعر عن شبيه له من زمن آخر.

ولما كان العرف لا يذهب “بين الله والناس”؛ فقد كان مصطفى عفيف ؛وهو عامل مغربي مهاجر بالديار الفرنسية ,صلة الوصل التي جعلت القناة الألمانية الفرنسية

تنتقل الى بلدة  “المنكوب” ؛من اقليم فكيك ؛لتعاين  “مشتل الأمل” وتنتج شريط  “مشتلRTE

الصحراء” الذي لم يعرض إلا مؤخرا بقناتنا الثانية ؛رغم أن شبابنا هو المعني به ,أساسا,وليس الشباب الألماني والفرنسي.

من هو مصطفى كاكا؟

يحدثني خاله  ,وملهمه, الأستاذ محمد هكو ؛رجل التربية المتقاعد ,عن شاب طموح ,يبدو أن نظامنا التربوي أخطأ تفعيل طاقاته ,ولهذا لم يكمل تعليمه ؛وربما لهذا السبب احتفظ يملكانه التدبيرية كاملة ,وعناده البناء  ,وإصراره على تحدي الصعاب .

راوده ,كحال شبابنا,حلم الهجرة ؛خصوصا ومدينة بوعرفة على ما هي عليه :منطقة طاردة ؛لا زرع بها ولا ضرع ولا عجلة تدور. كانت الهجرة الأولى صوب الشرق ,وصولا إلى ليبيا ؛حيث قضى بضع سنين.

عاد إلى بلدته بقليل من المال,وبالكثير من الذكريات السيئة عن ليبيا القذافي ؛وحرص خاله,وهو من طينة متميزة من المثقفين,أن ينقل إليه حلمه في إنشاء ضيعة صغيرة ,بمنطقة نائية ؛ونقل إليه – وهو التربوي المتمرس- منظومة كاملة من القيم ؛التي لا تشتغل عليها –مع كامل الأسف- برامجنا التعليمية: قيمة العمل اليدوي,الاعتداد بالنفس,المبادرة,الابتكار,الصبر على المكاره…..

البدايات:

كل واقف على بدايات مصطفى ,في مشروع”مشتل الأمل” لا بد أن يستحضر قول الله تعالى :

” ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ”

سورة إبراهيم 37

حل مصطفى بمنطقة”المنكوب” البعيدة عن مدينة بوعرفة بحوالي خمسين كيلومترا, جنوبا في اتجاه الراشدية  ؛حيث اقتنى قطعة أرض بخمسمائة  درهم للهكتار.تقريبا “ببلاش” كما يقول أهل الكنانة؛مما يؤكد أن الأرض من النوعية المعتبرة بدون قيمة ؛أو مما لا ينبت غير السدر والحرمل.

ولما كان المبتدأ والخبر,في الحياة كلها, هو الماء, شمر الرجل على ساعديه ,وصمم أن يصل إليه حيث هو في أغواره أو يهلك دونه ؛ويقول لسائليه المستغربين لحاله :

“أحاول ماء أو أموت فأعذرا”.

لا يهتم مصطفى للأيام والليالي ,وللزمن وهو يعبره ؛فيما يعبر ؛وحيدا في قفراء ,كل ضربة فأس تقربه من الميلاد؛ إذ الميلاد – كما في  قصة الخلق كله- يبدأ مع الماء :”وكان عرشه على الماء” “وجعلنا من الماء كل شيء حي”.صدق الله العظيم.

و فار الماء:

تسبقه دموع مصطفى ,ونبض فلبه المتسارع ,وهو يعاين رطوبة الأرض المتزايدة ؛ثم وهي تصير وحلا ,رويدا رويدا؛ثم ضربة أخرى وأخرى فإذا به ينبجس.نعم الماء ,معلنا ميلاد حياة.

من يفرح مع مصطفى في هذه الفيافي ؛التي انقطعت حتى الثعالب  والضباع عن ارتيادها منذ زمن؟

لا بأس فليفرح معه فرحه ؛ولم لا حتى فأسه وعرقه.المهم حيث يوجد مصطفى الآن يوجد معه الماء؛وما تبقى تفاصيل ؛كتفاصيل نهاية الأفلام الهندية؛ بعد أن ينتصر الخير على الشر ؛ويستعيد

كل ما مسخه الساحر جمادا سيرته السعيدة الأولى.

ينتبه الرجل إلى قوة الرياح ؛بل حتى عويلها ,وكأنه أصوات الأزمنة الغابرة تبكي مجدها البائد ؛ثم يفكر بعقله الميكانيكي الذي كونه في ليبيا: لم لا أجرب تسخير هذه القوة الطبيعية لا ستخراج الماء,بدون عناء ؟بدون محرك غال ثمنه وبنزينه؟

ترتسم في ذهنه صورة مروحة كبيرة قائمة على دعائم حديدية ؛ويتخيل القوة الريحية وهي تدير

العجلة ؛ويكاد يسمع خرير الماء وهو يفور ؛صاعدا ,رقراقا,من غوره السرمدي.

بعد أن نزل به الحفر إلى أسفل فأسفل؛ هاهي الحدادة ترفعه إلى الأعلى ثم الأعلى. إسراء ومعراج فلاحي ملحمي؛ لا شاهد عليه غير مصطفى ؛وهذا الورش الترابي الحديدي الذي رواه بعرقه.

ورش يلوح في عمق الصحراء”كباقي الوشم في ظاهر اليد”.

ها هي ذي مروحة الهواء منتصبة على قوائمها ,وهي تبدو في ليل “المنكوب” كحيوان خرافي.

يقبل بعض من في الجوار البعيد ؛بعد أن تناهى إلى علمهم خبر الماء ؛وخبر الشاب مصطفىالذي ينتظر ,بفارغ الصبر ,عواصف الصحراء القوية ليجرب ما صنعت يداه؛وكأنه نبي الله نوح إذ صنع الفلك ,وطفق ينتظر أمر الله والطوفان.

بداية المشتل:

مصطفى الآن,وبعد شهور عن ميلاد الحياة في “المنكوب” ثالث اثنين:الماء والمروحة؛في أرض بدأت الخضرة تدب فيها شيئا فشيئا ؛يراها الناس , ويرجعون البصر كرتين ,ثم يمسحون ما بعيونهم من قذى لتتضح الرؤية أكثر.وينقل القريب الخبر للبعيد:

إنها هي؛ طلائع غلال فلاحية  ,من حبوب وذرة ولفت و كمون ؛بين شتائل أشجار آخذة في النمو.

من قال إن قدر “المنكوب” أن يظل منكوبا؟

وبين موسمي كد وجد يتزوج مصطفى ليكمل دينه:يتزوج مضيفا اللبنة الناقصة إلى معماره ؛فتكون نعم الزوجة الصابرة المضحية .

ويولد له الابن الأول ؛كما تولد له خرفان تتلوها خرفان ؛ويظهر الابن وهو يلاعب خروفا ؛وكأنه يعلن

جهارا :”حرفة بوك لا يغلبوك”.  هذا الشبل من ذاك الأسد…

وسيرا على نهج نبينا إبراهيم عليه السلام يشرع,بدوره, في بناء بيت لله :رويدا رويدا ,بفضل سواعد الجيران الذين وثقوا في مصطفى,يكتمل مسجد في منتهى البساطة ؛كمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.

بئر, مروحة ريحية , مزرعة جنينية ومسجد يلتئم فيه,للصلاة, شمل قرويين كادحين, سمر وشعث ؛قادمين من بعيد .

وهل يتأخرون وقد أذن مصطفى ولا أحد غيره.؟أيتخلفون عن شاب أنطق الصحراء ماء ونماء؟

ثم ينتصب للإمامة متذكرا محفوظاته الشرعية القديمة ؛مستلهما من حاجيات مأموميه  اليومية مواضيع خطبه:حدثهم في الشريط عن الزواج وحض الشباب على التزوج درءا لمفاسد خلقية وصحية

ومنها السيدا .ثم تحدث في فرصة أخرى عن العلاقات الزوجية داعيا إلى “الرفق بالقوارير”.

ثم يكتمل المشهد ببناء مصطفى ,ومعاونيه,لروض أطفال لم تحلم به المنطقة قط . هاهم طيور الصحراء – أو سرب القطا- بين يدي فتاة من الجوار ,وقد تطوعت للتدريس .

عقل واحد واشتغالات شتى ؛مزرعة تلد مزرعة: فلاحية ,روحية,وتربوية ؛ وهل فعل الأنبياء أكثر من هذا في أممهم.لله درك يا قاهر الصحراء.

ثم تنبت فكرة ورشة للحدادة ,رهن إشارة ساكنة الجوار؛فتكون لهم ,في ظرف وجيز .لا عناء بعد اليوم ولا مصاريف زائدة للتنقل إلى بوعرفة.

مصطفى الآن مزارع ,كساب,امام,مدير روض ثم حداد ؛وماذا بقي؟

السلطة تتساءل :

من أنت؟ ما مشروعك؟ من أين إمامتك وخطبك؟ لعلها اللحية التي نبتت لمصطفى ؛هو الذي لا يعرف غير الإنبات.

أنا ما ترون, فهل خرقت قانونا؟

يضطر إلى الاتصال بالمجلس العلمي لفكيك ,فيحصل فعلا على ترخيص بالإمامة؛هو الذي يستحق أيضا دبلوم هندسة وميكانيك؛ودبلوما في السوسيولوجيا ؛ودكتوراه الدولة في الصبر والطموح.

يتحدث قروي من الجوار فيقول: جاءني أصحاب الفلاحة, وطلبوا رخصة البئر.عجبا بئري تعود الى عشرات السنين فكيف أبحث لها عن رخصة الآن.

مآلك السجن إن لم تفعل :الله الله أخيرا جاءت الدولة لتقودني إلى السجن ؛ما أسعده من يوم.الدولة ستأخذني من هذه البيداء. يضحك الرجل يضحك مصطفى عن تصرف موظفين بلهاء؛لا يفقهون في شظف الصحراء وشقاء السواعد .

ويصل شبان فرنسيون:

ليعاينوا “مشتل الصحراء”؛ بغير عيون السلطة؛ يقضون أياما ,في ضيافة مصطفى ؛ينخرطون مع الأسرة في معيشها اليومي أياما؛ثم يغادرون والدموع في عيونهم ؛فمن يتعرف على مصطفى يصعب عليه فراقه.

انه يخدم الوطن ,من زوايا شتى ؛آخرها تعجز عنه مندوبية كاملة للسياحة.

وهو يصر ,في الشريط,كما في الواقع,على إقناع الشباب بأن حفر ما تحت الأقدام ؛في الوطن ,وان قسا,أفضل من مغامرة الهجرة إلى المجهول ؛وان أثمرت.

يبقى أن تكافئ الدولة هذا الرجل ,ليس بريع بل بمساعدته على خدمة قرية “المنكوب” الجنينية؛فهو يقول: لو كان بوسعي ادخال الكهرباء لفعلت ؛ولو كان بوسعي بناء المدرسة لما بخلت ؛ولو كان تعبيد الطريق,مما يستطيعه الفرد لبدأت ؛تماما كما فعلت في أول يوم لي بالصحراء.

طوبى للصابرين المثابرين.

على مرمى حجر من المريخ: كيف نرد؟

لا عذر للتخلف في  بلاد القمر الأحمر:

كأني بالكوكب الأحمر في ” ليل تهاوى كواكبه ” يشير,من عليائه الفلكية, إلى مغربنا ويقول :

هو ذا بلد القمر الأحمر,والقلب الأحمر,والراية الحمراء؛ولكن…… ؛ثم رمانا- محتجا- بحجر ,وانصرف تحف به الكواكب حائرة.

نحن على مرمى حجر من المريخ ؛لا يكذبنا العلم ,وبين يديه الحجر ؛فهل سيقولها رواد فضاء مغاربة –من إحدى الألفيات المقبلة- حين يكونون فعلا قاب قوسين أو أدنى من هذا الكوكب الذي تحلم به الإنسانية العالمة, أرضا أخرى للبشر ؟

لا تستغربوا,المريخ شأن مغربي شعبي …طالعوا”مغرب المريخ ومريخ المغرب” المنشور بهيسبريس لمصطفى سنكي.

كل الانجازات البشرية ولدت أحلاما في أذهان أشخاص غير عاديين ؛لم لا نحلم نحن أيضا؛مادمنا

في الكثير من تخلفنا غير عاديين : أفي المغرب ,المنفتح حتى على المريخ,وحيث تزهر الأغاني في السفوح,ينام التخلف ملء جفونه؛  ثم ينهض متثائبا ,منتظرا غذاء يأتيه ؟

يغذيه ساستنا المتخلفون ؛وليس العلماء.

لم لا نتحدى كل إعاقاتنا التنموية؛ونمضي في مسافة الألفيات القادمة؟

لا تستكثروا الحلم, فمنذ خمسة آلاف سنة نحت عشاق للوطن,من المغرب البرونزي,لوحات رائعة  على صخور أوكايمدن,ياكورت,وغات ؛بها غزلان وأبقار وحشية,وأشكال هندسية, والكثير من حب الوطن.

يا شعراء العصر البرونزي المغربي: لقد عبرت قصائدكم كل الأزمنة, ووصلت لمغاربة الألفية الثالثة :مغاربة الانترنيت ,وموروكو مول,والتيجيفي؛ومغاربة بمثل حبكم ,والكثير من تخلفكم.

وفاء لحبكم نبعث بدورنا رسائل لمستقبلنا؛ من هذا الحاضر الذي يرخي علينا

كل سدوله,كليل امرئ ألقيس ,إذ ناخ بكلكله؛ ليبتلينا عسانا نرد على المريخ بتحية أفضل من تحيته .

“فحي ويحك من حياك يا قمر”

كواكبنا السفلى أولا:

الإسراء إلى كواكبنا السفلى-أولا- هو المدخل إلى المعراج  المغربي العلمي؛ سيتحقق ,وسيكون مغربيا فعلا؛ فقط يجب أن نثق في أنفسنا,وأن نقطع مع القدر الإنساني الغربي ,الذي صنف الأمم إلى منتجة للحضارة ,ومستهلكة لها.من هذا القدر الفضيع ولدت العدمية عندنا.

منذ قرنين فقط لم تكن الولايات المتحدة غير قطعان جوا ميس تدك الأرض دكا ؛وفي أعقابها رعاة بقر لفظتهم أوروبا ؛بأحذية ثقيلة وبهمجية مفرطة, أبادت شعبا كاملا من الهنود الحمر.

أما الصين فقد أقسمت في الستينيات ألا تتمتع ,فوق ترابها,بتلفاز حتى تصنعه ,بفكرها الشيوعي فقط.

أما الفكر الشيعي فلم يكن واردا أن يتحول إلى فكر نووي,باطني؛ تعد له إسرائيل ما استطاعت من قوة ورباط خيل.

لم يتحدث احد عن العمران البشري ؛كما تحدث ابن خلدون ألمغاربي.ولم يعل أحد الفلاسفة ,كما عالهم ابن رشد.ولم يرحل أحد إلى الصين,طلبا للعلم الجغرافي,قبل ابن بطوطة الطنجي.

أين يسكن المستحيل في خارطة القلب الكبير؟

1.كوكب التعليم كما سيرقى مستقبلا بالوطن:

مؤسساته- السيادية- فضاء تربوي جذاب ,بعشبه وأزهاره,وألوانه؛يلجه أطفال كالفراشات في يوم ربيعي دافئ.

تحتضنهم أقسام فسيحة بأثاث رائق ؛ويحتضنهم, أكثر, أساتذة ,مفعمون حيوية ؛ببرامج صاغها مربون مغاربة علماء. يبدأ الدرس بكل ما ييسره العالم الرقمي الديداكتيكي .

الطاقم الإداري ؛بتكوين تدبيري راق؛ يؤهله لتنشئة مواطنين جديرين بمغرب متحضر.

مخرجاته تستجيب لمتطلبات سوق شغل تحيط بجميع المجالات.

بدل جامعات القرون الغابرة ,الحاطبة بليل, تنتصب معاهد دقيقة التخصصات ؛مزارع سيادية للذكاء المغربي ,ترعاه إلى أن ينتج أقصى عطاءاته.

أو كان الخريجون فعلا يحرقون أنفسهم كمدا؟  يجيب المجيب:نعم في القرون الغابرة ؛حينما كانت أوروبا تحرق علماءها.   لا حظوا كيف يتزحلق التاريخ,ويتداخل..

كوكب القضاء:

صروح للعدالة الحق ؛تنتصب ,بكل هيبتها,وبكل أطقمها وترسانتها القانونية ,لتتعامل مع الفئات التي لم تستفد من النظام التربوي؛ رغم كل نجاعته ورقيه ,وتطاولت على الحق العام والخاص.

قضاة صارمون وإنسانيون ,في نفس الوقت؛ لا يركبون قطارات الذهب ,ولا يهابون ,في قضائهم, أحدا.

قضاة تصدر عنهم الأحكام – ابتدائيا واستئنافيا-وكأنها معادلات رياضية؛ لا يكذبها منطق ولا قانون.

حينما يخطئ القاضي ,أو ينحاز تدوي الصفارات في كل أرجاء المحكمة والمدينة:يهب رجال الوقاية القانونية لإطفاء حريق شب في القانون.

قضاء لا يوسد الحق للظالم؛ولا يسكت حتى يلهج المظلوم بحياة العدل.

قضاة غيرتهم على العدالة كغيرتهم على أسرهم؛منتصبون للحق:

“إذا القوم قالوا من فتى   خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد”

في محاكم- كالمساجد- “أذن الله أن ترفع  ,ويذكر فيها اسمه”.يقضي فيها “بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع”.صدق الله العظيم.

كوكب الصحة:

مارستانات بمختبرات لا تترك إلا حيزا ضيقا للأسرة؛لا تشتغل على مرضى مغاربة حاضرين بل على خرائط الجينوم الخاصة بكل المواطنين.طب عمومي توقعي؛ يبدأ قبل الميلاد, ويعالج انحراف الجينات قبل مرض الذات.

طبيبات وأطباء من بعد  ثالث,بتكوين  راق جدا؛يبعثون في طلبك, بممرضات مهذبات, ليخبرنك بأنك في يوم كذا على الساعة كذا,من عام كذا, ستشعر بألم من درجة كذا ؛لا تقلق علاجك جاهز ,وسيصلك حيث نرصد وجودك.

الله الله على الطوابير ذوات العدد ؛وردهات فيها الكثير مما لاحظه شاعر الحمراء في المطعم البلدي.

يأتيك بالأكل والذباب يتبعه    وكالجراد ذباب المطعم البلدي

هل كانت المستشفيات تعج بالمرضى في أسرتهم ؟ذاك في القرون الغابرة يا ولدي ؛حينما لم يكن العلاج استباقيا ,وعن بعد.

كوكب الفلاحة:

على امتداد المتوسط والأطلسي ,محطات لتحلية المياه ,تشتغل بطاقة موجية ذاتية. نسي الفقهاء فقه الاستسقاء,منذ قرون؛لأن الجنان عن يمين وشمال ,حيثما سرحوا ,وارتفع آذان.

تغطي الأذرع العملاقة-كما حلم المرحوم الحسن الثاني- كل السهول؛و حيثما وليت وجهك تجد ,فعلا,المغرب الأخضر.

يفيض المنتوج فيسلك سبله إلى أسواق متزايدة الطلب .

”كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية”.الحاقة:24

يقال بأن المغرب كان به عالم قروي متخلف ,ينتظر أن تمطر السماء لينتج الغذاء؛وعالم حضري لا ينتج غير نفايات الغذاء ؛أهذا صحيح؟ ذاك في القرون الغابرة يا ولدي. اضغط على الزر ليصلنا ماء

السعيدية ؛المطر شأن بحري.

كوكب السياسة:

لم يعد أحد يشتغل بالسياسة ,منذ قرون؛كل السلط موزعة على كل المواطنين:مقولة حكم الشعب بالشعب وللشعب لم تكن كاذبة؛لكن العلم هو الذي حققها وليس السياسة.

ملك البلاد مواطن عادي كسائر المواطنين ؛أصرت الملكية المواطنة التي نودي بها منذ قرون على أن تتحقق فعلا؛والفضل للعلم وليس للسياسة دائما.

ملك يحترمه الجميع لأنه كبير العلماء؛ومن قال بأن السلطة سياسية فقط.

رحل بيت النابغة الذبياني من جاهليته  ليصبح واقعا مغربيا مستقبليا:

كأنك شمس والملوك كواكب     إذا طلعت لم يبد منهم كوكب

ملك لم يعد له مبرر لا ليسود ولا ليحكم ؛لأنه عالم العلماء في وطن يسيره العلم.

هذا الملك العالم لا ينتظر منه أحد أن يتنازل عن علمه لمن هو أقل منه علما.

من نادى بالملك العالم؟  محمد الرابع ياولدي؛كان رياضيا وفلكيا.

من نادى بالملك المضحي؟   محمد الخامس ياولدي؛ضحى بعرشه ورفض الشمس والقمر هدية.

من نادى بالملك المواطن؟ محمد السادس يا ولدي؛كان له عرش متحرك بين المواطنين,حيثما وجدوا.

حيثما تنقلت في دواوين التدبير اليومي لا تجد غير كومبيوترات منتصبة لتتعامل معك بصفتك مواطنا كامل الحقوق ؛وحتى مسألة الكرامة غدت مجرد إنشاء؛ إذ الحقوق التامة تعني الكرامة التامة.

من كان يعرقل الحكومات الالكترونية؟  السياسيون ياولدي. لا بيع ولا شراء مع هذه الحكومات.

تنبثق الحكومة الوطنية عن انتخابات رقمية تتولى أمرها وكالة مستقلة-ليست كوكالات الماء والكهرباء التي كانت تضخم الفواتير في القرون الغابرة؛خصوصا في تازة- وكالة لا علاقة لها لا بالداخلية ولا بالخارجية.

حينما تختار الوكالة الرقمية مدبر(وليس وزيرا) كوكب من الكواكب السفلية المذكورة ؛ينتصب للتدبير

كارها,لكن مخلصا.

ولى زمن التدافع من أجل الوزارات. لا أحد يرغب في الانتقاص من أوقات متعته؛لكن للوطن أيضا ,حقوقه.

بطلب من النساء,ولانشغالهن بعلوم جينية دقيقة ,تم إعفاؤهن كلية من تدبير الدولة :

كتب الحرب والقتال علينا            وللغانيات جر الذيول

وتتوالى الكواكب السفلية,والكويكبات  ,طباقا؛حتى نعرج صوب الفضاء ؛صوب الكوكب الأحمر

براية حمراء ؛ يثبتها مغاربة ألفية قادمة, في موضع الحجر الذي ما هوى إلا ليوقضنا من  تخلفنا غير العادي.

يا مغاربة المستقبل:تذكروا أن مغربيا ,محبا لوطنه, مر من هنا وتنبأ –شعرا- بوصولكم إلى المريخ .

قد يخطئ في التحليل ,لكنه لا يخطئ في الحب.

الفقه الوردي: جزرة, وذكاء سوسيولوجي زمزمي

ميلاد الروض العاطر:  الكاما سوترا العربي

“وبعد ثلاثة أيام اجتمع بي( وزير مولانا عبد العزيز صاحب تونس المحروسة) وأخرج لي الكتاب المذكور(تنوير الو قاع في أسرار الجماع) وقال لي: هذا تأليفك؟ فخجلت منه، فقال لا تخجل فإن جميع ما قلته حق ولا مروغ لأحد عما قلته. وأنت واحد من جماعة؛ ليس أنت بأول من ألف في هذا العلم؛ وهو والله مما يحتاج إلى معرفته ولا يجهله ويهزأ به إلا جاهل أحمق قليل الدراية ولكن بقيت لنا فيه مسائل، فقلت ما هي؟ فقال نريد أن تزيد فيه مسائل، أي زيادات، وهي انك تجعل فيه الأدوية التي اقتصرت عليها وتكمل الحكايات من غير اختصارها. وتجعل فيه أيضا أدوية لحل العقود وما يكبر الذكر الصغير, وما يزيل بخورة الفرج ويضيقه وأدوية للحمل أيضا بحيث أنه يكون كاملا غير مختصر من شيء” »

من مقدمة كتاب :”الروض العاطر في نزهة الخاطر” (925هج)

” للشيخ الإمام العلامة الهمام سيدي محمد النفزاوي رحمة الله ورضي عنه“(كما يرد في خطبة الكتاب)

ومن أعف ما يرد في هذه الخطبة:

“سبحانه من كبير متعال، القاهر الذي قهر الرجال بمحبتهن والإ ستكان إليهن والارتكان. ومنهن العشرة والرحلة وبهن الإقامة والانتقال، المذل الذي أذل قلوب العاشقين بالفرقة وأحرق أكبادهم بنار الوجد والهوان والمسكنة والتخضع شوقا إلى الوصال. أحمده حمد عبد ليس له عن محبة الناعمات مروغ ولا عن جماعهن بدلا ولا نقلة ولا انفصال”

أي كتاب هو؟

إن الروض العاطر ليس كتاب فقه شرعي؛انه كتاب في التربية الجنسية ؛التي تقطع –للضرورة- مع العفة والحشمة ,وتتصالح مع الجسد ومتطلباته البيولوجية؛فيما يخص تحقيق المتع الحسية التي أودعها الله في الإنسان ليتحقق ,من خلالها, بقاء النوع .

ليس كتاب فقه,نعم لكنه من إنتاج عالم فقيه وقاض ؛غير مطعون في علمه وقضائه؛بل ربما اختير لولاية قاضي القضاة,وسجن لرفضه لها.

يعني هذا أنه يتحرك في إطار فقهي ؛يستند إلى الحلال والحرام ,كما يشتغلان في فقه النكاح ,عموما.

إن تصريح النفزاوي نفسه بأنه شعر بالخجل- فقط -حينما سأله الوزير عن كتابه الأول, دليل على أنه كان مطمئنا-وهو العالم القاضي- لامتثاله لفقه النكاح الإسلامي ؛ولو كان الأمر خلاف هذا لشعر بالخوف ؛وهو يضبط متلبسا بمخالفة الشرع,في بلد إسلامي؛ من طرف وزير نافذ.

وقد اطمأن الى الحاكم ,وبقية العلماء,والعامة ؛وهو يستجيب للوزير في ذكر كل التفاصيل الجنسية؛واثراء الموضوع بمضامين أخرى مفيدة؛لها صلة به,ومنها ما هو طبي ؛مما يؤكد سعة اطلاعه.

حينما عثر الفرنسيون على الكتاب في تونس أذهلهم خطابه الصريح ,واجتهاده في الإرشاد الى كل سبل المتعة الجنسية؛بسرعة أقبلوا على ترجمته ,والارتفاع به-أكاديميا- الى مستوى ” الكاما سوترا’ الهندي ؛وبقية الأعمال الكبرى في المجال.

لعل ذهولهم يفسر بثقافتهم المسيحية,الفيكتورية ؛القائمة على نصوص إنجيلية تضفي على الجسد روحانية وقدسية ,من مثل:

” أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؛ان كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله؛لأن هيكل الله مقدس ,الذي أنتم هو”                    1كو3:16

ولعل تعجبهم يفسر أيضا بنظرتهم المسبقة الى الشعوب الإسلامية؛على أنها شعوب متخلفة ,في شتى مناحي الحياة والعلوم ؛مفسرين هجمتهم بكونها رسالة تمدينية .

لقد أفحمهم الشيخ النفزاوي ,في فنه؛فأقبلوا على دروسه الايروتيكية ,التي تعلمهم أن لغة الجسد أبعد ما تكون عن القداسة والروحانية ,التي رسختها الرهبنة على مر العصور,حتى فرخت الشذوذ,و”البيدوفيليا”.
تبيئة الفقه الوردي :

اخترت هذه الصفة ,وهي سينمائية ايروتيكية ,لتمييزه عن فقه النكاح الشرعي.

يمتح الفقه الوردي ,وهو فقه جنسي تربوي,من المصادر المعروفة للخطاب الشرعي العام؛كما صنفها العلماء؛كما يمتح من ثقافة جنسية شعبية ؛ظلت تترى مع توالي العصور ؛بدءا من الموروث العربي الجاهلي ,ومرورا بما ثبت منه في فجر الدولة الإسلامية ؛ ووصولا الى عصرنا هذا ؛حيث اتخذ في المغرب- عن طهرانية زائفة – متماهيا مع الموروث الأمازيغي طابعا “زمزميا” : استغرابا,تعجبا,تسفيها وجلدا؛لأسباب سأتعرض لها.

أمثلة من القرآن الكريم:

“هيت لك” (وهي بمعنى أقبل) تلخص حكاية قرآنية ,لا أبلغ منها في الإحاطة بعناصر الغواية الجسدية كلها ؛ذكورية وأنثوية:

سيدنا يوسف:شاب لا أجمل منه إلا خالقه ؛زادته عفته جمالا وإثارة ؛في عينيها هي؛الأنثى المفعمة بالرغبة ,المنهزمة أمام سياط “الفونتازم” ؛وقد ألح عليها وهي ترى الشاب الوسيم ملك يمينها,وبينهما و الزوج والناس أبواب موصدة؛زيادة في الإثارة,بل الخدر.

“فهم بها وهمت به” ؛وهل يملكان غير هذا ؛وقد أودع فيهما الله كل مسبباته وشروطه؛بحيث لا يمكن أن يمنعهما عن بعضهما البعض غير برهان من الله ؛وقد حصل .

ارتقت بنا جمالية الخلق الإلهي,وقوة الإثارة والاستثارة ,المودعتين فينا, الى أرقى لغة للجسد ؛حتى تمنى كل واحد منا, وكل واحدة-وعلى مر العصور- أن يكونا يوسف وزوجة العزيز؛ لكن يرينا الحق سبحانه أن برهان الله أعظم مما نتصور جميعا.

ونستفيد ,إضافة الى تقوى الله ,في مثل هذه النوازل الحرام,المحفوفة بالمزالق ,أن الحلال هو بابنا لتحقيق كل المتعة التي جعلها الله –من قوة تأثيرها- تكاد توقع بشاب جميل ,لاأعف منه.

ونستفيد –قرآنيا- كيف نرتب كل أمور الاستمتاع الحلال ؛بما يليق بإنسانيتنا.

طبعا لم يشتغل النص القرآني لهذا بل يرد عرضيا: استحضروا امرأة العزيز ,وقد جمعت النسوة ,في فضاء غواية,ثري و ناعم؛وطلبت من فتاها أن يظهر لهن, في أكمل زينته.ويسيل حتى الدم ؛مما يفتح المجال لقراءات لا يتسع لها المقام.

ولا يستر القرآن الكريم لغة الجسد ؛حينما تكسر القواعد ؛ولا قصائده حينما تعبث بالتفعيلة .

فيقول على لسان لوط عليه السلام:” ولوطا اذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين *انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون “

الأعراف:80.81

فهي البدعة اللوطية(ما سبقكم بها من أحد)؛وهي الفاحشة التي يحضر فيها الجنس الواحد ؛فاعلا ومفعولا. وتحضر المرأة – وهي من هي إثارة وجمالا – معتدى على حق جمالي و بيولوجي من حقوقها.

بل يحضر النوع الإنساني كله ؛معتدى على كينونته وبقائه ؛ومعه خراب العمران وزواله.

ويمكن أن نتحدث حتى عن شكل من أشكال قتل النفس؛اذ لا أجنة عدا شهوة حيوانية عمياء.

*قمة الإثارة الأولى ؛حرام انتهى ببرهان من الله ؛وله أفق حلال للإشباع؛تؤطره نصوص شرعية موغلة في التفاصيل؛ وفي مواجهتها قمة الفاحشة التي تخرق كل نواميس الكون؛ويهتز لها عرش الرحمان.

كلا الصورتين مدخل أفضى بالمفسرين ,والفقهاء الى مراكمة ثروة فقهية ؛في نمو مطرد.

بل تفرعت- فيما يخص الفقه الوردي- الى تفاصيل ايروتيكية تربوية ؛لعلها توقفت مع النفزاوي ؛وما كان لها أن تتوقف ؛ليعمد شبابنا ,بالخصوص,الى النهل من منابع أخرى أبعد ما تكون عن ثقافتنا ومجتمعاتنا ؛و بائنة كل البين عن الحلال والحرام الايروتيكيين الاسلاميين.

ومن السنة النبوية المطهرة:

حتى ما بقي شيء خفي من أمور العلاقة الحميمية بين الزوجين إلا وتعرضت له هذه السنة؛ وما دام المقام لا يستدعي الإحاطة أتوقف عند نصوص حديثية شكلت,مع غيرها, منطلقا لتأسيس فقهي “وردي”يشتغل – تربويا- على “آداب الجماع” ؛امتدادا لمباحث حلال الأنكحة وحرامها,وحقوق الزوجين ,وغير ذلك مما أفاض فيه الفقه العام:

عن أبي ذر ,رضي الله عنه,أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له:يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور,يصلون كما نصلي ,ويصومون كما نصوم,يتصدقون بفضول أموالهم.قال:

أوليس قد جعل لكم ما تصدقون؟إن بكل تسبيحة صدقة.وكل تكبيرة صدقة……وفي بضع أحدكم صدقة” قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام ,أكان عليه فيها وزر؟فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.”   رواه الإمام مسلم

تحقق أجر الصدقة حتى بإتيان الشهوة الحلال؛رفعا لكل غبن قد يشعر به الفقراء إزاء المتصدقين من الأغنياء.  وفيه تحريض نبوي على المتعة الحلال.

أما عن صورة هذه المتعة ؛فيحضر فيها الطرفان- الزوج والزوجة- بكل حقوقهما الجسدية:

عن أنس بن مالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ” لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة؛وليكن بينهما رسول.

قيل وما الرسول يا رسول الله ؟ قال :القبلة والكلام.” رواه الديلمي في الفردوس.

حتى وان كان الحديث ضعيفا ,فهو مما يفيد في بابه ؛ولو مجرد نص مأثور عن السلف يؤطر لحظات حميمية؛ويوجه الى سلوك ايروتيكي حسن.

وتأسيسا على هذين المصدرين الأساسين اشتغلت الكثير من نصوص السلف الصالح ,وحتى من سائر الأدباء والشعراء ,على الموضوع ؛مادام لم يرد ما يحرمه ؛مع تفاوت طبعا ؛فيما يخص توخي التربية الجنسية ؛ومجرد الإثارة ,المحبوبة لدى كل الأمم ؛والمعبر عنها بشتى أساليب التنفيس والتمويه.وتنتصب “ألف ليلة وليلة” خير نموذج يحكي عن الكلام المباح ؛كما يؤكد الراوي على ذلك كل فجر.

ظاهرة الفقيه الزمزمي*:

ما كان لها أن تكون لولا القطيعة التي حصلت ؛على مستوى تراثنا الايروتيكي؛واستبداد طهرانية

مزعومة-أو واجهاتية فقط-قد تكون لها أصول في الحشمة المسيحية المقدسة للجسد,كما سلف.

ان الرجل على قدر كبير من الذكاء السوسيولوجي ؛اذ يحقق الشهرة بأمور حميمية ظلت,لقرون, عادية جدا.

اقرؤوا الروض العاطر- وقبله ألف ليلة وليلة- ليظهر لكم الزمزمي مجرد مراهق يحرج الراشدين بالحديث عن الاستمناء.

إن الخلل ليس في فقهه الوردي بل في تلقي المجتمع له ؛من خلال منظومة قيم لا قبل حتى لسلفنا

الصالح بها ؛ولعل “الثالوث المحرم :الدين,الجنس,الصراع الطبقي”للباحث السوري بوعلي ياسين؛يفسر الظاهرة تفسيرا مهما.

لو استمع الواحد منا الى صحابي جليل ؛وهو يهدي جاريةلابنه قائلا: “لقد هممت بها فلم أنشط لها”

لأصيب بالذهول ,ولزندق الرجل..

لا تحملوا الزمزمي وزر القطيعة في تراثكم؛ و لا تتركوا ذكاءه السوسيولوجي يفعل بكم الأفاعيل.

*الفقيه الزمزمي: اشتهر,في المغرب,بما يصدر عنه من فتاوى جريئة:منها جواز الاستمناء الأنثوي

بالجزرة وما شابهها؛استفراغا لطاقتها الجنسية؛حتى لا تقع في محذور الزنا.

في  يوم قنص:  بعيدا عن السياسة

تقديم:

لا يعرف أغلب قرائي أن أعز ساعات حياتي ,بعد قرآن الفجر والكتابة, هي ساعاتي التي أقضيها في الجبال والبراري؛قناصا على خطى الأسلاف ,حين أدركوا ألا حياة لهم دون الاعتداء على حياة الكائنات الأخرى.

شتان بين حاجاتهم الحيوية، وترفنا المعاصر؛ممارسين “رياضة الملوك”.

حقا إن العِرق دساس ؛ولولا هذا الدس ما أطلقتُ رصاصا على حجل رائع ؛تختزل ألوانه كل ألوان محيطه البيئي.

رافقوني ,في رحلة أول يوم من موسم القنص؛عسانا نبتعد عن قوم يرون في انتقاد الحكومة الحالية غمزا لقناة الدين ؛وإغراء بالعلمانية ….

ثلاث رصاصات:

شكل الأمر ,وهو رياضي فيدرالي , المدخل البارز لموسم القنص الحالي ؛فكان على حاملي أسلحة القنص الأوتوماتيكية

تعديلها امتثالا لقرار ” إعفاء” الطريدة من الطلقة الرابعة والخامسة.

ورغم إلحاح الرغبة في الابتعاد عن السياسة وجدتُني ,وأنا مُنهمك في فك براغم سلاحي الرباعي، لتعديل طلقاته, أربط بين هذا القرار الرحيم, وبين “عفا الله عما سلف” المشهورة؛الى درجة يمكن اعتبارها عنوانا لمرحلة سياسية في المغرب التبست فيها الأمور كثيرا على المواطنين ؛وهم يستمعون إلى خطاب سياسي شعبوي ,يوهمهم بأن فهم السياسة أصبح في متناولهم ؛لكن الممارسة تنتصب جدارا يصدمهم بجلاميده .

كل يوم يزدادون اقتناعا بأنهم يفهمون أنهم لم يعودوا يفهمون شيئا.

طارت كل الوعود كسرب القطا ؛ولا من يعيرك جناحه لتلحق بقية من عقلك تسعفك.

وحينما تقرأ كتابات النُّصرة المتوحشة تشعر وكأن القوم يستعيدون زمن حروب الردة ؛ويصنفون النقاد في خانة المرتدين ؛ ويقسمون أنهم ماضون في محاربتهم ولو على عقال منعوه؛كما قال الخليفة ابو بكر رضي الله عنه.

أنت الذي لا ترى في بنكيران سوى راكب ناقة “تروح وتغتدي” ؛وقناص بخراطيش بيضاء ؛هاهو يخترق الجامعة الملكية المغربية للقنص ؛والمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر؛ ليفرض قراره بإنزال القوة الضاربة للقنا صين بدرجتين..

“عفا الله ..” فلعل بين وحيش الجبال والغابات مفسدين قد تصيبونهم بالرابعة والخامسة ؛حينما تتمنع ذوات الريش في الأعالي ،وتتوالى طلقاتكم.

قف عند هذا الحد,يا رجل, فقد آليتَ على نفسك ألا تقرب ,في يومك هذا ,الأنثى اللعوب  التي اسمها السياسة .

قناصو الليل مروا من هنا::

تمتد على مدى البصر تلال متناسلة ,ومتناسخة يكسوها نبات”الدوم” وسدر متناثر هنا وهناك .

روعة الخضرة على أرضية بتربة حمراء,تنسيك في مزالق الأحجار تحت قدميك ؛فكونها غير ثابتة يجعلك تكاد تقع أرضا مرات ومرات.

تطلب من رفيقك أن يتوخى الحذر من المزالق فيجيبك بأن حرية التعبير أصبحت مضمونة فلا خوف. أجاب ,مكملا حديثا في السياسة,وأنت لم تقصد سوى سياسة المشي في هذه التلال الوعرة.  على أي هما سيان .

ها أنت توشك ان تواقع حِمى الأنثى اللعوب في يوم أفردته للرياضة والمتعة.

أُلاحق كلبتي “ليندا” وهي تستكشف التلال صاعدة ونازلة ؛بخفة ومثابرة وصدق غريزي.

قلت بيني وبين نفسي :ان ذهنها غير مشتت مثل ذهنك ؛ولا يشرد بها عما هي فيه من استنهاض لأرنب نائم ،أو اقتفاء أثر حجل يَصَّعدُ الجبل في هذه البُكرة الخريفية.

لا شيء في جميع الجبهات؛عدا قبُرات يرفرفن هنا وهناك ؛إذ خلا لهن الجو، فصفرن مطاردات لبعضهن البعض.

ثم تخاطب نفسك: لا تماسيح ولا عفاريت في البراري ؛إذ صارت كائنات مدينية ؛تختفي لكن تحت الأضواء الكاشفة.

ألم تقل الصوفية: “من شدة الظهور الخفاء”؟

يتوقف صديقي ويناديني: ها هو الدليل على أن قناصي الليل مروا من هنا :كانت الخرطوشة الفارغة جديدة كل الجدة ؛ونحن متأكدان أننا لم نُسبق إلى المكان في هذا الصباح.

ان امتثالنا لقانون القنص لم يمنع الآخرين من القنص السهل و الفاسد ؛الذي يداهم الحجل,ليلا, في مبيته بين الشعاب.

هذا ما يفسر ألا شيء في جميع الجبهات رغم تمرس “ليندا” في تخصصها.

إذن هو الفساد فعلا موجود في البراري أيضا. وها أنت ,رغم أنفك,مجبر على العودة الى السياسة ؛بما فيها تَوقعُ أن تعثر على العفاريت؛ مادامت التماسيح لا تعيش في جبال الدوم الجافة.

ننحدر وننحدر ,صوب واد عميق جدا من وديان “آيت سغروشن” .بدا لي من مجراه العميق وطوله ,وكثافة أشجاره ,أنه يمكن أن يؤوي المغاربة جميعا ,ولا يظهر لهم أثر.  زمن الحرب النووية طبعا.

الذاكرة تعج بصولات هذه القبيلة ,وجارتها آيت وراين ؛وهما تواجهان جبروت طيران فرنسي جبان ؛يخشى جنوده النزول أرضا لمواجهة أسود بويبلان ؛و لاساتر لهم سوى كهوف أعدت لهم منذ الأزمنة الغابرة.

كم هي رائعة نصرة السلف للخلف؛نصرة عسكرية إستراتيجية ؛وكم هي منافقة نصرة الخلف للسلف ؛كما يقع في أيامنا هذه ؛طمعا في دنيا يصيبونها أو أنثى السياسة.

ورغم استماتة الحذر في توقع الخطر:الانزلاق والوقوع ,لا قدر الله,في وهاد لا يقر لها قرار ؛تراءت لنا امرأة نازلة ,بدورها,وراء بغل قاصدة عين ماء سلسبيل في غور الوادي.

كان ممشاهما في غاية الخطورة ,ورغم هذا لا يبدوا عليها أدنى قلق أو رهبة ؛فهي متعودة على هذا النزول والصعود ؛ربما مرات في الأسبوع.

مرة أخرى تبحث معي السياسة عن الدولة ,عن الجماعة القروية ,عن أثرياء الوطن ؛وحتى عن عفاريت من الممكن أن يشقوا لهذه القبيلة طريقا آمنا الى العين؛أو يرفعوا ماءها بتقنيات العصر.

سألت فقيل لي :هذا الماء يسقي ,عبر أنابيب العديد من القرى بجماعة بوزملان(دائرة تاهلة) لكن الساكنة المحلية عليها أن تغامر بالنزول عبر ممر ضيق جدا لا يسمح بأدنى زلل.

ثم قيل لي بأن بغلا محملا بالخروب هوى,سابقا, إلى القاع مودعا عِشرة صاحبه ؛اذ تركه قائما يبكي وكأنه فقد طفله.

مغربي,من زمن بنكيران,يسكن كهفا:

استوينا في مكان طلبا للراحة ,وبين يدينا ما تيسر من طعام .شرعت اشرح لمرافقي جيولوجيا الكهوف ؛وكيف أنها من أثر الماء في أزمنة الثلوج والرواء ؛وكيف اتُّخذت مساكن آوت أجيالا من أسلافنا. قلت :أنظر اليها الآن ,فارغة موحشة,وكأنها لم تأو بشرا ,ولم تَدُر من أجل احتلالها حروب طاحنة, في هذه المنحدرات الوعرة.

ضحك وقال لي : يا أستاذ لماذا تربط سكن الكهوف بالأزمنة الغابرة  ؛لي صديق في مكان قريب من هنا لا يزال يسكن كهفا مع أمه وأطفاله.

يُسمى المكان” تالحيط” والكلمة تصحيف  أمازيغي ل: الحائط.

وأضاف :إذا شئت قصدناه ؛خصوصا وقد شكا لي من أسراب حمام تفسد عليه هدوءه ,وتصر على أن الكهف لبني جلدتها , وريشها,وليس لبني البشر.

ضحك صاحبي مرة أخرى وأنا أقول له:لقد صدق الحمام وكذب صاحبك . لن أقصد الكهف لمساعدة زميلك على التخلص من المالك الأصلي لمسكنه.

وفي عمقي أحسست بمرارة وحسرة:كيف تسمح السلطات والمنتخبون ,وكل فعاليات المجتمع بهذا؟

تذكرت الممثل الذي خلصه جلالة الملك من سكن السطوح ؛وتمنيت أن يحصل نفس الشيء مع هذا المواطن.

قلت لمرافقي:هل اتخذ الكهف تكملة لمسكن له كما يحدث في مناطق جبلية عديدة أم لا يسكن غيره؟ أكد لي ألا مسكن له عدا الكهف. وأضاف:لو نظرت الى أمه لما خلتها بشرا من بشاعة منظرها.

الله الله يا بنكيران أينك من ابن الخطاب وهو يحسب لشاء دجلة ألف حساب؛مخافة أن تقع في النهر وهي في عهدته.

(لكل غاية مفيدة:”تالحيط” جماعة بوزملان ,دائرة تاهلة,عمالة تازة)

في وكر الحمام رأس رجل:

حللنا دوحه فَحَنا علينا     حُنُو المرضعات على الفطيم

وأرْشَفنا على ضما زلالا    ألذ من المُدامة للنديم

يصدُّ الشمس أنَّى واجهتنا   فيحجبها ويأذَن ُللنسيم

يَروعُ حصاهُ حاليةَ العذارى    فتلمس جانب العقد النظيم

انه الرائع” وادي بوشرافات”- الشرفات- ولم أجد وصفه التام سوى في هذه الأبيات للشاعرة الأندلسية حمدونة بنت المؤدب.

ومن يعرفه قد يجد الشاعرة مقصرة في الوصف.

أما أنا ورفيقي وثالثتنا “ليندة” فقد أنسانا ماؤه الهادر وظله ؛وقطوف الرمان الدانية ,عن يمين وشمال ,في حرارة هذا اليوم الخريفي ؛ الذي أنهينا نصفه دون أن نطلق ولو رصاصة واحدة. لقد توالى مرور المفسدين من هنا حتى أتوا على كل ذات جناح ووبر.

نسينا كل شيء الا التملي في هذه الجنة المغربية التي لا تعرفها غير الساكنة ,وسلالات القناصين.

كل هذا الرزق البيئي وساكنة الجوار,من الشباب, لا تجد شغلا عدا الانخراط في سلك الجندية والذهاب بعيدا صوب الصحراء؟

كل هذا الجمال ولا قدرة لنا على إغراء السابلة الأجنبية بالمرور من  هنا أيضا ؛صوب مفازات الجيولوجيا الغابرة ,وما يؤثثها من كهوف تحتفظ بكل أسرارها وكأنها الثقوب السوداء في السماء.

على مقربة منا أطلال  رحى ماء ؛أتت عليها تقنيات الطحن الحديثة .

ذُكر لي أن سكان الجوار كانوا يضطرون الى المبيت قربها في انتظار دورهم.كانت بطيئة لكنها شكلت مرحلة تطور مهمة في زمنها:الانتقال من الرحى اليدوية الى المائية.

تبدو لي بقايا صخرة دائرية منحوتة ؛كأنَّ قلبها انفطر من وطء الهجر والنسيان. قد تجد القلوب في الصخر وتفتقدها في البشر .

كم يلزم من الوقت ليُنصف الحمامُ؛ ويُطرد ساكنُ الكهف الى مسكن لائق ببني جلدته؟

كم من السنين ستمضي لتنتبه الحكومة الى هذا المنجم البيئي الذهبي ,فتفتحه للسكان ؟

هذه المساحات الشاسعة ,المكسوة دوما ,ألا تصلح لإنتاج ولو ورقة واحدة؛ أو سلال رزق ؟

هل تستطيع الحكومة ,الملتح ثلثها,أن تفهم في لغة هذا المكان وساكنته؟

في طريق العودة,وقد مالت الشمس صوب المغيب, مررنا – صُعَّدا- بمحاذاة جرف شاهق ,ألقى إلينا بسرب حمام مذعور .طلقة ,طلقتان ؛وإذا بليندة تتنفس الصعداء: أخيرا ها أنذا أجد معنى ليومي هذا.

عادت بحمامتين من ضحايا عدوان يتكرر منذ الأزل.

واصلنا الصعود وترقب ما تبقى من حمام في الجرف .

ماذا أرى؟ رأس آدمية تطل من وكر شاهق .أكد مرافقي صدق بصري رغم ستينيتي.ثم أضاف :

لعله “نحال” يبحث عن الشهد . أَوَيستطيع ,على هذا العلو الشاهق ؟

لقد انحدر من عَل ,عبر شقوق جبلية تقف السحليات عاجزة دونها. ما أقواك أيها الرجل؛ وما أضعفنا ونحن نبحث عن

السهل الجاهز.

لما صعدنا الى القمة التقيناه؛جالسا وبيده منشار.سألته مازحا :أما خشيت أن يصيبك ما أصاب الحمام؟

أجابني: نحن كالعفاريت لا يصيبنا أحد من الإنس . منذ أن شرع والدي في إنزالي,عبر هذا الجرف, في قفة دوم مشدودة بحبال,لأقطع الشهد ,مات فيَ الخوف تماما؛فكيف بي اليوم وقد اكتهلت. اطمئن لن تصيبني حتى ولو صوبت نحوي.

تذكرت عفاريت بنكيران ؛وكادت السياسة تشرد بذهني لولا أن الرجل واصل قائلا:

في النهار أمارس ” المسح الطوبوغرافي العسلي” ؛وحينما أعثر على المكان الذي أوحى به اللهُ الى النحل حتى تتخذه بيتا أهيئ الطريق إليه ,بقطع ما قد يعترضه من أغصان؛وفي الليل أعود بِعُدتي ومعي أطفالي لنقطع الشهد.تماما كما كان يفعل والدي ووالده…

رباه كل هذه المغامرة النهارية لا تكفي الرجل ؛اذ لا يكتمل عمله الا ليلا ,حينما يهجع النحل ويبرد.

يا شباب الرباط هاهو نموذج للمغربي الذي لم يدرس سوى في جامعات الجبال ,شعبة النحل؛ولم يطالب أحدا برزق سهل أو صعب.

انه يُخَلد في هذه القمم حرفة أجيال من  المغاربة الغابرين.

انتشروا في الأرض والله الرزاق كما قال لكم رئيس الحكومة.

سألت الرجل: هل رُزقت هذا اليوم بشيء؟ أجاب: الحمد لله ؛حيث رأيتَني ,وسأعود ليلا.

طاب مساؤك سيدي .

في آخر دقائق يوم القنص ,وقد اقتربنا من الديار ,طار ,بعيدا سرب حجل رائع.

رصاصات وكأنها بيضاء كرصاصات بنكيران ؛لا تفسد للود قضية.

أهو يوم قنص؟ أهو يوم سياسة ؟

لا أدري.

لكنني متيقن أنني استفدت كثيرا من سياسة القرب هذه.

رجاء ليلتفت أحد الى ساكن الكهف ب”تالحيط”؛حتى أكون قد أفدت  الحمام في شيء ما.

“  يا طالع الشجرة،هَاتْ لي معكْ بقرة”

“………..تحلب وتسقيني ،بالملعقة الصيني“

الأدب النبوءة:

في روائع الأدب العالمي اشراقات تقف عندها حائرا؛بل يتملكك إحساس بالرهبة لأن ما تقرأه يعلو على مجرد الأدب الإنساني؛مما يجعلك تقتنع أنك أصبحت شريكا في العلم بنبوءة/رؤيا ستتحقق لا محالة ،دون أن تعرف متى وكيف.

قرأت “موسم الهجرة نحو الشمال” للخالد الطيب صالح،في مستهل سبعينيات القرن الماضي ؛وهي عروس بكر تتألق في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.

وكان علي أن أنتظر إلى نهاية التسعينيات لأرى،ذات صباح باكر، بأم عيني –قرب النعيمة-  ما يزيد على خمسين مهاجرا ،من أفارقة جنوب الصحراء؛مقرفصين فوق الثرى ،وعلى رؤوسهم توزعت فرقة من الدرك؛في انتظار نقلهم الى مفرزة وجدة.

لحظتها بدا لي المشهد وكأنه خارج، لتوه، من رائعة المرحوم الطيب صالح.

ها هي ذي الأزمنة تلد موسمك الذي رأيته قبل أن يكون؛وهاهي سلالة بطلك في طريقها صوب الشمال،  لكن من يصدق زرقاء اليمامة؟

يا طالع الشجرة:

في ستينيات القرن الماضي أبدع توفيق الحكيم مسرحيته اللغز” ياطالع الشجرة”؛ليقول ،على غرار موجة أدب العبث واللامعقول ،وقتها،بأن هناك إمكانيات ذهنية،أخرى، لقراءة الواقع ؛غير ما ألفناه من صرامة منطقية.

لاحظ أن الطفل الذي صادفه،وهو يتغنى بالأغنية الشعبية القديمة:” يا طالع الشجرة.هات لي معك بقرة.تحلب وتسقيني.بالملعقة الصيني  ” كان في غاية الانتشاء والسعادة ؛حتى وهو لا يفهم ما يردده.وهل في الأغنية مضمون يفهم؟

هكذا ولدت “ياطالع الشجرة”،لتترك النقاد في حيرة من أمرها،الى اليوم ؛مما رفعها إلى مصاف الأدب الإنساني الراقي ،الذي يحبل بمعاني ،تجتهد كل الأجيال في الإحاطة بها.

لعل عظمتها في تحديها للمعقول ،منذ البداية.  شخصيا أقبلت عليها منذ مستهل السبعينيات ،وسرت معها جنبا الى جنب ،فوق رصيف اللامعقول ؛دون أن تفضي إلي بشيء حاسم ومقنع ؛ولو فعلَت لانتهت أن تكون أدبا راقيا و خالدا.

كيف يراقص الحكيم العبث،في المسرحية؟

مما يقترحه بعض النقد الحديث  أن شجرة الحكيم ترمز إلى التناقض الإنساني؛ فهي ،في المسرحية ناطقة، وتظهر الاستعداد للإثمار أربع مرات في السنة ،وفي كل مرة تعطي ثمارا مختلفة عن سابقاتها.  شرطها ,لتحقق هذا ،أن يكون سمادها جثة إنسان ،كاملة،تطمر في جذعها.

يقتل “بهادر” زوجته”بهانا” لأنه لم يجد في حياتها معنى  غير العبث ؛ما دامت اختزلت وجودها كله في الإنجاب لا غير.    (اتركوا المعقول جانبا ،فأنتم مع مسرح العبث).

يقرر أن يهب جثتها سمادا للشجرة ؛استجابة لشرطها.حينما تظهر بهانا في المسرحية تظهر إلى جانبها سحلية؛مما أغرى البعض بالقول إن الحكاية كلها تحيل على أصل الخلق وغواية حواء لآدم.

يُقنع الدرويشُ الزوج” بهانا ” بأنه أخطأ الفهم، إذ قدر أن حياة زوجته عبث قي عبث:

معنى حياتها كامن في نفسها ؛وما تراه عبثا ،هو عبث حسب فهمك أنت.لو كانت مجرد عبث لما قررتَ إطعامها للشجرة.

ويواصل:إذا كان هناك عبث ،فهو عبث الشجرة:

“إنها تأتى بزهر هي لا تشمه، وبألوان هي لا تشاهدها، وبثمر هي لا تأكله، ومع ذلك تكرر هدا العمل العابث كل عام”.

يجادل بهادر:لكننا ننتفع بكل ما تأتي به.يرد الدرويش : هذا حسب فهمك أنت ؛أما هي ففهمها كامن فيها ،وهو غير ما تراه أنت.

ألم يتنبأ الحكيم بعبث الربيع المصري؟

شجرة عملاقة من الصنف الذي رأيناه في شريط “أفتار”؛بفارق أنها شجرة بشرية، اختارت التمدد أفقيا ،عبر كل شوارع مصر المحروسة. وكما شجرة الحكيم لا تعيش شجرة الثورة، هذه  ،وتؤتي أكلها المختلف ،حد التناقض؛إلا إذا امتزج في جسدها ماء النيل بأجساد الشهداء؛ مادام لم يعد هناك فراعنة يهبون للنيل عذارى مصر القديمة؛ يسلبهن الحياة ليهبها بدوره،من خلال فيضه الكبير، لفدادين القمح والذرة و البرسيم.

حتى الشجرة في الأغنية الشعبية القديمة،لابد أن تكون ممددة ؛بين أغصانها أبقار ترعى ،و تحلب نفسها بنفسها ،وتسقي من حولها  .  لا أبقار تصعد أشجارا؛هذا ما يقوله المعقول.

حتى داخل عبث الأغنية القديمة لا بد من وجود منطق ما.

مليونيات هادرة ،كما لم تجتمع البشرية أبدا ،في شجرة واحدة ؛وبين يديها القرابين البشرية، تلو القرابين ؛وحتى العذراوات أخضعن لطقوس الاغتصاب الجماعي- بدل هدر عذريتهن،وتركها وليمة لأعشاب النيل  – إرضاء للشجرة العملاقة، حتى تهب مصر كل ما لايخطر على بال من متناقضات؛تماما كشجرة الحكيم:

موقعة الجمل:

تتململ الشجرة وتهب لمصر القرن الواحد والعشرين،لوحة سريالية : جمال ترغو, وخيول تصهل ،عليها فتية ضمر،أسَل ضماء ؛يغيرون على الحاضر،من عمق التاريخ.ألم يقولوا: لا يصلح هذا الأمر إلا بما صلح به أوله.

” يا طالع الشجرة هات لي معك ناقة  .ترقص وتسقيني ..”   من بصدق أن يعود عمرو بن العاص ليفتح مصر من جديد؟

فرعون حي:

.  يظهر مبارك نفسه ،وحوله بطانته وابناه؛ أسيرا ،ممددا ك “توت عنخ آمون”؛بفارق أن الفرعون بصولجانه وذهبه ،أما مبارك فأخفى كنوز مصر وراء ظهره، لأنه لا يثق في البعث الفرعوني؛ بأبناك من ذهب وفضة، تغري الآلهة ببيع الجنة.

الفرعون الممدد فقير معدم؛ويطالب بتعويضات معنوية عن بلائه في سماء مصر.

رئيس من سجن النطرون:

مؤمن موحد،لا هو بالطويل الضارب ،ولا هو بالقصير الهارب.نريده- يقول شعب الشجرة/الثورة- عادلا ،يخفف عنا أثقالا ورثناها عن أجيال من أجدادنا؛ قصمت ظهورهم صخور الفراعنة ،وهم يبنون قبورا لهم ،لم تحمهم حتى من أغبى اللصوص؛ولم تقذف بهم صوب الفردوس ،وعين الشمس ،بكل مراكبهم وذهبهم؛كما كانوا يتوهمون.

نريده عمريا ينصف وينام ،أينما اتفق ،دون حرس من انس أو جان.

“يا طالع الشجرة.هات لي معك مرسي. يطعمني ويكسوني.ويحفظ لي ديني .إلى أن يوافي حيني.”

تتمخض الشجرة ،وتلده ،كما رغب الناس؛ رئيسا قائما يخطب ويمني ،يخطب ويمني؛الى أن أتى على كل لسان العرب،و حل زمن آخر للقطاف ،دون أن يعرف الناس لذة لثمرة مسلمة.

واللوحة الرابعة:

كتيبة من عسكر الفراعنة ،بنياشين كل السلالات الحديثة التي تحكم العالم؛تتقدم صوب الرئيس المسلم ،في قصر الرئاسة وتسأله:  كيف هربت من سجن النطرون الى القصر؟لدينا أمر باعتقالك.

لم يسمع أحد جوابه وهو يقول:هربت كما هرب الرئيس،وبنوه، من القصر إلى سجن طورة ،الى حمايتكم.      رب سجن أكثر أمنا من قصر.

نفس الكتيبة ستنصب رئيسا آخر ،سيختار ،من تلقاء نفسه،أن يُنصب ممددا-كفرعون ميت- حتى لا يسقطه أحد.

تلملم الشجرة أغصانها ،وتخلو الشوارع إلا من قطط تنزوا على بعضها البعض.تقرقر الشيشة فوق النيل ،وتتواصل الثرثرة.

يقف شبح الحكيم في زاوية  مظلمة من ميدان التحرير ،وتحت إبطه مسودة مسرحيته .يحدث نفسه قائلا:تماما كما توقعت .ثم ينصرف وهو يردد ،سعيدا كطفل صغير:

ياطالع الشجرة.هات لي معك بقرة.تحلب وتسقيني.بالملعقة الصيني…

قد نفهم هذا العالم أفضل إذا نحن هجرنا المعقول إلى اللامعقول

عصيد  وعرس الذئب

التثاقف المعاق،مرة أخرى:

من لم يعرف،من الداخل، خِصب المِخيال الأمازيغي ،وثراء موروثه الشفوي المتداول الى اليوم –على الأقل في ما أعرفه ،جيدا،عن “ثازنتيت” ؛وهو المصطلح الذي أفضله، لأنه ينسحب على كل أمازيغيات الجهة الشرقية،شمالا وجنوبا،بما فيها “ثاريفيث” و’ثافيكيكيث”- ستظل معرفته بنظرة الإنسان المغربي إلى الحياة والطبيعة ،والوجود عموما،بما فيها أسئلته المحيرة ،قاصرة ؛لأن أبنية اللغة العربية ،ثراءها اللفظي ،أخيلتها وصورها ،وفدت علينا جاهزة ،كما أبدعتها حياة قبلية عربية ضاربة في الصحراء ؛وكما نظمتها قصائد عصماء لفحول الشعراء؛وكما استوت ،في أقصى درجات الإعجاز الإلهي،لغة للقرآن الكريم.

حتى بعد الصدام، أولا، ثم التلاقح ،وصولا الى التثاقف والانصهار ،استطاعت اللغة العربية،فقط، أن تنقل الجزيرة العربية- أخيلة وصورا- الى وجدان الأمازيغ دون  أن تتمكن من كسر” آلتهم ” التصويرية الأصيلة ،التي تأتت لهم بحكم بيئتهم المتميزة – تضاريس ،نباتات،مناخا وحيوانا- عن البيئة الأصلية للعربية.

الأمثلة عما أذهب اليه كثيرة ؛ولعلها في الشعر المغربي -الذي فاجأ به العلامة سيدي عبد الله كنون المشارقة والفرنسيين معا، في كتابه الانقلابي،”النبوغ المغربي”- أبلغُ وأظهرُ.

أجْهدَ الشعراء المغاربة أنفسَهم كثيرا، دون أن يتمكنوا من نقل الروح المغربية الأمازيغية/العربية إلى شعرهم ،وتخليصه من أبنيته وأخيلته القديمة،التي ساروا فيها على ما أثنى عليه قدماء النقاد في شعر الجاهليين والمحدثين ؛دون أن ينتبهوا الى ما يؤثث محيطهم من صور وأخيلة شعرية عميقة الارتباط بالأرض والإنسان، في هذه المنطقة التي لا يمكن اختزالها فقط في نعت” الغرب الإسلامي”.

لم يُصدِرْ هؤلاء الشعراء،ومنهم أمازيغ، عن تعصب لغوي وشعري؛وهم ينظمون مقدمات طللية صحراوية، في غابات وجبال الأطلس،ويمدحون ملوك المغرب بما مُدح به عمرو بن هند ،هارون الرشيد، وسيف الدولة، ؛بل كانوا ينسجون على منوال وافد ,ويكِدون من أجل الرئاسة الشعرية بأدواتها المعترف بها عربيا .

لا يمكن أن نلومهم,أو نتهمهم بالإقصاء، لأنهم لم يجدوا بين أياديهم –من الضوابط الشعرية الأمازيغية-ما يتبنونه أو يرفضونه .لقد ظلت البيئة الأمازيغية- ولا تزال- شعرية بامتياز  ؛لكن على مستوى قول الشعر والتغني به وليس تقعيده.

يصدح الأمازيغي بكل عفوية وتلقائية، وهو يترجى من الغابة أن تزهر وتتخلج، حتى تغطي حبيبته عن أنظار العشاق المنافسين. هو لا يحتاج لينسج على عمود شعري بل تهمه عينا حبيبته، وقدها فقط؛وصولا الى دعائه الله- في موضع آخر- أن يحوله ،حين يموت،الى بذور نعناع تذروها الرياح ،وتنثرها على قبر حبيبته ليظللها من الحر..  الله أكبر لم يقل قيس مثل هذا في ليلى..ولا حتى روميو في جولييت..

كثيرا ما نقدتُ الشعر ،وقليلا ما عثرت على مثل هذه الصور الأمازيغية الرائعة. التي أغفلها شعراؤنا الأقدمون ،وراحوا يبحثون لدى عمرو بن العلاء وابن رشيق وغيرهما ،عما يطرب الأذن العربية هناك في مرابع ليلى وسعاد وفاطم.

بعد هذا أقترح على السيد عصيد ،وهو يُنصب نفسه أميرا للأمازيغية-أهلا به إن عدل وأنصف-أن يطرح أسئلة التثاقف، بفتح ورش في المعهد الذي لا نريد إلا تصحيح طلقاته ،لطرح كل أسئلة  هذا التثاقف المعاق وليس “الفينغة “والمعيرة  فقط.

كيف نجسر بين الثقافتين ،التجسير الذي يتطلب أولا أن يعي نشطاء الأمازيغية ،فعلا،ما ضيعته القرون؛وكيف،ولماذا ،حتى تتسع مداركهم أكثر للقطع مع كل الأخطاء السابقة.

لو اتسع المقام لحدثتكم عن أحاجي جدتي بالأمازيغية ،وكيف كانت تأسر أنفاسنا،ساعات الليل القروي الجبلي؛ لتُسلمنا إلى نوم نخاف فيه من أبطال مروياتها ،وهم يداهمون أحلامنا،أو نسعد بهم.

أحاسيس لم تتكرر أبدا،في حياتي، حتى وأنا أقرأ ذخائر الأدب العالمي،شرقا وغربا..

هنا مربط الفرس الأمازيغي،ياعصيد ؛ومهما اختلفنا أو اتفقنا سنصل أخيرا الى طرح الأسئلة الحقيقية ،أسئلة التثاقف.

نهايات الأحاجي الأمازيغية كانت تنهيها الجدة دائما بقولها: أنا مضيت من جهة الطريق السوية وهي(الأحجية) مرت،هناك، بمحاذاة الجبل…(نتش اكِّيغ أبْريذْ أبريذ ،نَتَّاثْ ثَكِّي أزْرُو أزرو).وتسكت شهرزاد عن الكلام وننام ؛تارة تقودنا الأحلام صوب طريق الجدة  السهل ،وتارة أخرى صوب شعاب الجبل  .ليتكم تختارون في الايركام ما اختارته جدتي لمسارها :السهل الموصل .   الأحجية ،بكل غموضها ،تريد لها الجدة دائما – جريا على تقاليد الحكي الأمازيغي- المسلك الوعر.

أستاذ عصيد؛هل تتقن لغة الحديث مع الجبال الأمازيغية؟  هل يحاورك طبقال ؟ هل استمعت الى الشعر الأمازيغي في سقف العالم “أوكايمدن’ ؟لو كنت تحسن كل هذا ما سطحت الأمور كما تفعل الآن.

نحن نبحث في عمق المحيط ،حيث ظلمات القرون، وأنت تبني قلاعا من رمال على الشاطئ.

عرس الذئب:  أورار وْ وُوشن

حينما ترعد وتبرق ،في قبيلتي الجبلية,حيث جبل الصواعق “آلغ اييسام”،وتتهاطل الأمطار ؛ولا يكاد الناس يلملمون أغراضهم، في الحقول والغابات ،طلبا للنجدة في العودة إلى الديار ،حتى تصحو السماء من جديد وتعاود الشمس مُلكها ونورها.

بعيدا في الأفق من جبل “ثامنارث” (المقبرة) الى “آلغ أووذاي” (جبل اليهودي)يرتسم ،عاليا في السماء،قوس قزح بكل بهائه الكوني الرائع.  حينها يعود المتوجسون الزكراويون الى سابق شغلهم ؛وهم يرددون ضاحكين :  “غِيرْ ذُورَار أووشنْ”.انه عرس الذئب فقط.أو “اَدْجْ خَكْ قَا غِيرْ ذُورُارْ أوُّوشُنْ”  لا تهتم انه مجرد عرس الذئب.ألوان زاهية لا يبحثون لها في الميتافيزيقا عن جواب ،بل في ما يسلي:عرس الديب.

حينما قرأت مقالك سيدي: “الأمازيغية المعيار’ ردا على مقالي “ميلاد الأمية الأمازيغية” ؛وقد أسالا ،معا كثيرا من المداد الالكتروني ,تعليقا:88 للأول الى حد الساعة و129 للثاني ؛مما يدل –ربما-على حالة الاحتقان التي  وضعتم الناس فيها بتسييس النقاش وتسطيحه .

حينما قرأت هذا المقال وجدتني ؛دفعة واحدة ،وبدون علم مني ولا استشارتي, خادما للمحيط الملكي ،وناطقا باسم جهات حمشتها السياسة والانتخابات ؛أنا الذي انتمت طفولتي الى أحاجي جدتي ،وما أكملته المدرسة ،وأشيخ الآن وسط خزانة الجاحظ ،موليير والشيخ غوغل ،وأتنفس من خلال الشبكة لأعاود الغطس حرا طليقا …

ضحكت زوجتي كثيرا وهي تقول لي:لُمَ أخفيت عني كل هذا الدهاء،والنفوذ، والاشتغال في الدواوين السلطانية الشماء، والدفع بالمشورة ذات اليمين وذات الشمال ؟

لماذا تنكر علي حتى أن يكون لي رأي في الأمازيغية وأنا أمزغ منك روحا ،وقد تركت لك أن تكونها شكلا؟

عجبا كيف استقام لك ألا ترى فِيَّ مُطلعا على أدبيات المناهج والبرامج التربوية ،وتشريعاتها أنا الذي ما نفضت كنانتي منها ،رغم تقاعدي؛بعد التقلب في عدة مهام منها بناء البرامج والتأليف والمراقبة ؟

ثم تنكر علي أمازيغيتي مولدا ،وأمازيغية الجهة الشرقية ،جوارا،وأمازيغية بني اوراين وبني سادن مخالطة ؛ليستقيم لك أن تجيش نشطاء الشاطئ وليس عمق المحيط  ،وتجهز لهم العديد من “المعيور”  والمصطلحات التي يقذفون بها في وجه كل من حام حول الحمى:عروبي، قومجي ،صدامي،قذافي…..

وكل إخوان الاستبداد.

بل بلغ بك التهور أن ناوشت نسب الشرفاء الأدارسة،في موضع آخر ،وكان أحسن جواب أ لا يجيبوك .

كيف أقنع الآن أسرتي  بأنني لست ناطقا باسم أحد من محيط الملك ،ولا باسم سياسي يهاب الاحتراق؛وكيف أستعيد ثقة قرائي، في أفكاري ،باعتبارها خالصة الانتماء لقلم عربي أمازيغي يعرفونه كما يعرفونك؟

لم أجد صورة تحقق أحسن وصف لوضعك -ووضع كل من لا يهمه من الأمازيغية الا أن يغلق نوافذها

في وجه من يتقنونها ومن لا يتقنونها ،حتى تظل الحبيبة داخل الغابة ،بكل بهائها الذي خاف عليه الشاعر الأمازيغي الزكراوي –  غير عرس الذئب:

رعد ،برق، مطر ، وتصفوا السماء ليعود الهدوء من جديد ،وتتواصل الحياة في هذا الوطن بالكيفية التي تجري منذ آلاف السنين :فنيقيون ،رومان،عرب مسلمون،ملوك عرب وأمازيغ ،وآلاف الحكايا والقصائد التي اختار الأمازيغ أن يدونوها –حتى وهي خالصة لهم-بغير تفناغ..حتى وهم أهل سلطان ودواوين..

رغم كونكم أكاديميين، و نعترف بكم- رغم نظرتكم إلينا كمجرد مروجين لرؤى غيرنا- لم تَصْدُقونا يوما ،ما الخبر ؟لماذا هذا الجحود الأمازيغي الأمازيغي ؛قبل أن تتهموا من يسميهم غلاتنا بالعربان .

لَمْ تفترضوا ،مثلا، أن تكون حروفا معبدية، تعبدية مقدسة، لديانة منقرضة .

رحم الله الجدة فقد عاشت بوشم،في جسدها ،به خليط من رموز تفناغ والشمس والحيوان …وحينما كانت،في أواخر سبعينيات القرن الماضي، بين يدي الطبيبة الفرنسية،في الدار البيضاء،وهي تتداوى من مرض خبيث أصابها، استأذنت هذه الفرنسية  أخا لي في أن تلتقط صورا لهذا الوشم ،ولما استفسارها عن سر اهتمامها أجابت :أبحث في الديانات القديمة للأمازيغ ،ولعلي بصدد بعض مفاتيحها.

هذه جدتي التي أغلب بها مائة عصيد؛كما قال الشاعر جرير عن أبيه حينما رئي وهو يرضع من شاة.

“هذا أبي وبه غلبت مائة شاعر”.

رحمها الله ورحم جدتك ،فلا شك أنها كانت تحمل الشطر الثاني من القصيدة الأمازيغية التي لا تشرحونها للناس كما هي؛وتسارعون إلى إثارة الزوابع ، وخلق الاثنيات،قسرا، في بلد متميز بتفتحه في كل شيء.

ابحثوا في العمق ،وأفسحوا لآرائنا المتواضعة ،ولو باعتبارها مجرد فرضيات وأسئلة ؛ولا تجعلوا أساتذة الأجيال مجرد مرايا تعكس صور غيرهم.

من يمارس الهدم؟

من أداته العمق الوجداني الأمازيغي ،يسعى الى سبر أغواره لفهمه ,ولتيسير وصول المغاربة اليه، في لغته – أنى وجدت-أم من يعرض عنه ،ويتمسك أولا بالشكل :يغلق الباب ويضع المفتاح في جيبه هو فقط؟

لقد ذكرت في موضوع سابق أن التثاقف سابق عن التفانغ. وأكرر أن التريث ريثما نتمكن من تجميع التراث الأمازيغي الشفوي ،لفهم أنثروبولوجي سليم ،بعيدا عن الروح  الديكية الاقتتالية ،أفضل من استنفاذ الجهد ,والاستثمار في بغضاء لم تَسْرِ أبدا بين العرب والأمازيغ ؛بل عششت في أذهانكم فقط.

لقد اطلعت على كثير من الكتابات الكولونيالية التي تناولت الشأن الأمازيغي –لغة وثقافة- وصدقوني ان قلت لكم بأن هؤلاء الرواد خدموا الأمازيغية وحضارة الأمازيغ –خصوصا في الجزائر ،لطول المقام- أفضل مما تفعلون الآن .وما عثرت في ما قرأت على إدانة لغوية للعربية باعتبارها المتلبسة بجريمة القتل، التي تلبسونها اليوم لها. كانوا أمزغ منكم،ومنا، وهم يخصصون الدراسات المرجعية الضخمة لأحاجي الأمازيغ في القبائل الجزائرية بالخصوص.

ان ثقلت عليكم الثقافة العربية الإسلامية فعلى الأقل كونوا – منهجا-في مستوى هذا التراث الفرنسي ،الذي لا أخالكم إلا مطلعين عليه.

صحيح لا نستطيع اليوم –نحن أمازيغ الكتلة الزناتية- أن نبرر غيابنا عن بدايات البحث الديداكتيكي في اللغة الأمازيغية سوى بإقصائنا من تمثيلية معقولة  في المعهد؛وفي اعتقادي أن السبب يعود الى مصطلح قاصر هو “ثريفيث” بكل حمولاته التاريخية ،التي تقع كل نضالات وعيكم الأمازيغي دونها.

لغة عبد الكريم الخطابي ،وهو يجندل عتاة الاستعماريين الاسبان ؛ ضمن هوية مغربية أمازيغية، لم يجد غضاضة في التعبير عنها،وتثبيتها، بالفصحى قالبا ،وبالأمازيغية روحا.

لن تجدوا نصا واحدا لهذا البطل ،سواء بتفناغ، أو مروجا لها ؛لكنكم ستجدون حتما خريطة جبلية للوطن ،عرف كيف يحررها بالروح الأمازيغية ،وبالحرف العربي؛حتى أزرى بلغتي موليير وسرفانتس على السواء.

لو كان المصطلح الشامل”ثازنتيت” حاضرا ،في البدايات، بكل الوضوح الذي أثبتته الدراسات الكولونيالية المختصة- على علاتها-لما مورس ،على جهة كاملة، كل هذا الإقصاء.

في ما يخصني شخصيا ؛أذكر أنني عايشت بدايات البيداغوجيا الأمازيغية، في أكاديمية القنيطرة ،حيث حضرت بعض أنشطة جمعية التبادل الثقافي ،وجمعتني المهام التربوية مع زميل من السبعة رجال المستقيلين من الاركام؛وجرت بيننا نقاشات لم تكن تنتهي إلا لتبدأ؛ عرفت من خلالها كل الخطوات التي قطعت؛منذ نداء أحرضان على الفتية الأمازيغ أن أقبلوا ” جا وقتكم، ياك ما فيكم غي لهدرا”.

وكم كانت دهشتي عظيمة حينما اقترحت على هذا الزميل العزيز أن نفكر سوية في نموذج ديداكتيكي نقدمه للوزارة كأرضية للنقاش. كان الجواب :اجر معي مقابلة صحفية. وشتان بين اقتراحي وهذا الجواب المتعالي؛تماما كما تفعل اليوم أنت ياعصيد.كنت وقتها –مستهل الثمانينيات- أنشر في العلم الثقافي فاهتبلها صاحبي ذريعة ليطالب بما طالب به.

لم ننجز عملا لكن نقاشنا تواصل ؛حتى فرقت بيننا السبل ،دون أن تبعدني عن القضية.

وحتى حينما رفضت تفتيش الأمازيغية،اذ اقترح علي لأمازيغيتي- أواخر التسعينيات- في نيابة وجدة أنكاد؛ كنت أصدر عن حِس منهجي ديداكتيكي لا يمكن أن يوافق على العبث ،من أية جهة صدر؛ولا يمكن أن يتواطأ مع أحد .

ولا زلت لا أقر أحدا على العبث بالمصير اللغوي والثقافي لهذا الوطن ،لا أستقوي بأحد عدا الوشم الأمازيغي على جسد جدتي ،وقلمي الذي تعلم من كل حكيها ،ومن لغة القرآن ومن التراث الإنساني عموما  ؛وربما صوفيتي التي جعلتني أفهم عن الغابة والجبل أكثر منك يا عصيد.

ورغم كل التباين في الفهم ،والطرح، لكم تحيتي على كل جهودكم المصيبة . وقد سررت لوعدكم بمقالات  في الشأن الأمازيغي،وثمنت مطالبتكم بنماذج مقنعة لأفضل طريقة يكتب بها النص الأمازيغي.

هكذا تكون قد تجاوبت معي حينما قلت :ان الدستور يعود على بدء، ولا شيء حسم ،ولا شيء سيحسم حتى يستقر الجدل على الأفضل.

ميلاد الأمية الأمازيغية

لنتأمل اللوحة كاملة:

ان المكاسب التي تحققت للغة الأمازيغية؛بدءا من مأسسة البحث الأكاديمي (الايركام)وجعله حكرا على نخبة من المغاربة ذوي الأصل واللسان الأمازيغي؛وصولا الى دسترتها ،التي تعني مغربتها ؛بالمدلول

الذي يفهم منه جعلها مكونا لغويا وثقافيا يلزم المغاربة جميعا ,وليس الأمازيغ منهم فقط:

“تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء. يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.”                               الفصل الخامس  من الدستور

كل هذه المكاسب التي تؤسس لسرعة لغوية،وثقافية، أخرى في المغرب- وهي الثانية بعد سرعة الازدواجية التي فرضتها الفرنسية والاسبانية – يجب ألا تنسينا في سؤال أراه مهما جدا ,ونحن في مرحلة التأسيس هذه:

ألا نكون بصدد ترسيم أمية ثانية ،ونحن قد وصلنا ،بالكاد ، إلى ثلثي الطريق في حربنا ضد الأمية

الأولى؟

لا أريد بهذا السؤال أن أفل من عزم أحد ،ولا أن أشوش على فرحته ؛ولكن أريد أن أنظر الى ما تخفيه الشجرة ،حتى أرى الغابة كاملة ،وأتمكن من رسم كل اللوحة بالألوان الطبيعية الحقيقية ؛بما فيها درجات السواد.

كل اتهام لمقاربتي ب”العروبية” ستكون مجانبة للصواب .إننا بصدد إرساء سياسة لغوية جديدة تستلزم ميزانيات ضخمة ؛وكل خلل ناتج عن التسرع ,والتعصب،ستترتب عنه أضرار مجتمعية شتى إضافة الى الخسائر الاقتصادية التنموية.

كيف نعرف الأمية الأمازيغية؟

قبل البحث في هذا التعريف لا بد من التذكير بكون النسبة المحددة ،حاليا،للأمية في المغرب لا تستدخل مكون اللغة الأمازيغية .

ان نسبة 30 في المائة التي خولت لمديرية محاربة الأمية، بوزارة التربية الوطنية، الحصول من اليونسكو  على جائزة  “كونفوشيوس”-بدرجة مشرف- لمحو الأمية ،برسم سنة2012؛في ما يخص الساكنة التي تتجاوز أعمارها العشر سنوات؛ مؤسسة على تعريف هذه المنظمة للأمية:

“الأمي كل شخص غير قادر على القراءة والكتابة، وفهم نص بسيط و مختصر لأحداث في صلة مع حياته اليومية” (1958).

من المنطقي،والدستوري ،أن تكون اللغة الأم(العربية) هي المعتمدة في تبني هذا التعريف وطنيا.وعليه فالجهود التي خولت الجائزة الأممية للمغرب استهدفت اقدار المستفيدين من برامج التمدرس النظامي، ومحاربة الأمية، على كتابة العربية وقراءتها وفهمها ،في الحد الأدنى :نص بسيط له صلة بالحياة اليومية للشخص.

وعليه فكل من لم يصل إلى هذا المستوى يعتبر أميا.والأمية هنا أبجدية طبعا .

اعتبارا لكون العربية هي اللغة الرسمية أسكت عمن يحقق كفايات الكتابة والقراءة والفهم بلغات أجنبية فقط.

بدءا من سنة 2004 ،وبعد تردد حاد، في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية, بين تفناغ والحرف اللاتيني ،تم ترسيم تفناغ حرفا لكتابة الأمازيغية ؛مما أثار ويثير نقاشا وطنيا حيويا ،مرشحا للتصعيد. وقد دخل على  خط النقاش مستشار ملكي (ذ الجراري) وأكاديميون ومثقفون و قادة سياسيون؛مما يعني أن الأمر بالغ الأهمية ؛كما هو الشأن بالنسبة لكل السياسات اللغوية في العالم.

في سنة الترسيم هذه(2004) كانت النسبة الوطنية للأمية هي 43 في المائة؛طبعا،وكما ذكرت،  لا تغطي هذه النسبة  اللغة الأمازيغية.

لن نعتمد هذه السنة منطلقا لمناوشة مدى مصداقية النسبة الوطنية للأمية ,وسننتظر تفعيل الدستور الجديد ليصبح من حقنا – ان تم ترسيم تفناغ بصفة نهائية- إما أن نطالب بتحديد نسبة الأمية الأمازيغية أيضا  ،كنسبة ثانية ،ندلي بها وطنيا ودوليا،الى جانب الأمية العربية؛وإما أن نبحث عن الصيغة المناسبة لاستخراج نسبة واحدة، للأمية الوطنية ،لا تقصي اللغة الأمازيغية.

بمعنى أن الذي يصل الى قراءة وكتابة تفناغ ،وفهم نص بسيط مكتوب بها ،له علاقة بحياته اليومية؛لا يجب اعتباره أميا ,ولو عجز عن فهم مقابل لهذا النص في العربية.وأكثر دقة -وان كان لا يستقيم منطقا- أن نعتبره متعلما وأميا في نفس الوقت.

يطرح نفس الإشكال بالنسبة للصورة المقابلة:حالة المواطن الذي  يقرأ ويفهم نصا عربيا ،دون أن

يقدر على قراءة وفهم نص أمازيغي بتفناغ. إذا حكمنا إلزامية المتن الدستوري فسنعتبر هذا المواطن أميا ,ولا ارتفاع لأميته إلا بتحقيق نفس النتيجة إزاء النص الأمازيغي. ولا يستقيم مرة أخرى أن نقول بأنه يجمع بين التعلم والأمية.

إن اعتماد تفناغ هو الذي خلق هذه المنزلة بين المنزلتين ،على حد التعبير المعتزلي.

إضافة الى عدم منطقية أن يعتبر المواطن متعلما وأميا في نفس الوقت ،فإننا ملزمون ،في علاقتنا بالخارج؛خصوصا مع اليونسكو والدول الداعمة لنا في حربنا ضد الأمية، أن ندلي بنسبة واحدة للأمية

تعتمد معيارا واحدا ،معترفا به.

ان المسألة تتعدى الجانب الإحصائي الى تدقيق المعايير المعتمدة في رسم السياسة اللغوية للبلاد ،وبناء برامج فاعلة لمحو الأمية.

أي أبجدية نعتمد لرفع إشكالية تحديد نسبة الأمية؟

لا شك أن اعتماد تفناغ ,وأخذ قراءة نصوصها وفهمها بعين الاعتبار في تحديد نسبة الأمية ،سيوصل هذه النسبة الى رقم مهول؛لأن رسم هذا الحرف غير معروف إلا في أوساط الأكاديميين الأمازيغ ونشطائهم ،وقلة من التلاميذ المستفيدين فعلا من تدريس الأمازيغية.

هل نتشبث بتفناغ لنضطر الى القول،مثلا,ان نسبة الأمية الأمازيغية في المغرب  تصل الى 95 في المائة في أحسن الأحوال ؟

هذا التحديد يستدعي ،طبعا، التفكير في  ميزانيات وأطر ؛بل في سياسة أخرى للدولة، في حربها ضد هذه الأمية، كجبهة جديدة فتحتها على نفسها قبل الخلاص من الأولى..

هل نقتنع باعتماد الحرف العربي في كتابة الأمازيغية ،وبالتالي نحتفظ بتعريف اليونسكو ،ونحن نسوي بين النصين الأمازيغي والعربي ،كوحدة لقياس الأمية؟ بهذا يصبح من قرأ وفهم  نصا أمازيغيا بسيطا بحروف عربية غير أمي ؛لأنه قادر أيضا على قراءة وفهم نص عربي؟هذا المنحى يخفض نسبة الأمية الأمازيغية بكيفية كبيرة.

تبرير هذا الاختيار يتجاوز مجرد حل مشكل المعيار المعتمد في تحديد الأمي من عدمه ؛لأنه يحقق:

*الأخذ بمنطق تطور الأبجديات السامية ؛الذي جعل الحرف العربي أكثر تطورا من الحرف الأمازيغي .

*تمتين أواصر الربط ،بل الانصهار،وزرع الثقة ،بين المغاربة العرب والأمازيغ لتصبح الصيغة الآتية مقبولة ومنصفة:

نعم نكتب بحرفكم لكن شريطة تعلمكم للغتنا. لعلها صيغة أفضل من : نُصر على حرفنا ولا يعنينا رفضكم تعلم لغتنا.

*توحيد جبهة محاربة الأمية لخفض الكلفة الاقتصادية.

*تحقيق تراكم ثقافي أهم مما يمكن أن يتحقق باعتماد تفناغ.

ليس قصدي هنا الحسم لصالح هذا الحرف أو ذاك ،ولكن الدفع الى مواصلة النقاش الوطني حتى نحيط بهذه القضية اللغوية- مادامت قد أصبحت خطابا دستوريا ملزما لكل المواطنين-  من جميع جوانبها .ان لحظة الفرح بالدسترة ,وتضخم الأنا الأمازيغية التي عانت كثيرا من التغييب، لا يجب أن يُغيبا صعوبات رسم سياسة لغوية جديدة تتسم بالمصداقية والفعالية الثقافية والتنموية،ونقنع بها،في نفس الوقت الجهات الدولية المعنية  .

اشكالية الأمازيغية المعيارية:

حتى لو حُسمت قضية الحرف لصالح تفناغ ،على مستوى القانون التنظيمي المنتظر،وغضضنا الطرف عن مأزق تعريف الأمية ؛وتوفر ت لنا الميزانيات الضخمة الكفيلة بمحاربة الأميتين معا:العربية والأمازيغية،إضافة إلى تنزيل باقي مقتضيات الفصل الخامس وهي:

“تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم ؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر.”

؛فإننا سنصطدم بجدار هذه اللغة المعيارية التي تم توليدها في الأنابيب المخبرية للايركام ،دون تمثيلية تغطي كل الأمازيغيات.

إذا اشترطنا أن يكون النص البسيط، الذي يقول به تعريف اليونسكو،من الأمازيغية المعيارية ،فإننا سنحكم على متقني قراءة وفهم كل الأمازيغيات الأخرى بالأمية.

لا يتعلق الأمر بمجرد لهجات،كما يقول المتعصبون لأمازيغيتهم ،تحت مسمى المعيارية، بل هي أمازيغيات تصل أحيانا الى استحالة التفاهم في ما بينها؛كما هو الشأن بين أمازيغية الجهة الشرقية ؛كما تتنوع لهجاتها بين الريفيين ،بني يزناسن،الزكارة،بني يعلا،بني بوزكو….وحتى أهل فكيك ،من جهة ؛ وأمازيغية سوس من جهة أخرى.وبالمناسبة فقد جعلت المعيرة،من السوسية،لغة قريش أخرى .

ان الأمازيغية المعيارية-في ما يتعلق بتعريف الأمية ,ورسم السياسة اللغوية،وفق ما ينص عليه الدستور- تزيد المشكل تعقيدا.

اعتبارا لكون النظام التربوي يقتضي وجود لغة معيارية واحدة تعتمد في بناء المناهج والبرامج ؛واعتبارا لمنحى الجهوية المتقدمة الذي سيترسخ مستقبلا في المغرب ،واستحضارا للتقارب الموجود بين أمازيغيات الجهة الواحدة فان مصداقية المعيرة ووظيفيتها تقتضي أن تكون جهوية وليس وطنية؛حتى لا نقع في أوضاع ديداكتيكية محرجة؛فنعلم للتلميذ الفكيكي أو اليزناسني أو الزكراوي أمازيغية معيارية تلغي أمازيغيته الأم ،وتثير حيرة الأسر.

هذه المفارقات حاصلة اليوم ،دون أن تكون موضوع وعي مجتمعي قَبَلي ،يهب لمحاربتها.لكن هذا لا يمنع من توقع حصول ردود أفعال قوية مستقبلا.

ولن يخدم مستقبل اللغة والثقافة الأمازيغية في شيء أن يتم التشرنق هكذا داخل لغة معيارية وطنية تستفز مشاعر كل الأمازيغيين الذين لا يجدون نفوسهم داخلها.

ان العودة الى الصواب خير من التمادي في الخطأ.اخرجوا بالمعيارية الى أسواق الأمازيغ –خارج سوس- وقيسوا درجة التواصل مع الناس،ثم احكموا… ان المختبر الحقيقي هو المجتمع وليس مؤسسة البحث..

خاتمة:

إن الفرحة المستحقة،جراء دسترة الأمازيغية ،بعد طول إقصاء ونضال ،يجب ألا تستبد بنا إلى درجة إقصاء حلول موضوعية ووظيفية ،اقتصادية وديداكتيكية ,تيسر تنزيل مقتضيات الفصل

الخامس من  الدستور، وتشرح صدور كل المغاربة في إقبالهم على تعلم الأمازيغية ؛دون أن يشعروا بخطر على هويتهم أو بإقصاء ما للهجتهم.

لولا مراجعة الدستور التي أعادت النقاش إلى منطلقاته الأولى ،وجعلت من حق كل مواطن فاعل أن يعبر عن رأيه بخصوص الأمازيغية ،وليس المعهد الملكي فقط وباقي النشطاء؛ لكنا أسرى تنفيذ ما تم ترسيمه سنة 2004.

ان الفرصة سانحة اليوم لتقليب كل وجهات النظر الكفيلة  برفع حالة الاحتقان اللغوي والهوياتي

التي فرضتها علينا اجتهادات متعصبة ومندفعة.

عنف السياسي  في نقاش الأمازيغية

توطئة:

بدا لي أن تعليقات القراء،على موضوعي المنشور بهسبريس ،تحت عنوان “ميلاد الأمية الأمازيغية”‘

http://hespress.com/writers/72877.html

وقد ناهزت المائة والثلاثين تعليقا ؛ تراكم خلاصات وآراء لا يمكن أن تذهب سدى ،ونحن نؤسس لبدايات أمازيغية ،نريد لها جميعا أن تثمر وضعا، لغويا وثقافيا ،يرتاح له الجميع ؛بأقل الأخطاء وأبسط التكلفة.  من هنا كانت هذه المقاربة لبعض التعليقات.

عنفوان النقاش:

أسجل، بدءا ،ارتياحي لما أبان عنه القراء من تتبع وحيوية ،في نقاش واسع لم تعد تحظى به غير مقابلات أسود الأطلس؛حين يتمم الكلام ما عجزت عنه الأقدام.

اتسعت خارطة النقاش بمساهمة قراء  من الداخل الخارج ،مما له دلالته في ما يخص الاهتمام العام بالسياسة اللغوية للبلاد ؛ كما احتد التدافع بين الفرقاء ،وهم ينتصرون لهذا التيار أو ذاك ؛مما يعني أن انتظار القانون التنظيمي الذي نص عليه الدستور ،واقتراب ساعة الحسم ،أثرا كثيرا على أعصاب القراء ؛حتى غدا كل قريق لا يهمه أن يستمع لرأي معارضه جيدا؛ قبل أن يعلي صوته ضمن مشايعيه. لا يهم أن تكون مصيبا ،المهم أنت مع من؟

صحيح ما هي الا عينة عشوائية ,ليست لها مصداقية منهجية أكاديمية ؛لكنها ، ولو بوضعها هذا, وباعتبار عددها,تفرض الاستئناس بآرائها ؛كما تذكر كل مسؤول معني بنقاش القانون التنظيمي، أنه إزاء قضية شائكة ينتظر الجميع كيف سيتم البث فيها ،تفعيلا للمقتضى الدستوري.

سيجانب الصواب كثيرا كل من يفكر- تبسيطا للمسألة- في النسج على منوال سبق ؛والأخذ بمنطلقات تم إرساؤها قبل الدستور الجديد ،وحتى قبل الحراك المجتمعي الذي اقتضاه.

التباس الثقافي بالسياسي: المستوى العام

لا أدري ما الذي جعل السياسي المتوتر,والمفرق، يبرز في النقاش أكثر من اللغوي الثقافي،بل كاد يغطي عليه كلية.المفروض في نقاش لغوي أن يحضر الهم الثقافي؛ وحينما يحضر النقاش السياسي يحضر في حدوده الوظيفية : إرساء إستراتيجية  لتعامل الدولة مع المكون الأمازيغي.

مناقشة الثقافي تدفع الى البحث ,بترو وهدوء,وبكل موضوعية، في نوع الأداة الكفيلة بتحقيق أهم وأفضل تراكم.في هذا المستوى من النقاش تحضر قوة الحجج،ويزيح المنطق،ثم التجريب ،ان اقتضى الحال، كل رأي خاطئ أو قاصر.

النقاش السياسي للمسألة اللغوية،وهي ثقافية، تحضر فيه العصبية ،والذاتية الفردية والجماعية، على حساب الموضوعية .

في هذا النقاش ،حيث تحضر المصالح السياسية العامة المتعددة،وربما حتى المصالح الفردية ،تكثر الجلبة وتغطي على كل رأي مخالف ،ولو كان الأفضل والأفيد.

تعود غلبة السياسي ،في النقاش اللغوي الأمازيغي الى كون القضية الأمازيغية لم ينظر إليها على أنها ثقافية بالأساس الا في السنين الأخيرة؛بدءا من خطاب أجدير ،وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

يقدم الظهير البربري هنا كنموذج لتسييس القضية بهدف التحكم أكثر في المغاربة من الفريقين ؛وهذا ما انتبهت اليه الحركة الوطنية ؛وقد كانت أغلب قوتها الضاربة أمازيغية .

ويعود التسييس في الحقيقة الى ما قبل هذا بقرون ،وصولا حتى الى “القرون المظلمة” على حد عبارة المؤرخ”غوتيي’.

منذ وعى الأمازيغ أنفسهم ككيان له مقوماته  وخصوصياته،والغزاة يطوعونه،حتى تموت عصبيته ولا تقوم له دولة، ما أن ما أن يخضعوا أرضه لسلطانهم.

يستثنى الفتح الإسلامي إذ رغم أن الأمازيغ لم ينظروا إليه الا كغزو آخر،في البداية،فقد انتهى بهم الأمر الى اعتناق الإسلام ،وتحمل المسؤولية الكبرى في نشره في شبه الجزيرة الأيبيرية،والذود عنه،هناك، قرونا بعد الفتح.

بل وتأسست دول مغربية امازيغية ،لم تكن ممكنة لا مع الفينيقيين ولا مع الرومان. ولم يجد أبناء العرب الفاتحين غضاضة في أن يؤول أمرهم الدولتي الى أمازيغ يدبرونه.  ولولا هذا الواقع العقدي والثقافي,الأمازيغي العربي، المتميز عن الأوضاع مع الفينيقيين والرومان ،لما احتضنت القبائل الأمازيغية دعوة المولى إدريس الأكبر ،وقد قدم اليها

مستضعفا طريدا.

سننتظر نتائج البحث الأكاديمي في المستقبل، حتى نعرف لم اضمحلت الثقافة الأمازيغية، وانحصر وجودها في الألسن و الأعراف القبلية وفلكلورها ؛بعيدا عن لغة العلوم الشرعية والآداب ودواوين السلاطين،حتى والدول أمازيغية ،ملوكا وكتابا وشعراء وعساكر؟ أمر يحيرني كثيرا ،خصوصا وللمهدي ابن تومرت ،مؤسس دولة الموحدين،كتابات وخطب أمازيغية ،ظلت يتيمة ومهجورة  حتىفي مسار هذه الدولة العظيمة .

وقبل هذا بكثير اختار طارق بن زياد الأمازيغي ألا يستنهض همم جيشه الفاتح,وربما أغلبه أمزيغ,الا بالفصحى ,فكانت خطبته الشهيرة العابرة للقرون  و الأجيال.طبعا ان صح أنه أمازيغي وأن الخطبة له.

انتهت أزمة الظهير البربري الى ما انتهت اليه ،واستقل المغرب ,دون أن يميز أحد بين الفرحين :العربي والأمازيغي لأنه في النهاية فرح مغربي.

سنبدأ تعداد السنين العجاف حينما عادت القضية الى التسييس وأبانت الدولة المستقلة عن شراسة في التعامل مع المطالب الأمازيغية ؛دون مبرر معقول لمخاوفها ؛عدا الإسقاطات النفسية للحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.

لعل المخزن رأى في مطالب نشطاء الأمازيغيين ،وقتها،ما يجعلها قريبة من طموحات يسار مسنود باديولوجية أممية ثورية.

التباس الثقافي بالسياسي:  مستوى التعليقات

يمتح هذا الالتباس الذي سأقدم بعض النماذج منه- إضافة إلى الخلفية التاريخية التي أشرت إليها- من وعي حديث جدا لعب بعض الأكاديميين والنشطاء دورا كبيرا في تشكله ،بكل عنفوانه إن لم أقل عنفه.

رغم انتماء بعض هؤلاء الأكاديميين الى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فان نشاطهم المكثف خارج هذا المعهد هو المقصود ؛اذ ليس في قانونه الأساسي – خصوصا وهو تابع للمؤسسة الملكية- ما يفسر حدة التعاطي مع القضية ,والاجتهاد في إظهارها بمظهر القضية السياسية الباحثة دوما عن الصدام.

الأمثلة: كما وردت دون تصحيح لغوي

أولا:  عصبة الأمازيغية:

1 كلنا أمازيغ مغاربة:

بجانب ذلك … من قال لك بأنه يوجد “عرب” في المغرب ؟!

كل المغاربة أمازيغ يا أخي.

لماذا تصرون على اعتبار أنفسكم أجانب في بلاد المغرب الأمازيغية؟؟

لماذا ترفضون العيش بسلام في المغرب الأمازيغي؟

لماذا تريدون فرض هوية الجزيرة العربية على أهل المغرب؟؟؟

العروبة والسلفية والإسلاميون خطر على المغرب. هم الذين يفرقوننا.

2محمد:

كترت مقالات الحاقدين و المتعصبين للغة العربية هده الأيام و نحن بمقتضى تنزيل القانون التنظيمي للغة الامازيغية اللغة الرسمية و اللغة الوطنية بل لغة شعوب كل الشمال الافريقي عكس العربية التي هي لغة فرضتها النخبة السياسية على الشعب و لا احد يستعملها في التخاطب الشفوي في كل تمازغا….

3أمازيغ:

je vous dit une chose l’arabe est une langue pour la prière pas plus pas moins, la preuve que tous les pays arabes même l’Arabie saoudite,étudier l’anglais et nord Afrique le français comme langue de science,.

4فضيل ابراهيم:

نتدكر الحاجة الى ميزانية ضخمة حين يتعلق الأمر بالامازيغية أما اللغات الأخرى فلا باس
وأوردتم عبارة من المنطقي،والدستوري ،أن تكون اللغة الأم(العربية) هي المعتمدة في تبني هذا التعريف وطنيا
الغة العربية هي لغتك الام اما ملايين من الامازيغ فلغتهم الام هي الامازيغية وهذه جريمة في حق الشعوب لاستلابها حقوقها باعتقاد البعض ان لغته الام يمكن تعميمها لتصبح لغة اما للجميع قسرا.

5بدون مذهب:

لقد ادى ترسيم الامازيغية في الدستور بعد الاستفتاء عليه من طرف الشعب المغربي واقراره بالأغلبية الى هيجان خفافيش الظلام وخروجها من كهوفها لزرع سمومها ونشر اوبئتها ، وكثر نعيق الغربان غضبا وحقدا وتهويلا وكان مصيبة قد حلت بهذا البلد .

6أطلس أمازيغ:

هل بسبب ترك ابنائكم اللغة العربية و توجههم للغات اخرى اجنبية ..تبحثون عن سذج آخرين للاحتيال عليهم؟؟لتذكيركم لقد بدأت النهضة الامازيغية في إلاقلاع و حملتكم هذه ضد الامازيغية ماهي في الواقع إلا دعاية مجانية لتيفيناغ والإقلاع الامازيغي!!!!!!!!!!!

قراءة في التعليقات:

رغم إعراضي عن تعليقات صادمة أجد نفسي ، حتى من خلال هذه النماذج، في دائرة وعي سياسي شقي؛وعي لا يرى في الآخر –ليس الكاتب دائما لأن بعض الردود وجهت لردود أخرى- غير الجحيم.

لكن من هذا الآخر؟ من قال بأن هوية المغاربة يجب أن تناقش من جديد؟ من أنسى هؤلاء المندفعين في العمق الثقافي

الذي يشتغل من أجله الدستور ؛خصوصا فصله الخامس؟

لعل هؤلاء لا يعون عمق الخطاب الدستوري ،وهو يجعل من الأمازيغية –لغة وثقافة- شأنا يهم جميع المغاربة.

من يقول لهؤلاء: لا أحد يشكك أو يعترض على أسمى قوانين البلاد.فكروا معنا في أفضل السبل للتفعيل ؛بكيفية موضوعية ؟

أعود لألفت الانتباه إلى أن بعض الزعامات الأمازيغية ،خصوصا الكتبة منهم،لا يستحضرون أنهم يخاطبون مستويات متعددة ،وأنهم لا يأمنون أن يساء فهمهم من طرف عامة القراء ،وخصوصا الشباب ؛مما يغذي هذه العصبية العمياء

في الدفاع عن قضية أقرها الدستور وانتهى الكلام بخصوص مستوى من مستوياتها؛ وهو المستوى الذي يشجع على الاستثمار في العنف والبغضاء لأنه الأسهل..

ثانيا:عصبة العربية:

1 – مغاربي :

يدعون أنهم في رحلة جوية سياحية الى اسطنبول ثم لا يلبثوا أن يتسللوا الى *اسرائيل* للمشاركة في لقاءات ياد فاشيم. بعضهم يقول ان وضعهم يكاد يماثل نظيره اليهودي، فيما يصدح أستاذ اللغة الألمانية بالدار البيضاء منهم بأن على المسؤولين التربويين المغاربة ادراج المحرقة في المقرارات الدراسية المغربية. من تبقى منهم هنا اما فضل ارسال ابنته لحضور نفس المنتدى لكن المخصص لليافعين أو نصب نفسه مدافعا عن السامية (بمفهومها الصهيوني الضيق) في المغرب.

2 – Marocain de Taounate

قوة المغاربة في وحدتهم وقرارهم وأعتقد بأن الغالبية العظمى تدرك ضرورة الرجوع الى المنبع الصافي لبداية البناء الصحيح . أما الذين في قلوبهم مرض من الأمازيغ المتعصبين ، شافاهم الله، فهم قلة لا وزن لها سيرد الله كيدهم في نحورهم إن عاجلاً أم آجلاً .

Marocain de Taounate3

المتعصبون العلمانيون من البربر يدركون بأن لغة المختبر غير جاهزة، ولا يمكن أن تكون كذلك، لكن رغم هذا تراهم يعادون العربية ليصرفوا الأنظار الى الفرنسية التي لا يخفون حبهم لها. إن هدفهم المفضوح هو خدمة لغة أسيادهم الفرنسيين وهذا لن يكون.

4- المغربي العربي القرشي :

اتركهم يدرسون الأمازيغية بتيفيناغ فالعرب لن يدرسوها ولن يتوحد الأمازيغ لأنهم قوميات وقبائل مختلفة ولهم لغات مختلفة ولا يتفاهمون الا بالدارجة العربية كوسيلة وسيطة بينهم.
هل تظن أن ريافة سيتخلون عن لغتهم ويتبنون السوسية؟ لو كان ذلك ممكنا لوجدت سواسة تجارا بالناظور والحسيمة كمثل باقي المدن، ولكنهم لن يستطيعوا الصمود بالريف لأن سلعهم ستبور مادام الريفي يفضل التعامل مع التاجر الريفي عوض الآخر..
النخبة الريفية رافضة للأمازيغية كلغة أراد بها سواسة ابتلاع هوية ولغة الآخرين، وقد تم اقصاء الأكادميين من الريف من المعهد الملكي للأمازيغية وسيطر عليه السوسيون..

5- صنهاجي الثلاثاء :

الأمازيغ لم يكونوا شعباً أبداً، وإنما قبائل (زناتة، صنهاجة، المصامدة، الزواوية، وكتامة٠٠٠)
6- الرياحي :

المخزن تورط بعد إرتباكه وتقيمه الخاطئ للأحداث.الأن أسترجع رشده وهيبته فطن لغلطته التاريخية.فطن أنها فقط شرمدة كما ظهر في آخر التظاهرات .فطن أنه مشروعا سياسيا ضخما يجر البلاد إلى حرب لا مفر منها .مشروع شمولي لها مخلفات لا تحصى ولا تعد.فطن أن المطلب الشرعي هو فقط دريعة ورائها باب جهنم.
قراءة في التعليقات:
في هذا المستوى من النقاش ،البعيد كل البعد عن القصد من الموضوع، لا يمكن أن ينتج عن العنف غير العنف.لا يمكن أن يولد الإقصاء غير الإقصاء،وتعميم زلات البعض على الكل.

اتهام  صريح بموالاة الصهيونية ,والتنكر للقضية الفلسطينية ،باعتبارها شأنا عربيا وإسلاميا؛ويتأسس هذا على تصريحات غير مسؤولة تصدر عن بعض غلاة الأمازيغية ،دون الانتباه الى أنها تشكل خطرا ،ليس على القضية الفلسطينية ،ولكن على قضية الأمازيغية ذاتها .

النظر إلى دفاع الأمازيغيين عن قضيتهم  وكأنه كيد يستهدف الإسلام؛في إغفال تام للحقائق التاريخية التي تجعل الدول الأمازيغية منافحة عن الدين ،بل ومتشددة فيه .يضاف هذا الى كون العديد من العلماء ,على مر العصور,من الأمازيغ.

الإصرار على التسمية القديمة للأمازيغ =البربر ؛وقد أطلقها عليهم غيرهم ،بل أطلقها اليونان على غيرهم من الشعوب.

اعتبار المتعصبين من نشطاء الأمازيغ ،علمانيين ؛ربما لمغازلة السلفيين والاستقواء بهم .

الطعن في وطنيتهم ،بالنظر إليهم كمجرد خدم لأسيادهم الفرنسيين. مرة أخرى يتم التنكر لدور المقاومين الأمازيغ- كبارا وصغارا-ضمن الحركة الوطنية .

اعتبار الأمازيغ مجرد شتات بلغات مختلفة ,مما يجعلهم لا يتواصلون في ما بينهم الا بالعربية الدارجة.

إنكار أن يكون للأمازيغ وعي بكيانهم وهويتهم كشعب ،لغلبة القبلية عليهم…

لا تخفى الشحنة السياسية عن هذه التعليقات ،لدى الفريقين؛وهي لا تفسر –في اعتقادي- بالتنافس الحزبي لأن النزعة العرقية غير مقبولة ،سواء في قانون الأحزاب الرسمي ،أو قوانينها الداخلية.ورغم غلبة العنصر الأمازيغي على بعضها، في مقابل العنصر العربي في غيرها ،الا أنها تظل منفتحة أمام جميع المغاربة ،وعلى قدم المساواة.

كما تغيب عن برامجنا التعليمية  ،وانتاجاتنا الفنية،كل المضامين التي يمكن أن تدفع صوب التفرقة العرقية .

وتظل المؤسسات الرسمية للدولة –ورغم رواج الأمازيغية بها في بعض المدن- بعيدة كل البعد عن تصنيف المغاربة باعتبار أصولهم.

فكيف وصلنا اليوم الى كل هذا العنف الذي تعكسه التعليقات ،كلما تعلق الأمر بنقاش حول الأمازيغية؟

من المسؤول عن هذا الوعي الشقي ،كما أسلفت؟

من له مصلحة في النيل من هذه اللحمة التي تحققت عبر قرون من العيش المشترك والتعاقب على حكم البلاد؟

من يسعى الآن الى إقصاء الآخر والتنكر لكل التراث الأمازيغي ،الشفوي والمكتوب،الذي لا تجد فيه إطلاقا ما يوحي بالصراع بين الفريقين المنصهرين؟

في كل المتون الشرعية التي اطلعت عليها ,بما فيها كتب النوازل الفقهية ,لا تعثر على أدنى إشارة يشتم منها هذا التصنيف العرقي الذي تحبل به بعض المقالات والتعليقات،في العديد من المواقع الالكترونية.

انها أسئلة تدفع الى التفكير بكل مسؤولية ،بل الى الحكمة ان تأتت، لأن كسر الزجاجة ،ان حصل،لا يجبر.

نحن في غنى عن الطائفية ،خصوصا ونحن نرى آثارها في العديد من دول العالم ؛بما فيها العربية والإسلامية.

حضور النقاش الثقافي البناء:

ارتقت ردود كثيرة الى مستوى القضية المركزية التي اشتغل عليها المقال: المساهمة المتواضعة في توفير التراكم

القابل للاستثمار ،للخروج بقانون تنظيمي لتنزيل الفصل الخامس من الدستور ؛بما يحقق الغايات و الأهداف الحقيقية التي توخاها المشرع وهو يدستر الأمازيغية ،ويملكها لجميع المغاربة.

ورغم القناعة الحاصلة ،والمؤسسة،بكون الحرف العربي يمكن أن يخدم الثقافة الأمازيغية أكثر من غيره ؛فلم يكن الهدف فرض هذا الرأي على أحد .كان الهدف هو تعميق النقاش من جديد ،خصوصا

والنص الدستوري لم يشر الى وضعية سابقة ملزمة ،بل أبقى عليه المشرع مفتوحا ،فتحا لباب الاجتهاد من جديد وليس إغلاقا له.عدا الدسترة المحسوم في أمرها ،كل تفاصيل التنزيل قابلة للنقاش.

من مصلحة اللغة الأمازيغية ونشطائها ،قبل غيرهم، أن تناقش قضاياها من جديد ،على ضوء التوجه الدستوري الجديد.

ان أي فشل في رسم السياسة اللغوية الأمازيغية يؤدي الى نتائج وخيمة ،والى اعطاء الرافضين الحجة بأنهم كانوا على صواب.  لا استعجال في ما هو مصيري للبلاد؛ولا استخفاف به..

من شأن النقاش اللغوي الثقافي ؛وهو ابعد ما يكون عن يسر،بل نزق، السياسي ،وتعدد مستويات التعاطي معه،أن يؤسس لقناعات يتفق حولها الجميع ؛خصوصا ومجال التجريب مفتوح لاختبار المقترحات قبل الحسم فيها.

في بناء السياسات اللغوية لا مدعاة للتسرع ؛ولنا خير مثال في التعريب المتعثر .

نماذج من التعليقات:

1- alfarji :

يوم 5 يوليوز 2002 صدر قرار بالإجماع من أعضاء المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بأن الحرف الأنسب لكتابة وتدريس اللغة الأمازيغية هو الحرف اللاتيني “الفرنسي فونيتيكياً” وتبنته الوزارة أتوماتيكيا٠ لكن تمّ التخلي عن هذا القرار حينما هدد تنظيم إسلامي بالنزول إلى الشارع٠

تم إعتماد حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية من طرف الغالبية الساحقة لأعضاء المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بعد فشلهم فرض الحرف اللاتيني، رافضين لكل ما له علاقة بالعربية ولو كان “حرفا أرميا” كما يقولون، إمعانا في نفي صفة العروبة عنه٠

هل التيفناق حرف أصيل أمازيغي؟ كيف كان الطوارق يكتبون ب8 رموز فقط؟

لماذا حذفوا الكلمات العربية؟

2 – Tamzaiwit :

حتى لا نتهم من خصومنا بالشعوبية يلزم أن نقول أننا لسنا ضد تعليم العربية فأسلافنا الأمازيغ-سابق البربري-وجاج بن زلو…بن تومرت-الحضيكي-الإفراني…إهتموا باللغة العربية كوسيلة لفهم الدين أولا وليس كأداة لتعريب الشعوب التي وجدت لتتعارف لا لتتعارب!وقد يتعترض معترض و يقول لماذا أهملوا تمازيغت؟ الجواب ببساطة أنها كانت واقعا معاشا و لم تكن مهددة في وجودها كحالها اليوم أضف إلى ذلك أن مجتمعات القرن الوسيط تنقسم غالبا إلى خاصة و عامة وكانت للعامة سواء في المشرق أو المغرب أو حتى أوربا(اللاتينية) عاميتها تلهج بها و للخاصة من العلماء لغة فصيحة خالصة تحفظ لهم مكانتهم و حظوتهم(رأسمال رمزي) و هذه النظرة هي التي أماتت العربية عند أهلها..و لكن.نحن ضد تعليم العربية بخلفيات قومية عروبية تجعل التعليم أداة للتعريب.

3 – TAMZAIWIT :

شكرا الأخ حسن على تعليقك..نحن نبدل ما في وسعنا لتقديم معرفة علمية حول اللغات تجعل نظرتنا لها نسبية و وضعية..إذ أن أكبر عوائق العلم أحكام القيمة(لغة شريفة-لغة مقدسة-عامية..)الله سبحانه و تعالى قال {إنا أنزلناه بلسان عربي مبين} و لم يقل باللسان العربي المبين لتختص لغة العرب دون غيرها بصفة البيان…و البيان كما عرفه الجاحظ إسم جامع لكل ما كشف قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضمير..وهذه هي وظيفة سائر الألسن..الإبلاغ و التواصل..لو تفضل المعلق الذي قدم نفسه مفتشا للغة العربية أو غيره ممن يدافع عن العربية و أجاب بصدق و موضوعية و بمعرفة لسنية وتاريخية و أنثروبولوجية على الأسئلة التي طرحتها في تعليقي 59 لأصبح كل النقاش حول توحيد الأمازيغية باطلا-لأنه أصلا ايديولوجي هدفه التشويش على مشروع حضاري ضخم

4- Ali-

أخوك في الله قبل الانتماء العرقي من أصول أمازيغية، وأستاذ مفتش مادة اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي. وبحكم تخصصي في المجال اللغوي، واطلاعي على خبايا الأمور في المجال التربوي، يؤسفني أن أزف حقيقة مرة، لمن يراهن على نجاح تجربة تدريس الأمازيغية، بل ولمن يراهن على ترسيم الأمازيغية حالما بواقع أفضل مما يعيشه المغاربة.
ثمة حقيقة علمية يقرها العارفون، مؤداها أن اللغة أي لغة، لا يمكن أن تنتشر وأن تستمر وتعمر، إلا إذا كانت لها وظيفة أو سلطة مما يلي:
– الوظيفة العلمية إن كانت لغة علم وتكنولوجيا،
– الوظيفة التواصلي المرتبطة بالشيوع والتداول المرهون بعدد الناطقين بها،
– السلطة السياسية والاقتصادية، وعليه فلغة الدول المهيمنة اقتصاديا وسياسيا، هي الأكثر انتشارا، واستمرارها مرتبط باستمرار التفوق الاقتصادي والساسي.
– الوظيفة الدينية، وهي وظيفة تمتاز بها اللغة العربية الأطول عمرا.
-…
ولكم أن تتساءلوا عن نصيب الأمازيغية !!

5 – asnflaw :

قال الكاتب .اخرجوا بالمعيارية الى أسواق الأمازيغ –خارج سوس- وقيسوا درجة التواصل مع الناس،ثم احكموا… ان المختبر الحقيقي هو المجتمع وليس مؤسسة البحث.. وأنا بدوري أقول .اخرجوا بالمعيارية العربية الفصحى الى أسواق المغاربة –خارج الرفوف- وقيسوا درجة التواصل مع الناس،ثم احكموا… ان المختبر الحقيقي هو المجتمع وليس مؤسسة البحث..

6- Marocain de Taounate :

“…ان العودة الى الصواب خير من التمادي في الخطأ.اخرجوا بالمعيارية الى أسواق الأمازيغ –خارج سوس- وقيسوا درجة التواصل مع الناس،ثم احكموا… ان المختبر الحقيقي هو المجتمع وليس مؤسسة البحث..” / هنا بيت القصيد ياأستاذ مصباح :

لو كان المتعصبون يعرفون الصواب لأنصتوا للمختصين في اللسانيات وللباحثين والأكاديميين وعلماء الإجتماع والدين ورجال السياسة والأساتذة الباحثين …لكن الغلو والغرور والعجرفة أصم آذانهم وأعمى بصيرتهم فانغلقوا على أنفسهم وراحوا يسبون ويشتمون كل من لا يوافق هواهم. لم يسلم من أذاهم لا الريفي ولا الزياني ناهيك عن العربي ( الغير موجود أصلاً بالنسبة لهم)، حتى الإسلام واللغة العربية والحرف العربي لم يسلم منهم.

الصواب ياأستاذ هو اعتماد كل لغة بربرية في جهتها الطبيعية وهذ ما قال به العديد من المهتمين المغاربة من أمثال الدكتور اسماعيل العثماني. أي حل آخر غير قبل للتحقيق.

قراءة في التعليقات:

نلاحظ جميعا ارتفاع مستوى النقاش ،وهذا راجع الى ملامسة هذه التعليقات لجوهر الموضوع، في تجاوز واضح للعنف اللفظي والسياسي الذي يتأتى للجميع.

في المثال الأول يثير المعلق قضية العدول عن الحرف اللاتيني –وقد كان موضوع إجماع سنة2002-إلى  تبني تفناغ.

طبعا هذا التذبذب حصل ،كما أن إقصاء الحرف العربي من النقاش ،إضافة الى تنقية الأمازيغية المعيارية من ‘الدخيل” العربي أمور ثابتة.

هذا الإقصاء للحرف العربي ،و”التطهير اللغوي”، يؤكدان على الابتعاد التام لجماعة الايركام عن الموضوعية التي تقتضيها الصرامة العلمية.

لم ينطلق النقاش من سؤال:أي الحروف أفضل وظيفية ،ولكن من قناعة قبلية بإقصاء كل ما يمت إلى العربية بصلة ؛حتى ولو كان هو الأفيد.

كل لغات العالم تتضمن دخيلا استعارته من غيرها وتملكته؛حتى القرآن الكريم يتضمن ألفاظا ليست من جزيرة العرب؛ فهل من المنطقي أن تتفق جماعة من الباحثين على معيرة لغة لتطهيرها من الدخيل أساسا ؟

حينما يسألون عن سبب التعصب لأمازيغية سوس يجيبون بأنها الأطهر من  الألفاظ العربية.  هذه حجة تؤكد على التهافت و قصر النظر، لأن من يسعى لشيوع ثقافته يبحث عن اللغة المنفتحة ،المؤهلة أكثر للتواصل؛فكيف أصبح انغلاق السوسية فضلا لها على غيرها؟

اني أتحدث الأمازيغية الزناتية  الزكراوية بكل طلاقة ,وأكتبها بحروف عربية ؛وقد سبق أن ترجمت فصولا من الدستور ،وهي في أرشيف هسبريس ؛ولا زلت أذكر أن التعليقات العنيفة وقتها ركزت على كونها أمازيغية تخالطها العربية كثيرا؛فهل هذا ينتقص منها أم يجعلها الأكثر تحقيقا للتواصل؟لقد شعرت بالاعتزاز وأنا أقرأ ردودا من قراء لا يتحدثون الأمازيغية صرحوا بأنهم فهموا لغتي بنسبة كبيرة.

ينقل المعلق الثاني النقاش الى وضعية تاريخية وظف فيها فقهاء الأمازيغ الحروف العربية وهم ينقلون متونا فقهية الى الأمازيغية.

هذه الحقيقة لا يلتفت إليها الايركاميون ،بل يكرهون أن يحاجوا بها،ولعلهم يكرهون ،أيضا، مثل هؤلاء العلماء الأمازيغ الذين وقعوا في هذه”البدعة”.

ويقعون في التناقض وهم يفاخرون بالتراث الأمازيغي الآخر ؛فهل يستقيم علميا أن نحرم الأمازيغية من

روافدها هذه، لا لشيء الا لأنها اشتغلت  عربيا ودينيا؟  أي وجه للمختار السوسي أحب اليكم؟الوجه الأمازيغي أم العربي؟  لقد أفاد بوجهيه وما اشتهر إلا بهما معا؛فهل ترضى الجماعة بهذا؟

ألتقي هنا مع المعلق الثالث في تقدير خطورة أحكام القيمة على العلم بصفة عامة.ان السياسات اللغوية الفعالة لا تنبني على هذه الأحكام .أحب هذه اللغة لأنها الأطهر أو الأقدس ،بغض النظر عن وظيفيتها الفعلية في تحقيق التنمية الثقافية المبتغاة.  هذا الحرف يعجبني رغم معرفتي بأنه خضع لإضافات حديثة قام بها ناس لا اختصاص عميقا لهم.

ويقارب التعليق الرابع الوظيفية موضحا أن هناك عوامل يجب أن تراعى ،من شأنها تيسير انتشار اللغات .لا تستحضر هذه العوامل الشحنة العاطفية بل تسطر على القيمة المضافة التي تتأتى من هذه اللغة أو تلك.

يعجبنا جميعا الفلكلور الأمازيغي ،حينما تلعلع أهازيجه في احتفالية لا تنتهي بالحياة، بالحب ،بالطبيعة ،ونطرب لايقاعات المايسترو موحى  والحسين أشيبان ؛فهذا خطاب فني مقنع جدا نعشقه دون أن نحرض على ذلك.

انه قيمة مضافة الى فنون الإنسانية وليس المغاربة فقط.حينما تمعيرون وتطهرون فهل تستحضرون أن الآخر هو المعني،هو الذي  سيقدر ،و هل سيقتنع ويتمثل  أم لا؟

انكم لا تمعيرون لأنفسكم بل للآخرين.

لن يسمح لكم المغاربة بتحويل المعهد الى زاوية ,أو طريقة صوفية مغلقة تتلون فيها الأوراد على هواكم.ان المعهد ينفق عليه من المال العام ليحقق النفع العام.

خاتمة:

إن المسألة الأمازيغية – لغة وثقافة- بحاجة الى جهود المغاربة كلهم؛بموجب الدستور.جهود الأكاديميين والباحثين والسياسيين وجميع النشطاء؛من الأمازيغيين ومن غيرهم ؛ولا بأس حتى من الاستفادة من خبرات الدول ذات التجربة في التعدد اللغوي الداخلي.

لقد ارتكب خطأ كبير حينما جُعل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حكرا على الباحثين الأمازيغ فقط؛في تغييب واضح حتى لتمثيليات الأمازيغيات الأخرى غير الممثلة حاليا .

ان المعهد لا يشتغل للأمازيغيين فقط بل للمغاربة كلهم.هذا ما صححه الدستور الجديد فاتحا المجال لنقاش جديد يصحح تعثر المنطلقات.

ان الوعي بالمكونات الثقافية المغربية ،كلها- العربية، الأمازيغية ،العبرية،الأندلسية، الحسانية الفرنسية والاسبانية- ورسم سياسة متكاملة للنهوض بها يتجاوز بكثير اختصاصات المعهد الحالية؛وهي اختصاصات كرست – حتى في ما يخص الأمازيغية فقط-الانغلاق المتشدد ضدا على الروح التي انطلق منها الظهير الملكي المؤسس.

من هنا ضرورة إعادة النظر في كل المنطلقات ،ما دام المتن الدستوري لم يستثن أية قضية ثقافية عامة أو أمازيغية.

ان المراجعات العميقة مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت ؛وان كان لنا أن نفخر في المغرب ،فبهذه اللحمة

التي تجمع المغاربة منذ القديم ؛وان كان لنا أن نغار أو نتعصب فلها .

ان التعليقات موضوع هذه القراءة المتواضعة تؤكد على حالة احتقان يجب أن نعرف كيف نصرفها نحو الأفيد لغويا وثقافيا.

بين تفناغ والحرف العربي:   خط للهدنة

Latin
عربي

A
ا

B
ب

G
GW
تقديم:

أعادت محاضرة الدكتور عباس الجراري في موضوع”اللغة والهوية” الى ساحة النقاش الوطني ،مسألة الحرف  المعتمد حاليا في كتابة الأمازيغية .

ولعل الرأي الذي عبر عنه المحاضر صراحة ؛وهو انتصاره للحرف العربي ؛بعد كل ما جرى سنة2004 ،من ترسيم لتفناغ ،مؤشر على تحول لغوي مهم للدولة- باعتبار مكانة المحاضر- يشكك في صواب الاختيار المستند إلى مختبرات” الايركام” ,وما حولها,حيث تدافعت ثلاث أبجديات :اللاتينية،تيفناغ والعربية.

البعد السياسي للخطاب:

للخطاب بعد سياسي يستند الى المتن الدستوري ؛حيث سكت المشرع عن  تأكيد الحسم في الحرف ,ضمن قضايا أخرى ذات صلة,الى صدور قانون تنظيمي.

وباعتبار سمو الدستور عن كل الظهائر  والمراسيم والقوانين  لم تعد هناك حجة بين يدي أحد  من المغاربة –وليس الأمازيغ فقط- ليقول:هذا أمر حُسِم؛أو “هذا كتاب كنا قرأناه” كما يقول نزار قباني.

خلافا لما يدفع به خطاب ,أقل ما يقال فيه أنه عنصري احتكاري، فَرحَ جميعُ المغاربة ،المتتبعون للنقاش ,ولنضال مشروع طال أمده, بدسترة الأمازيغية  ؛لكن أصَحَّ فهم لهذه الدسترة هو: انتهاء أمازيغية وميلاد أخرى:

انتهاءُ أمازيغية مُحارَبة إداريا وتعليميا ؛لا يحمل همَّها غيرُ أكاديميين أمازيغيين ,معززين بجمعيات محاصرة ؛وميلادُ أمازيغية مغربية رسمية، يتقاسم هم النهوض بها جميعُ المغاربة ؛كل حسب موقعه وثقله؛ من الباحث الأكاديمي –ليس الأمازيغي  بالضرورة- الى المواطن البسيط  الذي يكتفي برفع لا فتة مطلبية في تجمع أو مسيرة.

دون أن أغفل المواطن ،الوحيد اللسان، الذي استيقظ  ذات صبح ليقال له دستوريا :وان كنت لم تطالب، فهي لك أيضا

رديفة لجنسيتك ،فأقبل عليها لغة وثقافة ؛كما أطربتك ,من قبل ,فلكلورا.

من المستبعد أن تكون الهدية الدستورية مسمومة,كما يزعم البعض: إغراق الأمازيغية في بحر المواطنة الشاسع ,وسحب البساط من تحت أرجل أكاديميين أمازيغيين ؛شجعان لكن لا علم لهم بالحرب.

يُنطِقون كل ألواح جزولة؛ لكن يُخْرِسون كلَّ من أعاد كتابتها بالحرف العربي ؛حتى تزداد الثقافة المغربية ضوء مصباح.

البعد الثقافي:

رغم قوة المتن الدستوري ,ووضوح خطابه التصحيحي – افتراضا على الأقل- يدلي الدكتور عباس الجراري بالبعد الثقافي المُعبَّرِ عنه بالغِنى المنشود. غنى الثقافة حينما تقيم جسورا بين كل مكوناتها ؛ليتم التركيز على حسن التثاقف والتناص ,والمضي قدما في إنتاج المحتويات؛ وصولا الى الوضع الثالث:

الانصهار التام لنص مولود من رحمين لغويين.

لا تتبسطوا المسألة وتختزلوها في أحكام جاهزة ؛من قبيل النِّعال العامة الموضوعة في الحمامات؛تضعونها في أقدام كل من اقترب من حِمى الأمازيغية.  لم يعد هذا مقبولا دستوريا:نضرب فيها ،جميعا، بأسهم متساوية.

أقلَّها حدة: انتعال الفكر العروبي الاقصائي. وفي هذا  استعادة متهافتة للحظة الكاهنة “ديهيا” ؛بكل ما يعنيه هذا من إحراق لقرون من التاريخ المشترك ،بآلامه وآماله.

ان النار التي أضرمتها هذه الملكة المقاتلة,في كل ما قد يغري الغزاة، كانت تكتيكا قتاليا فرضته ظروف المعارك المتلاحقة ؛فلا تعتمدوا الحرق قاعدة ؛ وصولا الى جينات لم تعد خالصة لا لها ،ولا لعقبة بن نافع.

لا تختزلوا المسألة الثقافية في الحرف ؛ولا تكرروا خطأ من لا يرى بناء الاتحاد ألمغاربي إلا بعد حل مشكل الصحراء.

حينما نسير ترتسم الطريق ؛ترسمها أقدام ما شية ،ومتسلقة حتى للجبال. حينما يطول بها الوقوف تتورم وتصاب بالغنغرينا.

لنبحث جميعا عن حل مشرف للكاهنة وعقبة:

يراه الدكتور الجراري الحل الصحيح، لكنه يسكت عن التفاصيل ؛وان كان أدلى بالحرف العربي.

لكن هل الحرف هو كل شيء؟ لو كان هذا هكذا لهانت: اكتبوا بتفناغ لمن يعتبرها نعناع الشاي الأمازيغي. ” الله يربح” كما يقول أهل البهجة حينما يتمسك محاورهم برأيه.

اكتبوا لبعضكم البعض في الايركام ؛وحينما يدرككم السأم التفتوا إلينا :نحن لا نفهم ؛ونريد أن نفهم بحرفنا ولغتنا.

أرأيتم كيف تذوب القضية وتصبح غير ذات موضوع ؛حينما تهدم جسور أمر الله أن توصل.

تريدون لوحات تشوير أمازيغية ,وأسماءَ غيرَ مُعتَرَض عليها , وجوازات سفر ,ورخص سياقة …هي لكم لا أسهل وفي مختبركم كل اللوازم.  لكن هل ارتحتم ؟ لا أظن؛ بقي شيء من حتى.   تريدون جباهنا للوشم ؛كجسد جدتي الأمازيغية.

هي ذي قد دانت لكم ؛ارسموا بها ما تشاؤون.ثم ماذا؟ هل ارتحتم؟

هل اقتنعتم الآن أن الحرف ليس حلا للمسألة .

التثاقف قبل” التفانغ”:

يقف المغاربة الآن – بفضل الدستور- على أرضية اتفاق لا تمنع الاختلاف:

حتى عتاة الممانعين لا يملكون الآن أن يتملصوا من مقتضى دستوري يجعل الإقبال على الثقافة الأمازيغية تعبيرا عن الوطنية الحق ؛والدستور أسمى تعبير عنها. هذا مكسب مهم.

لقد أصبح مستهجنا التأريخ لميلاد الدولة المغربية بلحظة المولى إدريس الأول؛لقد سادت قبله دول ثم بادت ؛وهي مغربية /مغاربية ،جغرافيا ،بشريا ولغويا ؛وان تعددت ألسنها،وهيمن بعضها على البعض. وهذه بقاياهم صانتها رسومات تفناغ.بل وصانتها حتى أمازيغيات المنطقة مُستعيرَة ومُعِيرة.

ومن ينكر هذه الحقيقة كمن يقول لقد قدم جد الأدارسة بشعبه من الحجاز الى أرض خلاء.وهذا بهتان وزيف.

قَدِم ثانِيَ اثنين ،ولا عاصمَ له من حفدة الكاهنة غيرُ إيمانهم؛فاختاروه ملكا لأنه لم يُغِر عليهم كسلفه عُقبة .

لنمض في سيرنا على هذه الأرضية زمنا ،ولو طال .لا تعنينا النتائج السريعة ،والمكاسب المعرضة للمراجعة؛كما حصل مع الحرف سنة 2004؛حينما تم فرض رأي جماعة والتنكر لرأي أخرى  .

تم الإدلاء ,بقوة, بالحرف اللاتيني ؛اقتناعا بما في اعتماده من تيسير التجسير ؛لكن حينما وجد من ينبه الى الوقع النفسي لهذا الحرف على المغاربة ؛تم التشطيب على هذا الهدف كلية لصالح مغامرة أبجدية غير محسوبة من جميع جوانبها.

لعلنا ندري جميعا ، لماذا يجاهر بعض سياسيينا ,وعلى رأسهم رئيس الحكومة,والمرشح المنهزم للأمانة العامة لحزب الاستقلال,بقطع الطريق على تفناغ؟

لأمر منطقي : لم  يتح لهم الوقت الكافي للتثاقف.  اتركوا مسألة الحرف تنضج على نار هادئة .

لا ربح لنا ، كأمازيغ ,أصلا أو مواطنة ،أن نكسب أعداء لمشروع ثقافي كبير ومندمج.

اذا أجلنا نقاش الحرف فلا يعني هذا توقف الإنتاج الثقافي الأمازيغي. ليتواصل حتى يقتنع الواحد من الرافضين أن هذا المتن أو ذاك لا يفيد ولا يمتع الا اذا قرئ في لغته الأصلية.

ليكتب من شاء بتفناغ ومن شاء بالحرف العربي ؛لنحقق التراكم وسنرى لمن الحجة الأقوى وليس الغلبة..

ان سياسة تعدد الكتاب المدرسي ,المعتمدة بالنسبة للمواد التعليمية ,تبدوا ناجحة ،ولم تطرح مشاكل ديداكتيكية مستعصية على الحل؛فلماذا لا نعدد كتب الأمازيغية المعتمدة للحرفين معا؟

مرحلة تجريبية اختبارية ليس الا ثم نحسم لصالح هذا الحرف أو ذاك ؛معتمدين أساليب ناجعة للتقويم الموضوعي.

لماذا تهجر الفرنسية الآن لصالح الانجليزية؟ للمقروئية ،ولغزارة الإنتاج بهذه اللغة التي فرضت عالميتها؛بل انتقلت إلى فرض العولمة ,وفق حمولاتها القيمية .

أعتقد أنه لا إقناع بتفناغ الا اذا كان إقناعا بالمحتوى .ينوب المحتوى عن جهود الأكاديميين والجمعيات والأفراد.

التقعيد الذي أنجزه الايركام ,تاريخا ,حرفا ومعيرة, مهم لكنه غير كاف ؛إن لم أقل يحمل في طياته بذور فساد ،أو دودة التفاح.

أقول دون أن يرف لي جفن؛ لأن  أمازيغيتي الزكراوية ,وجوارها, مقصاة من المعيرة: لا تستنسخوا الممارسات التي عانينا منها  قرونا.

لا تَحْمِلوا التلاميذ على هجر أمازيغيتهم لفائدة مَعْيرة مخبرية عالمة؛ ومن يستطيع منكم أن يطوف  بها على قرابة

السبعين لهجة أمازيغية مغربية، فَيُفهم بدرجة واحدة نُتَوِّجُه ُ”يوبا” المغرب  الحديث،ونمتثل،صاغرين، لأمره.

يقترح الأكاديمي الأستاذ العثماني معيرة متدرجة ؛تبدأ بالكتل المتجانسة,كالكتلة الزناتية مثلا ؛وحينما تصقل المنابر-على حد عبارة المعري – هذه اللهجات المُمَعْيرة نصل الى الأمازيغية الأم ،التي ستهيمن كما حدث مع لسان قريش في الجزيرة العربية.

هذا مخرج مُشرف للايركام من ورطته؛وسيكون له الفضل- باعتبار ما قام به الى حد الآن- في تأسيس ديداكتيك المعيرة؛شريطة تخليص منهجه من التعصب للهجة السوسية.

لاحظوا :حتى حينما نستعمل مصطلح”ثريفيث” وهو يحيل على قبائل جبال الريف؛نقفز على سلاسل جبلية أخرى تتوزع عبر ربوعها قبائل الكتلة الزناتية:جبال بني يزناسن,جبال بني يعلا,جبال بني بوزكو,ثم جبال الزكارة…..

ليس سهلا القبول بمصطلح واحد مهيمن، ضدا على الجغرافية؛وليس سهلا على الإطلاق معيرة لهجات هذه القبائل ؛لكن المسألة تظل ,كتليا أو جهويا ,ممكنة ومقبولة.

نقول معا لما هو جميل:”ذُو صْبِيحْ” عَمّْرا يَصْبَحْ” لكن “أَفُولْكِي” السوسية بعيدة تماما عن لساننا.

وحينما يُحَيِّيني أحدهم  بتحية” أَزُولْ” لا أرد بأحسن منها ،لأني أفكر أولا في “تازولط”؛وهي تعني الْكُحْل .

هذا فقط مبتدأ المعيرة الكُتُلِية ,وبُشيرُ نجاحها ،لكنه لا يلغي وجود صعوبات في طريقها.

حتى من الناحية النفسية ؛حينما أشعر أنني ضحيت، في تسميات ،بأمازغيتي؛ وكسبت في أخرى أطمئن الى أن الأمور بيد لغويين موضوعيين.

أما حينما تحكم على ابني بأنه لا يفقه شيئا في الأمازيغية ,وأمه الزكراوية تكذبك ؛فلا شك أن وراء الأكمة أكمات.

ضيق الايركام:

يفرض المتن الدستوري اهتماما للدولة بكل المكونات الثقافية المغربية؛من أمازيغية وحسانية وأندلسية وعبرية؛ومن هنا , ومواكبة للقانون التنظيمي المشار اليه ؛وخدمة لكل الثقافات ,بكل موضوعية وديموقراطية,أصبح من الضروري اعادة النظر في اختصاصات الايركام ؛بما في ذلك تغيير تسميته.

يضاف هذا الى تصحيح مساره الأصلي حتى يخدم ,فعلا,قرابة السبعين لهجة أمازيغية مغربية .
الفاتنة السوداء، وخيول إميل زولا

من فاتنة الى وحش:
جرادة مدينة مستحيلة ،إذ لم يكن متوقعا أبدا أن تتمرد جغرافيتها عما كانت منذورة له ؛منذ الأزمنة الغابرة:  مراعي شاسعة،تحرسها الجبال الغابوية ،و  يتواصل امتدادها جنوبا مشكلة مدخل الظهراء  الكبرى؛ التي لا تزال الدولة لم تعرف ماذا تفعل بها؟

لعل محطة الطاقة الشمسية،بعين بني مطهر مدخل لعصر جديد بالمنطقة.

مجال واسع من الظهراء، اليوم ،مجرد محمية قنص ، تخترق سماءها أسراب القطا هاربة من مخالب نسور الخليج العربي. انها بحاجة الى استثمارات ضخمة ؛وحبذا لو كانت عربية ،منتجة للغذاء.

لقد لهوتم ما فيه الكفاية فساعدونا على التنمية.

من هنا تسمية”فدان الجمل ” القديمة،التي حملتها جرادة ؛باعتبار قطعان الجمال التي كانت تسرح بها ،أو تعبرها ،ضمن قوافل تتجه جنوبا صوب فج الصحراء-فجيج- وبشار، وسائر الأصقاع النائية التي

تتوزعها الخريطتان،المغربية والجزائرية.

وقتها لم يكن أحد يدري أن الفاتنة السوداء متوارية في أغوار الأرض السحيقة،؛تنتظر فارس الأحلام القادم من بلاد الضباب، لتنهض، الهوينى ،ناثرة الفتنة بين الناس .

في سنة1908 يصل الى فدان الجمل ،وجبال بني يعلا  الجيولوجي الفرنسي “لويس جونتيل’

فتقرر السوداء أن تعلن عن وجودها ،وتكشف بعض أسرارها التي أخفتها عن شباب louis gentil

المحيط القبلي.  تذكر الرواية أن الجيولوجي لم يبذل جهدا بحثيا ؛إذ اكتفى باقتفاء أرنب أسود صادفه؛

لأن سواده غير الطبيعي، يشي بأن وراء العتبة السفلى ما وراءها.

وما أن حلت سنة 1927 حتى تعرت الفاتنة تماما أمام مهندسين بلجيكيين ،مبرزة كل مفاتنها .

فَتنت غَجريةُ الزنج هذه كلَّ الناس:  سرح الرعاة كل قطعانهم ،وتاهت الجمال إذ غدت بدون فدان.

أقبل المزارعون من كل المحيط القبلي، منبهرين بميلاد مدينة جديدة ؛حياة جديدة تطعم خبزا أسود.

تنادى الناس ،وصولا إلى أقاصي سوس والأطلس،أن أقبلوا ،فرنسا تبني للفاتنة السوداء مدينة جديدة ،وتبحث عن ساكنة .

مع توالي الفتنة نسوا كل أهازيجهم ،وهاموا بعروس الزنج، التي فتحت ذراعيها لكل المهندسين،والتقنيين الشقر، القادمين من بلجيكا و فرنسا ؛في ما يشبه تهريب”جيرمنال” الى سهوب الحلفاء بعد أن فضحهم ” إميل زولا”  .

وحينما تأكد الشباب – اذ هزلت أجسادهم ،واكتحلت عيونهم وأعوزهم الهواء- بأنهم تسرعوا ,إذ فرطوا في خضرة البراري ،خبز الشعير، وديان العسل ، وحليب الشاء والماعز؛كان كل شيء قد ضاع ؛ولم يعد ممكنا الرجوع الى الوراء.

ابْكِ أيتها الجبال والسهول خيرة شبابك ؛فهم الآن مرغمون على مواصلة الإنتاج،وتعويض الأموات من العمال ،ليستمر تدفق “الأنتراسيت”(من أجود أنواع الفحم) الى مصانع فرنسا.

مواكب يسوقها أعوان السلطة الاستعمارية  ,ويلقون بها في غيابات الجب الأسود لتموت ببطء؛إن لم تمت مهشمة الرأس تحت أنقاض جرف أسود هار.  كم يذكر كل هذا بمزارع القطن الأميركية ،وهي تلتهم العضلات الزنجية الإفريقية ،في ملحمة سوداء لن تنساها الإنسانية أبدا.

خيول “إميل زولا” كانت – وهي تتدلى صوب العمق السحيق-تصهل صهيلا حادا ومروعا ،وكأنها تودع الشمس،والى الأبد.هكذا يوثق هذا الروائي الفذ جرائم الوحش الأوروبي الصناعي.  لا يخرج الحصان حيا أبدا.

هكذا تحولت الفاتنة الى وحش يقضم ،بانتشاء,أرواح شباب لم يدر بخلدهم أبدا أنهم سيدفنون ،أحياء في عز شبابهم.

مات المنجم ولم تمت ثقافته:

هنا مربط الفرس،لأن الذين قرروا،في فبراير1998إغلاق المنجم –مهما تكن الأسباب-لم ينتبهوا الى أن جرادة أكثر من آبار تغلق،ومعمار حديدي،وسكك، تترك لصروف الصدأ.

ثقافة كاملة تشكلت ،على مدى عشرات السنين؛وهي ثقافة نموذجية متميزة لم تقاربها ،بعد،الدراسات المتخصصة.

متميزة اعتبارا لجمعها بين متناقضات عديدة ،لا يتصور معها إنتاج مدينة/مدنية ،ومن هنا اعتبارها مدينة مستحيلة:

التقاء الغرب الاستعماري الصناعي مع الشرق المتخلف/تصادم العمل ألفلاحي الرعوي مع العمل الصناعي المعدني/تمازج بين تقاليد العيش البدوي ونموذج الحياة الأوروبية.

وعلى المستوى الوطني حدوث انصهار بين المكونات الغالبة: السوسية,التازية والأطلسية ،الوافدة، والمكونات القبلية المحلية؛العربية والأمازيغية.

أنا متيقن أن دواعي قتل المنجم – وليس منها نفاذ الفحم ،لأنه لا يزال موجودا ولا يزال يقتل-لم تقارب مناجم الثقافة الجرادية؛ولو فعلت لاقتنعت بضرورة المحافظة عليها ،وعدم اجتثاث العروق التي تتغذى منها.

عقب إغلاق المنجم اهتز الوجدان الجرادي اهتزازا عميقا ،أخطر مما حصل حينما اكتسحت آلات الحفر الأولى فدان الجمل ،لتتفرق الجمال والقطعان شذر مذر ،ويموت-تدريجيا- المورد الاقتصادي الفلاحي الرعوي للساكنة.

غادر أغلب الوافدين، متخلين عن تراث ثقافي كامل، أنتجه التشارك والانصهار.  بقيت في عين المكان ساكنة عرجاء وجدانيا ،مهيضة الجناح ؛  تنتظر التنمية الموعودة ،و ظهور حسناء أخرى،لكنها خضراء ،قيل إنها ستخرج من سهوب الحلفاء،وستفيض جناتها ذات اليمين وذات الشمال.

واستعاد الوحش المرعب الحياة:

لما أعيى الشباب الانتظار ,ولم يفكر أحد في “فورمتاج” ايجابي ،ينقلهم من ثقافة الفحم الى ثقافة أنظف تعطي لوجودهم معنى ،وان كانوا يعيشون في أطلال الماضي،رغما عنهم.

ولما مل الملل في نفوسهم ،حملوا عتاد أبائهم وأجدادهم ،وانخرطوا في البرهنة للدولة على أن الفحم لا يزال موجودا.

هكذا تولد جرادة أخرى فوق ما تبقى من فدان الجمل ؛جرادة شمطاء مرعبة وقاتلة.

تعود جرادة سيرتها الأولى، لكن بوسائل بدائية جدا ؛لأن الذي لا يتقدم يتقهقر حتما.

لعلها ،وبدون مبالغة،الحالة الوحيدة في العالم ،حيث تتخلى الدولة عن مسار إنتاج معدني عصري لتفسح المجال لفوضى إنتاجية بدائية تشتغل كيفما اتفق.

“ساندريات” الموت ،والوجوه الكالحة السوداء- شيبا وشبابا- التي أخرجتها مجلة هسبريس من الظلمة إلى النور  ؛وحالات الوفاة المتكررة ،لانعدام السلامة كلية؛  تجعل من المستعجل البحث عن حل لمعضلة جرادة التي أخطأ في حقها كل من ساهم ،بكيفية مباشرة وغير مباشرة، في شل الحياة فيها؛بما فيها الحياة الثقافية التي لا تقدر بثمن.

حينما تتوفر الإرادة التي تجعل ثقافة المنجم تنزاح أمام ثقافة تنموية أخرى،  ستنحل تلقائيا معضلة

جرادة الاجتماعية.

هي قابلة لتعود فدانا للجمل،كما كانت؛أو للطاقة النظيفة؛أو حتى قاطرة لتنمية فلاحية عملاقة بمنطقة الظهراء الشاسعة.  في كل خير الا العودة بشبابها الى  أغوار الموت .
في الطفولة:  لعب بين عسكرين لا يلعبان
قضيت شطرا من طفولتي، التي غطتها ستينيات القرن الماضي ،في حي “لازاري” بوجدة.وقتها لم يكن يفصل هذا الحي عن جبال بني بوسعيد الجزائرية غير خلاء شاسع يفضي إلى واحة سيدي يحي؛ومنها إلى وادي “طايرت” المغربي، الذي بحاذي سافلة الجبال المذكورة ؛حيث الحدود الشائكة بين أطفال المغرب والجزائر.

نعم قل ما ننتبه الى أن الحدود تفصل بين الأطفال أيضا؛أي عالم البراءة اللامحدودة.

لا زلت أتذكر أصوات المدافع ،تنتهي إلينا- ونحن نخوض في متع اللعب بالحي- نرد عليها بأفواهنا ،مقلدين (بوم بوم)ونواصل لعب الكُلل. كان القتال،في الجبال، على أشده بين الجيش الفرنسي والمقاومة الجزائرية،المدعومة مغربيا ؛حتى بأفواهنا الصغيرة.

للحكاية الطفولية – لكن البليغة- التي قررت ،في هذا الصباح ،أن أحمل القراء عليها ،عبورا لرمضاء رمضان ،خلفية عسكرية أخرى ،غير هذه.

إنها ترتد الى مخلفات حرب الرمال التي لونت فجأة ساحة سيدي عبد الوهاب،لأسابيع، بالقبعات الخضر والخوذات الداكنة ؛في طريقها صوب أصقاع الظهراء،فيافي الشيح والريح؛حيث تقاتل مرة أخرى قابيل وهابيل. الشيء الوحيد الذي فهمناه وقتها عن الكبار-وقد تنادى الجيشان للقتال- هو كون الأطفال الجزائريين غير مغاربة؛لأن وجودهم،لزمن، بين ظهرانينا في الحي ،أنسانا في كونهم مهاجرين لا جئين .

نزهة متهورة:

كانت واحة سيدي يحي ،وهو الولي الصالح الذي ينسب لليهودية ،تارة، والإسلام،تارة أخرى؛خصوصا وبجواره غار الحوريات ,بكل غرابة تسميته؛ منتهى نزهة الوجديين ؛ أيام الجمعة، حيث يدلف الناس،زرافات ووحدانا الى ضريحه ؛ متبركين،أولا، بحركة رياضية،يسندون فيها ظهورهم الى جذع شجرة بطم كبيرة،ثم يسترخون مقوسين الى خلف .لا أفضل من هذا الطقس لتدليك الفقرات.

أذكر أن جدتي رحمها الله لم تكن تستسيغ ضحكي وأنا أقلدها ،غير مؤمن بشيء.  وتضيف:  ياولدي في زمان النية  كان الزوار يجدون سيدي يحيى ينتظرهم، هناك فوق،بين قمم الأشجار.

ذات مساء ربيعي عقدنا العزم، في الحي  ،على تنظيم نزهة ؛ولما كانت الواحة مألوفة لدينا طفقنا نستعرض الأماكن البديلة ،وكل واحد يحاول أن يجنح أكثر ،نحو إثارة الفضول باستسهال الصعاب

وتحدي تحذيرات الكبار، التي كانت تلاحقنا دوما حينما نسرح بعيدا عن الحي.

فجأة يلهج بها ،مشوقا،أحد كبار الصغار:  وادي طايرت،فما رأيكم؟  بعد صمت مشوب بالرهبة يوضح:

أعرف جيدا الطريق؛وفي الوادي سمك لا ينتظر إلا من يصطاده.  تخلى من خاف من الصغار، وتقدم من بدا له أنها الفرصة لإثبات الذات بتحدي المجهول.لعب عامل السن ،وكيمياء الطفولة،دورا في الإقدام والإحجام.

انتهت جماعة الأبطال اليافعين الى الاتفاق على التصريح للعائلات بأن وجهة النزهة هي سيدي يحيى؛درءا لاعتراضات قد تغتال سعادتنا.

في الصباح كنا عصابة تنهب الطريق نهبا ,وعلى أكتافنا كل تفاصيل نزهة ناجحة ؛من خضر ،خبز ،سكر وشاي.ومنا من فكر جديا في حكاية السمك ،فحمل ترسانته المتواضعة.طبعا لم تترك لنا السعادة وقتا لنفكر في تفاصيل أخرى ستجعل رحلتنا ,التي ابتدأت مدنية ،تنتهي عسكرية..

بين معسكرين متوثبتين لكل طارئ:

نصف ساعة تفصلنا عن سيدي يحي؛وبعده ننحرف يمينا لنسير صوب إحدى الشعاب  المفضية الى منحدر عميق يفضي إلى وادي طايرت.  لم يستطع بعضنا إخفاء رهبته ،وهو ينظر الى الدرب  دونه؛وخلفه تغيب ،رويدا رويدا ،أعالي نخيل باسق.   وصلنا نقطة اللاعودة:نحاول لهوا أو نموت فنعذرا،كما قال امرؤ القيس.

عدا بعض الرعاة ، لا شيء تحت الشمس ،لم يعترض طريقنا أحد؛وأخيرا وصلنا :  هي ذي “طايرت” ،ولا رهبة بعد اليوم.ها قد كبرنا عن سيدي يحيى ،وصرنا قاب قوسين من تلك الجبال التي طالما دوت بها المدافع.

عدونا ،طبخنا ،أكلنا،غنينا غير مميزين بين ما نغنيه ،أهو جزائري أم مغربي؛أنشدنا أناشيد حزب الاستقلال  ,والجزائر ،وكل ما نحفظ .تدافعنا ،قفزنا من مرتفعات ترابية عالية ،دون أن يدور بخلدنا أن هناك من يترصدنا ، وربما يستمع حتى الى خلجات قلوبنا .

فجأة،وكأن الأرض انشقت عنهم، باغتنا جنود مغاربة يتقدمهم رئيسهم.لم نعرف من أية جهة قدموا ؛ربما لانشغالنا ،وربما لوجود مسالك باطنية لا يعرفها غير العسكر.

قفوا مكانكم.تناهت إلى أسماعنا قاسية صارمة، وكأننا في فيلم حربي.ولما لم نكن ،حتى عمريا،مهيئين لهذه المداهمة العسكرية ،تملكنا الرعب ؛بل شرع بعضنا في بكاء جبان حاد؛ وكان لدى صغار العصابة أظهر.  لصغرنا لم نتفطن الى أن بعض الشر أهون من بعض:أن تكون أسير جنود مغاربة أفضل من الجنود الجزائريين .

اقتادونا جميعا الى أعلى تلة ،حيث مكامنهم التي لا تدركها العين من بعيد؛سراديب وخنادق  ،وصناديق خشبية وأسلحة؛وكأن الحرب الليلة أو الغداة.  فتح الضابط الشاب،نيران أسئلته :من أنتم؟  لماذا جئتم الى هذه المنطقة العسكرية؟  لماذا تريدون الدخول الى الجزائر؟  من بعث بكم الى هنا؟أين تختبئ البقية؟  ماذا ستفعلون في الجزائر؟

كأننا بجهنم تتلظى لتحرق طفولتنا .كيف نجيب ،ونحن الذين ما فكرنا لا في المغرب ولا في الجزائر ولا أعددنا العدة لغير الطهي والأكل.كيف نقنع هذا السائل الذي يتوعدنا بأن الدرك العسكري قادم ليقتادنا أسرى حرب.   هل كان جادا؟ هل كان يمزح؟ الله أعلم.

ولما لم يسمع غير كلام واحد غارق في الطفولة والبكاء,اقتاد كبارنا وشرع في مساءلتهم على انفراد.

البيت الشعري الذي قتل المتنبي:

كان صديقى عبد القادر مولعا بتجميع الأبيات الشعرية الغزلية ؛لعله كان يرى فيها عدته لمواجهة مراهقة على الأبواب.  بدوري لم أكن بعيدا عنها ،وإلا ما أضحك علي الأستاذ التوزاني رحمه الله القسم ،بصوته الجهوري:  كخ كخ كخ… تزبب قبل أن يتعنب.. كان كل ذنبي أنني سألته عن بيت لعنتر يقول فيه:

أفمن بكاء حمامة في أيكة****  ذرفت دموعك فوق ظهر المحمل

لا أتذكر البيت الماجن الذي تسبب لصديقي في صفعة قوية من يد الضابط الشاب،بعد أن أخذ في تفتيشه ،وقراءة جذاذاته الشعرية.  كان ع القادر فتى أسمر جلدا ,لم يبك ولم ينبس ببنت شفه.”كمدها” وبقي واقفا متصلبا وكأنه جندي ياباني .

انتهى كل هذا بتحذير عسكري قوي من تكرار هذه المغامرة الصبيانية التي قد توقعنا بيد الجيش الجزائري.  ويضيف أحد الجنود،وقد كان من كبار السن :يا أبنائي هذه التلال ملغمة كلها ،من

“وقت فرنسا”  وقد تنفجر في أية لحظة تقودكم إليها خطاكم.

رسموا لنا بدفة طريق العودة الى سيدي يحي،حتى لا نتيه،صوب الألغام، خصوصا والشمس قد مالت نحو المغيب.

حينما وصلنا إلى الحمى وحكينا ما جرى ،شعرنا بأننا أصبحنا كبارا فعلا ؛بتجربتنا في المعتقل العسكري ،غير بعيد عن الجيش الجزائري..عن مدافع طالما لهونا بتقليدها.

لكننا لم نفكر أبدا في العودة الى وادي طايرت.

الفقه الواقف: الصلاة دعاء؛غرس الزيتون استجابة

توطئة:

لم تعجبني أبدا تسمية ” المجالس العلمية” لأنها توحي بعلم جالس,كسول,ينتظر أن يقصده المستفتون,ليتململ ويفتي فتوى بعدية؛متعالية عن الناس ؛مفارقة-غالبا- لتفاصيل الحياة اليومية.

أفضل عليها “العلم الواقف”؛علماء واقفين ,حيث يقف الناس ؛تكاد لا تميزهم بشيء لأنهم موغلون في العضوية ,الانخراط ,المبادرة؛وصناعة الحدث.

مع هذه “المواقف العلمية”-وليس المجالس- لا حاجة للاستفتاء ؛لأن العالم ,بنفسه,يصبح فتوى قائمة تؤطر الناس.

نموذج الفقيه محمد الجبلي:

أشرقت عليه الشمس ,ذات صباح من عشرينيات القرن الميلادي الماضي, و هو بتراب قبيلة أولاد سيدي زكري ,باقليم وجدة. لم يزد أول لقاء له مع القائد اعمرو –طالبا للشرط- على إثارة ارتياب

هذا القائد الشرس؛المتمترس في جبال الزكارة كنسر جارح.

لما انصرف الفقيه الشاب ,غير مقبول وغير مطرود,قال القائد الأمي لجلسائه,بأمازيغيته الفصيحة,مبررا إعراضه: باله من فقيه بعينين خضراوين متقدتين كعيني ثعبان( اطاون انس ذزيزاون آموصاض).

لم ينتظر الفقيه الجبلي-خريج القرويين- أن يأذن له القائد بالإمامة ؛بل استغل أيام ضيافته بالقبيلة فصار يؤذن ويصلي بالناس ؛وحينما هم بالرحيل استوقفه القائد- بمسعى من الجماعة- وقال له:حسنا أنت فقيهنا فتوكل على الله.

حينما أدركته الوفاة,في أواخر السبعينيات ؛تقاطر على القبيلة كل من عرفه, أو تتلمذ على يديه ,أو تعلم منه أمور فلاحته ومعاشه ؛فكان يوم وداعه يوما مشهودا؛ أكثر من وداع مجرد فقيه جبلي “براني”, وأكثر حتى من وداع الأعيان النافذين.

حينما تطوع البعض لأداء ديون محتملة للفقيد لم يطالب أحد بشيء.

كبف أسر هذا الفقيه قلوب الناس؟ لماذا لم تنسه القبيلة؛ولا تكرر فيها مثيل له؟لماذا أذكره كلما ذكر العلم والفقه؛ رغم أني لم أتتلمذ على يديه إلا أياما معدودات؟

ألا يغرس الزيتون والجبلي في القبيلة؟

لم يستسغ الفقيه أبدا هذا الإعراض عن الشجرة المباركة؛خصوصا وهو يرى سواقي الماء الزلال تنحدر من عل ,وتعبر بساتين خضراء ,فيحاء ,عن يمين وشمال؛ويتأمل عفو الماء يسيل عبر الوادي ,ينعم به السابحون من الأطفال وترتاده الأنعام ,وتصدر عنه وعن ظلاله جذلى, رشيقة كغزلان.

أما شجيرات الزيتون المعمرة؛في جوف الوادي, فلم تكن ملكا لأحد؛ولم يعرف لها غارس ولا جان؛عدا الأطفال .

يحكي الوالد:كنا ننتظر قدوم التجار اليهود إلى القبيلة لنستبدل الزيتون بأعواد الثقاب؛ومن شدة خبث اليهودي ,كان يمضغ حبة الزيتون ثم يتفلها وهو يقول لنا:هذا زيتون مر لا قيمة له…خذوا علبة ثقاب واحدة فقط..

يشمر الفقيه عن فقهه ألفلاحي ,الذي حصله بقبائل جباله ,ويشرع في غرس أشجار الزيتون في حواشي البساتين ,والأراضي المهملة ؛بمعية تلامذته؛بعد الانتهاء من حصص التحفيظ, الممتدة من الفجر إلى الظهر.

سأقطع أرزاقكم أيها اليهود ؛هل يوجد زيتون حلو؟

توالت السنون ؛والفقيه ماض في برنامجه التعليمي والفلاحي.لم يكن لينا في الشقين معا:

إذا كان بصدد تحفيظ القرآن أبان عن شراسة نمر,في مواجهة الكسلاء ؛لا يضاهيه حتى كبار التلاميذ قوة .وإذا كان بصدد  الشق ألفلاحي فلا يشق له غبار ,وهو يتقدم الصفوف, يستنهض الهمم ويقوي العزائم:

هذه أرضكم”لفقيه ما عندو والو”؛ويضحك:  زيتون مر؛ياأعداء الله و النبي.

الفقيه يذهب في مهمة:

بعد أن تلاحقت غلال الزيتون,ما غرسه الفقيه  وما قلده فيه سائر الفلاحين-تبركا بالشجرة المباركة-,استأذن القائد في الذهاب إلى بني عروس,قبيلته, لاستقدام حرفيين متمرسين ببناء المعاصر ,وتصنيع لوازمها ,من الجذوع وصلد الصخور.

أيام غيابه كانت بمثابة أعياد بالنسبة لطلبة؛ لا يعرفون أهم فرحون باستراحتهم من قرآن الفجر ,ولسعات البرد والعصا ؛أم من الحفر والسقي وفقيه لا يزيده التعب إلا عنفوانا وجلدا؟

تم كل شيء كما أراد الله لهذه البلدة الطيبة يوم “سلط” عليها الفقيه محمد الجبلي بعينيه الثعبانيتين.

لكن بقرآن وفقه يسعيان بين الناس؛واقفين وغير جالسين على أرائك متقابلة,تسر الناظرين.

فتاوى الفقيه ؛كانت تتخلل عرقه ,وهو يمارسها ولا يتلفظ بها: لا فرق بين العبادة والعمل.لا عبادة بدون عمل. لا فرق بين من يصلي لله, ومن يغرس زيتونا يحبه الله ويباركه. الصلاة دعاء,الغرس استجابة…

حينما شرع الفقيه في استصلاح جانب من مقبرة قديمة, ليحيي بها شجرا ,بعد أن أمات الله بها ناسا ؛لم يصده أحد من القبيلة ؛حتى وهو وتلامذته يجمعون العظام في أكياس ,ويعيدون دفنها بعيدا.

لقد اجتمعت فيه الدراية الفقهية والفلاحية – إضافة إلى شدة البأس- فمن يعترض عليه؟

لا ألذ اليوم من زيت الزكارة؛وحيثما تجولت تجد ذكرى هذا الفقيه :أشجار زيتون وجوز تغطي أراضي كانت معتبرة مواتا ؛وحيثما اتخذ مسجدا إلا وأحاطه بأشجار .لايزال مسجد الإمام مسلم يستظل بشجرة جوز كبيرة من بنات ساعديه؛وحبذا لم تسمى باسمه لأن للإمام مسلم مساجد حيثما وليت وجهك في العالم الإسلامي.

الفقيه يلتحق بالمقاومة في شمال المغرب:

“بات ما اصبح”,لم يخبر أحدا عن وجهته ؛كما يقول ابنه البكر حماد الجبلي,وقد رافقه في بحثه الشاق ,في جبال الشمال, عن خلايا المقاومة: كنا نسير ليلا وننام نهارا ؛وحينما نتيه نحتاط من سؤال الناس.

استمر الغياب ثلاث سنوات ؛كما يحكي الوالد ,وذات فجر –في نهاية الأربعينيات- استيقظت القبيلة كلها على صوت آذان مألوف لديها .من؟ سيدي محمد الجبلي عاد؟ هو بلحمه وعظمه.

اختار أن يدخل القبيلة ليلا ,وأن يكون سلامه آذانا يصدح فجرا .  لم يحزن حتى تلامذته لأن الشوق إلى الفقيه- ولو شرسا- ملك عليهم نفوسهم.

منذ عودته وهو يحدث الناس عن المقاومة ,والوطن المحتل,وكفر المستعمرين الاسباني والفرنسي.

إن الكبار,الذين يتذكرون اقتحام كتيبة فرنسية سنة 1916لجبال القبيلة ,واعتقالها للقائد بلعيد وأعوانه

بتهمة”المس بأمن الدولة الفرنسية” وكأنهم ضبطوا في نواحي باريز؛كانوا يعرفون ما يدور في ذهن الفقيه,ويتواطؤون معه سرا وعلانية.

وقد أثمرت مساعي الفقيه الوطنية- بعد إثمار الزيتون- حركة شبابية ,بدأت تستعد للتوجه معه إلى

حيث”شغل الرجال” كما كان يردد دائما على مسامعهم؛حيث يغرس زيتون مبارك ,من نوع آخر.

هزمته العيون المنبثة في كل منعطف,فاعتقل مع مجموعته؛وغيبهم سجن المستعمر.أما أشجار الزيتون فقد واصلت نموها واحتجاجها..إلى أن عاد الجميع مبشرين بالاستقلال.

يوم بكى في جنازة طفل بكاء مرا :

يحكي الابن أنه احتار في أمر الوالد الفقيه:ما الذي يبكيه ,وهو الشيخ المتمرس بالجنائز ؟يبكي طفلا بئيسا لم يمهله المرض طويلا.

حينما انصرف الناس سأل أباه عن السر؛فكان الجواب: لما كنت بصدد غسل الطفل لاحظت أن يديه خشنتان متورمتان ؛خضراوان من كثرة ظفر حبال الحلفاء. يواصل:لن يغفر لنا الله أبدا حينما يرى هاتين اليدين ,لطفل صغير ,فقير ومضطر ؛في الوقت الذي يلعب فيه أقرانه.

كان بعض التجار يجمعون ما ينتجه فقراء القبيلة من “كوردة”-مقابل دريهمات قليلة- ويصدرونها إلى الجزائر ؛حيث تستغل في كروم المعمرين .

كانت شراسة الفقيه تخفي قلبا رحيما بالبلاد والعباد.

يوم بكت الهمزة:

دأب الفقيه الجبلي ,رحمه الله,على استضافة أبناء جيرانه ,من التلاميذ العائدين ,في العطل,إلى ذويهم.وهم أحفاد الجيل الأول الذي غرس معه زيتون القبيلة.

بعد طعام العشاء ,وحول صينية الشاي,بشرع- وقد بلغ من الكبر عتيا, في الحديث عن أخبار الأولين ,والمسالك والممالك, وهاجوج وما جوج؛ويعرج على الألفية ,والتحفة ؛وبعضا من البردة.

شذرات من هنا وهناك ؛فهمنا في ما بعد أنها من محفوظاته ,وهو بجامع القرويين؛حيث درس زمنا ؛دون نيل العالمية.

ولن أنسى أبدا حديثه عن خلق الله للحروف العربية؛وكيف أن الهمزة حينما بدا لها عوجها ,شرعت في البكاء؛دموعا غزيرة – بل طوفانية- كانت وراء ظهور البحار والأنهار..

لعل لمسة الطبري ,في تاريخه ,ظاهرة هنا. لكن ما هو ظاهر أكثر هو حب الفقيه الجبلي للتلاميذ ,وسعادته بهم وهم ضيوفه؛يستمعون إلى بقية فقه وعلم لا تزال لها مواقع في ذاكرته.

هذا هو الفقه الواقف ,وقوف أشجار الزيتون ؛أما حينما يتحول الى فقه جالس ,مفارق للمجتمع ,لصيق بالمتون فقط ؛فهو- لا محالة- الى ركود وفساد ؛ولم لا الى انحراف أيضا.
سوسيولوجية الفتوى قبل فقهيتها

تقديم:

لا ينكر إلا سلفي يلغي التاريخ؛ويقف معارضا لسنن التطور والتحول- حتى في هذا المغرب ,الذي ظل قصيا عن مركز الخلافة ,واقفا على ثغور الحضارة- تجاوز الفتوى لأطرها التقليدية ,واشتغالاتها الدينية, الفردية غالبا, لتصير خطابا سوسيولوجيا   فاعلا في المجتمع,من  مداخل عديدة.

ولنا خير مثال في بنات الفقه الزمزميات ,المغراويات ,والنهاريات ؛كيف خلعن رداء الفقه,بل أصوله,

وتركنه لعلماء صامتين- عزوفا أو تهيبا أو حكمة-واقتحمن مساكننا, شوارعنا ,مقاهينا و حتى صالونات الحلاقة ؛وما شئت مما ظهر من فضاءاتنا ,وما خفي منها ؛وسرن سافرات يتبخترن ,ويضربن بالأقدام ,ويغيرن حتى من نظرتنا إلى بعض خضرنا ولوازم مطابخنا.

أين ينتهي الفقه ؟ و من أين يبدأ الفعل السوسيولوجي؟

فوبيا الفتوى:  المنشأ

بدءا بالمفتي:من هو؟

من الأطر القرآنية:

قال عز وجل: “إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون”    الأعراف:33

من الأطر المعجمية:

قال الصيرفي:” هذا الاسم موضوع لمن قام للناس بأمر دينهم,وعلم جمل عموم القرآن ,وخصوصه,وناسخه ومنسوخه؛وكذلك السنن والاستنباط.لم يوضع لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها؛فمن بلغ هذه المرتبة سموه بهذا الاسم,ومن استحقه أفتى في ما استفتي فيه.”1

من تفعيلات هذه الأطر:

قال ابن القيم:  ” من أفتى الناس ,و ليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ,ومن أقره من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضا. قال ابن الجوزي: يلزم ولي الأمر منعهم ,كما فعل بنو أمية…….فإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبيب من مداواة المرضى, فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ,ولم يتفقه في الدين ؟”2

وعليه فقد اكتمل توظيب الركح؛حيث يظهر المفتي إما متهيبا, متزنا ,حكيما ,فيسكت كلية عن الفتوى؛لا يجيب فيها إلا لضرورة دينية قصوى ,لا يملك أن يزور عنها ,بحكم أطر أخرى ملزمة؛وهذه حال كبار الصحابة ,رضوان الله عليهم وهم:يحيل كل واحد- علم أو جهل- المستفتي على الأخر؛وقد يحدث أن تعيده هذه القاعدة ,الاحترازية, إليه ؛فيفتي,وهو كاره, ووجهه ممتقع,كأن السياف واقف على قفاه.

وقد يظهر غرا ,طالبا لدنيا وصدارة ؛ فيفتي ,كما يتنفس؛ومن هؤلاء من أبكى حتى ربيعة الرأي ,أستاذ الإمام مالك ؛وقد أجاب من سأله عن سبب بكائه:” استفتي من لا علم له ,وظهر في الإسلام أمر عظيم .ثم قال :ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السراق..”3

هذا الموقع عن رب العالمين ؛كما اختار ابن القيم أن يشدد عليه ,وصفا,يتموضع بين الله والناس –كما قال البعض- فله أن يختار مداخله إلى هذه المكانة السامية جدا ؛أما مخارجه فلا يحدد حالها إلا ميزان عمله:

وهو يتخذ له هذا الموقع الرهيب ؛حيث يجزع حتى الأنبياء ؛وهم مسنودون بوحي من الله.

وهو مقبل على تفعيل” إكمال الدين و إتمام النعمة” وحمل الناس على الرضى بالإسلام دينا كما رضيه لنا الله.

وهو ذو السند الشرعي المحدود- حتى ولو غزرت روايته و رشدت درايته-في مواجهة دينامية التحول المجتمعي ,بكل ما تعنيه من “تدافع” المصالح المرسلة للناس كأفراد ومجتمعات إسلامية ؛بل وعالمية أيضا.

لقد جرت على ألسن الناس ,منذ القدم,وبكيفية ماكرة جدا,عبارة تحيل على توظيف الفتوى – من العلماء الأغرار,بالخصوص- للنيل من ثنائية الحلال والحرام ؛وهي قولهم ” علقها في عنق عالم”.

من يعلق جرس الفتوى في عنقه؟

وتنتصب حكاية الفقيه الجبلي الذي لعن يومه, ويوم فكر في القراءة؛حينما ألح عليه أهل الدوار – تبركا به- في حضور عملية نزو الحمار على مهر غير ذلول له؛فأصابه ما أصابه في وجهه من “ماء دافق”.

(تنتصب) هذه الحكاية مثالا لمجتمع متدين, في تفاعل دائم مع الفتوى ؛ولو لم تتقولب في ألفاظ ,وتستند إلى استفتاء: إذ يكفي أن يحضر الفقيه ليحضر الأمن الروحي ؛والصلح مع كل ما يفترض أنه يحفظه من متون شرعية. إنها الفتوى الصامتة التي أغفلها كل من تحدث عن آداب الفتوى.

الاشتغال السوسيولوجي للفتوى:لفظية و صامتة

مناط الحديث عن الاشتغال السوسيولوجي العام للفتوى ؛حتى وهي ذات منطلق وسبب مخصوصين ؛سواء تأسست على استفتاء ,محدود زمنا ومكانا؛أو على مبادرة من مرسل لها ؛بوجه حق أو بدونه؛ بنية حسنة أو مغرضة ,لأن العبرة بما ستحدثه من أثر اجتماعي؛دينامي فاعل في التحول.

لنستند إلى مثال مغربي حي:   فتوى جواز زواج بنت التسع.

مرسل الفتوى: محمد بن عبد الرحمن المغراوي  ؛مؤسس جمعية الدعوة والسنة في القرآن.

المستفتي: سائل عن تفسير آية من سورة الطلاق .(حسب ما صرح به المغراوي في رده على بيان المجلس العلمي الأعلى)

من أدلة المفتي؛كما وردت في بيانه: تفاسير لمفسرين ثقات ؛منهم الشيخ المكي الناصري ؛إذ حدد عدة المرأة الصغيرة التي لم تبلغ سن الحيض”إذا كانت متزوجة وفارقها زوجها, فان عدتها تنحصر في ثلاثة أشهر أيضا,مثل عدة الكبيرة الآيسة سواء بسواء.”

قول لابن أبي زيد في الرسالة:”فان كانت ممن لم تحض,أو ممن قد يئست من المحيض فثلاثة أشهر للحرة والأمة”.

حديث سيدتنا عائشة ,رضي الله عنها في الصحيحين”أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ,ودخل بها وهي بنت تسع,ومكثت عنده تسعا.”

لقد ندد المجلس العلمي الأعلى بالمغرب,بهذه الفتوى ,واعتبر أن” إصدار مثل هذه الفتوى ,هو حكر على المجلس الأعلى للمملكة.” و” وصف المجلس مصدر الفتوى بأنه معروف بالشغب والتشويش على ثوابت الأمة ومذهبها.”

على اثر بيان المجلس العلمي الأعلى, و الشكاية التي تقدم بها المحامي ذ مراد بكوري ,في 4شتنبر2008 ضد المغراوي ؛باعتباره معتديا على مدونة الأسرة, وحقوق الأطفال,ومشجعا على الاغتصاب؛ أمر وكيل الملك ,بالمحكمة الابتدائية بالرباط بفتح تحقيق دقيق في هذه الفتوى؛وبحث الصفة التي “تؤهل المغراوي لإصدار الفتوى”.4
من يوجد في مأزق في هذه النازلة ؛التي نقول عنها فقهية ؛تبسيطا؟

هل المغراوي ؛وهو يفتي خارج مؤسسة الفتوى الرسمية؟ ترى لو أفتى بما لا يثير البلبلة في المجتمع ,بمعلوم من أصول الدين, أكان يثير نفس رد الفعل؟

هل المجلس العلمي وهو يعترض على أدلة الفتوى القوية؟

أم نفس المجلس ,وهو يلزم فقيها بالتقيد بمدونة للأسرة شارك فيها علماء فقهاء؟

هل القانون ؛وهو لا يجد منفذا واضحا لتكييف الجرم ؛حتى تسري عليه مجموعة القانون الجنائي المغربي في الموضوع؛الذي يتأسس على إسلامية المجتمع المغربي,كما يتأسس على حقوق الطفل.؟

إن قاعدة” لا جريمة ولا عقاب إلا بنص” تعمق وطأة المأزق القانوني؛في هذه النازلة.

هل الطفولة البريئة – بناتنا وأخواتنا- وهن مهددات بمفارقة الأسرة ؛تحت مسمى النكاح ,ومواجهة

” صولة الناكح’ كما يقول الشاعر؛دون نضج؟

وقد يكون شيخا لأن لا المغراوي, ولا غيره, يجرؤ على أن يفتي بعدم جواز زواج” الشيب بالأبكار”

هل الطب الحديث ,وهو لا يملك كيف يواجه احتمالات مرضية لأجهزة تناسلية-ذكورية وأنثوية- لا تكافؤ بينها ؟

هل هذا الطب ؛وهو يتابع نمو أجنة- إن نمت- في أرحام طفلات التسع؟

هل رجال الاقتصاد ؛والديموغرافيا,وهم مهددون ب” بينغ بونغ” بشري ؛ناتج عن خصوبة أنثوية

مستعجلة؛ تمتد من التسع سنوات إلى ما شاء الله؟

هل منظومتنا التربوية ؛وهي تكمل مراحلها المبرمجة, لطفولتنا ,بأغلبية ذكورية لأن زميلات المدرسة الابتدائية صرن زوجات وجدات؟

وللمسألة بعد دولي أيضا:

باعتبار المواثيق الدولية ,المتعلقة بحماية الطفولة – بالمعاني الواسعة للحماية – بما فيها حمايتها من

خطاب الغواية ,والاستغلال الجنسي ؛مهما يكن الشكل الذي يتخذه.إن “ليلة اغتصاب أمينة” وانتحارها,في ما بعد, صارت شأنا دوليا ؛ولما يجف تراب قبرها .

فهل نفتي بالازورار عن هذه المواثيق ؛ بكل ما يعنيه هذا من انغلاق ,وتقليص فرص الاستثمار الأجنبي لنواجه كل طالبي الشغل بحديث السيدة عائشة؛وتفسير الشيخ المكي الناصري؟

أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة  تتجاوز المرجعية الفقهية ,التي لا يرى البعض غيرها,إلى مرجعيات تشتغل تحت عنوان عريض:” سوسيولوجية الفتوى” ؛وهي تستدخل حقولا معرفية عديدة:

اقتصادية ,ديموغرافية,سياسية,طبية ,ثقافية ……..

” ان المجتمعات الجديدة تنبثق وتولد من المجتمعات القديمة,عبر عمليات الإصلاح والتغيير المستمرة

وعبر حلها للتناقضات,ونجاحها في مواجهة التحديات؛لكنها عندما تعجز عن تحقيق ذلك تتعرض منظومة القيم الأساسية ,التي تشكل دعائم وجود وتشكل المجتمع لخطر التفكك وانهيار ؛الذي يؤدي في النهاية الى فقدان المجتمع للعناصر المكونة لهويته.”5

لعل الاشتغال السوسيولوجي للفتوى يدفعها إلى الارتقاء إلى مستوى مواجهة تحديات التحول المجتمعي ؛وحل كل التناقضات ؛إقداما وجرأة ؛وليس نكوصا إلى الوراء ؛وتغييبا حتى لأنوار هذا الوراء ,التي سطعت مصححة الكثير من “أمور دنيانا” التي حرضنا الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم الاقتداء به فيها ؛ما دامت درايتنا بها كافية.

في مثالنا لم يخطئ أي أحد فقها وتفسيرا؛لكن الذي كان غائبا ,ومستقيلا هو العقل السوسيولوجي للفقيه ؛وقد فاته أن السيدة عائشة رضي الله عنها لم تكن تنتظر غير الزواج,في مجتمع ذكوري مجاهد و باحث عن التكاثر .

لم تكن مقبلة على دراسة ابتدائية ,ولا على منافسة الذكور في كراسي الجامعات ,وفي ميادين الخدمة العمومية والخاصة.

لم تكن رقما في خريطة مدرسية ؛ولا في سجل مستشفى ؛ولا في مستندات التخطيط والتنمية.

دخلت مدرسة الرسول صلى الله عليه ,الخاصة والعامة,وخول لها-اعتمادا على سنوات تحصيلها- أن تطلعنا عن نصف ديننا.

الثقافة السوسيولوجية للمفتي:

تتجاوز الخطاب الشرعي – وليس للمفتي أن يفتخر به, رواية ودراية ,لأنه ألفباء الفتوى- إلى علوم العصر ,الفاعلة في المجتمع ؛بما فيها آليات اشتغال العولمة لتعيد تهيئة عقولنا ؛كما نفعل مع الأقراص الصلبة للكومبيوتر؛حتى يحيط بالظاهرة الإنسانية المعقدة التي يفتي لها.يحيط بها وهي مجتمع دينامي

متحول.

إن الرقمية جعلت بنت التسع تتجه صوب العيش في مجتمع عالمي افتراضي ؛لم يعرف حتى كبار المنظرين السوسيولوجيين أي قيم ستسوده ؛وكيف سيتحكمون فيها.

إن جلد الذات غير مجد ؛وجلد الآخر المخالف لا يحل مشكلا.

إن العولمة سائرة في طريق النمو ,يوما بعد يوم ؛بنا أو بدوننا, لأن الذين أرسوا أسسها أكثر منا قوة وفكرا وحضارة ؛فلا تحكموا علينا بالتراجع ,والفناء الصوفي في نصوص شرعية أنتجها زمانها لمجتمع بمواصفات غير مواصفاتنا.

إني أرى كل خطاباتكم تتجه إلى اليسير والأسهل والجاهز ؛في حين تتجه الإنسانية المتحضرة صوب المقارعة والتحدي ؛صوب الفضاء والأعماق والبحار ورغم هذالا أراها مطمئة إلى غدها الدنيوي اطمئنانكم المغشوش.

إنها أمم تقرأ نيابة عن أمة أمرت بالقراءة.

إن الاستعراض السريع لعدد من الفتاوى الشرعية القديمة يخلي ساحة المفتين من مظنة الجهل بزمانهم ,وبمتطلبات مجايليهم ؛ في مقابل فتاوى عصرية مجتثة من واقعها اجتثاثا فضيعا ؛بل شاع جانب التندر فيها أكثر من الشرع والمصلحة:

إباحة رضاع الموظف لزميلته,في المكتب, حتى تحرم عليه ,ولا ينتصب الشيطان واقفا بينهما.

إباحة رضاع الزوج لزوجته, دون أن تحرم عليه, لأنه فعلها ,وهو في أوج نشوته.وما شئتم من انفصام وانقطاع عن الواقع الاجتماعي؛والتقاء- دون قصد- مع خطاب ايروتيكي رقمي معروف.

وعليه فالفتوى في هذا العصر يجب أن تبدأ من حيث ينتهي الفقيه الشرعي:

يستفتي علوم العصر ,ويبحث في متطلبات المجتمع ليكمل الشق الآخر من الفتوى.

إن الفتوى بهذه المواصفات لا يمكن أن تناط بالأشخاص بل بمؤسسة الإفتاء؛التي يجب أن تكون متعددة الاختصاصات.

وأنهي بتساؤل : هل المجلس العلمي الأعلى – وهو معين ,وغير منتخب- مؤهل للارتقاء بالفتوى إلى

المستوى الذي يستجيب للتحولات المجتمعية المتسارعة؟

هوامش:

1بدر الدين الزركشي: البحر المحيط في أصول الفقه :305/ 6

2 ابن القيم :   إعلام الموقعين عن رب العالمين :199/4-200

3علام الموقعين عن رب العالمين :190/4

4جريدة المغربية:العدد 8477     -5أبريل20124

5درويش الحلوجي:حاشية على ترجمته لكتاب:

SOCIOLOGIES ET RELIGIOM/D.H.LEGER/J.P.WILLAIME

مصارع العلماء, وموالد شيوخ السلفية في المغرب:شهادات حية

تقديم:

لم يعد خافيا أن منصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية؛في حكومة عبد الإله بنكيران- قبل أن يستعيده السيد التوفيق- رسا على عالم كبير ,من علماء المغرب,هو الدكتور مصطفى بنحمزة.

وقد صدر عنه ,وهو يبرر رفضه,أنه لا يرى نفسه غير عالم صاحب رسالة علمية.

نعم ما زال في المغرب من يفضل رسالة العالم على بريق الوزارة.

ويعرف سكان وجدة,بالخصوص, أن الرجل تواضع كثيرا وهو يتذرع,فقط,برسالته العلمية؛لأن

حضوره الفاعل على مستوى المجتمع قد يفوق حضوره العلمي .

ورغم حبي لمدينتي وجدة,ومعرفتي بكونها مستعدة لتنسى زيري بن عطية ,مؤسسها,ولا تتصور أن تتنازل –حتى للوطن-عن عالمها مصطفى بنحمزة؛فكم تمنيت لو رأيت الرجل في موقع وطني سام؛ يؤثر منه أكثر :

في حمل العلماء,في المغرب, على استعادة تألقهم العلمي, وحضورهم الفاعل في المجتمع؛ حينما لم

يكن المغاربة يعرفون الشيوخ؛إلا شيوخ قبائل أو دواوير أو حومات.

يستثنى هنا شيخ الإسلام مولاي العربي العلوي ؛الذي خص بهذا النعت تعظيما لقدره.

أثينا المغرب:

“إذا بايعت فاس بايع المغرب كله’

لم تكن مركزية فاس ,في بيعة السلاطين,مستمدة من بيوتاتها ,كما تعددت أساميها البراقة ؛ ولا من “قيسارياتها” ,كما تباهت ذهبا وفضة ؛ولا من حرفييها كما أبدعت أناملهم سباكة,خياطة

,نقشا ,دباغة ,وفسيفساء…

بل كانت مستمدة من مكانة علمائها ؛ومنهم الفاسي ,الجبلي,السوسي,الصحراوي وغيرهم.

ومن ثقافة شعبية عامة ,مركزها العلماء ؛ومن يحيط بهم من طلبة متفرغين للعلم ؛ناشرين له في كل الأقاصي القبلية المغربية.

وبلغة العصر كان علماء فاس-وقد استنسخت تجربتها مدن مغربية أخرى عتيقة- بمثابة فضائيات اليوم :يصل ما يصدر عنهم من فتاوى؛أو مجرد استحسان أو استقباح- وحتى النوادر- الى كل الأسر ؛ويصبح محورا للحديث ؛لامحيد عنه الى أن يحدث ما ينسخه ,وهكذا…

إذا كانت أثينا قد أرست لبنات الديمقراطية في العالم ؛بفسحها المجال للشعب لينتج – بالجدل؛وليس التدافع- النظام الذي يرتضيه لحكمه ؛فان فاس رفعت عامتها إلى مستوى المعرفة العالمة؛حتى غدت هذه المعرفة بمثابة الأوكسجين اليومي المتاح لكل الناس.

كل هذا في غياب “الميلتيمديا” التي ننعم بها اليوم ؛والتي وظفت- بكيفية مفارقة- لرفع عروش

ما يسمى ب” شيوخ السلفية” على حساب العلماء.

كان”لمعلم الصنايعي” يترك محترفه ليصلي العصر في المسجد القريب منه؛ثم يلازم “العالم” وهو دائما”سيدي فلان أو فلان” ,الى أن تصلى العشاء.

أما “لمتعلم” فيمضي ,بعد صلاة العصر” الى السويقة وباقي ما يكلفه به”لمعلم”.

في الغد يلتئم الشمل من جديد:”لمتعلم” يعرض على مسامع “لمعلم” تقرير ما قام به؛أما “لمعلم” فيحدث مرؤوسيه عما سمعه من العالم ,وما نوقش في مجلس العلم ؛وهكذا كانت المعرفة العالمة مدار الحياة في فاس ؛دون أن تتوقف فيها الحياة الاقتصادية.

يضاف الى هذا تصدي العلماء للقضاء ؛وتصدي علماء آخرين لمناقشة أقضيتهم حتى لا يستقر منها غير العادل المؤسس..

إن العلاقة:عالم – معلم صنايعي- متعلم  ؛  تقابلها علاقة :عالم – طالب علم -مجتمع بادية.

يرقى “لمتعلم” إلى “معلم صنا يعي” والطالب إلى عالم ؛ويرقى حتى المحيط القروي ؛من خلال ما ينقله إليه الأبناء العائدون من فاس.

من رتب هذا النظام ,المعرفي,التربوي والحضاري, البديع والفعال, للمجتمع المغربي؟

ومن الذي قوضه ؛حتى انتهينا إلى ما يشبه جمهورا كرويا: مشايخ يلعبون ؛وعلماء يتفرجون ضمن الجماهير؟
مصارع العلماء:

لما ارتحلت إلى فاس-ضمن فوج من التلاميذ- طلبا للعلم؛في مستهل ستينيات القرن الماضي,قادمين إليها من المعهد الأصيل في وجدة ؛حيث أحرزنا على شهادة الانتقال إلى الثانوي :أي إلى جامعة القرويين ؛كانت تساورنا رهبة مزدوجة:مفارقة الأهل لأول مرة؛ ودخول عالم القرويين, وعلمائها الفطاحل ؛بكل ما يعنيه هذا في أذهاننا ؛نحن الذين لم نتعلم,إلى ساعتها, إلا على يد معلمين وأساتذة.

وجدنا جامعة القرويين”أو جامع القرويين” قد تحولت الى مجرد ثانوية ,تحتل – بعد مسجد فاطمة الفهرية العامر,وجوار ضريح مولاي إدريس الأكبر,وباقي المدارس التاريخية ,ودور الطلبة المشهورة- (تحتل) مكان ثكنة عسكرية في سافلة حي بن دباب.

كل هذا الإجهاز على ما صانه حتى الجنرال ليوطي ومن أعقبوه, اتخذ,في وقته, مسمى الإصلاح وعصرنة القرويين,ومناهجها العتيقة.

الله أعلم بالنوايا ؛أما نحن فقد كنا صغارا ؛انبهرنا بدروب فاس و”طالعاتها” ولم نفهم الانقلاب على القرويين إلا في ما بعد.

هم كانوا يعرفون:

بدءا من الدروس الأولى تعلمنا أن الخوف من المعلم, والأستاذ الصعب شيء والخوف من العالم-لعلمه- شيء مختلف تماما؛بدأ بنوع من “فوبيا العلم”؛ لينتهي بنا ونحن نغبط العلماء.

بدأت ثقافة العلم والعلماء تحجز لها شرفات في أذهاننا الصغيرة ؛نمضي أماسي الداخلية في الحديث عنها:

*العالمان الزرواليان الأخوان –حسب ما حكى أحدهما ,رحمه الله- باع والدهما, ببني زروال ,البقرة

ليشتري لهما كتا ب الشيخ خليل .

*الحديث عن خزانات, في ملك علماء,تعد محتوياتها بآلاف ,وعشرات الآلاف من الكتب,ما استمعنا إليه إلا في فاس ؛وشخصيا كنت أبهر به والدي في العطل فنحتار لعقول تستوعب كل هذا العلم.

*لم يكف عالم بلاغة كان الطلبة يطلقون عليه”الحديقة” عن زرع حدائقه البلاغة في أذهاننا؛وقد تعلمنا عنه ما أفادنا كثيرا في مهنة التدريس,والكتابة ,فيما بعد:أن تحول درسك إلى متعة حقيقية ,وتتخذ تلامذتك أصدقاء ؛وأن ينفتح نصك على الشاهد ,ونصوص أخرى؛مما يحبب العلم ,ويذهب الملل.

*حكاية العالم الفقيه عبد الكريم الداودي –رحمه الله- وهو آخر من نطق في المغرب ب”نحن المالكية نرى…أو نقول..”

يوم أعقب أستاذا للفلسفة ,في فصل دراسي,ليجده وقد كتب عنوان درس فلسفي كان يدرس ؛بدون حرج؛ وهو”مشكلة الله”؛من كتاب “دروس في الفلسفة”للجابري والعمري والسطاتي.

انتفض عالم القرويين صارخا: كيف؟ أفي الله مشكل ؛ثم خصص الحصة كاملة لبيان تهافت هذا العنوان؛والطلبة يستمعون ,وكأن على رؤوسهم الطير.وما روى أحد أنه سب أستاذا أو مؤلفا.

* والعالم الشاعر”مولاي أمحمد العلوي”(كولد فينغر)؛كما كان يحلوا لنا أن نسميه ؛وتفرغه لنظم قصائد عيد العرش ,وتشنيف آذاننا بها قبل المرحوم الحسن الثاني.

ولم يكن يبخل علينا بقصائده الغزلية ؛ونحن في عنفوان المراهقة:

ومنها :  عزف الناي بلحن     مستبد بالكمان

وانبرى صوت شجي      بحنو وحنان

ظبيتي   قربت منها      أبتغي همسا اليها

أين منها الشفتان

كنا نكتب ,ونضحك,ونهمس ؛ثم نطوي كل شيء ونشرع في درس الحديث أو الفقه؛ولا زلت أذكر وقوف الأستاذ عند مقولتي:”من مس ذكره فليتوضأ” و “يجوز غسل المني أو فركه”

مما كنا نقبل عليه علما وتعلما ,وليس تسخيفا وحشمة.مما يؤكد ما ذهبت إليه من حاجة حقيقية الى فقه وردي ,مؤسس على الشرع,درءا لتربية المواقع الإباحية ؛لكن دون بدع وسخافات.

*وحدثنا المخلصون,الموضوعيون, من هؤلاء العلماء حتى عن انسداد المستقبل في وجه القرويين وخريجيها ؛ولا زلت أذكر الحديقة اذ أمسك ممسحة إسفنج وقال لنا: كل هذا العلم لا يصنع حتى هذه.

*أما طينة منهم فقد أوغلت في النفاق ,وهي تحبب إلينا القرويين والعربية,في حين ترسل بأبنائها الى ثانويتي مولاي إدريس ومولاي سليمان ؛حيث التعليم العصري.

وكنا نسمع عن عالم معروف,حرم في منزله الحديث بغير الفرنسية. كان يفد علينا في ثانويتنا ؛ويغير على العلماء مفتشا ؛آمرا وناهيا. كيف؟ أو يُفتش حتى العلماء؟نعم يوجد هذا الرجل الأسود ؛وهو عالم العلماء على ما يبدو.

ولا ينسى طلبة الخامسة أدبي2 يوم تصدى له العالم اسميرس ؛في حصة الأصول ؛ويناظره –صراخا- في موضوع الظهار هل هو طلاق أم لا.أما نحن فكنا مرعوبين متهيبين ,مخافة أن ينتقل المفتش إلى سؤالنا؟

هكذا عشنا ,في مستهل ستينيات القرن الماضي, آخر رعشات جامعة القرويين ؛وهي تسلم الروح.

كنا شهداء على انهيار منظومة تربوية أصيلة ,ظلت فاعلة لقرون في المجتمع المغربي ؛ملبية لحاجاته

حتى دون تأطير دقيق ؛مما نراه اليوم ؛ولا نرى له إلا الفشل الذر يع في تلبية حاجيات سوق الشغل ,والتنمية عموما.

حتى وجامعة القرويين الحديثة ,وفروعها وإضرابها,قائمة ,تخرج عشرات الآلاف ؛وحتى والمجالس العلمية أضحت مؤسسات شرعية رسمية في الدولة ؛لم يتحقق –منهجيا ووظيفيا- ما كانت تحققه جامعة القرويين العتيقة ,وعلماؤها من إنزال للمعرفة العالمة إلى مستوى العامة؛ حتى لا تطلب العلم من غير مصادره ؛كما استوت في المغرب العالم؛عقيدة وفقها وتصوفا..

هي مصارع للعلماء ؛حتى لانعثر اليوم على عالم إلا وهو موظف برقم تأجير ؛وعلى قاض إلا وهو كذلك.. أهي المدنية الغربية ؛إذ اقتحمت علينا أسوارنا ؛مبشرة بقيم ,وبنظام تربوي غريب عن بيئتنا,وتمثلاتنا؟  كيف سيكون حالنا مع عولمة أوسع وأشرس ؟

ميلاد شيوخ السلفية:

ارتفع نسر عمر أبي ريشة إلى قمة الجبل,وقد هده الزمن, ومات ؛تاركا السفح لبغاث الطير؛ تعبث فيه على هواها .

وإذا ما أتى الغياهب واجتاز     مدى الظن من ضمير الأثير

جلجلت منه زعقة نشت الآفاق      حرى من وهجها المستطير

وهوى جثة على الذروة الشماء  في حضن وكرها المهجور

دحر إسلام المحيط ,غير العربي,وهو إسلام جهادي ؛غير عالم(خصوصا الأفغاني والباكستاني) ؛ إسلام المركز ,العربي ,العالم  ؛كما توقع ” روبيرلاكوست” ؛في سبعينيات القرن الماضي.

ولا يخفى دور الولايات المتحدة في هذا الصراع ؛وهي تسلح المجاهدين في أفغانستان لدحر الزحف الشيوعي الروسي؛ثم وهي تجيش دول الخليج لدعم المجاهدين ؛ماليا وسياسيا وثقافيا ؛دون حتى مساءلة مرجعياتهم الدينية.

من يواجه كل هذه الهجمة الشرسة؟

*ادريس البصري ؛ولد الشاوية الذي تفرغ لأمور أخرى غير الدفاع عن العقيدة والمذهب.

*مولاي لكبير العلوي المدغري ؛خريج القرويين؛ الذي لم يزد على أن دخل ,كغيره,مدرسة إدريس البصري؟

*قناة فضائية فقيرة ,شكلا ومضمونا؛ لا تتقن غير استدرار التثاؤب؛ثم النوم؟

*ركن المفتي ,وهو منصرف الى نواقض الوضوء ؛دون على الاشتغال على “الشريعة والحياة”؛ونواقض المذهب.؟

*يسار ,من شدة غفلته,كان يتوقع أن غلال هذه الفلاحة الخليجية ستدخل الى “مطاميره”؟

*يمين لم يكن يعض  بالنواجذ,وحتى بالمؤخرات,الا على كراسي السلطة ؛في غفلة عن حروب العقائد والفقه ؛وكأنها تقع في كواكب أخرى؟

تواطأ الكل؛ولو عن غير قصد, لنصل الى توفير كل الضمانات,الثقافية والاجتماعية لميلاد شيوخ السلفية ولادة طبيعية.

لا علينا الآن أن نستغرب ونحن نرى كل علمائنا ,ومجالسنا العلمية لا تساوي شيئا أمام خرجة إعلامية واحدة- ولا أقول علمية- لهذا الشيخ أو ذاك ؛ولو تحدث فقط عن خضر “تقوي الباه” وتعيد الشيخ الى صباه؛ أو عن محاولة اغتياله؛أو عن حسناء سلمت عليه؛أو عن فضل المرود على الكحل.

ولا علينا أن نسمع من يقول:دخلت السجن أسدا وخرجت منه أسدا ولم أستعطف أحدا.

ولا علينا أن نرى شيخا تفرغ لا سقاط فنانة مغربية صاعدة؛ وآخر استعجل وطء بنت التسع ؛ولم لا حتى دميتها.

فرض علينا نقاش الهوية ؛ولم لا حتى تعلم الوضوء والصلاة وكأن”القوم ما كانوا” علماء أجلاء

تربى المغاربة على أيديهم لقرون.

فرض علينا أن “نخونج” كل كلامنا ؛وأن نعيد النظر في حجاب جداتنا وكأن لباسهن عورة تظهر عورة.

فرض علينا أن نستبدل الجدل والسجال والمناظرة بالتدافع؛وكأننا في أسواق البقر.

أعرف أن نعت”شيوخ السلفية” فرضه قاموس إعلامي يبحث عن الإثارة ؛ولم يرغب فيه الموسومون به ,لكن لم يدفعوه عن أنفسهم لاعتباره تشريفا ,وإلحاقا بشيوخ الشرق.

كما لا أنكر أن منهم علماء؛لكني أكره تركيزهم على التجييش, وتكثير التابع ؛قبل البحث في جلب المصالح الحقيقية ودفع المفاسد الماحقة.أكره تصرفهم وكأنهم يسعون إلى تأسيس حوزات للتكفير والجلد.

لست من الذين يلغون حركية التاريخ ليحلموا باستعادة ما فات وانقضى ,من أمر علماء المغرب؛لكنى أومن بأن داخل الفوضى يوجد نظام ما ؛يستتب تدريجيا ,بكيفية آلية ,لا يرتبها أحد, عدا حركية التاريخ.

يبقى أن نجتهد في مقاربة هذا النظام –كما يشتغل- لنوجهه ؛حتى يتحقق ما نتوخاه من صلح بين المواطنين وعلمائهم وإعلامهم.

وعليه لا بد من تسييس المجالس العلمية ؛شريطة أن تكون هذه السياسة نبيلة ؛تدفع صوب الانخراط العلمي ,الشرعي,في المجتمع ؛وهو مقبل على تحولات متسارعة.
رجال تحت الشمس .. مناجل وسنابل
عم صباحا:

اغتديت ،والطير ،في وكناتها،لا لأحاول ملكا،كامرئ القيس ؛ولكن مدفوعا بضجيج فجري قروي لا يتركك نائما إلا إذا كنت مفارقا لعالمك الدنيوي؛ بين هدير جرار، مُطارَدا بحاصدة ثقيلة، لا تقوى على

اللحاق به وان شخرت شخيرا .

هو الثقيل الذي تحول إلى غزال في هذا السباق الصيفي،المبكر؛ الذي يتكرر اليوم ؛أنى وليت وجهك في ربوع الوطن المبارك.الوطن المتحزب للفلاحة،حتى قبل الدولة والأحزاب؛بل منذ تهاطلت الأمطار الأزلية الأولى .وطن الشمس والعرق ؛ المغاربة أبناء السماء ،الذين لا ترعد ولا تبرق الا لهم.

ومدفوعا،نشوان، بأهازيج جبلية، طردت نوم الصيف العذب ،لتتوعد الحبيبة بعشق ساخن ؛بعد يوم آخر من تنزيل حُبِّ الأرض وحَبِّها.

يزغردن هن ،فتنزعج قبرات متيمات؛ تتطايرن حول الموكب ،محتفيات بهذا النفير القروي الأبدي ،صوب السهول الصفراء ؛في سافلة الجبال الجرداء التي مرت بها الغابة ذات زمن سعيد.

قبل أن يترصد لها الإنسان، ويجتث مرورها.

لكن إلى أين ؟ أنت الذي أطبقت عليك حرفتا الأدب والسياسة ؛حتى نسيت أن كليهما للناس ،للحياة التي لامعنى لها خارج التضاريس البكر ,والسهول الفيحاء، بعطر الحصاد فجرا.

عطر لم يوقع عليه أحد من مشاهير العطور ليلوثه بالحضارة والبريق.عطر عشقته فنوس ،وأقسمت أن يظل كما هو،خالصا لغزلان الفجر. من لم يشتم عبير الحصاد،وأريج أزهار السدر،والشيح، محال أن تكتمل وطنيته.

الوطنية تعبر إلينا عبر الحواس كلها.في الرباط،مثلا، الرطبة المنتنة، تُضرب الحواس عن الاحساس ،ومن هنا ضعف الوطنية لدى كثير من ساستنا في العاصمة.

كيف نسينا رائحة الحصاد؟

منذ نسي شباط،ابن أولاد زباير،رائحة الحصاد؛لم يعد يفكر سوى في الانقلابات.حكاية مزاج وبري-كمزاجي- أفسدته روائح المدينة.

حياة لا معنى لها إذا لم تَرْتقِ- الفجَر- صُعَّدا الى القمم الموحشة ؛ حيث تخال نفسك آدم أب البشر، قبل أن تفتنه حواء.

اصْرُخ اصرخ بكل ما في صدرك من احتقان الوقت ،وضغط السياسة ،وكذب الساسة .لن يسمعك أحد؛فتطهر تطهر ،من كل هذه المدنية ،من أدرانها وخدعها.

لم يحدث أن صفت روح صوفية في المدن.حتى الجنة رسمت جِنانا وأنهارا ،ولا خريطة فيها لمدن الملح،والأزقة الخلفية ,ودسائس الليل والضباب.

الى أين ،يا هذا ؟ تجيبك روح تتطهر:انج بنفسك هذا اليوم،على الأقل .سر في اثر هذا النفير البشري ،الحيواني ،والآلاتي  ؛واقض يومك معه متعلما سبلا للتزيل الغذائي لا اصدق منها.

ثم حدث قراءك عن أفضل طريقة لتنزيل السياسة ؛مادام أكثر من وثاق يشدك إلى أوهام الواهمين؛في هذا الوطن الذي استوى رقميا ؛حيث كل شيء مباح ،وكل شيء يتشكل- يوما عقب يوم- بعيدا عن الواقع .

تسير جنب شيخ راكبا أتانه ،في ميمنته الابن وفي ميسرته الحفدة؛ثم عنيزات حثيثات،متدافعات ؛يقضمن من هنا وهناك.تنظر إلى الكلب اللاحق فتخاله مزهوا بكونه حامي الركب ؛ومزهوا باستراحة يوم من عقال ورثه عن أجداده.

أجيال داخل موكب ،خرج فجرا، على خطى كل الأسلاف الذين ساروا في نفس المسلك، من أجل نفس النشاط الصيفي: إعمال المناجل في تنزيل السنابل. أيام صدق ،ككل أيام البادية ،حيث تدور رحى أصدق حرب من أجل تحقيق الأمن الغذائي.

أكبر وأخطر مشروع سياسي، يفسر قيام الدول، تحققه عقول وسواعد لا تفهم لا في الشباطية ولا في العصيدية ولا في الريسونية …ولن تفهم في كل ما هو آت من سلالة هذه المسميات .

لا علم لها بكل الصراعات المزيفة ،التي توهم النخبة بأنها تقدم شيئا ما للوطن ،نظير نعومة العيش ونوم الضحى،والسهر المجعع (من الجعة) إلى آخر الليل.

تقرر بينك وبين نفسك ألا خبر فيك إذا لم تحجز لهذا الموكب المتواضع ،جدا،والصابر كثيرا،حيزا في المغرب الرقمي؛ بين مقامات أساطين السياسة السياسوية؛وباقي الموكب الذي يتحدث عن مغرب آخر ؛غير هذا  الذي يسابق،كل صباح، أشعة الشمس ؛غير منتخب – صادقا-لأحد ليتحدث باسمه.

حتى الانتخابات،وان صفت وتنزهت، ينظر اليها – في مغرب الوبر؛هذا الكادح،دون شكاة- على أنها خدمة يحتاجها المخزن وليس الشعب.ألم يقل سياسي كبير بأن الأحزاب كلها لا تزيد على تنفيذ برنامج الملك؟

يبادرني العجوز :الى أين تنحدر في هذه البكرة ؟

يجيب الابن مازحا،وقد خمن قصدي:  يرافقنا الى أنكاد ليشارك في الحصاد ؛لكني لا أراه يحمل منجلا. يرد العجوز ضاحكا:

المنجل لك يا شقي ،وقد ولدت به ؛أما ألأستاذ فولد تلميذا بمحفظة وكتب.أتذكر يوم حملت محفظة وقصدت،دون توفر شرط العمر،ودون أن أخبر أحدا، مدرسة القرية .

وقفت في الصف مع أطفال يكبرونني .كان المعلم متفهما فقبل وفادة هذا المفتش الصغير الذي سيصير فعلا مفتشا.هكذا ابتدأ كل شيء.

لا ترد صدور الخيل بالكتب:

أعلق مصححا:لا تحتقر المنجل ياعمي ،فرغم كتبي وأقلامي، لا آكل الا  خبزا،ولا حياة لنا،جميعا، الا به ؛وهو من منجليكما.فمن الأقوى والأنفع للناس؟   يرد الشيخ ،موجها الكلام لابنه: ألم أقل لك ؟هل تستطيع أنت أن تقول مثل  هذا الكلام يا أبا منجل؟

أواصل موضحا:عاشت البشرية آلاف السنين دون دراية لا بكتابة ولا بقراءة؛وحتى حينما شرعت في هذا لم تفعل إلا من أجل توثيق عمليات ذات صلة بالغذاء.ثم جاءت الأديان والفلسفة والشعر ليوهم كثير من الكسالى  أنهم بدورهم يشتغلون من أجل خير الجماعة البشرية.

لو لم تستيقظ ياعمي هذا الفجر ،كما فعل أسلافك وأسلافهما ،من الصادقين ،عقولا وسواعد،لتوقف كل شيء منذ زمن بعيد .  ما أروع قومتكم هذا الصباح ،وقومة سلالتكم في المغرب كله؛إن سواعدكم وعرقكم أفضل من دورات تشريعية كاملة ،في البرلمان ؛تباع فيها الحروف الجوفاء ،والقهقهات ؛وحتى النوم العميق ،بالملايين .  كم من برلماني لا يتقاضى الملايين الا على جلساته في “باليما” قبالة البرلمان؛ وقليلا ما يلج ليتحدث خارج الموضوع.

تسيل بأعناق المطي الأباطح،وتأخذ كل جماعة بأطراف حديث فجري ممتع .تتعالى ضحكات غير آبهة

بيوم، يشي صباحه بحرارة مرتفعة.كل صعب يهون مادام العزم صادقا ؛وما دامت الأرض معطاء.

أواصل حديثي مع الشيخ ،رغم الاقتراب من خريطة الحصاد ؛و حدة نباح الكلب، إذ بدت له منافسة ،من كلب آخر ،اقترب كثيرا منا ،وصار يهدد مصالحه الكلبية.تتوهم الكلاب أنها تملك أصحابها.

القرآن مبنى أم معنى؟

أسأله :أما زلت،ياعمي، تحفظ القرآن الكريم؟ يجيبني بلفظ لن تجده أبدا في كل علوم القرآن:كل شيء”راب” ياولدي.يقصد انهار كما ينهار الجدار.ثم يفسر:لم تسمح لي ظروف العيش بتعهده فحصل ما حصل . القرآن الذي أحتاجه في شيخوختي ضيعته ,مرغما،في شبابي.

كان يتحدث بمرارة ,ولأخفف عنه قلت: لم يضع منك شيء ياعماه ،مادام الجوهر معك.أترى مسعاك هذا الصباح ؛انه لب ما يأمر به القرآن.ماعدا هذا تفاصيل ،احترفها البعض ليلازموها ،موهمين أنفسهم بأنهم يقدمون عظيما للأمة الإسلامية. أترى أمة أفضل منكم في بكوركم هذا من أجل استخلاف الله في أرض تجعلونها ،بكدكم، آمنة؟   أنت الآن قائم على رزق عيالك؛بل رزقنا جميعا ؛أبوسع عالم من كبار القوم أن يطعم ما تطعمون:البشر ،الطير ،وحتى النمل وسائر خشاش الأرض.

انظر اليوم الى الشيخ  القرضاوي ،كان وديعا كحمل،لا يتحدث عن ظلم الحكام أبدا؛الا ظلم الصهاينة ؛ولما ثار الشباب،ولحق بهم الشيب، تعلم لغة الثورة ؛ولو ألحد القوم،غدا لا قدر الله، لتعلم قاموس الإلحاد وأفتى بجوازه.هم هكذا يبدلون ما تبدلت المصالح.

يرد الشيخ:فعلا حتى الفقيه عندنا يقول في غياب الأعيان كلاما ،وفي حضورهم كلاما آخر.

ياعمي، ما أبدعوا في الناسخ والمنسوخ،حتى صيروه علما لذاته، إلا ليوسعوا الخرق ،ويعددوا المنافذ والمخارج ،كما تفعل الفئران.

الرعيل الأول كان ينبذ الخلاف إلى الاتفاق؛ومن هنا القوة ؛وفقهاء اليوم “ريبوا ” كل شيء ؛كما حصل لك مع القرآن.

حصاد اليوم:

بلغنا المكان ،بعد ساعة مشي.حدد العجوز خريطة العمل ؛كما فعلت الحكومة ذات تنصيب ،دون أن تخبرنا أن بعضها قد يغزو بعضا ،مما يرفع عنها- وقتها- حرج المحاسبة. بفارق أن خريطة العجوز صادقة ,ورجالها هم فعلا تحت الشمس، الى أن تغيب.

روح مخلصة ،لكتيبة حصاد متواضعة، أضحت أفضل من حكومة كاملة لم تعرف كيف تعيش ولا كيف تموت.

لا دراية لي بالحصاد،ولم يتركني الشيخ أحاول.قال لي:ابحث لك عن ظل، وتفلسف على هواك إلى أن يحين إيابنا للفطور لنكمل الحديث. هكذا وزع علي حصتي من الكسل ،كما فلاسفة وأدباء وساسة كل الأزمنة.

قلت ،في نفسي،على الأقل أجلس تحت الشمس، لأقاسم الفريق عناءه الشمسي.حاولت فلم أستطع إذ كانت المكورة أصدق أنباء من الكتب؛واصدق من كل سياسيينا الظليين ،وبرلمانيينا “الباليمائيين” إن جوز لي الأستاذ المقتدر الكور هذا الاشتقاق .

نظرت إلى سهل أنكاد ،شاسعا بلون التبر ؛فبدت لي الحاصدات الهادرة ،والمنتشرة في سائر الأرجاء،وكأنها أشباح تحاول الفرار إذ أدركتها الشمس وفضحتها.  وهنا وهناك جرارات تجر لفافات التبن ،وهي تزمجر طالبة المزيد من سواعد لا تكل .

في بعض الشعاب تراءت رؤوس ،ترتفع وتنحني ؛في صلاة دائمة لم تؤذن لها غير الشمس.أعطاف تهتز وسواعد تشحذ بالشفار سنابل تطبق عليها الأكف ،وبخفة تشد وثاقها .

أحزاب ورموز:

لوحة رائعة ،وجريدة يومية أفضل ،مضونا، من كل جرائد الصباح.ولما كان لابد من تزجية وقتي الكسول ,وتمويه خجلي ،كغيري من المثقفين،من كوننا لا نستطيع إطعام أنفسنا لولا هذه الكتائب الصادقة التي تتحدث لغة واحدة، دون مترادفات وتلوينات بلاغية ؛استحضرت الأحزاب السياسية الوطنية ذات الحضور الرمزي في اللوحة:الجرار ،السنبلة،الكتاب الذي أمثله ،الحصان وهلم حصدا …

وحاولت أن أبحث في الرموز ،ومعانيها ،عن رابط ما يربطها بهذا المشهد الصباحي الحي الذي أتتبع وقفاته –وليس جلساته ،كما يقولون عن البرلمان- فلم أجد غير العجعجة في المقرات الحزبية والبرلمان ؛أما الطحين فهو هنا حيث الفعل الصادق ،وحيث الأبجدية الزرقاء ،التي تنثرها الحاصدات أكياسا أكياسا.

يتوالى انتشار النقط الزرقاء ،ومربعات التبن ؛وحينما تتعالى أهازيج العشاق ،من الشباب الموعود بالزواج،بعد آخر كيس يحمل ,أدرك أن الحب أحر من الشمس ؛وأتيقن فعلا أنهم شباب تحت الشمس.

شردت بفكري بعيدا- وداخل اللوحة- بحثا عن تفسير لفساد السياسة في أيامنا هذه ،وحولنا كل هؤلاء المغاربة الصادقين المخلصين؛فتقوت لدي قناعة كوننا:

*هاجرنا الى مدن حديثة لم نبنها نحن بل اختطها غيرنا.

*هجرنا قيم البادية المجربة والصادقة، ولبسنا قيم مدن هجينة ؛لا رائحة للتبن فيها ولا للشيح وزهر السدر.قيم لا مكان فيها للصبر على حر الشمس والعرق..

*تركنا الأعرابي في البادية، ليجتر وحده ما اعتبرناه تخلفا،وصنعنا حداثة مزيفة ،خلقت لها مجالات اشتغال وعجعجة فارغة. ورغم هذا لا نخجل في البحث عن الطحين هناك حيث تركنا آباءنا وأجدادنا.

*هدمنا منظومة مجتمعية قبلية،كانت مخزن نفسها ؛إنتاجا وتدبيرا لصالح مؤسسات الإكراه لنتباهى بها أمام الخارج.

أما السياسة فتعلمتاها من سياسة “القيسارية”، وتدافع تجار فاس “وجوه الفضة وقلوب النحاس”

هكذا صرنا إلى ما نحن فيه ؛وخير مثال جلوسي الآن ،وفلسفتي الظلية،والقوم حولي قيام يعملون.

يوجد دائما متسع وقت للتصحيح ،بدءا من تحويل جلسات البرلمان إلى وقفات –كما الشباب المعطل خارج المؤسسة-ثم تحويل المجالس العلمية إلى مواقف .وكل الخير ،في الخروج الى بوادينا ببرامجنا ومؤسساتنا ،شريطة أن نتعلم من القوم كيف أفلحوا في إطعامنا حينما تفشل كل جامعاتنا في إنتاج “كوميرة” واحدة.

وكل حصاد ونحن في رفقة رجال تحت الشمس.

juillet 6th, 2015 at 11:32

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.