Home»International»المبادرة الملكية لتنمية الجهة الشرقية وتوظيف الديناميات والمبادرات المحلية

المبادرة الملكية لتنمية الجهة الشرقية وتوظيف الديناميات والمبادرات المحلية

1
Shares
PinterestGoogle+
 

د. بلقاسم الجطاري
جامعة محمد الاول – وجدة

 

إن ارتباط مفهوم التنمية بكل الأزمنة والأمكنة جعل المصطلح يفقد معناه عن قصد أو غير قصد. فمفهوم التنمية يظل مصطلحا مبهما ونسبيا ولا يمكن أن نستعمله بشكل عام وعلى نطاق واسع دون معرفة مسبقة بشروط وأهداف الاستعمال.
فالتنمية في نظرنا هو ذلك الإطار العام الذي يوفر ظروف حياة كريمة للإنسان عن طريق صياغة استراتيجية وطنية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الإمكانات وكذا الإكراهات.
إنه من الصعب التفكير في تنمية الجهة الشرقية دون معرفة دقيقة لموارده ونواقصه من جهة وإدماجه بطريقة جذرية في السياسة التنموية الوطنية من جهة ثانية.
تتأسس مقاربتي سؤالا ونقدا على لحظتين مركزيتين: ففي اللحظة الأولى سأقدم عناصر رؤية سوسيونظرية لبعض القضايا التي يثيرها الخطاب الملكي للمبادرة الملكية لتنمية الجهة الشرقية كمشروع مساءلة نقدية لبعض المفاهيم التي نتداولها اليوم في الموضوع. وفي اللحظة الثانية سأركز على مواكبة هذا الخطاب الملكي في علاقته بالتنمية المستدامة باعتبارها إطارا سوسيوثقافيا في منظومة التداول الاقتصادي المعاصر بين المؤسسات المهتمة بشأن التنمية.
يدخل في صلب تصور المبادرة الملكية لتنمية الجهة الشرقية تحضير كل القطاعات والبنايات في أفق خلق تفاعل جدلي يهدف بالأساس إلى تحقيق الرخاء للإنسان الذي يعتبر العنصر الأساسي في نسق كل مشروع تنموي، وعلى خلفية هذا الطرح يتسع مفهوم المبادرة الملكية في تقديرنا ليشمل عناصر لم يتم لحد الآن الانتباه لأهميتها، كإحداث منطقة حرة بالناظور ذات الارتباط الوثيق بالتنمية بشقيه المادي والروحي.

إن التنمية المستدامة كما نص عليها الخطاب هي في عمقها تحفيز المواطن للانخراط والمساهمة وفق آليات متداخلة يحصل بموجبها الاقتناع ثم الانخراط والمشاركة في قاطرة التنمية البشرية

من هذا المنطلق صار الشعور ثوبا بِرَاهِنِيَّةِ الاهتمام بالمجال التنموي الجهوي المحلي وتَكَيُّفِ عناصره القابلة لأن تكون منتوجا اقتصاديا يساهم في توسيع وعاء الدخل المحلي وتحقيق روافد الدخل القومي بالعملة الصعبة.
إن التنمية المستدامة كما نص عليها الخطاب هي في عمقها تحفيز المواطن للانخراط والمساهمة وفق آليات متداخلة يحصل بموجبها الاقتناع ثم الانخراط والمشاركة في قاطرة التنمية البشرية وكأني بذلك أريد أن أشير إلى مرحلة أساسية في سيرورة التنمية وهي إقناع المواطن وإخراجه من حالة الاغتراب المفروضة عليه في عناصر هويته وتكسير حواجز الممانعة ورد الاعتبار هي –في نظرنا- السبل الكفيلة لإنجاح التنمية المستدامة.
ولتحقيق ذلك لابد من تسطير الأهداف التالية:
1- تشخيص الواقع الميداني المحلي وإبراز الإشكاليات والأولويات.
2- تعبئة المؤهلات ذات العلاقة القوية بالكفاءة وترجمتها في شكل مبادرات تنموية وتحسيس الفاعلين المحليين بالانخراط في حركة تنموية تنطلق من التوجهات الملكية السامية لخلق التنمية الوطنية.
3- توظيف الديناميات والمبادرات المحلية المنبثقة عن المجتمع المدني في جهود تأهيل المجالات التنموية ووضع أسس استراتيجية محلية لتقويم الحس السوسيوثقافي اقتصادي لساكنة المنطقة.
4- وضع بنك للمعلومات والأفكار والمشاريع الكفيلة للمساعدة على تحقيق مختلف الأهداف من خلال جرد كافة المؤهلات المتوفرة.
ومع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، كان ضروريا تغيير تلك النظرة الضيقة لمجمل القطاعات التنموية المنصوص عليها في الخطاب الملكي لكونها أصبحت قاطرة للنهوض بالمنطقة، فالقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية متكاملة تساهم في الناتج الخام وتوفر الشغل وتساهم في الإنتاج والتسويق والتصدير هذا بالإضافة إلى ما توفره من فرص التكوين والإدماج المهني.

لابد من الاعتراف بأن المنطقة عرفت عدم استقرار شامل، اقتصادي، واجتماعي، وثقافي وسياسي سواء قبل الحماية أو خلالها أو بعدها، وكانت النتيجة المباشرة لهذا الأمر تُعِدُّ بنيات الأقاليم الحدودية. فأي تفكير في إعادة الأمور إلى وضعها الحقيقي يعتبر مجازفة ومغامرة.

ولتفعيل مضامين الخطاب السامي انكبت كل المصالح الحكومية الممثلة بالمنطقة الشرقية بالشروع في إنجاز الطريق السيار بين فاس ووجدة والسكة الحديدية بين تاوريرت والناظور وقد بلغت الأشغال بهذه الأوراش ما بين 20% إلى 35%.
تم إنجاز الطريق الساحلي الشمالي الذي سيساهم في فك العزلة عن هذه المناطق النائية ويقدم خدمات اقتصادية وسياحية وقد بلغت الأشغال به ما بين 45% إلى 65%.
استفادة مدينتي وجدة وتاوريرت بالماء الشروب وسَتَقْدِمُ الدولة على تعميمه في مناطق أخرى.
مساهمة صندوق الحسن الثاني للتنمية في تهيئة المنطقة الساحلية للسعيدية وقد بلغت الأشغال به 65%. وتتوقع المبادرة الملكية إحداث لجان مُهِمَّتُها التتبع والتقصي ومراعاة الجودة وتشغيل الكفاءات البشرية.
شروط تطبيق التنمية المستدامة بالمنطقة
قبل التطرق لشروط التنمية المستدامة بالمنطقة الشرقية لابد من الاعتراف بأن المنطقة عرفت عدم استقرار شامل، اقتصادي، واجتماعي، وثقافي وسياسي سواء قبل الحماية أو خلالها أو بعدها، وكانت النتيجة المباشرة لهذا الأمر تُعِدُّ بنيات الأقاليم الحدودية. فأي تفكير في إعادة الأمور إلى وضعها الحقيقي يعتبر مجازفة ومغامرة.
فإقناع مواطن الأقاليم الحدودية بعدم نجاعة الأساليب المتبعة أصبح بدوره أمرا صعبا إن لم نقل مستحيلا. ويمكن أن نتفاءل نسبيا عن طريق نهج أساليب جديدة مؤثرة.

أ- إعادة الاعتبار للقطاعات الاجتماعية للأقاليم الحدودية

حينما نتحدث عن إعادة هذا الاعتبار فإننا نطالب بالتفكير في وضع استراتيجية تنموية وطنية جديدة تأخذ بعين الاعتبار مؤهلات وإكراهات مختلف الوحدات الترابية الوطنية.

حينما نتحدث عن إعادة هذا الاعتبار فإننا نطالب بالتفكير في وضع استراتيجية تنموية وطنية جديدة تأخذ بعين الاعتبار مؤهلات وإكراهات مختلف الوحدات الترابية الوطنية.
– فعلى المستوى الفلاحي يشمل القطاع الفلاحي نسبة مهمة من الساكنة النشيطة (28,1%) ويتميز بخضوع المناطق البورية للأحوال الجوية المتقلبة. إذ تقوم المناطق المسقية وحدها بتأمين الزراعات الدائمة. وتزاول تربية الأغنام والماعز على مساحات كبيرة لاسيما في النجود العليا حيث تكاد تمثل المصدر الوحيد لمداخيل سكان هذه المنطقة.
ونعتبر بأن الخطوة الأولى التي يجب القيام بها في هذا القطاع هي توفير شروط عمل مشترك (مؤسسات الدولة، الباحثون، المجتمع المدني،…) قصد إقناع فَلاَّحي المنطقة بسلبيات بعض الزراعات الغير المهمة قصد تعويضها بأنشطة بديلة قادرة على تحقيق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الجهوية.
هذا العمل المشترك الذي سوف يدفعنا، لا محالة، إلى البحث عن منهجية إنتاجية تعتمد على وضع إطار للاقتصاد الفلاحي البوري الذي يجب أن يرتكز إضافة على الأنشطة التقليدية الرئيسية الزراعة – الغراسة – تربية الماشية – تربية النحل… إلى ضرورة إدماج فلاح المنطقة في وضع هذا التصور العام حتى لا يبقى تقنيا مشلولا.
– وبخصوص الصيد البحري تمتلك الجهة الشرقية واجهة بحرية هامة، تسمح لها باستغلال مختلف الثروات السمكية إذ تساهم التجهيزات الأساسية المينائية ببني أنصار ورأس كبدانة بإقليم الناظور في تنمية قطاع الصيد البحري، وتشجيع إقامة صناعة سمكية بالجهة.
فإنه لا أحد يجادل في فعاليته على مستوى خلق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة. فالاختلالات العميقة التي عرفها تَحُثُّ علينا، كذلك، إعادة النظر في تنظيم هذا القطاع وترشيد استغلاله عن طريق تجاوز البعد التقني الأحادي وتعويضه ببعد شمولي يهدف إلى استغلال التجربة البحرية الطويلة لمواطن الأقاليم الحدودية وإشراكه في المحافظة على الثروة السمكية التي تراجعت بشكل مخيف.

 

ويمكن تحقيق هذا الهدف عن طريق تنظيم دورات تكوينية مستمرة للبحارة تمكنهم من معرفة حقوقهم وواجباتهم واستعمال طرق صيد عقلانية للحفاظ على الثروة السمكية. كما يجب مساعدة البحارة على خلق تعاونيات الإنتاج والتسويق، وتشجيعهم ماديا لاحترام الراحة البيولوجية، وعدم اصطياد الأسماك الصغيرة.
– أما فيما يتعلق بالقطاع السياحي فبالرغم من بعض التجهيزات الفندقية بمدينة وجدة والناظور، إلا بنسبة قليلة من المجموع الوطني، فهي غير مشجعة للقطاع السياحي بالأقاليم الحدودية وهذه المساهمة ضعيفة بالمقارنة مع مؤهلات المنطقة. فلابد من التذكير بأن مبادرة السبعينات التي كلفت الدولة أموالا طائلة فشلت بشكل ملفت رغم المؤهلات الكبيرة للمنطقة ورغم تعدد وتنوع المشاهد بها فلن نرجع للبحث عن أسباب وعوامل هذا الفشل بقدر ما يجب علينا جميعا النظر إلى المستقبل بتفاؤل حذر. فالمادة الأولى لإنجاح تجربة سياحية بالمنطقة متوفرة، لكن علينا البحث عن إطار صالح نضع فيه هذه التجربة. وفي نظرنا يصعب هذا الأمر نسبيا إذا لم نتمكن من إعطاء المغرب بعدا متوسطيا حقيقيا. كما يجب التذكير بالتحولات العميقة والسريعة التي عرفها العالم في العقود الأخيرة جعلت هذا القطاع يتطور بسرعة فائقة حيث لم يعد يقتصر على السياحة الساحلية والثقافية فحسب، بل ظهرت منتوجات سياحية جديدة، كالسياحة القروية أو السياحة البيئية والسياحة الرياضية وسياحة الملتقيات وسياحة الاستجمام غير أن هذه المنتوجات الجديدة لم تستغل على الوجه الأكمل ببلادنا بصفة عامة وبالأقاليم الحدودية بشكل خاص.

أما قطاع الصناعة فيعاني من مشاكل عدة بالرغم من تطوره الملموس بالجهة نتيجة محدودية الاستثمارات التي لم تَرْقَ بعد إلى المستوى المنشود في منطقة تعرف رواجا كبيرا للمنتوجات المهربة،

إلا أن المشاريع التي أعطيت انطلاقتها في شهر فبراير 2004، خاصة بمدينة السعيدية وشاطئها، تعد بإعطاء انطلاقة قوية للسياحة بالجهة بجميع أنواعها سياحة بحرية وسياحة جبلية وسياحة صحراوية « واحات فكيك وبوعنان وعين الشعير والريش » فلابد من التذكير بأن مبادرة السبعينات التي كلفت الدولة أموالا طائلة فشلت بشكل ملفت رغم المؤهلات الكبيرة للمنطقة ورغم تعدد وتنوع المشاهد بها.
أما قطاع الصناعة فيعاني من مشاكل عدة بالرغم من تطوره الملموس بالجهة نتيجة محدودية الاستثمارات التي لم تَرْقَ بعد إلى المستوى المنشود في منطقة تعرف رواجا كبيرا للمنتوجات المهربة، إذ لا تمثل الصناعة الجهوية سوى 4% إلى 5% من مجموع الصناعة الوطنية من حيث عدد المؤسسات ورقم المعاملات وبالرغم من تشجيع الدولة للمستثمرين لم يسجل سوى نموا ضئيلا بفعل منافسة القطاع غير المهيكل.
أما فيما يخص التجارة والخدمات البنكية فتعرف الجهة نشاطا تجاريا لكنه غير مهيكل في غالبيته فرغم بعض التجهيزات الفندقية بمدينة وجدة والناظور، لا تساهم هذه الفنادق إلا بنسبة 3% من المجموع الوطني على المستوى السياحي وهي مساهمة ضعيفة بالمقارنة مع مؤهلات المنطقة.
أما في قطاع الشبيبة والرياضة فتتوفر الجهة الشرقية على 38 منشأة رياضية موزعة بشكل غير متوازن بين أقاليم الجهة 17 منها بولاية وجدة أنكاد وهي شبه منعدمة بتاوريرت كما تتوفر الجهة على 28 مؤسسة لرعاية الأطفال و26 ناديا نسويا و21 دارا للشباب ومركزين لرعاية وإعادة التربية بعمالة وجدة وإقليم الناظور.
وفيما يخص قطاع الصحة تضم الجهة الشرقية 43 مركزا صحيا جماعيا و22 مركزا صحيا قرويا و28 مستوصفا قرويا إلا أن الذي يُؤَاخَذ على هذا القطاع على المستوى الصحي أن التأطير الصحي يعرف تفاوتا حسب الأقاليم وتستأثر عمالة وجدة أنكاد بنسبة غير مهمة من التجهيزات الصحية مقارنة بباقي أقاليم الوطن. أما بالنسبة للأقاليم الأخرى التابعة للجهة فيكاد ينعدم فيها أهم التجهيزات.

فالتنمية المستدامة كما نتصورها هي صياغة مشروع عمل يهدف إلى الاستغلال المعقلن للثروات قصد تمكين الأجيال الحالية والمستقبلية من الاستفادة منها

وهنا لابد من التفكير أن المبادرات التنموية السابقة بالأقاليم الحدودية غلب عليها طابع الاستعجال والبعد الأحادي والفردي الإداري والفردي التقني دون اعتبار للإنسان الذي يعتبر المحور الرئيسي في كل عملية تنموية فكان مآل هذه التجارب الفشل المطلق، فبدون اعتبار الإنسان العمود الفقري في كل مشروع تنموي وإشراك في اتخاذ القرار والمساهمة في صياغة هذا القرار فإن الفشل سوف يكون مآل هذه المشاريع لا محالة. ولاشك في كون المبادرة الملكية الأخيرة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تدخل في صميم هذا السياق.
بشكل مختصر فالتنمية المستدامة كما نتصورها هي صياغة مشروع عمل يهدف إلى الاستغلال المعقلن للثروات قصد تمكين الأجيال الحالية والمستقبلية من الاستفادة منها ولوضع تصور شامل يهدف إلى تحقيق التنمية بالأقاليم الحدودية، لابد من استحضار عاملين أساسيين:
أ- العامل الأول: هو تفعيل البعد المتوسطي للأقاليم الحدودية، هذه المنطقة التي تشرف على البحر المتوسط دون أن نجده حاضرا في بنياتها ودون أن تستفيد من هذا الموقع الاستراتيجي.
ب- العامل الثاني: يكمن في وضع تصور عام وشامل لنوع الاقتصاد الصالح لمجال جغرافي كالأقاليم الحدودية تتداخل وتتفاعل وتتكامل فيه مجموعة من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالفضاء الحدودي وفي إطار وضع هذا التصور نعتقد أنه من الضروري إشراك المغاربة المنحدرين من هذه الأقاليم والقاطنين بالخارج في وضعه ومن ثم المصالحة الفعلية مع منطقتهم. ولن نستطيع النجاح في وضع هذا التصور دون اعتبار التنمية المستدامة بالأقاليم الحدودية مسألة الجميع وقضية تتطلب مساهمة الجميع.
إن الأقاليم الحدودية ولا تشكو فقط من تخلف بنيتها الاقتصادية المحلية بل تشكو كذلك من طمس وضياع ارتباطها بالمكان لأن أشكال التواصل المكاني تتعرض باستمرار لعملية احتواء مؤسساتي مطلق ولكن هذه الأقاليم كتعبير منها عن رفضها لهذا الاحتواء تمنحنا وعيا استباقيا ولكن لا ينبغي أن يغيب على الأذهان بأن هذا الوعي كممارسة اجتماعية ليس مادة معطاة وجاهزة بل معرفة تغوص في عمق التاريخ المغربي.
إن مطلب رد الاعتبار للمجال التنموي المحلي للأقاليم الحدودية يشتغل في ضوء هذه الاستراتيجية فليست المطالبة بتصحيح وإنقاذ الأقاليم الحدودية سوى عنصرا واحدا من عناصرها المتعددة ومستوياتها المختلفة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.