Home»International»عرض موجز لمحاضرة للدكتور محمد المختار الشنقيطي تحت عنوان :  » القراءة النوعية في أزمنة الصخب « 

عرض موجز لمحاضرة للدكتور محمد المختار الشنقيطي تحت عنوان :  » القراءة النوعية في أزمنة الصخب « 

0
Shares
PinterestGoogle+

عرض موجز لمحاضرة للدكتور محمد المختار الشنقيطي تحت عنوان :

 » القراءة النوعية في أزمنة الصخب « 

محمد شركي

من الحلقات الفكرية الممتعة تلك التي تقدم في برنامج أسمار وأفكار والذي يستضيف مفكرين وأدباء لتقديم محاضرات أوعروض  تكون خاصة بمؤلفاتهم    وإبداعاتهم أو بمؤلفات  وإبداعات غيرهم، و يدور حولها نقاش بين مجموعة من أهل الاختصاص لإثرائها ولتكون أكثر فائدة بالنسبة لمن يتابعونها .

ومن تلك الحلقات التي تسترعي الانتباه ما يقدمه بين الحين والآخر المفكر الموريتاني الدكتور محمد المختار الشنقيطي ، وهو مختص في الأخلاقيات السياسية ،وتاريخ الأديان في برنامج أسمار وأفكار ، وقد اخترت له محاضرة تحت عنوان :  » القراءة النوعية في أزمنة الصخب  »  بدا لي أنها ستفيد المتعلمين وطلبة العلم ، وعموم القراء  .

وفي البداية هذا عرض مختصر لأهم ما جاء في تلك المحاضرة :

بدأ المحاضر كلمته بالحديث عن مشكلة يعاني منها القراء في هذا العصر خصوصا بالبلاد العربية  وقد سماه عصر الازدحام ،والصخب ،والتسطيح ، واستحضر بيتا من الرجز تضمن حكمة  فيه توجيه للقراء قد حفظه في صغره عن شيوخه  جاء فيها :

وقدّم الأهم إن العلم جمّ    والعمر طيف زار أو ألمّ

وذكر بعد ذلك أن العلم كثير والعمر قصير ، وهذا يستدعي من القراء  ان تكون لهم استراتيجية لاختيار ما يجب أن يقرأ ، وما يجب ألا يقرأ خصوصا وأن القراء  طاقاهم الذهنية محدودة وهي معرضة للنضوب  مع مرور الوقت ، وهم يواجهون تحديات كثيرة ، و صوارف  تصرفهم عمّا هو أهم  منها ثقافة أفقية سطحية ، وخالية من العمق حيث أصبح الجميع في هذا العصر لديهم معلومات يستطيعون التحدث فيها ، وهم يجادلون في كل مجال لكن دون عمق ، ومن هذه الصوارف أيضا الحياة المعاصرة الصاخبة، والخالية من التأمل وزخم المعارف ، وكذا سعة العلاقات الواقعية والافتراضية ، إلى جانب القصف الإعلامي الدائم بكل المعلومات المرغوب فيها وغير المرغوب فيها على حد سواء ، وكثير منها  يجب أن يصوم عنها الإنسان ، فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي التي ينفق في الانشغال بها زمن معتبر من حياة الناس ، وإنها وإن كانت أدوات ذكية فإنها  تجعل الناس أغبياء .

لهذا أوصى بأن لا يضيع القراء الوقت فيما لا طائل من وراءه ،وهو كثير  واقترح تقسيما خماسيا لأنواع القراءة  وهي كالآتي :

1 ـ قراءة استكشافية : وغايتها التعرف السريع على المؤلفات ، وتتحقق بتصفح المسارد والفهارس لمعرفة خريطة المؤلفات، ومعرفة هل تستحق القراءة أم لا ؟وإذا لم تكف المسارد والفهارس ، فيمكن أن تقرأ أيضا مقدمات الكتب وخاتماتها أو تقرأ الفقرات الأخيرة من كل فصل من فصولها .

2 ـ قراءة تعلمية : وغايتها حفظ جزء من المتون الأساسية لتكون رصيدا معرفيا أساسيا يحتاجه المتعلم ، وكذلك الاطلاع على مدخلات العلوم ، فضلا عن الاطلاع على المصادر التأسيسة كالقرآن الكريم، والحديث الشريف … وغير ذلك من المصادر التي لا بد من الاطلاع عليها  ،  وتجب ألا  تطالع أوتقرأ قراءة عابرة فقط بل  تدرس وتحفظ  .

3 ـ قراءة بحثية : وغايتها انتقاء ما تفرضه البحوث  ، وما يحتاجه الباحثون والمؤلفون من معلومات في مختلف المصادر والمراجع ، وهي قراءة متخصصة خاصة بإعداد الرسائل الجامعية ، وبتأليف المؤلفات ، حيث تنتقى  من المعلومات ما هو ضروري كالتعامل مع الموسوعات على سبيل المثال … وغيرها حيث يؤخذ منها ما تكون الحاجة ماسة إليه، وما هو ضروري لجمع مواد البحوث والدرسات  التي يرام جمعها .

4 ـ قراءة تحسينية : وغايتها تحسين المهارات اللغوية، والأسلوبية،  والتعبيرية ، وليس لمراكمة المعارف، وهي غير مقصودة لذاتها ،لأنها مجرد وسائل بالنسبة لغير المتخصصين في الأدب  الذين تعتبر غايات بالنسبة إليهم .

5 ـ قراءة ترفيهية :  وغايتها المتعة الذهنية والخيالية ، وتكون للترويح على النفس من مكابدة الاشتغال بالعلوم الجادة ، وتكون من خلال  مطالعة  كتب القصص والروايات  والمسرحيات  شريطة أن تكون جيدة ترقى بالأذواق ، وهي تفيد في تهذيبها ، ولكن لا يجب الإدمان عليها بالنسبة لغير المتخصصين في الأدب .

ويضع بعد ذلك تقسيما آخر للقراءة وهو كما يلي :

ـ قراءة سلبية : وتكون عند استكشاف الكتب لمعرفة طبيعتها ، وكما تكون في القراءة الترفيهية .

ـ قراءة نشطة : وهي قراءة تفاعل مع الكتب المقروءة ، بحيث تدوين ملاحظات عنها أو تدوين أفكار شخصية منقدحة عن أفكار أصحاب تلك الكتب .

وينصح المحاضر بعد ذلك بقراءة ثلاثة كتب تتناول موضوع القراءة النوعية وهي  كالآتي :

أ ـ كتاب : للشيخ  محمد حامد الأحمري » مذكرات قارىء » ، وهو يركز فيه على الجانب المنهجي للقراءة ، وعلى تقنياتها .

ب ـ كتاب : الفيلسوف الأمريكي مورتيمر جيروم إدلر ، وهو من المساهمين في موسوعة بريطانكا ، وعنوانه  : «  كيف تقرأ كتابا  » ، وله مشروع كبير منسوب إليه حيث جمع أمهات الكتب الغربية التي سماها كتبا عظيمة  من  لدن عصر اليونان إلى العصر الحديث ، وجمعها في موسوعة من 54 مجلدا ، ووضع لها دليل من 10 مجلدات . وقد أعرب المحاضر عن أسفه الشديد لعدم وجود مشروع مثله عند العرب مستثنيا مشروعا أنجز في جامعة حمد بدولة قطر وقد اهتم بترجمة أمهات الكتب العربية إلى الإنجليزية ، ولكن المحاضر ودّ لو أنها جمعت للقراء العرب باللغة العربية، لأن مشروع إدلر قدم الكتب الغربية للقراء الغربيين  بينما ما أنجز بقطر هو تقديم خدمة للغربيين وليس للعرب .

ج ـ كتاب :  المفكر الإسلامي إبراهيم السكران ، وهو متخصص في الفقه الإسلامي والمذاهب العقدية والفكرية، وعنوانه :  » كتاب الماجريات « ، وقد وقف عنده المحاضر لاستعراض خمس نقط وردت فيها هي :

1 ـ تمييز السكران بين فقه الواقع ، والغرق في الواقع الذي هو متابعة كل الأحداث اليومية الصارفة عن انتقاء الأهم منها ، وهي متابعة تستهلك وقتا معتبرا من المفروض أن يصرف فيما هو أهم  من خلال قراءة نوعية .

2 ـ تمييزه بين المتابعة المتفرجة للأحداث ، وبين المتابعة المنتجة .

3 ـ تمييزه بين المتابعة في مرحلة التحصيل ، والمتابعة في مرحلة الإنتاج .

4 ـ تمييزه بين توظيف الآلة ، وبين الارتهان للآلة بما في ذلك الآلة الرقمية الشاغلة للناس في هذا العصر .

5 ـ تمييزه بين لباب السياسة ، وقشورها ، وقد ذكر المحاضر أنه اقتبس هذه التسمية من الشيخ البشير الإبراهيمي الذي كان ينتقد رؤساء الأحزاب وهم يشتغلون بقشور السياسة ، وينصرفون عن لبابها الذي هو بناء الأمة . ويعتقد المحاضر أن الفيسلوف مالك بن نبي قد أخذ هو الآخر هذه التسمية عن الشيخ البشير الإبراهيمي.

وختم المحاضر محاضرته بالقول إن القراءة النوعية عبارة عن تراكمات، لهذا يجب أن تسجل خلالها اقتباسات مما يقرأ من كتب ، وتسجل أيضا ملاحظات عليها  لأن كل ذلك يصير رصيدا أو ثروة معرفية مع مرور الزمن يرجع إليها عند الحاجة .

كما أنه حذر مما سماه سوء هضم عقلي، وقد اقتبس العبارة من إحدى روايات نجيب محفوظ ، ذلك أنه من العيب تكديس ومراكمة كثرة المعلومات مع العجز عن استثمارها  استثمارا يتأتى من خلال التأمل فيها، وفي هذا السياق نصح بالانصراف بين الحين والآخر إلى التأمل، وقد نسب هذه النصيحة إلى الفيلسوف مالك بن نبي خصوصا وأن الإنسان في هذا العصر تصرفه الكثير من الصوارف عن هذا التأمل المثمر .

وفي الأخير ننوه بقيمة هذه المحاضرة القيّمة لباحث كبير له العديد من الإسهامات الوازنة مؤلفات، ومحاضرات ، ومناظرات …ونرجو أن يستفيد منها القراء العرب خصوصا طلبة العلم من أجل تحقيق الغاية السامية من القراءة التي أمر بها الله تعالى في محكم التنزيل . وشكر الله تعالى صنيع هذا المحاضر ، وأثابه عنه خير الثواب .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *