Home»Islam»حديث الجمعة : – وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا –

حديث الجمعة : – وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا –

0
Shares
PinterestGoogle+
 

حديث الجمعة : (( وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ))

محمد شركي

المسجد في دين الإسلام مكان مخصص لإقامة الركن الثاني من أركانه ، وهو الصلاة التي فرضها الله عز وجل خمس مرات في اليوم بكيفية معلومة أوحى بها إلى رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين أعرج به إلى السماء .

والمسجد اسم مكان من فعل سجد يسجد سجودا وهو لغة الخضوع ، واصطلاحا هو فرض من فرائض عبادة الصلاة وهوعبارة عن هيئة يكون عليها المصلي منحنيا واضعا جبهته وأنفه على الأرض ورأسه بين كفيه وهو يفترش صدور قدميه وركبتيه. ومع أن عبادة الصلاة لها فرائض أخرى فإنه اشتق من السجود اسم المكان الذي تقام فيه هذه العبادة وهو المسجد، وفي ذلك تعظيم وتشريف للهيئة التي يكون عليها المصلي والدالة على منتهى الخضوع لخالقه سبحانه وتعالى  ، وقد روى أبو هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  » أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء «  ، وفي هذا الحديث النبوي الشريف ما يدل على أن الله عز وجل  قد رفع من قدر السجود  بقربه سبحانه من عبده الساجد له، وهو بذلك في حالة منتهى الخضوع له ، ولهذا سمى سبحانه وتعالى المكان المخصوص بهذه الحالة مسجدا ونسبه لذاته جل في علاه ، فقال في محكم التنزيل : (( وأن المساجد لله ))، كما سماه أيضا  بيته فقال: ((  في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه )). ولقد اشترط سبحانه وتعالى أن يؤسس على التقوى مصداقا لقوله تعالى : (( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا والله يحب المطهرين ))، وهذا حكم الله عز وجل في كل مسجد لم يؤسس على التقوى في كل زمان وفي كل مكان إلى قيام الساعة . ويترتب عن ذلك أن تكون تقوى الله عز وجل هي القصد من وراء عمارة المساجد وإلا كان السعي إليها دون هذا القصد باطلا كما يؤكد ذلك قوله تعالى : ((  ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )) ،وهذا يدل على أنه ليس من شأن كافر بالله أن يعمر مساجده ،لأن المساجد إنما تعمر لعبادته سبحانه وتعالى عبادة مقترنة بإيمان به .

ويعتبر الساعي في خراب المساجد والمانع ذكر الله عز وجل فيها من أشد  الناس ظلما  مهما كان نوع الخراب  الذي يحدثه فيها أو نوع المنع  أو حجمهما  سواء كانا ماديين أم كانا معنويين مصداقا لقوله تعالى : (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم )).

وقد يقع كثير من الناس تحت طائلة هذا التهديد الإلهي بسبب ما يلحقونه ببيوت الله عز وجل من ضرر مادي أو معنوي سواء  كان ذلك عن جهل  منهم بما يفعلون أو عن سوء نية وقصد ، فالذين يتلفون ما فيها  من مرافق وتجهيزات يسعون في خرابها ، والذين يعبرون عن امتعاضهم من بنائها ، ويفضلون عوضا عن ذلك بناء غيرها بذرائع واهية لهم نفس السعي ، والذين يؤذون عمّارها بأيديهم من خلال السطو على أحذيتهم ونعالهم وأمتعتهم  أو بألسنتهم لهم أيضا نفس السعي ، والذين لا يتصرفون فيها بما يوجب الشرع  من سكينة وطمأنينة ، ويأتون فيها من الأفعال والأقوال ما ليس له علاقة بذكر الله عز وجل لا يختلف سعيهم  في خرابها عن سعي غيرهم .

ويرتبط المؤمنون عاطفيا ببيوت الله عز وجل بحيث يسعون إليها من أجل ذكر الله عز وجل بلهف وشوق ، وهي عندهم أفضل من بيوتهم التي تؤويهم تعظيما لشأنها عند خالقهم سبحانه وتعالى وقد أثنى على عباده الذين يقصدونها لذكره ولا تلهيهم عنها تجارة أو بيع أو غير ذلك ، فقال سبحانه وتعالى : (( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار )) , ولقد جمع الله تعالى في قوله هذا بين الذكر والصلاة كما جمع بينهما في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون )) ،ويشمل الذكر ما يتلى من كتاب الله عز وجل سواء أثناء الصلاة أو قبلها كما هو الشأن بالنسبة لخطبة الجمعة أو ما يقدم في بيوت الله عز وجل من وعظ أو علم أو ما يتلى من كتابه في غير الصلاة أو مطلق الذكر من تسبيحه وحمده والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم .  وهنا لا بد من تنبيه من يظن أن الذكر وحده هو الصلاة فقط دون غيرها مما يدخل تحت معنى الذكر خصوصا الذين يتعمدون التأخر عن حضور خطب الجمعة  على سبيل المثال ،ولا يحضرون إلا الصلاة وهم يتذرعون بذرائع واهية لتبرير تخلفهم عن سماعها .

ولقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تتعلق قلوبهم ببيوت الله عز وجل بأجر عظيم في حديثه المشهور الذي قال فيه :  » سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه  » . ولقد حاز من يتعلق قلبه بالمساجد المرتبة الثالثة بعد مرتبة الإمام العادل ومرتبة الشاب الناشىء في عبادة الله عز وجل ،الشيء الذي يدل على قيمة هذا التعلق عند الله سبحانه وتعالى ، وهذا التعلق تدل عليه المواظبة على الصلوات الخمس في أوقاتها وزيادة من أجل التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل، وتلاوة وسماع القرآن الكريم ،وطلب العلم ، والتسبيح، والحمد، والثناء عليه سبحانه وتعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا التعلق هو من حب الله عز وجل، ومن حب رسوله صلى الله عليه وسلم . والدليل على حصول هذا التعلق هو التشوق إلى بيوت الله عز وجل والشعور بالراحة التامة فيها بل الشعور بمنتهى السعادة فيها .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو الخبر السار بفتح أبواب  بيوت الله عز وجل بعد إغلاقها بسبب الجائحة التي نسأل الله عز وجل أن يحفظ جميع الناس منها . ولقد ازداد شوق الناس إلى بيوت الله عز وجل ، وظلوا يسألون عن موعد فتحها ،وما ذلك  إلا لتعلق قلوبهم بها . ولقد ظل المؤمنون طيلة فترة إغلاقها يسمعون الأذان يرفع فيها  وعيونهم تدمع، وفي قلوبهم  شوق إلى ارتيادها ،وحسرة بسبب تعذر صلاتهم فيها. ولقد عرف قدرها وقيمتها  من لم يكن يعرف ذلك من قبل ، وكان لله عز وجل حكمة في ذلك حيث عرف الناس قيمة نعمة المساجد، وهي نعمة كبرى ، وعرفوا ما تستوجبه من شكر يكون عن طريق عمارتها أكثر من ذي قبل.

ومع العودة إليها إن شاء الله تعالى لا بد من رعاية ما أوجب الله عز وجل لها من تعظيم وتقديس خصوصا وأن الجائحة لا زالت  تهدد الناس في كل أماكن تجمعهم، لهذا لا بد من التزام ما يمنع انتشارها في بيوت الله عز وجل ، وذلك من خلال الأخذ بالنصائح المقدمة من طرف أهل العلم والخبرة حتى لا يقع عمارها فيما نهى عنه الله عز وجل من سعي في خرابها أو منع لذكره فيها ، ذلك أن كل من سيتسبب لا قدر الله  في نشر الوباء فيها عن عمد أو دون قصد، سيكون سببا في إغلاقها مرة أخرى و في تعطيل الصلاة  والذكر فيها .

اللهم إنا نحمدك، و نثني عليك حمدا وثناء ترضاهما على نعمة المساجد، وعلى كل نعمة أنعمتها علينا، ولم نعرف قدرها . اللهم لك الحمد حتى  ترضى وإذا رضيت وبعد الرضا . اللهم احفظ بيوتك ومن يرتادها من  الجائحة ، واجعلها كما كانت دائما بفضلك ملاذا آمنا مطمئنة فيها قلوب عبادك . وتقبل اللهم  فيها صلاتنا بمزيد من الأجر والتواب ، وعوضنا ما فاتنا منهما، فإنك جواد كريم تعطي الأجر الكثير على السعي القليل .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.