Home»National»محمد بوجمعة: تاريخ وذاكرة

محمد بوجمعة: تاريخ وذاكرة

1
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي / وجدة سيتي
كنا صغارا حينها، وكانت البراءة والعفوية هما من وضعا جذورا، ومنحا مصداقية لهذا التاريخ، ولذا اصطبغت ذاكرة هذا التاريخ بصبغة الحنين والشوق للعودة إلى أيام قلت عنها يوما:  » أنا على استعداد أن أضحي بكل شيء أملكه مقابل أن تعود تلكم الأيام الخالدة ».
شارع محمد بوجمعة، أحد أهم شوارع حي المحلة، لمجموعة اعتبارات، أحد أهم هذه الاعتبارات البعد الاجتماعي الذي كان حاضرا بكل قوة كإسمنت يربط جميع الأسر كما يربط الأشخاص.
إن من أهم معالم هذا البعد الاجتماعي الذي ينقرض حاليا في الأحياء، هو وجود فران الحومة، وما أدراك ما فران الحومة، « فران الضو »، كما اصطلح عليه، ولم نكن ندري لماذا سمي كذلك، رغم أنه كان يشتغل بالحطب؟ ربما لاقتناء « السيد الفجيجي » لآلات حديثة كانت تصنع « الباكيط » كانت تلك الآلات تثيرنا كثيرا، وربما كانت بمثابة دخول الآلة البخارية في القرن الثامن عشر التي شكلت البداية لتلاشي كل عتيق، حيث ستبدأ مرحلة تلاشي « خبز الكيلو » الذي كان ثمنه هو 11 سنتيم سيد الخبز وملكه.
أما في رمضان فكان يلعب الفران دورا خالدا، حيث من المستحيل لكل الذين عاشوا تلكم الأجواء، أن ينسوا ما عاشوه بقلوب مفعمة فرحا وسرورا، مما منح الشهر الفضيل بعده الاجتماعي الذي يميزه، فأواني الأليمنيوم الكبيرة « الصناوات » كانت هي بطلة العشر الأواخر في هذا الشهر، فلا يوجد فران إلا وله خزان منها قد يصل إلى مئات لكونها الآلية الأهم في تقديم خدمات المرحلة،
« الكعك المخمر » ربما هو مصطلح جديد لا يعرفه جيل التكنولوجيا والويفي، كما لا يعرفون بأنه كي يتم تخميره لابد من أن يحتل كل البيوت إذ يصطف فوق الإزارات البيضاء، ولذلك كان يحتاج إلى تدخلات ضرورية من الجيران لتنفيذ المهمة كما ينبغي. لم يكن « الكعك المخمر » مجرد حلوى عادية، تحتاج إلى ليلة كاملة كي تختمر، بل كانت حلوى تصنع في سياقات فنية باهرة منها تحويله إلى سلحفاة أو هاتف، وهذه الأشكال الفنية تجد إقبالا كبيرا من طرفنا نحن الأطفال.
كما شكلت الساحة التي تتوسط منزل الفرنسي موسيو مولينا ودكان عمي ولد سعيد رحمه الله ودار الزروقي والجدار الأبيض لمكتب التنقل » bureau de déplacement  » الذي كان يقف بمحاذاته عمود كهربائي خشبي كان عبارة عن القائم العمودي الأيسر للمرمى وفي مقابله وضعت صخرة هي جزء من قطعة الرصيف، كما شكل ملعب « الفرماجة » والذي كان مثلثا تماما كقطعة الجبن، ملاعب للقرب قبل أن تولد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فملعب الفرماجة كان يتم التناوب فيه بفرق صغيرة متتالية على أساس أن الفريق الذي انتصر بهدفين يستمر في استقبال الفرق الأخرى، إلى أن ينهزم هو الآخر. كما كانت هذه « الفرماجة » أرضية صالحة للعب « بلنكا » و »الزغين » حيث تكسر الدوامات على الدوام، في مقصلة هي عبارة عن مفترق فاصل بين رصيفين، الكل كان يضرب في نفس المكان رغبة في كسر دوامة الخاسر.
إن ساحة مولينا وعمي ولد سعيد لازالت تشهد على مقابلات نهارية وليلية حامية الوطيس، ولكن كانت كل مقابلة تلعب بحيطة وحذر على اعتبار أن أي كرة كانت تصل إلى دكان عمي ولد سعيد كانت تحفر قبرها بيديها معلنة عن نهايتها ونهاية المقابلة معا. ربما كنا نعتبر عمي ولد سعيد، حينها ظالما لقصر نظرنا ولصغر أعمارنا، ولكن لم ندرك بأن كتلا رملية وأطنانا من الغبار كنا نعمل على إدخالها يوميا إلى دكانه غفر الله لنا.
غالبا ما كان لون تلك الكرة أخضر تم الحصول عليها عن طريق التعاون على جمع ثلاثة دراهم ونصف وقد زركشت بمربعات تمويهية تحاكي الكرة الحقيقية التي تستعمل في المقابلات الرسمية.
ومن الأماكن الهامة التي لعبت دورها الاجتماعي، وضخت دماء جديدة في ربط العلاقات الأخوية بين أبناء الحي مكانان مثاليان، فأما الأول فهو عبارة عن نوافذ عجيبة شكلت على شكل منحدر مصنوع من الموزاييك وبينهما باب أخضر خشبي هو الآخر كان ملعبا خاصا تدار فيه مقابلات ثنائية لا مثيل لها تستعمل فيها كرة صغيرة تقذف بالرأس، إن هذين النافذتين كانتا عبارة عن أماكن جلوس رفيعة ومتميزة فمن لم يحضر في الوقت لن يجد مكانا يمكنه من رؤية استراتيجية تخول له الاطلاع على لعبة « سب سبوت اللي طاح يموت » التي تلعب في الجدار المقابل، ولا يمكنه من تتبع لعبة « كاما » أو « تحفرين »، وغالبا ما كانت تلكم النوافذ هي محطة الانطلاق والعودة ل »دينيفري ».
أما المركز الثاني فهو عبارة عن باب كبير كان يملكه أستاذ التربية الإسلامية سي عجاجة رحمه الله، وهو باب مقابل تماما لمحلبة سي عبد القادر برمضان رحمه الله، فكان الدور الذي لعبه هذا الباب هو أنه كان يستعمل كمرمى لضربات الجزاء، وكم مر من هنا رياضيون كبار بعضهم دخل غمار التدريب كالمدرب المقتدر فوزي جمال، والذي سبق له أن درب فريق الخميسات وفريق الكوكب المراكشي وغيرهما، ونور الدين البالي مدرب المولودية الوجدية لكرة اليد.
أما عن تلكم الأشجار الباسقات التي اصطفت فوق الرصيف الأيمن للدرب، فهي الأخرى قد تم استغلالها في لعبة لا يعلمها الجيل الجديد وهي لعبة الكنز، حيث ينقسم الفريقان فالفريق الأول يخفي شيئا متفقا عليه وغالبا ما يكون ورقة صغيرة قد كتب عليها « الكنز » داخل لحاف الشجرة ويضع أسهما تؤشر على مكانه، من الأسفل في اتجاه الأعلى، ولكن رغم ذلك ليس من السهل العثور على الكنز في حالة تم إخفاؤه بذكاء حاد.
أما الأرصفة، ومنها الرصيف الأيمن تحديدا، ونظرا لاتساعه، كان عبارة عن مسرح كبير تنفذ فيه العديد من العمليات والألعاب كلعبة السدادة التي تقذف وسط المنعرج الذي يشبه الثعبان ذا الرأس التي تعد محطة القدوم والانتصار. ولعبة « الباط » الصغرى ذات الخمس حجرات، و »الباط » الكبرى ذات العشرين حجرا…
يتبع

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.