Home»Correspondants»البعد الإنساني للإسلام

البعد الإنساني للإسلام

1
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
إن المجتمع النبوي كان ولا يزال يمثل الأنموذج الأعلى على مستوى  العمل الاجتماعي في المجتمع المشترك بين المسلمين وغيرهم، حيث حصن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرضية الصالحة التي ينمو فيها هذا العمل حتى تتسع آفاقه ويعم الخير  المسلمين  وغيرهم من خلال مجموعة من القوانين التي لايزال المسلم مطالبا بالعمل بها لحد الآن، منها قوله صلى الله عليه وسلم:  » من عادى لي ذميا كنت خصيمه يوم القيامة » وفي هذا وعيد شديد في حالة الإساءة أو الاعتداء على غير المسلمين الذين لهم حقوق وواجبات وهم يعيشون وسط المسلمين.
أما التطبيق الحضاري لسماحة الإسلام فى معاملة غير المسلمين فصوره المشرفة كثيرة، منها: عدم إكراههم على ترك دينهم فيتركون وما يدينون ولا يكرهون على الدخول فى الإسلام، وإن كان ولابد من دعوتهم فيجب أن تكون هذه الدعوة  بالحكمة والرحمة ودون إكراه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع يهود نجران، ومنها: عدم إيذائهم فلا يجوز لأحد من الناس أن يؤذيهم أو يضيق عليهم، والإحسان إليهم والبر بهم، حيث ينعم غير المسلمين من أهل هذه البلاد بحسن الجوار وشتى صور الإحسان والتسامح فى المعاملة، وتدليلا على ذلك سنقدم بعض النماذج التي تظهر بوضوح عدم تمييز المسلمين في تعاملهم أو أعمالهم الاجتماعية والخيرية بين إخوانهم المسلمين وغيرهم من أبناء الملل الأخرى منها:

المجتمع الأوربي
ففي شمال إيطاليا، وبالضبط، بمدينة فاريزة يقوم المسلمون بأعمال تطوعية اجتماعية مهمة ولا يقوم بها غيرهم، من أهمها جرف الثلوج من أمام الأماكن العامة، والقيام بحملات تبرعية مجانية للدم وتزويد مستشفيات إيطاليا بها، حسب التصريح الذي أدلى به المتحدث الرسمي باسم الجالية المسلمة بإيطاليا السيد خورجو ستابيليني (مجلة مفكرة الإسلام،العدد 7، أبريل 2012، ص 6 )
إن جعل عملية التصدق بالدم من طرف المسلمين على غير المسلمين بإيطاليا تعد عملية لا يستوعبها الإنسان الغربي، ربما لثقافة البعض العنصرية تجاه الآخر من جهة، ومن جهة ثانية لغياب المنطق الإنساني الذي يجعل الخلق كلهم عيال الله، وبالتالي غياب البعد الخيري واحتساب الأجر عند الله من خلال الإسهام في إنقاذ نفس حتى ولو كانت هذه النفس تدين بدين آخر ولها معتقد يختلف جذريا عن معتقدنا.
ودائما في نفس البلد، أي إيطاليا، نجحت الجمعيات النسوية المسلمة في التنسيق مع الشرطة الإيطالية في معالجة مشاكل الأسر العربية المسلمة التي كانت تؤرق السلطات الإيطالية، وبعدما رأى المسؤولون الإيطاليون نجاح هذه الجمعيات في استقرار الأسر المسلمة واستثباب الأمن بها، طالبت السلطات من هذه الجمعيات عقد شراكة جديدة على أساس أن تقوم هذه الجمعيات بنفس العمل مع الأسر الإيطالية التي تعرف هي الأخرى صراعات عنيفة ومريرة. وبالفعل تم قبول الدعوة فساهمت الجمعيات المسلمة العربية في معالجة العديد من الاختلالات التي كانت تعيشها الأسر الإيطالية.
إن مثل هذا العمل التطوعي الاجتماعي الذي يقوم به المسلمون هو أحد أسباب ثلاثة دفعت بالمفكر والدبلوماسي الألماني مراد هوفمان إلى اعتناق الإسلام, حيث يقول هو نفسه في كتابه  » الطريق إلى مكة »:  » حين تعرضت زوجتي للإجهاض تحت تأثير أحداث حرب التحرير بالجزائر، لقد بدأت تنزف عند منتصف الليل ولم يكن باستطاعة سيارة الإسعاف أن تحضر.. إلى أن يقول بعدما اقتنى سيارة أجرة سائقها جزائري مسلم:  » وكانت زوجتي تعتقد في تلك الأثناء أنها ستفقد وعيها، ولذلك، وتحسبا للطوارئ راحت تخبرني أن فصيلة دمها (o) سالب. وكان السائق الجزائري يسمع حديثها فعرض أن يتبرع لها ببعض  من دمه الذي هو من نفس فصيلة دمها » ويقول الدكتور هوفمان معقبا:  » وها هو العربي المسلم يتبرع بدمه، في أثون الحرب، لينقذ أجنبية على غير دينه » (الطريق إلى مكة، مراد هوفمان، الطبعة الأولى، دار الشروق، ص 33)
إن استغراب السيد هوفمان من فعل هذا المسلم ناتج عن مقاربة بين ما يمكن أن يفعله المسلم ويقدمه للآخر في إطار إنساني لا دخل للدين والعرق فيه، وبين ما هو عليه الإنسان الغربي من أنانية وتفكك المجتمع، فالإنسان الغربي لا يعرف شيئا اسمه الصدقة أو تقديم مساعدات للآخر داخل مجتمعه بله أن يقدم شيئا للآخر الذي لا تربطه به أية صلة كيفما كانت هذه الصلة.
ويحكي الدكتور العربي كشاط، عميد مسجد الدعوة بباريس، قائلا:  » في جهة من الجهات أراد بعض المسلمين شراء أرض لتحويلها إلى مسجد، فاحتج أهل الحي رافضين بناء مسجد بالقرب من حيهم، وكانت سيدة فرنسية هي من تتزعم هذه المعارضة، وفي يوم من الأيام التقى بها أحد المسلمين أصحاب فكرة بناء المسجد، وهي حزينة، فقال لها: » صباح الخير سيدتي، ما بك حزينة؟ » فأخبرته بأن كلبها مريض، فأخبرها هذا المسلم بأن الأمر بسيط وباستطاعته علاجه لأنه طبيب بيطري، وفعلا عالجه وكتب الله له الشفاء، فانبهرت السيدة بهذا السلوك وكيف لهذا المسلم الذي كانت تظن أنه فظ وغليظ وإذا به يقدم لها يد المساعدة ويقوم بعلاج كلبها، فكانت النتيجة غير المتوقعة أن دافعت هذه السيدة عن هؤلاء المسلمين للسماح لهم ببناء المسجد »  ( قناة الرسالة، برنامج كلمات مضيئة  » منظومة القيم الحلقة 2″ ، بتاريخ 2 شتنبر 2012)

المجتمع المصري
إن المجتمع المصري يعتبر أشهر مجتمع يجتمع ويتعايش فيه المسلمون والأقباط، وقد اطمأن الأقباط على دينهم وأنفسهم وأبنائهم وأموالهم بعد الفتح الإسلامي بعدما كانوا مضطهدين من طرف البيزنطيين، وشيدوا الكنائس ووجدوا حرية لم ينعموا بها من قبل، وتعايشوا مع المسلمين كمواطنين موحدين اجتماعيا في بلد واحد.
وقد تعرض الأقباط في مصر قبل الفتح الإسلامي لاضطهادٍ قاسٍ على أيدي البيزنطيين، ومن ثَمَّ رأوا في القوة الإسلامية الداخلة الأمل بالخلاص مما هم فيه، فساندوها، ورحبوا بدخول المسلمين أرض مصر،.
وشكلت انتصارات المسلمين وإخضاعهم البلاد نصرًا دينيًّا للأقباط، حيث غادر البلاد عدد كبير من البيزنطيين، ولما استقرت الأوضاع، وكانت أخبار العهدة العمرية الخاصة ببيت المقدس قد تسربت إلى مصر، لقي الأقباط من الحكم الجديد ما شعروا معه بكثير من الحرية فكان من أثر الحرية الدينية والمعاملة السمحة أن أقبل كثير من الأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام والدخول فيه.
وإن الأعمال الاجتماعية التي يقوم بها المسلمون والتي لا يستثنون منها الأقباط كانت بلا شك أحد الدوافع المهمة التي جعلت التعايش سلسا في مصر، ونضرب على ذلك بعض الأمثلة، ولكن قبل ذلك لابد أن نؤكد من أن الأعمال الاجتماعية في العديد من البلدان العربية الإسلامية ومنها مصر، كان المجتمع المدني بما فيه الجمعيات الخيرية والاجتماعية  هي أكثر الجماعات والمنظمات قياما بالأعمال الاجتماعية لكونها جعلت هذا العمل جزءا من هيكلتها حيث جعلت له لجانا مختصة ووثائق تنظمه وترعاه، كما حرصت على تتبعه بالتقييم والتقويم من أجل التطوير. وفي مصر كانت الجمعيات التابعة لحركة الإخوان المسلمين  الأكثر نشاطا على المستوى الاجتماعي حيث سجل لها المؤرخون والباحثون عربا وأجانب أنشطة كثيفة لم تجعلها مقتصرة على المسلمين فقط بل شملت جميع المصريين المعوزين مسلمين وأقباط ولم تعر اللجان الاجتماعية أي اعتبار للدين أو التوجه العقدي للمعوزين المصريين المستهدفين بهذه الأنشطة الاجتماعية.

في كتابه « مصر تبحث عن هويتها السياسية » يشير الباحث اليهودي الأمريكي ناداف سافران إلى موقف الإخوان المسلمين من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بمصر في الثلاثينيات، ويتحدث عن دورهم في معالجة الأزمة من خلال تقديمهم برنامجا اجتماعيا للتكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء على قاعدة مفهوم وحدة الأمة ومسئولياتها الجماعية عن أحوال أفرادها ( الإخوان المسلمون في كتابات الغربيين،المكتبة الوطنية، الطبعة الأولى، 1994، محمود علي زياد أبو غنيمة،ص 10)
طرح الأستاذ كامل الشافعي وجهةَ نظر سديدة تطوِر من إستراتيجية أعمال البرِ والخدمة الاجتماعية، وتحول وجهتها من أعمال البر والإحسان فقط إلى وجهة التأهيل المهني للمحتاجين، وفتح أبواب العمل والإنتاج لهم فيقول: « لا يخفى أن موائد إطعام الفقراء وكسائهم وغير ذلك يشجع على البطالة والتسول ويدفع إلى الكسل؛ لأن المعروف أن مضغ الطعام المعد أسهل من جلبه بعرق الجبين والكد في إعداده (مجلة المباحث ،عدد 27 سنة 1950، ص5)

ويستمر قائلا: « وإذن فلتتألف الجمعيات الخيرية وليكن هدفها أن تغيِر طرق البر القديمة وتسير في سبيل التصنيع ولا تكن حفلات الإطعام وغيرها إلا لمن أصابته الدنيا بعاهة أعجزته عن الكسب » )المرجع السابق،ص6)

ولم تكن هذه الوجهة بعيدة عن تفكير الإخوان المسلمين؛ فقد انتبهوا إليها، وكانت لهم فيها تجارب ناجحة موفقة، فأنشؤوا من المصانع والمشاريع الصغيرة  التي من خلالها تم تحويل العمل الاجتماعي من العطاء المجاني السهل إلى تسيير العمل والمبادرة وبذل الجهد من طرف الفقراء ليكسبوا لقمة العيش بشرف وعرق جبين.
تجربة جمعية العون المباشر(الكويت)
تعتبر جمعية الغوث المباشر من أشهر الجمعيات في العالم العربي والإسلامي التي تستهدف المسلمين وغيرهم في إفريقيا من خلال أعمالها الاجتماعية والخيرية، والتي أدت إلى اعتناق الإسلام من طرف إحدى عشر مليونا مسيحيا  في إفريقيا.
وقد عرفت تطورا كبيرا عبر سنوات منذ تأسيسها في عام 1981، كما عرف اسمها، هو الآخر، تطورا متجانسا مع تطور الفعل الخيري والأعمال الاجتماعية التي تقوم بها الجمعية، فكان اسمها أثناء تأسيسها  » لجنة مسلمي ملاوي » وقد انطلقت كمؤسسة تطوعية غير حكومية تهتم بالتنمية في ملاوي فقط، إلا أن الحاجة، كما قال الدكتور عبد الرحمان السميط في إحدى حواراته، كانت في ملاوي وغيرها، فتم في عام 1984 تغيير الاسم إلى لجنة مسلمي إفريقيا، وبمرور الوقت أعدنا التفكير في الاسم إذ أن برامجنا التنموية ومساعداتنا وصلت للمسلم وغير المسلم، فاخترنا اسم « جمعية العون المباشر » وكان ذلك عام 1999.
ومن أهم ما اهتمت به هو التعليم على اعتبار أن التعليم يعد أهم نقطة في مسار التنمية والتطور. وتطور عملها إلى أن وصل إلى مستوى بناء المستشفيات والملاجئ والمدارس والمساجد و توسع عملها حتى أصبح لها آلاف الفروع في كل أنحاء إفريقيا.
إن العمل الاجتماعي عندما يستهدف غير المسلمين ليس الهدف منه دعوتهم إلى الإسلام، بل إن المنظور الإنساني يحتم على كل مسلم أن يكون في عون بني البشر دون أن يربط ذلك بالدعوة إلى الإسلام، ولهذا نجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قدم معروفا لسيدة مسيحية ودعاها إلى الإسلام ندم ندما شديدا ولام نفسه أيما لوم.
وهذه المعاني الإسلامية والمفاهيم الحضارية في العمل الاجتماعي والخيري، يجب أن يعيها كل مسلم متغرب في باقي أنحاء العالم، وكلما استطاع أن يقدم يد العون فليفعل، وكلما سنحت له الفرصة ليكون جزءا من المجتمع المدني الغربي الذي يحمي البيئة وينظف الشوارع، ويتبرع بدمه وأعضائه لصالح هؤلاء رغم اختلاف دينهم ومعتقدهم فلا يتأخر في ذلك لأنه يعبر عن البعد الإنساني للإسلام وأنه دين الخير والحب والتسامح

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *