Home»Enseignement»سؤال تعدد المنهج في الدرس المدرسي الابتدائي ( اللغة العربية أنموذجا )

سؤال تعدد المنهج في الدرس المدرسي الابتدائي ( اللغة العربية أنموذجا )

0
Shares
PinterestGoogle+

سؤال تعدد المنهج في الدرس المدرسي الابتدائي

( وحدة اللغة العربية أنموذجا )

عبد العزيز قريش

            يشكل المنهج مدخلا مركزيا في الدرس المدرسي الابتدائي، ودرسا افتتاحيا في أي تكوين مهني تربوي. فهو وسيلة ووسيط وهدف استراتيجي في أي منظومة تربوية أو تكوينية لأهميته في تبيان سبيل بناء المعرفة والقيم والكفايات، وتحصيل الغايات والأهداف من الفعل التربوي والتكويني فضلا عن سترجة تفكير المتعلم نحو مسلكياته الخاصة والعامة، وتسهيل مهام الممارس البيداغوجي، وعقلنة وترشيد الفعل التربوي والتكويني بخطوات منهجية تفضي إلى تحقيق دور ووظيفة المؤسسة التعليمية في المجتمع المدرسي والمجتمع العام. ومن مدخل الأدبيات التربوية والتكوينية تدريس مفهوم المنهج وأسسه وخطواته ومقولاته النظرية ومسلكياته العملية؛ وكل متعلقاته النظرية والعملية بما فيه مفردة فلسفته. وحيث أن هذه الأبجديات المعرفية محصلة بالضرورة المهنية لدى الممارس البيداغوجي، فإن الورقة الحالية لن تقارب ذلك داعية إلى الاطلاع على أبجديات المنهج بمفهومه الديداكتيكي  »  didactique » لا بمفهومه المنهاجي  » curriculum « ؛ وإن كان بينهما عموم وخصوص وضمنية، ويربطهما في أصلهما الجذر اللغوي والمدخل المعجمي، ويتقطعان في بعض المعاني النووية. فهي ستطرح إشكالية ما فتئ الممارس البيداغوجي يعاني منها في ظل تدريس اللغة العربية بكل مكوناتها المقررة. فهي إشكالية تحد من انفتاح الدرس اللغوي على مجموعة من المنهجيات التعليمية والتدريسية غير تلك التي مقررة في الكتاب المدرسي، المتوارثة منذ أجيال ومنذ عدة إصلاحات حتى أصبحت قدرا مقدرا على منظومتنا، ففي غالبها تعتمد على الاستقراء مرتكزا أساسيا في منهجيتها مع تلون في صبغة خطواته بين إصلاح وآخر، وارتكاز على النظرية الموسوعية مهما ابتعدت عنها ديباجات الكتب المدرسية، تبقى في صلبها ولبها! فالمتوارث من المنهج الواحد في مقاربة النص القرائي أو التراكيب أو الصرف والتحويل أو الإملاء أو التعبير الشفهي أو التعبير الكتابي او الشكل أو التطبيقات أو أي مسمى لغوي مقرر؛ يحد من شساعة فضاء تعلم المتعلم المنهجيات والاستراتيجيات التفكيرية والأدائية، كما يحاصر أفق تفكيره ويضيقه بمنهج واحد يكاد يكون وحيدا ما بين دفتي الكتاب المدرسي، ولا يسمح له بالتفكير والرؤية بمنهج مختلف عما تعلمه في الحجرة الدراسية. ويبقيه حبيس نوع معين من مناهج التفكير  » الاستقراء « ، مما يؤدي إلى قولبة تفكيره وخندقته في بوتقة واحدة. يشكل الخروج عنها منهجيا ـ بالنسبة للمتعلم ـ مخاطرة ومجازفة قد تؤدي إلى فشله وإحباطه، فيتجنب ذلك لاعتياده على التفكير بمسلك واحد معين. ولعل ما يقع للمتعلم حين مجابهته بوضعيات تقويمية مركبة أو مختلفة عما تعلمه أو درسه؛ تلمس في إجابته أو مقاربته اضطرابا وتشوشا وتخبطا واضحا على مستوى المنهج وربما على مستوى المضمون. ورقته لا تتضمن منهجا معينا ومسلكا ديداكتيكيا واضحا، وإنما في أحسن الأحوال خطوات مسلكية إجرائية لا يربطها خيط ناظم أو مقولة نظرية معينة أو إطار منهجي محدد. لذا وجب على المنظومة التربوية والتكوينية أن تفكر في مناهج جديدة ومتجددة، تساهم في تمكين المتعلم من أكثر من استراتيجية ومنهجية تساعده على التفكير بمنطق ورؤية واضحة شفافة ومختلفة. فطبيعة الأشياء الاختلاف لكي تعرف، وقديما قيل:  » تعرف الأشياء بأضدادها « .

            من هذا المنطلق الإشكالي؛ وجب التفكير مؤسساتيا في رفد المنهاج الدراسي وكتبه المدرسية بانفتاح واع ومضبوط ومنضبط لقواعد المعرفة العلمية بالمنهج على مجموعة من المنهجيات التي يمكنها إغناء الفعل التعليمي المدرسي، وإغناء تفكير المتعلم، وبناء كفايات المنهج لديه، ما سيخلق منه متعلما واعيا ومتمكنا من أدواته ومعرفته ومسلكياته وإجرائياته، يدري وببصيرة المنطلق والمنتهى والسيرورة، ويعي الفعل كمعرفة ثم كفعل وممارسة. فترتفع معاناة التدريس والتعلم عند الممارس البيداغوجي والمتعلم على حد سواء نظرا لما يجده كل منهما من تعدد منهجي، يسمح له بانتقاء الأفضل لديه والمناسب لمهامه. فحاليا؛ وبحكم المراقبة التربوية التي يفرضها الفكر المؤسساتي ، وخصوصا منه الفكر الإداري ـ على الممارس البيداغوجي في اتباع وتطبيق محتوى الكتاب المدرسي مضمونا ونهجا. تنحصر المنهجيات في منهجية واحدة مفروضة بحكم القرار السياسي والإداري بالدرجة الأولى. وأما التربوي فهو تابع بالنتيجة لهما، إما منفذا ومطبقا وممارسا في الميدان أو مراقبا ومشرفا على تنفيذ ما قرر مؤسساتيا. وهو في زاوية معينة من الرؤية لا يمكن تحميل المسؤولية له على الرسميات لعدم استقلال القرار التربوي عن القرار السياسي والإداري. لكنه؛ وبانفتاحنا على الأدبيات التربوية يمكن تحميله المسؤولية بسنبة معينة في انحصار ذاته في المنهج الواحد نتيجة عدم توظيفه، بل استغلاله لهامش الحرية الذي يتركه له الكتاب المدرسي بحكم كونه مرجعا للاستئناس عندما يكون البديل متاحا. فهذا الهامش قائم في الأدبيات المؤسساتية الرسمية، وهو ما يفتح الأمل للممارس البيداغوجي في الانعتاق من سلطة الكتاب المدرسي في أكثر من حين. وفي هذا من ناحية مضمرة ومستترة أو قل المعنى العميق للهامش هو مساءلة الممارس البيداغوجي عن مدى كفاءته في تطوير الفعل التعليمي! فالفرصة يتيحها له مع مساءلته عما هو فاعل بها. وهنا أجد هذه الفرصة إحدى بوابات ولوج مجال البحث العلمي في المنظومة التربوية والتكوينية انطلاقا من أرضية الواقع لا أرضية الاحتمالات والتكهنات، فالتالي يجب على الممارس البيداغوجي التفكير عميقا في استغلال الفرص وتحويل الإكراهات إلى فرص متاحة، خاصة مع واقع مؤلم وهش للمنظومة التربوية والتكوينية التي مازالت تعانق مشاكل المعيش اليومي دون معانقتها مشاكل الوجود الإنساني في حاضره ومستقبله!. فهي ما تكاد تخرج من مطلب خبزي حتى تدخل في آخر أشد ضرورة وإلحاحا منه؟! فتزداد الأزمة تأزما بالتعاطي مع قضايا ومشاكل هامشية في أصل المنظومات التربوية والتكوينية المتقدمة، لأن أهل الحل والعقد المختصين بالتربية والتكوين تجاوزوها بتوفيرها وتحقيقها أساسا لإنجاح منظوماتهم التربوية والتكوينية الرائدة. فهم لا ينشغلون بقضايا هامشية وبسيطة وصغيرة؛ بل ينشغلون بقضايا مركزية وكبيرة ومعقدة من قبل التنمية البشرية والتقدم الحضاري والصناعي والتكنولوجي والمعلوماتي، والثقافة والقيم والسلوك الاجتماعي والمجتمعي ورفاهية المواطن وتطوره من كل مناحي شخصيته لأنها شرط أساسي في التنمية المجتمعية. فالإنسان المريض لا ينتج إلا مجتمعا مريضا والعكس صحيح، فالإنسان السليم لا ينتج إلا مجتمعا سليما سالما من الأمراض …

            تحت سقف هامش الحرية ولو كان ضيقا، وواقع المعيش اليومي التربوي، تطرح أسئلة جوهرية على المنظومة التربوية والتكوينية تتعلق بالتعدد المنهجي، من قبيل:

ـ ما قيمة انحصار المنهج في الدرس اللغوي العربي في المدرسة الابتدائية؟

ـ ما القيمة المضافة التي يقدمها للمتعلم على مستوى المعرفة المنهجية؟

ـ ما المبررات والمسوغات الموضوعية والعلمية الخاصة بالمتعلم التي تبيح انحصار المنهج في الدرس اللغوي العربي في المدرسة الابتدائية؟

ـ لماذا لا ينفتح الدرس اللغوي العربي في المدرسة الابتدائية على تعدد المنهجيات أو المناهج؟

ـ ألا يشكل تعدد المنهجيات والاستراتيجيات قيمة مضافة للتفكير عند المتعلم؟

ـ متى سينفتح الدرس اللغوي العربي في المدرسة الابتدائية على تعدد المنهجيات والاستراتيجيات؟

ـ ألا يمكن الاستفادة من التطورات الحاصلة في النظريات الفلسفية والمنهجية والأدبية في رفد الدرس اللغوي العربي في المدرسة الابتدائية بأكثر من منهج  » المنهج التاريخي، المنهج التجريبي، المنهج البنيوي، المنهج التفكيكي … « ؟

ـ ألا يستحق الممارس البيداغوجي هامشا أكبر في تقرير المنهج في التدريس والتعليم؟

ـ الا يمكن البحث إجرائيا في هذه الإشكالية في إطار الديداكتيك العام من حيث كونها مسألة ديداكتيك خاص؟

ـ ما المعطيات الواقعية والخصائص العامة للمتعلم المغربي التي تسمح أو تمنع تعدد المنهجيات والاستراتيجيات؟

            وهناك العديد من الأسئلة التي يمكنها فتح آفاق المنظومة التربوية والتكوينية على البحث العلمي، وتستجلب الحلول لمشاكلنا التربوية، التي تعوق سير وتطور منظومتنا التربوية والتكوينية، التي ستظل تعيش الأزمة ما لم نحقق لها الأساسيات والمنطلقات، ونزيحها عن الهامش إلى المركز، ونموقعها مدخل التنمية البشرية والحجرية، ونسائلها وقتئذ عن العائد التربوي على مستوى الفرد والمجتمع ككل. وأما؛ وهي تعيش الأزمات المتتالية، وتهدر طاقاتها وتفكيرها في القضايا الثانوية، فلن تجد الوقت للتصدي للأسئلة الصعبة التي تبني المجتمعات والدول والشعوب والأفراد والمؤسسات، تبني الإنسان ومستقبله.

            هذه الورقة مجرد إشارة إلى إشكالية تعيشها المنظومة التربوية والتكوينية بخصوص المنهج، حيث تتوجه إلى التفكير السياسي والإداري والتربوي بمجموع أسئلتها، ولا تقصد أحدا بعينه ولا بصفته، وإنما تفتح آفاق البحث العلمي في المنظومة التربوية والتكوينية لتستفز الهمم نحو التساؤل والبحث والحلول. ففي ذلك انعتاق الدرس اللغوي العربي في المدرسة الابتدائية من سطوة المنهج الواحد، ومن التقليد القاتل الذي يخنق الممارسة في الميدان.

عبد العزيز قريش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *